(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: فصل في النوم والإغماء والغَشْي
صباح السبت: 22 ربيع أول 1445هـ
فصل في النوم والإغماء والغَشْيْ
"قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "العينان وكاء السَّه فمن نام فليتوضأ" والسَّه الدُّبُر وكان: يقول: ليس على من نام ساجدًا وضوء حتى يضطجع ونام مرة وهو ساجد حتى غط أو نفخ ثم قام يصلي، فقال له ابن عباس: يا رسول الله إنك قد نمت؟ قال: "إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعاً فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله".
وكان عمر بن الخطاب يقول: لا وضوء إلا على من نام مضطجعًا، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: ليس على النائم القائم ولا على المحتبي النائم ولا على الساجد النائم وضوء، وقال أنس -رضي الله عنه-: كان أصحاب رسول الله ﷺ ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون.
وفي رواية كانوا ينتظرون العشاء الأخيرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون. وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين وهو قائم أو قاعد.
وكان ابن عمر ينام جالسًا ثم يصلي ولا يتوضأ. وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: لما ثقل النبي ﷺ بالمرض كان يقول: "أصلى الناس؟ فنقول: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله، فيقول: ضعوا لي ماء في المخضب، فنفعل ثم يذهب لينوي فيغمى عليه، ثم يفيق فيقول: أصلى الناس؟ فنقول: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله، فيقول: ضعوا لي ماء في المخضب، فنضعه. قالت: فاغتسل في الثانية ثم ذهب لينوي فأغمي عليه ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوي فأغمي عليه" ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا وهم ينتظرونك يا رسول الله. قالت عائشة: والناس عُكوف ينتظرون رسول الله ﷺ لصلاة العشاء الآخرة" وسيأتي بسطه في آخر السيرة في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى.
وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول بالوضوء من الغشي المُثقل. وتقول: الغسل من الإغماء شيء استحبه رسول الله ﷺ، والوضوء كافٍ له إن شاء الله تعالى. وسيأتي في الاستسقاء حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله الحمد لله مُكرمنا بالشريعة الغرّاء وبيانها على لسان خير الورى، سيدنا محمّد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه ومن جرى بمجراهم خير مجرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل لأعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله- الأحاديث المتعلقة بالنوم والإغماء والغَشْ مما يتعلّق بالوضوء ونقضه وقول الأئمة في ذلك، فهذا النّوم الذي أصل معناه في اللغة: الهدوء والسكون؛ حتى يقولون نامت السوق إذا كسدت، ويقولون نامت الريح إذا سكنت، ويقولون استنام إلى فلان أي: ركن إليه واطمئن له، وأما في الاصطلاح: فالناس كلهم يعرفون النوم، والتعبير عنه مختلف بعدد من العبارات:
وحيثما كان التعريف فالناس يعرفون النوم مباشرةً وفعلًا وذوقًا، وجعله الله سبحانه وتعالى مُذكّرًا بالموت، وقال نبينا فيما بلَّغَ الرسالة: "والله إنكم ستموتون كما تنامون وستبعثون كما تستيقظون" وعلّمنا عند كل استيقاظ أن نقول: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النّشور" -جل جلاله-. ويتصل بالنوم النعاس: ومن نعس أيضًا فترت حواسه وهو بداية النوم، فهو كأنه قليل نوم لا يشتبه على صاحبه أكثر ما يعيه؛ يسمع الأصوات من حواليه وإن لم يفسر معانيها. وبعضهم يقول: أن هذه الريح بسبب أبخرة الطعام تتصاعد إلى الدماغ، ثم تصل إلى العينين ثم إلى القلب، فإن وصلت العينين ولم تصل إلى القلب فهو النعاس.
فالنّعاس مبدأ النوم كما أن السِّنَة مبدأ النعاس، إذا أخذ في نعاسه قالوا: أصابته سِنة؛ وسِنة: يوسِنُ سِنة فهو فتور يعتري الإنسان لا يفقد معها عقله، لأن السِنة مبدأ النعاس والنعاس مبدأ النوم، ثم يتكلم عن الإغماء فيما يأتي عندنا فهو: فقْد الحس والحركة أو فقد الشعور من القلب مع استرخاء في الأعضاء.
فذكر لنا هذه الأحاديث المتعلقة بالنوم، منها الحديث استدل به أكثر الأئمة وهو: "العينان وكاء السَّه فمن نام فليتوضأ" وذكر حديث: "ليس على من نام ساجدا وضوءًا حتى يضطجع"، وأن "الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعًا فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله"، فالنائم مضطجعًا إذا كان نام نومًا ثقيلًا انتقض وضوءه باتفاق الأئمة الأربعة، ولم يأتي فيه إلا ما يُذكر عن سيدنا أبي موسى الأشعري بعض الصحابة أنهم ما ينقض النوم مطلقًا، وقد ذكر الإمام النووي في ثمانية مذاهب في النوم، والتي جاءت في الروايات أن سيدنا عمر بن الخطاب قال: "من نام مضطجعا فليتوضأ"، جاء في رواية عبد الرزاق وأبو بكر الأكرم في سننه، كذلك جاء عن أبي هريرة يقول: "ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم الوضوء حتى يضطجع فإذا اضطجع توضأ" كما رواه البيهقي، وقال ابن حجر في التلخيص إسناده جيد.
كذلك عن سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: "كان أصحاب النبي ﷺ ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" كما جاء في صحيح مسلم والترمذي والبيهقي وعند الإمام أحمد -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-، وعنه أيضا سيدنا أنس يقول: "كان أصحابه ﷺ ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤسهم ثم يصلون ولا يتوضئون"، وجاء عن قتادة: "كنا نخفق على عهد رسول الله ﷺ" جاء هكذا في رواية ابن داود والبيهقي، جاء عن ابن عباس: "وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين" رواه ابن أبي شيبة.
وعلى هذا اختلف الفقهاء وصار خلاصة ما اعتمده الأئمة الأربعة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- فيقولون:
قال في النوم الخفيف عند المالكية ولو مضطجع ما ينقض الوضوء النوم الخفيف، والنوم القاعد إن كان كثير نقض وإن كان يسير لم ينقض؛ ما عدا القاعد والمضطجع يقولون: في روايتين عن أحمد رواية أنه ينقض مطلقًا، والثانية إن كثر نقض وإن لم يكثر لم ينقض، والعبرة في الكثير واليسير بالعرف.
ثم تكلموا عن هيئة النائم:
يقول الزيلعي منهم من الحنفية الصحيح انتقاضه، هذا مضطجع ذا وفي الحديث " إنما الوضوء على من نام مضطجعا"، وكذلك من نام قاعد أو قائم فسقط على وجهه أو جنبه يقول: إن انتبه قبل سقوطه أو حالة سقوطه أو سقط نائماً وانتبه من ساعته ما ينتقض وضوءه؛ وإن استقر بعد السقوط نائماً ثم انتبه انتقض وضوءه، فأبو يوسف منهم الحنفية قال: إذا قد سقط خلاص يزول الاستمساك مع السقوط فينتقض الوضوء، عندهم الخلاف في هذا المسألة وهذا الحال، ويقولون أن النوم نفسه ليس بحدث إنما الحدث ما لا يخلو عنه النائم،
أورد لنا هذه الأحاديث ويقول: "أنه ﷺ نام وهو ساجد حتى غطى ونفخ ثم قام يصلي، فقال له ابن عباس: يا رسول الله قد نمت! قال: إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعا، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله" ولكن هذا في حق غيره ﷺ، ومن المعلوم أن من خصائصه كالأنبياء أنه ما ينتقض وضوءهم بالنوم مطلقاً؛ وهو الذي قال: "إنه تنام عيناي ولا ينام قلبي"، ولهذا كان بالنسبة له ما ينتقض وضوءه بالنوم ﷺ، وجاء عن سيدنا حذيفة أنه كان عند أيضا سارية في المسجد وكان ينام ينعس، فمر به ﷺ فحرك أصبع رجله فتح عينه فإذا به رسول الله؛ قال: يا رسول الله أمن هذا الوضوء؟ قال: لا أو تضع جنبك" يعني: حتى تضع جنبك، وعليه قول القائلين بأن النوم المضطجع فقط هو الذي يبطل الوضوء ماعداه ما يبطل الوضوء، وكان عمر بن الخطاب يقول: "لا وضوء إلا على من نام مضطجعاً" هذا هو مذهبه مذهب جماعة من الصحابة.
وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "ليس على النائم القائم ولا على المحتبي النائم ولا على الساجد النائم وضوء" وقال أنس -رضي الله عنه-: "كان أصحابه ﷺ ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون" المراد بانتظارهم صلاة العشاء الأخيرة كما قرأنا، وصلاتهم العشاء الأخيرة كان يحب يؤخرها ﷺ إلى ثلث الليل، فتكون المساجد الأخرى قد صلوا الناس وذهبوا ويبقون منتظرين للنبي ﷺ، وهو إذا رآهم اجتمعوا بسرعة يخرج إليهم مبكر، وإذا تراخوا يتأنّى بهم، وفي بعض الليالي تأخر كثيراً ثم جاء وصلوا، ثم قال: "إنه لا ينتظرها هذه الساعة غيركم على وجه الأرض" لأنه وحدهم على ظهر الأرض مصلين ومع سيد المرسلين فهنيئاً للصحب الأكرمين، وقال: "إنه لوقتها لولا أن أشقّ على أمتي" هذا وقتها الأفضل هذا.
وقرأنا قول "ابن عباس: واجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين وهو قائم أو قاعد، وكان ابن عمر ينام جالساً ثم يصلي ولا يتوضأ"، وعرفت أنه أكثر الصحابة اللي كانوا تخفق رؤوسهم يعني بسبب النوم، فلا شك أنه يكون منه ثقيل وخفيف؛ وإذا خرج وأقاموا الصلاة صلوا مع النبي ﷺ.
كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "لما ثقل بالنبي ﷺ المرض كان يقول: أصلى الناس؟ فأنا أقول: لا.." وهذا يتعلق بالغشي، يغمى عليه ويعيد الوضوء يأتي معنا إن شاء الله، كان ابن عمر ينام ويصلي وكانت عائشة عليه.
أيقظ الله قلوبنا ورزقنا دوام الاستيقاظ، قالوا: إن القلب إذا استيقظ ما عاد ينام، إذا سجد ما عاد يرفع من السجود وهذا هو يقظته، يقظته تحقيق سجوده لربه سبحانه وتعالى، إذا تحقق بحقيقة السجود ما عاد يفارقها.
رزقنا الله يقظة القلوب ورزقنا متابعة حبيبه المحبوب، وفقهنا في دينه ورزقنا حسن الاقتداء بأمينه، وأصلح لنا وللأمة الشأن كله، وبارك لنا ولهم في خاتمة هذا الشهر وفيما بقي من أيامه ولياليه، وجعل فيها يقظة لقلوبهم وصلاحًا لأحوالهم وجمعًا لشملهم وشفاءً لمرضاهم وعافيةً لمبتلاهم، ودفعًا للأسواء عنهم وتصحيح التوبة من جميعهم، وخصوصًا عاصيهم وقبول التوبة من تائبهم، وأن يجود علينا وعليهم بِقرّة عينه حبيبه محمد ﷺ في كل حال.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
23 ربيع الأول 1445