(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب كيفية إزالة النجاسة
صباح الأربعاء: 24ذو الحجة 1444هـ
باب كيفية إزالة النجاسة
" كان جابر يقول : لا بأس بمس الأنجاس اليابسة لحاجة فإن رسول الله ﷺ أخذ بأذن شاة ميتة وقال : "أيكم يحب أن تكون هذه له بدرهم" الحديث .
حتى قالت أم قيس رضي الله عنها : أتيت بابن لي صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله ﷺ فأجلسه في حجره فبال على ثوب رسول الله ﷺ فأخذته أخذاً عنيفاً، فنهاني عن ذلك ثم دعا بماء فنضحه ولم يغسله، وفي رواية: فرشه بماء .
وكانت الأنصار وغيرهم : يرسلون بالصبيان إلى رسول الله ﷺ كثيراً فيبرك عليهم ويحنكهم فيبولون عليه فلم يتغير عليهم، وبال عليه الحسين بن علي مرة وعنده لبابة بنت الحارث ، فقالت يا رسول الله إلبس ثوباً وأعطني إزارك أغسله فأخذ ماء ونضحه. وكان ﷺ يقول : "لا تغسلوا من بول الذكر واغسلوا من بول الأنثى".
وفي رواية عن أبي السمح قال : كنت أخدم رسول الله ﷺ فكان إذا أراد أن يغتسل قال : أولني فأوليه قفاي فأستره بذلك فسمعته يقول : للسائل: "يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام الرضيع" .
وكان علي يقول : إذا أطعم الصبي غير اللبن واستغنى عنه غسل من بوله وكانت أم سلمة تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعم غسلته، وكانت تغسل من بول الجارية ساعة ولادتها ."
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات).
الحمد لله مُكرِمِنا بالشريعة والطهارة، ومُبَيِّنها على لسان نبِّيه الذي بعثه إلينا بالبشارة، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه في الله واقتفى آثاره، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله والذين جعلهم الله -تبارك وتعالى- مَوطِنَاً للمعرفة به والحُبِّ منه والحُبِّ له وجعلهم للإيمان داره وقراره، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ساداتنا الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد: فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- الأحاديث المتعلقة بإزالة النجاسة، وجاءنا بأثر "عن جابر -رضي الله تعالى عنه- ابن عبد الله -رضي الله عنهما- لأنه كان يقول: لا بأس بمسِّ الأنجاسِ اليابسة لحاجةٍ، فإن رسول الله ﷺ أخذ بأُذُن شاةٍ ميتة وقال: "أيُّكم يحب أن تكون هذه له بدرهم؟"". هكذا جاء الحديث عن سيدنا جابر، واستشهد بمسِّه ﷺ لأُذُن الميتة، وأنه إذا كانت النجاسة جافَّة يابسة وكانت اليَدُ جافَّة كذلك يابسة؛ فإنه لا تتنَجَّس اليد بوضعها في تلك النجاسة الجافة.
وكما أنه جاءنا الشرع باحتراز المؤمن عن النجاسات، وأنه لا يجوز التَّضَمُّخ للنجاسة بغير الضرورة وبغير حاجة، وأن ذلك يجوز للحاجة.
وبعد ذلك الحديث الذي أشار إليه جاءنا في رواياتٍ عنه ﷺ في تقذير الدنيا ومعرفة صغرها وقدرها وفنائها وزوالها، فقد جاء في رواية البيهقي عنه ﷺ: أنه مَرَّ فرأى شاةً ميتة فأخذ بأُذُنها وقال: "أترون هذه كريمة على أهلها؟" قالوا: وما كرامتها يا رسول الله! ورموها، قال: "فوالله للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها". فما أقبح حال المؤمن يُعَظِّم شيء من شؤون الدنيا وهي بهذه المثابة عند الله هينة!
فما كان عند ربك -عز وجل- هيِّن يكون عندك أنت غير هيِّن! ويكون عندك عظيم! فيكون هذا إساءة أدب مع الرب -جَلَّ جلاله- وانتهاج في نهج يُورِثُ العَطَب ويُورِثُ الحسرة والندامة في المنقلب!
فما حقَّره الله فهو حقير، وأبى الله أن يرفع شيء من هذه الدنيا إلا وضعه.
وجاء في رواية الإمام أحمد والطبراني في المعجم في هذا الحديث أنه ﷺ كان في سفر -ولهذا جاء في رواية أنه مرَّ على هذه الشاة في الجبل الأحمر- فسمع مؤذنا يؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال النبي ﷺ: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن محمد رسول الله، قال النبي ﷺ: أشهد أني محمد رسول الله، قال النبي ﷺ: تجدونه راعي غنم أو عازبا عن أهله.. هذا قاعد يؤذن وحده في منطقة فاضية ما فيها سكان، فلما هبط الوادي مَرَّ على سَخْلَةٍ منبوذة، قال: أترون هذه هينة على أهلها؟ قالوا يا رسول الله! من هوانها على أهلها ألقوها! قال: للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها ﷺ.
فَعُلِمَ وجوب معرفة قدر الدنيا.
وازهد بقلبك في الدار التي فَتَنت طوائفا فرأوها غاية الطَّلَبِ
تنافسوها وأعطوها قوالبهم مع القلوب فيا لله من عجبي!
وهي التي صَغُرَت قَدْرَاً وما وَزَنت عند الإله جَنَاحَاً فالحَريصُ غَبيّ!
والنجاسة يجب الاحتراز عنها، يُعَرِّفها الشافعية يقولون: كُلُّ مُستَقذَرٍ يمنعُ صحة الصلاة حيث لا مُرَخِّص، يقول المالكية في تعريفهم: صفة حُكْمِيَّة تُوجِب لموصوفها منع استباحة الصلاة به أو فيه، والمؤَّدى واحد.
وهكذا يجب على المؤمن أن يبتعد عن مُمَاسَّة النجاسات بأصنافها، وإذا أصابته النجاسة ينبغي أن يُسارِع إلى التَّطَهُّرِ منها.
إذا أصابت النجاسة شيء من الأعيان الطاهرة:
ثم ذكر لنا "حديث أم قيس: أتيتُ بابن لي صغير لم يأكل الطعام..". أي: في أيامه الأولى ولم يزل يكتفي بالرضاعة ما يَطْعَم شيء من الطعام. "قالت: فأجلسه رسول الله ﷺ في حجره، فبَالَ على ثوب رسول الله، فأخذته أخذا عنيفا فنهاني عن ذلك".
ولما أرادوا أخذ بعض الصبيان وهم يبولوا عليه قال: "لا تَزْرِمُوا الصبيَّ بَوْلَه"، أي: دعْه حتى يكمل، فلما أكمل ناولهم إيَّاه ﷺ.
وهؤلاء ستة أطفال بالوا على حِجْرِ النبي ﷺ على رجله، منهم: سيدنا الحسن، والحسين، وعبد الله بن زبير، وهذا ابن أم قيس، والسادس سليمان بن هشام، فهؤلاء كُلٌّ منهم بالَ على رجل رسول الله ﷺ، فكان إذا ذهب أولياؤه -أبوه وأمه- أمر بالماء ونضحه ﷺ لغسله.
"قالت: فنهاني عن ذلك". عن أخذه بعنف .. تأنِّي بالصبي ولا تُزْجِرِيه، ثم دعا بماء فنضحه ولم يغسله. "وفي رواية: فَرَشّه بماء".
وذكر لنا .. "كانت الأنصار وغيرهم يُرسلون بالصبيان إلى رسول الله ﷺ … ويُحنِّكهم فيبولون عليه -أي يبول بعضهم- فلم يتغيَّر عليهم ﷺ" من خُلُقه العظيم.
وبال عليه الحسين بن علي مرة وعنده لبابة بنت الحارث فقالت: يا رسول الله إلبس ثوبا وأعطني إزارك حتى أغسله، فأخذ ماءا ونضحه واكتفى بذلك. وكان يقول: "لا تغسلوا من بول الذكر واغسلوا من بول الأنثى".
وهكذا هذا حديث أم قيس ومجيئها بابنها جاء في الصحيحين، وقال سيدنا أنس بن مالك -رضي الله عنه-: رأيت النبي ﷺ كان مستلقيا وسيدنا الحسن على ظهره، فأخذ يبول، فجئتُ أريد أن أرفعه، قال ففتح عينيه -كان نائم- قال: ما لك؟ قال: الصبي يبول يا رسول الله! قال: "دعه، أمَا تعلَم أنَّ مَن آذى ابني هذا فقد آذاني؟" قال: فتركه حتى أكمل بوله، ﷺ فانظر إلى عظيم أخلاقه وشديد تواضعه ﷺ.
"وفي رواية عن أبي السمح قال: كنت أخدم رسول الله ﷺ فكان إذا أراد أن يغتسل قال: أَوْلِيني. فأوَّلِيّه قفاي؛ فأستره بذلك، فسمعته ﷺ يقول للسائل: "يُغسَلُ من بول الجارية ويُرَشُّ من بول الغلام الرضيع"".
"وكان علي -رضي الله عنه وكرم وجهه-يقول: إذا أُطعِمَ الصبي غير اللبن واستغنى عنه غُسِلَ من بوله. وكانت أم سلمة تَصُبُّ الماء على بول الغلام ما لم يطعم، فإذا طعمه غسلته. وكانت تَغسِل من بول الجارية ساعة ولادتها".
فعَلِمنا هذا الحُكم في حُكم بول الصبيّ:
عدم التفريق عند الحنفية والمالكية بين الصبي والصبية، وأن الشافعية والحنابلة أخذوا بهذه الأحاديث وجعلوا أن بول الصبي يكفي فيه الرَّش وبول الصبية كسائر النجاسات لا بد من الغسل.
طهَّرنا الله من جميع الذنوب والمعاصي والسيئات ظاهرا وباطنا..
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد ﷺ
الفاتحة
24 ذو الحِجّة 1444