(608)
(379)
(535)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 368- كتاب الحج والعمرة (15) فرع: في تحريم أكل صيد البر على المحرم
صباح الإثنين 19 جمادى الأولى1447هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال :
فرع: في تحريم أكل صيد البر على المحرم
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ ينهى عن قتل الحيوان ليس فيه ضرر، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا ضرب الحيوان غيرك لا تقتله، وكان ﷺ ينهى قتل الصيد ويقول: "هو مضمون بنظيره"، وكان ﷺ يرخص في قتل الغراب والحية والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ويقول: "إنهنّ يقتلن في الحل والحرم وليس على قاتلهنّ جناح"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- ولما نزل قوله تعالى:(فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)[المائدة :95]، كان رسول الله ﷺ يقول: "في الضبع كبش وفي الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة"، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: في الحمامة شاة، وكان عمر -رضي الله عنه- إذا سئل عن قتل صيد يقول: فيه كذا ثم يدعو شخصاً معه فإن قال بقوله يقول: اذهب فخذ هدياً إلى الكعبة، فقال له شخص: لم لم تحكم فيه وحدك؟ فقال: أما تقرأ قوله تعالى:(يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)[المائدة: 95]، وكان ﷺ ينهى المحرم عن أكل لحم الصيد إلا إذا لم يصد لأجله ولا أعان عليه، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: خرجنا مع رسول الله ﷺ محرمین فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربه بأسياطنا فقال رسول الله ﷺ: "كلوه فإنه من صيد البحر"، وكان كعب الأحبار -رضي الله عنه- يقول: الجراد نثرة حوت في البحر ينثره في كل عام مرتين من أنفه، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: أكره للمحرم أن ينزع حلمة أو قرادة عن بعيره، وكان عمر -رضي الله عنه- يحكم فيمن قتل جرادة بالتصدق بتمرة، وكان كعب الأحبار -رضي الله عنه- يحكم فيها بدرهم، وقال أنس -رضي الله عنه-: قدم إلى رسول الله ﷺ لحم صيد فرده على صاحبه فلما رأى ما في وجهه قال: "إنا لم نرده إلا أنا حرم أطعمه لأهل الحل".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى سيدنا محمد، صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاهم وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل والشرف أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى جميع ملائكة الله المقربين وعباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،
يبين الشيخ -عليه رحمة الله- ما حرَّم الله على المحرمين بالحج والعمرة من اصطياد الصيد البري الوحشي، فهو محرَّم على المحرِم بالكتاب والسنة والإجماع.
يقول الله تعالى:(لَا تَقْتُلُواالصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ)[المائدة:95]
ويقول سبحانه وتعالى:(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[المائدة:96]
وهكذا جاءتنا السنة الغراء، ونقل الإجماع الإمام النووي وغيره على تحريم اصطياد الصيد البر الوحشي من قِبَل المُحرِم بحج أو عمرة.
تعريف الصيد عند الأئمة:
وبهذا عرفنا تحريم صيد البرِّ على المحرمين بالإجماع، كما ذكر الإمام النووي وابن قدامة وغيره.
ثم صيد البحر حلال أيضًا للمحرم بالنص والإجماع، قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ۖ) [المائدة -96].
ويشمل تحريم الصيد على المُحرِم أمورًا منها:
وهذا من فقه الصحابة -عليهم رضوان الله تعالى- في واقعتهم التي كانوا فيها، سيدنا كعب معهم غير محرِم، وإذا بصيد من الصيد البري المتوحش ولم ينظر له، فجعلوا يضحكون ويتعجبون، وما كلّموه ولا قالوا له هذا صيد، من فقه الصحابة، فلما رآهم يضحكون التفت فرآه، فقام فركب على فرسه ليصطاده، قال: ناولوني سيفي قالوا: ما نناوله قال: ناولوني الرمح، قالوا: ما نناوله، نحن محرمون، انظر فقه الصحابة؛ كيف فقهُهُم! فنزل من الفرس وتناول الرمح وراح واصطاد وجاء به، فأكل منه بعضهم وبعضهم قالوا: كيف نأكل الصيد ونحن محرمون؟ فأخذوا منه بعضًا حتى لحقوا بالنبي ﷺ وكان أمامهم قد مشى، فقال: "هل أحد منكم ساعده أو دله عليه؟" قالوا: لا قال: "فكلوا" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ومكة المكرمة يحرم فيها الصيد مطلقًا على المُحرِم وعلى الحلال ما يجوز لأحد، لأن هذا البلد حرمه الله:
إنما استثنى ﷺ بعض الحيوانات المؤذية وأمر بقتلها ولو وسط الحرم، وهي:
الغراب، والحدأة، والذئب، والحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور.
ويقول: "خَمْسٌ مِنَ الدَّوابِّ ليسَ على المُحْرِمِ في قَتْلِهِنَّ جُناحٌ: الغُرابُ، والْحِدَأَةُ، والْعَقْرَبُ، والْفَأْرَةُ، والْكَلْبُ العَقُورُ".
والمراد بالغراب: الغراب الذي يقال له الأبقع الذي يأكل الجيف؛ بخلاف الغراب الذي يقال له غراب الزرع الذي يأكل الحب ولا يأكل شيئًا من اللحم؛ يحرم إذًا صيده ولكن لا يدخل في إباحة قتل الصيد، ما يقتل؛ صيده يحرم أي غراب كان، ولكن هذا الذي يُقتل الغراب الأبقع الذي يأكل الجيف.
وبعد ذلك يقول المالكية في تفصيل:
هم يقولون: أنه يباح أكل كل ما لم ينص القرآن على تحريمه بالذبح إذا ذُكِّيَ بالذكاة.
ثم يجوز قتل كل مؤذٍ بطبعه مما لم تنص عليه الأحاديث قياساً مثل: الأسد والنمر والفهد والسباع.
يقول -عليه رحمة الله-: "قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ ينهى عن قتل الحيوان ليس فيه ضرر، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا ضرب الحيوان غيرك لا تقتله، وكان ﷺ ينهى قتل الصيد" -يعني يقول: المُعتَدَى عليه هو الذي يقتله- "ويقول: "هو مضمون بنظيره"، (وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)، "وكان ﷺ يرخص في قتل الغراب والحية والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور ويقول: "إنهنّ يقتلن في الحل والحرم وليس على قاتلهنّ جناح"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- ولما نزل قوله تعالى:(فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)[المائدة :95]، كان رسول الله ﷺ يقول: "في الضبع كبش" -فمن قتل ضبع فعليه أن يُخرِج كبش- "وفي الظبي شاة وفي الأرنب عَنَاق وفي اليربوع جفرة" -من البقر- "وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: في الحمامة شاة"، وهذا مما أُثِر عن الصحابة، وتم الإجماع عليه؛ أنه "من قتل حمامة فعليه شاة"؛ إذا قتل حمامة وهو محرم أو قتلها في الحرم؛ فعليه شاة مقابلها.
"وفي الأرنب عَنَاق وفي اليربوع جفرة"، "وكان عمر -رضي الله عنه- إذا سئل عن قتل صيد يقول: فيه كذا ثم يدعو شخصاً معه فإن قال بقوله يقول: اذهب فخذ هدياً إلى الكعبة، فقال له شخص: لِمَ لَمْ تحكم فيه وحدك؟ فقال: أما تقرأ قوله تعالى:(يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ)؟"؛ اثنان، ما هو واحد؛ فكان يشاور واحدا ثاني يقول: هذا يساوي ماذا من النعم؟.
"وكان ﷺ ينهى المحرم عن أكل لحم الصيد إلا: إذا لم يُصَد لأجله ولا أعان عليه"؛ بالشرطين.
قال: "وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: خرجنا مع رسول الله ﷺ محرمین فاستقبلنا رِجل من جراد فجعلنا نضربه بأسياطنا فقال رسول الله ﷺ: "كلوه فإنه من صيد البحر"، وكان كعب الأحبار -رضي الله عنه- يقول: الجراد نثرة حوت في البحر ينثره في كل عام مرتين من أنفه، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: أكره للمحرم أن ينزع حلمة أو قرادة عن بعيره" -من الحيوانات التي تقع على البعير-، "وكان عمر -رضي الله عنه- يحكم فيمن قتل جرادة بالتصدق بتمرة"؛ مقابل الجرادة. "وكان كعب الأحبار -رضي الله عنه- يحكم فيها بدرهم"؛ الجراد.
"وقال أنس -رضي الله عنه-: قدم إلى رسول الله ﷺ لحم صيد فرده على صاحبه فلما رأى ما في وجهه قال: "إنا لم نرده إلا أنَّا حُرُم أطعمه لأهل الحِل"، أي: من لم يكن مُحرِما. "وقُدَّم إليه مرة بيض نعام فرَدَّه وقال: إنا حُرُم، وكان طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- يقول: "خرجنا مع رسول الله ﷺ ونحن حرم فأُهدي لنا طير فأكلناه مع رسول الله ﷺ". وهذا في كل ما لم يُصطَد من أجل المحرم ولم يُعِن المحرم عليه.
رزقنا الله كمال الإيمان واليقين والتصديق والاقتداء والاهتداء والاتباع، وحمانا من الآفات، ورعانا بعين العناية، وثبتنا أكمل الثبات، وفرّج كروبنا وكروب المؤمنين والمؤمنات، وجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وثبتنا على الصراط المستقيم، وأجارنا من خزيه وعذابه الأليم، وأصلح شؤوننا والأمة، وكشف الغمة، وعاملنا بمحظ الجود والرحمة، وبسط لنا بساط المنَّة والإحسان، وواسع الامتنان، مع صلاح كل شأن لنا وللأمة أجمعين، وعاملنا بفضله وبما هو أهله، واختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا في لطف وعافية.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
19 جمادى الأول 1447