كشف الغمة 371- كتاب الحج والعمرة (18) باب: ما يتعلق بدخول المحرم مكة إلى الدفع إلى عرفة للوقوف

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  371- كتاب الحج والعمرة (18) باب: ما يتعلق بدخول المحرم مكة إلى الدفع إلى عرفة للوقوف

صباح السبت 24 جمادى الأولى1447هـ  

اقرأ: فوائد مكتوبة من الدرس

نقاط مهمة يتضمنها الدرس:

  • تفصيل حالات جواز دخول مكة بدون إحرام 
  •  دخول النبي مكة من ثنية كداء 
  •  مواطن رفع اليد للدعاء 
  •  رفع اليدين عند رؤية الكعبة وفي الصفا والمروة 
  • سنة الدعاء بعد رمي الجمرات 
  •  ما يقال عند رؤية الكعبة 
  • الطواف الذي يسن فيه الرمل 
  • من أدعية رؤية الكعبة، والدخول من باب بني شيبة 
  • ما هو الاضطباع في الطواف ومتى نرمل؟ 
  • موقف دخول النبي مكة وأصحابه 

نص الدرس المكتوب: 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)،  إلى أن قال :

 

باب ما يتعلق بدخول المحرم مكة إلى الدفع إلى عرفة للوقوف

"قال أنس -رضي الله عنه-: وكان رسول الله ﷺ يكره لمن دخل الحرم أن يدخله بغير نسك تعظيماً لله عز وجل، وكان رسول الله ﷺ يرخص في دخول مكة من غير إحرام لمن له عذر، وقد دخل ﷺ يوم فتح مكة من غير إحرام، وكان ﷺ يدخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء ويخرج من الثنية السفلى، وكان ﷺ إذا رأى البيت رفع يديه ويقول: "ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رؤي البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت" 

وكان ﷺ يقول إذا رأى البيت: "اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة وزد من شرفه وكرمه وحجه واعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة وبراً، اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، ثم يدخل المسجد ويبدأ بطواف القدوم"، وكان ﷺ يأمرهم إذا طافوا بالبيت الطواف الأول أن يخبوا ثلاثاً ويمشوا أربعاً، وكان ﷺ يسعى ببطن المُسيل إذا طاف الصفا والمروة. قال أنس -رضي الله عنه-: ولما دخل عليه الصلاة والسلام مكة معتمراً هو وأصحابه وطاف اضطبع برداء له أخضر فجعل رداءه تحت إبطه ثم قذفه على عاتقه الأيسر وفعل أصحابه كلهم كذلك، وقد بلغه أن المشركين قالوا لبعضهم: يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، فأمر النبي ﷺ أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ليرى قريشاً قوتهم فكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا عن قريش مشوا فإذا طلعوا عليهم رملوا فتقول قريش كأنهم الغزلان، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لم يمنعه ﷺ أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم، وقيل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: فيم الرمل الآن والكشف عن المناكب وقد أطاء الله الإسلام ونفى الكفر وأهله؟ فقال: ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله ﷺ".

 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته الغرّاء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأهل بيته الذين حُبُوا به طُهراً، وعلى أصحابه الذين رُفِعوا به قدراً، وعلى من تبعهم بإحسانٍ سراً وجهراً، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الراقين في المجد والشرف والفضل أعلى الذُّرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

يواصل الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- الأبواب المتعلقة بالحج والعمرة، فيذكر ما يتعلق بدخول الحرم ودخول المُحرِم إلى مكة إلى يوم عرفة أو يوم الثامن حيث يتوجه إلى مِنى، فيكون مبيته ليلة التاسع بمِنى أفضل، وصلاته كذلك؛ صلواته الخمس بمِنى أفضل من صلاتها في الحرم اتباعاً له صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

فيذكر -عليه رحمة الله- قول سيدنا أنس -رضوان الله عليه-: "وكان رسول الله ﷺ يكره لمن دخل الحرم أن يدخله بغير نسك -أي: بغير إحرامٍ بحج أو عمرة- تعظيماً لله عز وجل".

والكلام في الآفاقيِّين الذين يأتون إلى مكة ولا يتكرر دخولهم إلى مكة كثيراً:

  • فهؤلاء مال الأئمة الثلاثة إلى أنه: لا يجوز لهم أن يجاوزوا المواقيت ويدخلون إلى مكة إلا محرمين، إما بحج أو بعمرة.
  • وقال الشافعية: يُستحب له أن يحرم بحج أو عمرة؛ فيدخل محرماً على وجه الاستحباب.

 

فأما من كانوا داخل المواقيت، يعني: بين الميقات والحرم:

  • فتتكرر حاجتهم لدخول الحرم لعدد من الحوائج، فلا حرج عليهم أن يدخلوا ويخرجوا.
  • كذلك كالحطّابين والقصابين من أهل مكة ومن يتكرر دخولهم وخروجهم. 
  • وكذلك من خرج من الحرم إلى الحِلِّ داخل المواقيت ثم يرجع؛ فيدخل الحرم ايضاً بغير إحرام ولا حرج عليه. 

 

كذلك دخول الحرم لقتالٍ مباحٍ، أو خوف من ظالم، أو لحاجة متكررة، فلا يجب عليه أن يكون محرِماً. وقد دخل ﷺ في عام الفتح إلى مكة غير محرم لمكان القتال والجهاد.

 

فأما هذا الآفاقي ومن في حكمه ممن يمر على المواقيت وأراد دخول مكة لغير نسكٍ، كالزيارة أو التجارة أو أي شيء آخر

  • فالحنفية والمالكية والحنابلة يقولون: يجب عليه أن يحرم.
  • وقال الشافعية: يُستحب له أن يحرم فيدخل محرِماً. 
  • وهكذا يقول الحنفية: الآفاقي إذا أراد دخول الحرم بغير نسك لا يجوز له أن يتجاوز الميقات إلا محرِماً، وأوردوا حديثاً عند الطبراني: "لا تجاوزوا الموقت إلا بإحرام". 

 

فإذا جاوزها بغير إحرام:

  •  عليه شاة، إلا إن عاد فأحرم من الميقات سقط عنه الدم.
  • أما لو قصد موضع من الحِل ويمر على الميقات إلى موضع من الحِل -كما يريد جدة- فيحل له مجاوزة الميقات بلا إحرام، وإن حلّ وسكن بعد ذلك في جدة مثلاً، يلتحق بأهل هذا المكان، فإذا أراد دخول مكة يحرم من مكانه.

 

  • وكذلك المالكية يقولون: 
    • إن كل مكلف حر أراد دخول مكة لا يدخلها إلا بإحرام بأحد النسكين، إما حج أو عمرة. 
    • قالوا: إلا أن يكون من المترددين، أو يعود إلى مكة بعد خروجه منها من مكان قريب -أي: دون مسافة القصر- فيدخل مكة من دون إحرام إذا لم يمكث كثيراً في المحل الذي خرج إليه. 
    • وغير المكلف كذلك كالصبي والمجنون ما عليه شيء. وهكذا يُفصِّل المالكية 
  • ويُفصِّل الحنابلة ويقولون: 
    • لا يجوز لمن أراد دخول مكة أو الحرم، سواء كان يريد نسكاً، أن يجاوز الميقات إلا محرٍماً. 
    • إلا لقتال مباح -وقد دخل ﷺ يوم فتح مكة وعلى رأسه المِغْفَر، يعني غير محرم- أو لخوف، أو حاجة متكررة مثل الحطابين ونحوهم ونقل البضائع وما إلى ذلك، أو مكي يتردد إلى قريب له في الحِل يخرج ويرجع. فهكذا تفصيل الحنابلة.
  • وعلمت ما قال الشافعية كما نص عليه النووي وغيره أنه: 
    • من أراد دخول مكة لحاجة لا تتكرر كزيارة أو تجارة أو رسالة، أو كان مكياً عائداً من السفر، قالوا: يستُحِبَّ له أن يحرم.
    • وفي قولٍ عندنا أيضاً عند الشافعية: يجب عليه الإحرام. 
    • أما لو جاوز الميقات ولا نية له في النسك، ثم عنَّ له، فيجوز له عند الشافعية أن يحرم من حيث نوى النسك ولا دم عليه.

 

يقول: "وكان رسول الله ﷺ يرخص في دخول مكة من غير إحرام لمن له عذر، وقد دخل ﷺ يوم فتح مكة من غير إحرام، وكان ﷺ يدخل مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء ويخرج من الثنية السفلى". 

فالسنة إذًا أن يدخل مكة من ثنية كَدَاء، وإذا خرج راجعاً يخرج من ثنية كُدَى.

وقالوا: وإذا تأتَّى أن يدخل مكة ماشياً فهو أفضل كما يقول الشافعية؛ أن يدخل مكة ماشياً.

 

ويقول: "وكان ﷺ  إذا رأى البيت رفع يديه ويقول: "ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رؤي البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع  (يعني: بمزدلفة)، وعند الجمرتين وعلى الميت" أي: عند الصلاة على الميت، الحديث أخرجه الشافعي في المسند والطبراني في الكبير. 

  • فيقول الشافعية والحنابلة وفي قول كذلك عند الحنفيين: يُستحب رفع اليدين عند رؤية الكعبة المشرفة. 

وجاء أيضًا في الحديث عن ابن عمرو وابن عباس يقول: لا تُرفع الأيدي إلا في سبعة مواطن: 

  1. حين يفتتح الصلاة.
  2. وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى البيت.
  3. وحين يقوم على الصفا.
  4. وحين يقوم على المروة.
  5. وحين يقف مع الناس عشية عرفة.
  6. وبِجَمْعٍ يعني: في مزدلفة.
  7. وعند المقامين حين يرمي الجمرة.

 

قالوا: وإن الدعاء مستحب عند رؤية البيت، وقد أُمر برفع اليدين عند الدعاء، ويتفق رفع اليدين لأجل الدعاء وَلرؤية البيت، لأنه إذا رأى البيت فالدعاء مستجابٌ فيسن أن يدعوا، والدعاء يسن أن يُرفع له اليدان. 

ويقول الحنفية وفي المعتمد عندهم والمالكية: لا يرفع يديه عند رؤية البيت. 

كذلك اختلفوا في رفع اليدين عند الارتقاء على الصفا والمروة: 

  • فيقول الحنفية وابن حبيب من المالكية، وهو كما عند الشافعية والحنابلة: أنه يُسن لمن يسعى أن يصعد على الصفا ويستقبل البيت ويرفع يديه، ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويدعو بما شاء، لما جاء عن أبي هريرة أن الرسول ﷺ لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو، رواه مسلم. ولكن هذا أيضًا يختلط برؤية البيت، لأنه لما صعد على الصفا رأى البيت، فاستقبل البيت ورفع يديه ودعا. 
  • وجاء عند المالكية: أن ترك رفع الأيدي عند الصفا أحبُّ إلى الإمام مالك... فلا رفع عندهم إلا في ابتداء الصلاة، 

 

والوقوف أيضًا للدعاء عند رمي الجمرة الأولى ورمي الجمرة الثانية. 

جاء في السنة أنه دعا بعد ما رمى الجمرة الأولى في كل يوم من أيام التشريق، استقبل القبلة ورفع يديه ودعا كثيراً بمقدار سورة البقرة، ثم رمى الجمرة الثانية واستقبل قبلته ودعا بمقدار سورة البقرة، ثم ذهب إلى الجمرة الثالثة فرمى ومشى ولم يقف للدعاء بعد الجمرة الثالثة. 

فيقف إذًا بعد رمي الأولى وبعد رمي الثانية مدة يطيل فيها الوقوف ويدعو. يقول بعض أهل الفقه: أدناه مقدار عشرين آية، وأفضله مقدار ثلاثة أرباع الجزء من القرآن، والأفضل كما جاء بمقدار سورة البقرة، لما ثبت عنه ﷺ أنه كان يرمي الجمرة الدنيا -يعني: الأولى الصغرى- بسبع حصيات، يكبّر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه. ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيستَهل، ويقوم مستقبل القبلة -يبعد قليلاً عن الجمرة حتى ما يضايق بقيامه الذين يرمون، ويتقدم قليلاً إلى جهة القبلة من عند الجمرة- ويقف يستقبل القبلة ويدعو. 

وكذلك عند الجمرة الثانية قال: فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه. ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف. كان ابن عمر يفعل ذلك ويقول: هكذا رأيت النبي ﷺ يفعله. كما رواه عنه الإمام البخاري.

 

وكان ﷺ يقول إذا رأى البيت: "اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة وزد من شرفه وكرمه وحَجه واعتَمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومَهابة وبراً، اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، ثم يدخل المسجد ويبدأ بطواف القدوم" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

فإذا عاين المسجد من جانب البيت ووقع بصره عليه، يرفع يديه ويدعو: "اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزد من شرفه وكرمه وعظمه ومَن حجه تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً". لما جاء عند البيهقي أيضًا في السنن. 

وهكذا يقول الحنفية؛ إلا أنهم قالوا لا يرفع يديه، يدعو من دون أن يرفع يديه عند رؤية البيت. وجاء عن عطاء أن النبي ﷺ كان إذا لقي البيت يقول: "أعوذ برب البيت من الدَّين والفقر وضيق الصدر وعذاب القبر"، ويرفع يديه. يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام فحيِّنا ربنا بالسلام".

 

قال: "وكان ﷺ يأمرهم إذا طافوا بالبيت الطواف الأول أن يخبوا ثلاثاً ويمشوا أربعاً"، قالوا: وهذا في كل طواف بعده سعي، إما طواف عمرة، أو طواف الحج إذا أراد أن يسعى بعده، فيُسن أن يرمل الرجل دون المرأة في الثلاثة الأشواط الأولى، ويمشي على هينه في الأربعة الأخيرة، اقتداءً بالنبي ﷺ. ل

  • أنه فعل ذلك أولاً في عمرة القضاء لِيُرِيَ المشركين قوة المؤمنين.
  • ثم لما جاء بعد ذلك في الفتح فعل ذلك.
  • ولما جاء أيضاً لحجة الوداع فعل ذلك، فاستقر فعله؛ فسُنِّيَّة الرمل للرجل. 

الرمل: يرمل بأن يهز بدنه ويرفع رجليه ويقارب بين الخُطَا ويسرع، فهذا في الثلاثة الأشواط الأولى. 

وجعله بعضهم من الجهة المقابلة للكعبة، فبقي ما بين الركن اليماني والحجر الأسود أنه لا يرمل فيه، والسبب الأول فيه أنه كان المشركون في تلك الجهة ينظرون إلى المسلمين، فإذا جاءوا إلى هذه الجهة ما ينظرون إليهم، الكعبة تحول بينهم وبين نظرهم.

ويقول أيضاً عند الدخول: "الحمد لله.. اللهم افتح لي أبواب رحمتك" كغيره من المساجد. وكذلك يقول: "اللهم أنت ربي وأنا عبدك، جئت أؤدي فرضك وأطلب رحمتك وألتمس رضاك، متبعاً لأمرك، راضياً بقضائك، أسألك مسألة المضطرين المشفقين من عذابك، أن تستقبلني اليوم بعفوك، وتَحفظني برحمتك، وتتجَاوز عني بمغفرتك، وتُعينني على أداء فرائضك، اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها، وأعذني من الشيطان الرجيم". 

وإذا تيسر له الدخول للمسجد من باب بني شيبة الذي يسمونه باب السلام، لأنه ﷺ دخل منه، فهو أفضل للدخول منه. 

وهكذا ذكر لنا ما كان يقول إذا رأى البيت ويبدأ بطواف القدوم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

 

قال: "وكان ﷺ يسعى ببطن المُسيل إذا طاف الصفا والمروة" في المكان المعلوم، وأيضاً مخصوص بالرجال، فلا ترمل النساء.

 

"قال أنس -رضي الله عنه-: ولما دخل عليه الصلاة والسلام مكة معتمراً هو وأصحابه وطاف اضطبع برداء له أخضر فجعل رداءه تحت إبطه ثم قذفه على عاتقه الأيسر وفعل أصحابه كلهم كذلك"، اقتداء به، فهذا هو الاضطباع: يجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر، ويُخرج الرداء من تحت الإبط الأيمن ويجعل طرفيه على الكتف الأيسر. 

هذا الاضطباع أيضاً لكل طواف فيه رمل، أما الطواف الذي ما فيه رمل، ما فيه اضطباع.

 

"وقد بلغه أن المشركين قالوا لبعضهم: يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، فأمر النبي ﷺ أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ليرى قريشاً قوتهم فكانوا إذا بلغوا الركن اليماني وتغيبوا عن قريش مشوا فإذا طلعوا عليهم رملوا فتقول قريش كأنهم الغزلان"ما بهم وَهَنٌ، هؤلاء أقوياء. 

 

"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لم يمنعه ﷺ أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم، وقيل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: فيم الرمل الآن والكشف عن المناكب وقد أطاء الله الإسلام ونفى الكفر وأهله؟ فقال: ومع ذلك لا ندع شيئاً كنا نفعله على عهد رسول الله ﷺ"، قال: نتبِّع؛ كانت حكمة في هذا أول ما رَمَل، لكنه استمر عليه بعد ذلك إذ خرج المشركون من مكة وعمله، فنحن نتابعه. يعني: ديننا ما هو بالرأي ولا بالعقل، ديننا اتباع واقتداء واهتداء.

 

فإسراع المشي مع تقارب الخُطا وهز الكتفين، يقال له الرمل، من غير أن يقفز ويرفع رجليه رفع بين، فهذا هو للرجال والصبيان دون النساء في الأشواط الثلاثة. 

فهو سنة عند الحنفية والشافعية في كل طواف يعقبه سعي:

  • كأن يكون طواف قدوم يريد أن يسعى بعده. 
  • أو طواف الركن للحج أو العمرة يسعى بعده -يعني: إن لم يسعَ بعد طواف القدوم في الحج، فيسعى بعد طواف الإفاضة-. 

 

ويقول ابن عباس: قدم رسول الله ﷺ وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم غداً قوم قد وهنتهم حمى يثرب ولقوا منها شدة. فجلسوا مما يلي الحِجْر، وأمرهم ﷺ أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليُري المشركين جَلَدَهم. فقالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا. كما جاء في الصحيحين.

فظَل سُنّة في هذه الأشواط تماماً، لأنه ﷺ فعلها في حجة الوداع بعد فتح مكة وليس بمكة مشرك، فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ﷺ كما جاء في صحيح مسلم في حجة الوداع عليه الصلاة والسلام، سار على ذلك الصحابة من بعده، سيدنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومن بعدهم. 

 

  • يقول المالكية: يُسن الرمل هذا لمُحرم بحج أو عمرة في طواف القدوم وطواف العمرة. 
  • وكذلك يقول الحنابلة: لا يُسن الرمل في غير طواف القدوم وطواف العمرة. 
  • قالوا الحنابلة: إلا أهل مكة ومن أحرم من مكة فلا يسن لهم الرمل عند الحنابلة، لأنهم من أهل البلاد. 

 

ثم يمشي في الأشواط الباقية، كان رسول الله ﷺ يطوف بالبيت الطواف الأول، فخبَّ ثلاثاً ومشى أربعاً. اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

 

رزقنا الله حسن متابعة لنبيه وكتابه والاقتداء به والاهتداء بهديه، ودفع الآفات عنا والأسْواء، وأصلح السر والنجوى، ورزقنا تحقيق جوْده بواسع امتنانه، في خير ولطف وعافية.

 

بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ

 إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ 

الْفَاتِحَة

تاريخ النشر الهجري

24 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

15 نوفمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام