كشف الغمة 367- كتاب الحج والعمرة (14) فرع: في أخذ الشعر، ونكاح المحرم

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 367- كتاب الحج والعمرة (14) فرع: في أخذ الشعر

صباح الأحد 18 جمادى الأولى1447هـ  

فوائد من الدرس

نقاط مهمة يتضمنها الدرس:

  • أحكام أخذ المُحرم من الشعر 
  •  هل يجوز أن يحلق المحرم شعر غيره؟ 
  • مقدار الفدية لمن حلق شعره 
  •  الفدية عن إزالة الأظافر 
  •  حلق الشعر لمرض أو ضرورة 
  •  قصة سيدنا أبي بكر مع غلامه في الحج
  • هل يصح عقد نكاح المحرم؟ وحال الوكالة 
  • حكم من جامع أهله وهو محرم ولو ناسيا أو جاهل 
  •  كفارة من جامع قبل وقوف عرفة 
  • حكم إذا كان الجماع بعد عرفة أو بعد التحلل الأول 
  •  حكم إفساد العمرة بالجماع

نص الدرس المكتوب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)،  إلى أن قال:

 

فرع: في أخذ الشعر

"كان رسول الله ﷺ ينهى المُحرِم أن يأخذ من شعره إلا لعذر ويأمره بالفدية، وقال كعب بن عجرة -رضي الله عنه-: "كان بي أذى من رأسي فحُمِلت إلى رسول الله ﷺ والقمل يتناثر عن وجهي فقال: ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ منك ما أرى، أتجد شاة؟ قلت: لا، فنزلت الآية (فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ) [البقرة:196] قال: هو صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعاماً لكل مسكين"، وفي رواية فقال: "يا كعب احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقاً من زبيب أو انسك شاة"، قال : كعب فحلقت رأسي ثم نسكت يعني ذبحت.

وسئلت عائشة -رضي الله عنها- عن المُحرِم يحك جسده قالت: نعم ولو بشدة ثم قالت: لو ربطت يدي ولم أجد إلا رجلي لحككت بها، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: ضرب أبو بكر -رضي الله عنه- غلامه حين أضل بعيره فصار يضربه بحضرة رسول الله ﷺ ويقول بعير واحد تضله ورسول الله ﷺ يَبْتَسم ويقول: انظروا إلى هذا المُحرِم ما يصنع وما يزيد رسول الله ﷺ على ذلك، وكان الأعمش رضي الله عنه يقول: ليس من برّ الحج ضرب الجمال".

فرع: في نكاح المُحرِم وإنكاحه 

"كان رسول الله ﷺ يقول: "لا ينكح المُحرِم ولا ينكح ولا يخطب"، وكان عمر -رضي الله عنه- إذا رأى من تزوج وهو مُحرِم يفرق بينهما، وكان عمر وعلي وأبو هريرة -رضي الله عنهم- يقولون: من أصاب أهله وهو مُحرِم بالحج فلينفذا لوجههما حتى يقضيا حجهما ثم عليهما الحج من قابل والهدي، فإذا أهلا بالحج من عام قابل فرّق بينهما حتى يقضيا حجهما، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: من وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فلينحر بدنة، وفي رواية: فليعتمر وليهد، والله أعلم".

 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمد لله مُكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وحبيبه وصفوته سيدنا محمد  صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، سادات أهل حضرة الله  تعالى وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعد، يتحدث الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- عما ورد في نهي المُحرِم أن يأخذ شيئًا من شعره، وقال: "كان رسول الله ﷺ ينهى المُحرِم أن يأخذ من شعره إلا لعذر ويأمره بالفدية" إذا أخذ الشعر، إن كان بغير عذر فمع الإثم وعليه التوبة، وإن كان بعذر فلا إثم عليه وعليه أن يُخرج الكفارة ويُخرج الهدي بدلًا عما أتلفه مما حرمت الشريعة إتلافه وإبعاده في أيام الإحرام. وذلك فيما يتعلق بشعر المُحرِم.

 

أما حلق رأسه أو حلق رأس مُحرِم غيره كذلك، أو تمكينه غيره من أن يحلق رأسه وهو مُحرِم؟

كل هذا داخل في المُحرِم ولا يجوز، بل يجب أن يبتعد، قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة:196].

 

فإذا جاء وقت جواز الحلق؟

يجوز أن يحلق نفسه أو يحلق له غيره، أو يحلق وهو مُحرِم قبل أن يحلق أن يحلق لغيره، كل ذلك جائز إذا قد بلغ الهدي محله، بأن رجع من عرفة وانتصف الليل ليلة العيد، ليلة العاشر، فيدخل وقت الطواف ووقت رمي جمرة العقبة ووقت النحر ووقت الحلق -الحلق والنسك- يدخل من نصف الليل ليلة العيد مساء -مساء يوم عرفة-، فقبل ذلك لا يجوز له أن يمسَّ شيئًا من شعره.

 

فإذا أراد المُحرِم أن يحلق رأس رجل حلال؟ 

هو مُحرِم لكن الرجل الذي سيحلق له حلال، فهذا أيضًا عند الجمهور يجوز. قال الحنفية: لا يجوز، لا يجوز للمُحرِم أن يحلق رأس غيره وإن كان غيره حلال، لا يتعرض لذلك. وهذا قول عند المالكية، ولكن المعتمد عند المالكية كالشافعية والحنابلة أنه ما دام يحلق حلالًا فهي حلال له أن يحلق، المهم لا يحلق لمُحرِم آخر ولا يحلق لنفسه ولا يمكّن أحد أن يحلق له، سواء كان حلالًا أو مُحرِم، لا يمكّنه أن يحلق له وهو مُحرِم. 

  • فقال الأئمة الثلاثة: إنه إذا حلق لحلال فإن هذا المُحرِم حلق شعرًا لا حرمة فيه من حيث الإحرام، فلا يُمنع عليه. 
  • وقال الحنفية: ما دام هو ممنوع من حلق رأس نفسه، ممنوع من حلق رأس غيره، ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ﴾ [البقرة:196] على العموم، قالوا وفي قوله: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ﴾ أي:الإنسان غالب ما يحلق رأس نفسه في العادة، فقوله: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ﴾ يعني: لا تحلقوا الرؤوس وأنتم مُحرِمون، فلا تحلق لغيرك ولو كان غيرك حلالًا، هذا مذهب الحنفية.

 

ثم بقية الشعر من باقي الجسم غير الرأس:

يحرم إزالة الشعر من جميع الجسم لأنه من أيضًا من باب الترفُّه، وإلا لزمت الفدية فإن حلقه للضرورة، ﴿فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة:196].

قال ﷺ: للذي رأى صاحب الشعر المُحرِم وفيه القمل: "أيؤذيك هوامُّ رأسك؟" قال: نعم. قال: فاحلق وأطعم أو صم…، كما نقرأ، فهكذا تلزمه الفدية.

 

يقول الحنفية: 

  • من حلق ربع رأسه أو ربع لحيته، يجب عليه دم، فإن الربع يقوم مقام الكل. 
  • فإذا حلق الجميع في مجلس واحد فعليه دم واحد، وإن اختلفت المجالس فلكل مجلس موجِبُه. 
  • وقالوا أيضًا: إن حلق رقبته كلها أو إبطيه أو أحدهما، يجب الدم. 
  • أما إذا حلق بعض واحد منهما وإن كثر، فتجب الصدقة. هذا في مذهب الحنفية. 
  • وقرروا في حلق الشارب حكومة عدل، ينظر إلى هذا المأخوذ كم يكون من ربع اللحية؟ فيجب عليه بحسابه من الطعام، إذا أخذ من الشارب قدر نصف ثمن اللحية مثلًا، يجب عليه من الطعام ما يساوي ربع الدم، وهكذا.

 

قال المالكية: 

  • إن أخذ عشر شعرات فأقل ولم يقصد إزالة الأذى، يجب عليه أن يتصدق بحفنة قمح. 
  • فإن أزالها بقصد إماطة الأذى، تجب الفدية، ولو كانت شعرة واحدة فتجب الفدية. إذا أزال أكثر من عشر شعرات لأي سبب كان، هذا مذهب المالكية. 
  • أما إذا كان ﴿أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ﴾ [البقرة:196]، قال: 
    • إذا كان قصَد إزالة الأذى من رأسه فعليه الفدية مطلقًا. 
    • إن لم يقصد إزالة الأذى، فإن كان أقل من عشر فعليه حفنة من قمح، وإن كان عشر فأكثر فعليه فدية.

 

يقول الإمام الشافعي ومثله الإمام أحمد بن حنبل: 

  • تجب الفدية في  ثلاث شعرات فأكثر إذا كن متواليات في مجلس واحد. فإذا توالى الحلق في المجلس الواحد، فيجب عليه بإزالة ثلاث شعرات -سواء بقص أو بحلق أو بإحراق أو بنتف- وإذا كان ثلاث متواليات في مجلس واحد عليه الفدية.

وهو مخير بين ثلاثة أشياء؛ في الفدية في الحلق وفي قَلْم الأظافر وفي استعمال الطيب وأمثال ذلك، أن يُخيَّر بين ثلاثة أشياء: 

  • إما أن يذبح شاة.
  • وإما أن يُطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع: وهو مُدّان.
  • أو أن يصوم ثلاثة أيام.

 فهو مخيّر بين هذه الثلاثة الأشياء.

 

وخَيِّرَنْ وقَدِّرَنْ في الرابعِ *** إنْ شئتَ فاذْبَحْ أو فجُدْ بآصُعِ

لَلشَّخْصٍ نِصف، أو فصُمْ ثلاثا *** تجتَثُ ما اجتَئَثتُه اجتِثاثا

فِي الحَلْقِ والقَلْمِ ولُبسٍ دُهنِ *** طيبٍ وتَقْبِيلٍ ووَطْءِ ثُنَّيْ

أو بينَ تَحْلِيلَي ذَوِي إحرامٍ *** هذي دِماءُ الحَجِّ بالتمامِ

 

ففي هذه الأحوال كلها يلزم عليه واحد من ثلاثة: إما ذبح شاة، وإما أن يتصدق على ستة مساكين كل مسكين مُدَّين، وإما أن يصوم ثلاثة أيام.

 

أما إذا كان غير متوالية:

بأن أزال شعرة وبعد مدة أزال شعرة وبعد مدة أزال شعرة، فكل شعرة مُدّ مُدّ مُدّ، وهكذا تتعدد. 

فإذا اجتمع في وقت واحد ثلاث فأكثر:

فعليه هذه الكفارة، أحد الثلاثة الأشياء. 

أما لو ما سقط تساقط من الشعر بنفسه من غير صنع آدمي:

فلا فدية باتفاق المذاهب، ما عليه شيء فيما كان ينحل من نفسه ويخرج من نفسه، ما عليه شيء.

 

فإذا حلق المُحرِم رأس غيرِه، أو حلق غيرُه رأسَه، إذا كان الحلق لغير التحلل:

  • فعلى المُحرِم المحلوق الدم عند الحنفية ولو كان كارهًا. 
  • وعند غير الحنفية هناك تفصيل في حق الحالق والمحلوق، فتأتي فيها ثلاث صور: 
  • الصورة الأولى: أن يكونا مُحرِمين.
    • إذا كانا مُحرِمين فعلى المُحرِم الحالق صدقة عند الحنفية، سواء حلق بأمر المحلوق أو بغير أمره، طائعًا أو مكرهًا. 
    • وقال المالكية والشافعية والحنابلة: إن حلق له بغير رضى؛ فالفدية على الحالق، وإن كان برضاه؛ فعلى المحلوق فدية وعلى الحالق، وقيل: حفنة، كما هو عند المالكية.
  • وأما الصورة الثانية: إذا كان الحالق مُحرِما والمحلوق حلالًا:
    • فهذا لا شيء عليه عند الأئمة الثلاثة. 
    • وفي قول عند المالكية وهو المعتمد عند الحنفية: أن عليه صدقة؛ لكونه حلق لغيره وهو مُحرِم وإن كان المحلوق حلالًا. 
    • وقال المالكية: يفتدي الحالق، وقالوا في قولهم: أنه يطعم قدر حفنة، أي: ملء يد واحدة من طعام، وإذا كان ملء يد واحدة؛ بيكون نصف مد. 
    • وقال الشافعية والحنابلة: إذا كان المحلوق حلالًا؛ لا فدية على الحالق ولو حلق له المُحرِم بغير إذنه؛ لأنه لا حرمة في إزالة شعره ما دامه حلالًا، إنما هو نعم قد يأثم باعتدائه على الغير ولكن لا تلزمه فدية بسبب ذلك، تلزمه التوبة.
  • والصورة الثالثة: يكون الحالق حلالًا والمحلوق مُحرِما.
    • فالحالق أيضًا عند الحنفية عليه صدقة. 
    • وقال المالكية والشافعية والحنابلة: إذا كان بإذن المُحرِم وعدم ممانعته، تركه يحلق وسكت؛ فعلى المُحرِم الفدية، وإن كان الحلق بغير إذنه مسكه بالقوة وحَلَقه؛ فعلى الحالق لأنه هو الذي اعتدى عليه الفدية، وذاك ما عليه شيء لأنه مُكرَه؛ تكون الفدية على الحالق لأنه حلق بالإكراه.

 

ومثل الشعر الظُّفْر: 

من أزال ثلاثة أظفار في وقت واحد ومكان واحد، عليه واحد من ثلاثة:

  •  إما ذبح شاة. 
  • وإما صوم ثلاثة أيام.
  • أو إطعام ستة مساكين؛ كل مسكين مُدَّين. 

 

وإن كان متفرقة: 

ففي كل ظفر مُد.. فإذا أزال ثلاثة أظفار متواليات، واتحد محل الإزالة وزمانها؛ قال الشافعية: يلزمه ولو كان ناسيًا أو جاهلًا؛ لأنه من باب الإتلاف، وما فيه إتلاف ما تسقط الفدية فيه لكونه ناسيًا أو لكونه جاهلًا، بخلاف ما كان من باب الترفه، كأَن تطيب وهو ناسي فلا شيء عليه، ولا فدية عليه.

 

يقول -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-:"وقال كعب بن عجرة -رضي الله عنه-: "كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله ﷺ والقمل يتناثر عن وجهي فقال: ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ منك ما أرى، أتجد شاة؟ قلت: لا، فنزَلَت الآية (فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة:196]، قال: هو صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعاماً لكل مسكين"، وفي رواية فقال: "يا كعب احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقاً من زبيب أو انسك -أي: اذبح- شاة"، قال: كعب فحلقت رأسي ثم نسكت يعني: ذبحت" شاة؛ فدية لاضطراره لحَلق الرأس.

 

"وسُئلت عائشة -رضي الله عنها- عن المُحرِم يحكُّ جسده قالت: نعم ولو بشدة ثم قالت: لو رُبِطَت يدي ولم أجد إلا رجلي لحككت بها، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: ضرب أبو بكر -رضي الله عنه- غلامه حين أضل بعيره"، لما نزلوا في الطريق، وكان بعير رسول الله ﷺ وَكَّل به غلامه سيدنا أبي بكر الصديق ينتبه منه، وكان زاده عليه؛ لأنها هي نفسها راحلته زاملته نفسها -عامة السائرين والمسافرين والحجاج يجعلون الزاملة مستقلة تحمل لهم الزاد، والتي يمشون عليها جمال مستقلة، ولكن كانت زاملته هي راحلته نفسها ﷺ- فلما خرج وكان وقت الغداء أو وقت العشاء، تناول الناس أزوادهم، والرجل هذا غلام سيدنا أبي بكر ضلَّت الناقة منه حق النبي وزاده فيها، فغضب سيدنا أبو بكر وقام يضربه ويقول له: ناقة واحدة.. زاملة واحدة.. وتضيّعها! وفيها زاد رسول الله ﷺ! ولمَّا سمع مَن حواليه من الأنصار بأن زاملته ﷺ ضاعت من الغلام؛ راحوا فجاءوا بالأزواد من عندهم وقدموا للنبي ﷺ زاده، فقال ﷺ لما رأى سيدنا أبا بكر وهو مُحرِم يضرب الغلام "ويقول: بعير واحد تضله.. ورسول الله ﷺ يَبْتَسم ويقول: انظروا إلى هذا المُحرِم ما يصنع"، ينبهه يعني: قِف وكُف، وهو من شدة غيظه على أن رسول الله ﷺ بقي بلا زاد والناس يأكلون، وزاد النبي ليس عنده بسبب بلاهة الغلام هذا وعدم انتباهه، فأخذ يضربه. 

قال: وكان الأعمش -رضي الله عنه- يقول: ليس من برّ الحج ضرب الجمال"، يعني: إذا حج على راحلة فلا ينهكها ولا يتعبها ولا يضربها ويترفق بها؛ فإن ذلك من بِرِّ الحج، كما أن من بِرِّ الحج: 

  • لين الكلام.
  • وإطعام الطعام.
  • فكذلك الرفق بالحيوان من بِرِّ الحج.
  • ومن بِرِّ الحج أيضًا الرفق بالرفقة الذين معه ومن يمشي معه.

 

ثم ذَكَر تحريم النكاح والإنكاح للمُحرِم

 

"كان رسول الله ﷺ يقول: "لا يَنْكَح المُحرِم ولا يُنْكِح ولا يخطب" وهو مُحرِم ما يجوز. 

  • فقال الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة: إن نكاح المُحرِم باطل لا يصح، سواء كان زوج أو زوجة أو ولي، إذا الولي مُحرِم ما يجوز أن يُنكِح، ولا يجوز لوكيله أن يُنكِح، لأن بعض الناس يغلطون؛ يسافر إلى الحج ويوكِّل واحد يزوِّج ابنته، فيزوجونها في يوم عرفة أو في أيام ذاك مُحرِم هناك، إذا الوكيل هنا عَقَد والموكِّل مُحرِم فالعقد باطل؛ لأن حكمه حكمه، هو ما عنده ولاية إلا بالموكِّل، والموكِّل مُحرِم ما يجوز له أن يعقد، فلا بد أن يعقدوا في وقت لا يكون الموكِّل فيه متلبس بإحرام؛ لا حج ولا عمرة.

قال الأئمة الثلاثة: إنه لا يصح أصلًا، العقد باطل. 

  • وجاء عنه ﷺ: "لا يَنْكِح المُحرِم ولا يُنْكِح ولا يخطب".
  • كما جاء في صحيح مسلم وغيره: "لَا يَتَزَوَّجُ الْمُحرِم وَلَا يُزَوِّجُ". 
  • من تزوج وهو مُحرِم نزعنا منه امرأته، يقول سيدنا علي.
  • سيدنا عمر يقول إنه فرق بين مُحرِمين تزوجا، يعني: اعتمدوا أن النكاح باطل. 
  • وكذلك سيدنا زيد بن ثابت قال أن مولاه  شوذب تزوج وهو مُحرِم، ففرق زيد بن ثابت بينهما، فلا يجوز.

 

  • ويقول الحنابلة في المذهب عندهم: الاعتبار بحالة العقد لا بحالة الوكالة، عند الحنابلة: 
    • لو وكَّل مُحرِم حلالًا، فَعَقد النكاح بعد حِلِّه من الإحرام، صحَّ النكاح على الصحيح بوقوعه حال حلّ الوكيل والموكل. 
    • ولو وكَّل حلالٌ حلالًا، فعقد الوكيل النكاح بعد أن أحرم هو أو موكله، لم يصح النكاح؛ لأن الاعتبار بحالة العقد لا بحالة الوكالة. 
    • ولو وكَّله في عقد النكاح ثم أحرم الموكِّل، لم ينعزل وكيله بإحرامه، فإذا حلَّ الموكِّل كان لوكيله عقد النكاح له لزوال المانع. 
    • وفي قول عند الحنابلة: أنه إذا أحرم الموكل انعزل الوكيل، لكنه غير معتمد. 
    • كما في رواية عندهم أيضًا بالعكس عن الإمام أحمد: أنه إن زوَّج المُحرِم غيرَه صحَّ، المهم ما يتزوج هو، لكن هذا غير المعتمد عندهم.
    •  

إذًا: 

  • صور نكاح المُحرِم بصوره كلها المختلفة باطلة عند الشافعية والحنابلة.
  • وسماها المالكية فاسدًا، ويُفسخ قبل البناء وبعد البناء بطلقة بائنة. 
  • وعند الحنفية: يجوز نكاح المُحرِم في حج أو عمرة، وأخذوا بظاهر رواية ابن عباس أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو مُحرِم، الذي جاء في صحيح مسلم. وقالوا: النكاح غير الوطء؛ الوطء حرام، وأما النكاح فما يحرم. 
  • ولكن الجمهور قالوا لا، لِما جاء في الخبر: أنه "لا يَنكِحُ.. ولا يُنكِحُ"، لا يقبل نكاح نفسه ولا يكون وكيلًا. 

 

ولكن هل يجوز أن يكون شاهدًا؟ 

لا ولي ولا زوج، ولكن شاهد؟ الشهادة تجوز، ما في نقص فيه عدالته، فكونه شاهد تصح شهادته، لكن لا يصح أن يكون هو وليًا ولا زوجًا ولا وكيلًا لولي ولا وكيلا لزوج كذلك، وكَّله الزوج إن يقبل النكاح له، ما يجوز يقبل النكاح وهو مُحرِم، ولا الوكيل أيضًا إذا كان مُحرِما فما يصح أن يقبل له النكاح.

 

يقول: "وكان عمر -رضي الله عنه- إذا رأى من تزوج وهو مُحرِم يفرق بينهما، وكان عمر وعلي وأبو هريرة -رضي الله عنهم- يقولون: من أصاب أهله وهو مُحرِم بالحج فلينفذا لوجههما حتى يقضيا حجهما" يعني: يفسد الحج، ومع فساد الحج يجب أن يمضي في فاسده ويكمله. 

 

فيجب الجزاء على من جامع أهله وهو مُحرِم:

  • الشافعية فرقوا بين الناسي والمغمى عليه والمكره ونحو ذلك. 
  • لكن الجمهور: أن العامد والجاهل سواء، والساهي والناسي والمكره في ذاك سواء، هذا مذهب الأئمة الثلاثة. 
  • الشافعية قالوا: إن كان ناسيًا أو مجنونًا أو مغمى عليه أو نائمًا أو مكرهًا أو جاهلًا لقرب عهده بالإسلام، فما يفسد الإحرام عندهم. 
  • ولكن غيره من الأئمة قالوا: يفسد ولو كان ناسيًا، يفسد بالجماع الحج ولو كان ناسيًا. 
  • عند الشافعية لا، إذا تحقق نسيانه أو جهله وهو معذور، فما يبطل. 
  • ولكن عند الأئمة الثلاثة قالوا: يفسد.

 

فمن كان وقع على أهله قبل الوقوف بعرفة؟: 

  • فسد حجه بالإجماع.
  • وجب عليه الاستمرار في الحج الفاسد ويكمله كله، وأداء حج جديد ثاني في المستقبل.
  • وأن يذبح الهدي، وذلك بدنة، عليه أن يذبح بدنه، فإن لم يجد فسبع بقر، فإن لم يجد فسبع شياه، فإن لم يجد فقيمة البدنة، فإن لم يجد فعدد قيمتها أمداد، كم تساوي أمداد البدنة؟ تعدل قيمتها مئات الأمداد أو ألوف الأمداد من الطعام، عليه يصوم هذا الصوم كله، هذه الكفارة العظمى في الحج. 

وعليه أن يكمل الحج وهو فاسد، وعليه أن يقضيه في العام القادم. 

  • هكذا قال الأئمة الثلاثة: إن الكفارة فيه بدنة. 
  • قال الحنفية: تجزئ الشاة. 
  • لكن الجمهور قالوا: لا، ما يجزئ هنا شاة، لا بد من بدنة، وإلا فسبع بقر، وإلا سبع شياه، وإلا فقيمة البدنة، فإن عجز فعدد ما تأتي به القيمة من أمداد الطعام.

 

فأما إذا كان جِماعه بعد الوقوف قبل التحلل الأول؟: 

  • أيضًا يفسد حجه وعليه البدنة كما هو قبل الوقوف عند الأئمة الثلاثة كذلك.

وقال الحنفية: ما يفسد حجه إذا قد وقف، وعليه هدي بدنة.

 

وأما إذا كان قد تحلل التحلل الأول؟:

فهذا ما يفسد حجه، وعليه أيضًا إما أن يصوم ثلاثة أيام، وإما أن يطعم ستة مساكين، وإما أن يذبح شاة. إذا كان بعد التحلل الأول، بأن رمى وحلق وقبل أن يطوف بالبيت جامع أهله، أو بعد أن طاف وحلق وقبل أن يرمي جمرة العقبة جامع أهله، فهذا ما يفسد حجه ولكن يأثم وعليه الكفارة، وهي إما ذبح شاة، وإما صيام ثلاثة أيام، وإما إطعام ستة مساكين.

عند الشافعية: أو بين تحللِ ذوَي إحرام

إذا كان الوطأ بين تحللين، أو كان وطءًا ثاني، فيه مثل الحلق والقلم، وإن كان فسد به الحج هذه فيه الكفارة الكبرى، العظمى.

نعم، -ما شاء الله-. 

 

وكذلك إذا أفسد العمرة كذلك، 

  • لكن الحنفية والحنابلة يقولون: يلزمه شاة بالنسبة إذا أفسد العمرة بالجماع. 
  • لكن مذهب المالكية والشافعية: أنه يلزمه فدية مثل فدية الذي أفسد الحج. المُحرِم بالعمرة إذا جامَع.

 

رزقنا الله الاستقامة، واتحفنا بالكرامة، ودفع عنا الآفات، وأصلح الظواهر والخفيات، وبلغنا فوق الأمنيات، وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وقبلنا وحجاج بيته وزائري نبيه، والعاملين بالخير من الأمة، ورزقنا وإياهم الإخلاص لوجهه الكريم وضاعف لنا الثواب من عنده في عافية، وعلى كل نية صالحة. 

 

 إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ 

الْفَاتِحَة

تاريخ النشر الهجري

19 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

10 نوفمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام