كشف الغمة 365- كتاب الحج والعمرة (12) باب محرمات الإحرام -1-

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 365- كتاب الحج والعمرة (12) باب محرمات الإحرام -1-

صباح الأربعاء 14 جمادى الأولى1447هـ  

خلاصة عن الدرس

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  الإحرام للحج ومقصده
  •  الألبسة التي تحرم على الرجل المحرم
  •  حكم الخفين في الحج
  •  لباس المرأة المحرمة، وحكم تغطية الوجه
  •  ألبسة تحرم على الرجل المحرم
  •  حكم لبس العباءة والسراويل
  •  هل يجوز حمل المُحرم السلاح؟
  •  ستر المحرم لرأسه ووجهه
  •  تغطية وجه المرأة للفتنة

نص الدرس المكتوب: 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)،  إلى أن قال:

باب محرّمات الإحرام

"كان رسول الله ﷺ يقول:" لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوباً مسَّه ورس أو زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين"، وكان ﷺ يقول: "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين وما مسَّ الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفراً أو خزّاً أو حلياً أو سراويل أو قميصاً أو خفين"، وكان ﷺ يقول: "من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل" قالت عائشة: وكانت الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله ﷺ محرمات، فإذا حاذَوْنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه.

وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يأمر بقطع الخفين للمرأة المحرمة فلما بلغه أن رسول الله ﷺ رخص للنساء في الخفين ترك ذلك، كان ﷺ إذا رأى من أحرم في قميص جاهلاً يأمره بنزعه ولم يكن يأمره بفدية، وإذا رأى من عليه طيب يأمره بغسله ثلاث مرات، وكان ﷺ يغير ثوبه الذي أحرم فيه إذا اتسخ، وكان أنس -رضي الله عنه- يكره أن يطرح عليه قميص وهو محرم يعني من غير لبس له، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا أحرم لا يعقد رداءه عليه وإنما كان يغرز طرفي ردائه في إزاره بأن يخالف بين طرفي ثوبه من ردائه ثم يعقده، وكان كثيراً ما يقول للمحرم: لا تعقد شيئاً". 

وكان ﷺ يُرخِّص للمحرم في تظلُّلِه من الحر وغيره وينهاه عن تغطية رأسه. وكان عثمان -رضي الله عنه- يغطي وجهه وهو محرم. وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: ما فوق الذقنِ من الرأس فلا يغطيه المُحرم. قال شيخنا -رضي الله عنه-: ويشهد لذلك ما يأتي قريبًا من قوله ﷺ في المُحرم الذي مات: "ولا تخمروا وجهه". 

قال أنس -رضي الله عنه- ولمَّا حجَّ رسول الله ﷺ ورمى جمرة العقبة في الحر، كان بلال وأسامة يُظلَّانه بثوبٍ من الحر وهما واقفان على رأسه، وكان ﷺ يأمر بغسل من مات محرمًا، ويقول: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثيابه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً".

 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمدلله مكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان حبيبه ومصطفاه سيدنا محمد بن عبدالله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، أدِم اللهم صلواتك على خير الخلق سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن اتبعه ووالاه، وعلى جميع آبائه وإخوانه من رسل الله والأنبياء وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ولم يزل الحق -تبارك وتعالى- يتعبد عباده المكلفين بأنواعٍ من العبادات تحتوي على ترويض أنفسهم وتطهيرها وتنقيتها وصلاحيتها للقرب من الله تعالى، وصلاحية القلوب للمعرفة، وصلاحية الأرواح للمحبة، وتهيئ الأسرار للمشاهدة بواسطة ما شرع لهم من العبادات والطاعات -جل جلاله وتعالى في علاه. 

ومن ذلك ما يتعلق بأركان الإسلام، ومنه يتعلق منها أيضًا بالحج والعمرة إلى بيت الله -جل جلاله-، ومنها الإحرام ونية الدخول في الحج أو في العمرة أو فيهما للقارن، فنية الدخول في ذلك هو الإحرام؛ وهو الذي يتحول به المؤمن إلى مُحرِم تحرم عليه أشياء كانت حلالاً له قبل أن يدخل في هذا النسك وفي هذه العبادة. 

فجاء الشرع المصون بتغيير العادات والمألوفات والخروج عنها ترويضًا للنفس، وتطهيرًا لها من الدنس والرجس، ولتحقيق العبودية لله القدوس -جل جلاله وتعالى في علاه-.

ففرق أيضًا بين الرجل والمرأة، فأباح للمرأة أن تلبس المحيط والمخيط وحرّم ذلك على الرجل، وقال كما سمعنا في الحديث الذي يذكره الشيخ -عليه رحمة الله- في باب محرمات الإحرام، "كان رسول الله ﷺ يقول:" لا يلبس المحرم القميص""، وكان لباس القميص من أحب اللباس إلى رسول الله ﷺ، "ولا العمامة"، وهذه هي الألبسة المشتهرة في ذاك الوقت بل التي كان يكثر استعماله بنفسه لها ﷺ؛ القميص والعمامة والجبة، قال: "ولا البرنس" ما يغطى به الرأس، "ولا السراويل" والسراويل مفرد جمعه سراويلات، والواحد يقال له سراويل، وليس قولهم "سروال" بفصيحة، ليست بفصيحة بل هي لحن في اللغة، فالواحد سراويل والجمع سراويلات، "ولا السراويل ولا ثوباً مسَّه ورس أو زعفران" لأن فيه طيباً يحرم على المحرم أن يستعمله. قال:"ولا ثوباً مسَّه ورس أو زعفران ولا الخفين –في الرجلين- ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين -وليس معه إلا الخفين ويضطر إلى لبسهما- فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين"، فما جمع بين تغطية القدم إلى الكعب فهو حرام على الرجل أن يلبسه، وما كان ظاهرًا منه الكعبان أو ظهر ظاهر القدم من النعال فيجوز لبسها للمحرم، وما يغطي مقدمة الرجل والكعبين فلا يجوز أن يستعمله لأنه يصير محيطًا، وقال لمن لم يجد النعلين وعنده الخفان: "فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين".

"وكان ﷺ يقول: "لا تنتقب المحرمة " هذا في شأن الرجل والمرأة كذلك "لا تنتقب أي- لا تغطي وجهها- ولا تلبس القفازين" يعني: أكياس اليدين، لا تلبس القفازين.

ومن هنا جاء: 

  • أن إحرام الرجل في رأسه.
  • وإحرام المرأة في وجهها وكفيها، فلا تنتقب ولا تلبس القفازين.

ومع ذلك فإذا خافت المرأة نظر الرجال الأجانب إليها:

  • جاز لها أن تستر الوجه، ويقول بالفدية من يقول 
  • وعند المالكية: إذا كان ستر الوجه من غير غرز ولا ربط لم تلزم الفدية.

وكما اختار ﷺ لأمهات المؤمنين وابنته فاطمة لما حججن معه أن يسدلن الستر على وجوههن إذا رأين الركبان، إذا تعرضن لرؤية الغير، فقالت أم المؤمنين كنا إذا أقبل الركبان علينا أسدلنا الستر على وجوهنا، فإذا ذهبوا عنا كشفنا عن وجوهنا، فاختار لأمهات المؤمنين وابنته فاطمة أن يتسترن وهن محرمات، يسترن وجوههن من الأجانب، وهم في ذلك الوقت خيار الأمة أصحاب نبيناﷺ.

قال: "ولا تلبس -يعني: المرأة- القفازين -ستر للكفين- وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفراً أو خزّاً أو حلياً أو سراويل أو قميصاً أو خفين"، فذلك جائز للمرأة، إنما يحرم المحيط المخيط على الرجل المحرم، يحرم عليه أن يلبس المحيط، المرأة تلبس ما أحبت.

"وكان ﷺ يقول: "من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل"، أي: للضرورة؛ ثم تلزمه الفدية عند الجمهور.

"قالت عائشة -رضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين-: وكانت الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله ﷺ محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه"، وكان ذلك بنظر سيدنا رسول الله ﷺ.

 

إذًا؛ جعل الحق تعالى هذه المحرمات للإحرام:

  • خروجاً للإنسان عن المألوفات والمعتادات.
  • وتحقيقاً للعبودية.
  • وتنقيةً للنفس عن شوائبها.

فإذاً يحرُم على الرجل أن يستر جسمه كله أو عضو منه بشيء من اللباس المخيط المحيط، فما ينسج على هيئة الأعضاء والجسم وتدخل فيه قطعة واحدة دون خياطة محيط، يحرم؛ ولكن يستعمل إزاراً ورداءً ويستر به نفسه من دون أن يكون محيطاً به.

وهكذا هذا الحديث الأول الذي ذكره قد جاء عند الستة من الصحيحين والسنن الأربع: لا تَلْبَسُوا القُمُصَ، ولَا العَمَائِمَ، ولَا السَّرَاوِيلَاتِ، ولَا البَرَانِسَ، ولَا الخِفَافَ ، إلَّا أحَدٌ لا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ ، ولَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شيئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ ولَا الوَرْسُ". وفي رواية ابن عمر: "لا تنتقبُ المرأةُ المحرمةُ ولا تلبسُ القفَّازينِ"، جاء في رواية البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي. 

إذًا يشتمل هذا التحريم من النبي ﷺ على تحريم لبس القباء والسراويل ونحوها.

أما لو وضع القباء ونحوه من غير لبس أكمامه عليه فيكون إذا هو محيط:

  • محظور عند المالكية والشافعية ومعتمد الحنابلة كذلك، لنهيه ﷺ  عن لبسه للمحرم.
  • وقال الحنفية: لَوْ أَلْقَى الْقَبَاءَ أَوِ الْعَبَاءَ وَنَحْوَهُمَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِدْخَال يَدَيْهِ أَوْ إِحْدَاهُمَا فِي كُمَّيْهِ وَلَمْ يَزُرَّهُ جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَلاَ فِدَاءَ عَلَيْهِ، وقالوا: أَنَّ الْقَبَاءَ لاَ يُحِيطُ بِالْبَدَنِ.

 فمن لم يجد الإزار، كما جاء معنا: 

  • يجوز له أن يلبس السراويل إلى أن يجد ما يأتزِر به.
  • فإذا كان من غير تقصير منه فلا فدية عليه عند الشافعية والحنابلة.
  • وقال الحنفية: يجوز لبس السراويل إذا كان غير قابل لأن يُشَق ويتزر به، فإذا كان واسعاً ويمكن أن يتحول إلى إزار فيشقه ويجعله إزاراً.
  • وهكذا أيضاً يقول المالكية: 
    • يجوز لبس السراويل إذا عُدِم الإزار ويفتدي.
    • وفي قول عندهم: لا يجوز أن يلبس السراويل وهو المعتمد عند المالكية، ولو عدم الإزار، ولكن يبحث عن سترة بشيء غير السراويل.

جاءنا خبر لبس الخُفين لمن لم يجد النعلين: 

  • يقطع الخفين أسفل من الكعبين ويلبسهما، وهذا هو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية، وهو كذلك رواية عن الإمام أحمد. وجاء عن الإمام أحمد في المُعتمد في المذهب: أنَّه لا يقطع الخفين ويلبسهما كما هما، هذا قول عطاء وعكرمة كذلك. 
  • والجمهور أخذوا من النَّص الذي ورد في الحديث، قوله: "وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ"
  • وأخذ الحنابلة بالعموم حديث ابن عباس، يقول: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: "مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ،  -ما ذكر القطع هنا- وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ" هكذا جاء في الصحيحين، وبظاهره أخذ الحنابلة وقالوا: لا يَقطع شيئًا من الخفين ويلبسهما كما هما. 

وكذلك كل ما ستر شيء من القدمين -ستر إحاطة- يلحق بالخفَّين

  • فمن وجد النعلين لم يجز له لبس الخفَّين ووجب عليه خلعهما، إن كان قد لبسهما. 
  • وقال الحنفية: كل ما كان غير ساتر للكعبين الذين في ظاهر القدمين فهو جائز للمُحرم.

ثم بعد ذلك هل يجوز أن يتقلَّد المُحرم السلاح؟

  • فمنع ذلك المالكية والحنابلة وقالوا: تقلُّد السيف من دون حاجة ممنوع على المُحرِم -أي سلاحٍ كان-، وقال المالكية: إذا حمل السلاح عليه الفدية؛ إذا تقلَّد السلاح لغير حاجة. 
  • قال الحنفية والشافعية: يجوز إذا لم يكن مُحيطًا، وليس بحرام.

ثم ستر الرأس:

  • على الرجل يَحرم، فلا يستر المُحرِم رأسه ولا بعض رأسه؛ بما يُسمى سترًا؛ أما لو وضع يده فوق رأسه لا يُعدَّ سترًا، وإذا حمل شيئًا فوق رأسه إذا لم يتدلَّ على رأسه فلا يُعدُّ ساترًا ويجوز، وأما إذا تدلى ما كان رطب  وتدلَّى من جوانب الرأس، فلا يجوز حمله بهذه الصورة. 

إذًا فالمُحرم:

  • لا يجوز له أن يعصب رأسه بعصابة، ولا سير، ولا يجعل عليه عمامة ولا قلنسوة ولا شيء يستر الرأس. 
  • قال المالكية: بما يبلغ مساحة درهم فأكثر. 
  • وقال الحنفية: ما كان أقل من ربع الرأس مكروه. أما نحو خيطٍ ونحوه؛ لا يعد ساترًا للرأس. 
  • ولكنَّ المالكية رأوا حُرمة وضع اليد على الرأس وعدُّوها ساتر.
  • ولكن كما قال الحنفية والحنابلة: لا يحرم وضع اليد على الرأس، وكذلك قال الشافعية: إذا لم يرد مضادة الشريعة ويقصد ستر الرأس فلا يعد سترًا للرأس؛ كما أنَّه يمسح الرأس عند الوضوء ولا يُعد ذلك سترًا.. يمسح بيديه. 
  • وكذلك الحمل على الرأس -ذكرناه- إذا لم يكن مما يُقصد به التغطية -بحسب العادة-. فأما إذا تدلَّى فاستوعب الرأس فيصير ساترًا. 

ومن نوى وقصد الستر بحملٍ أو غيره؛ فله ما نوى، ويعاقب على نيَّته. 

أما ما لا يُلامس الرأس -مما يُستظل به- مثل المظلَّة وغيرها، فجائز بالاتفاق، مثل سقف الخيمة، والبيت من داخلهما، أو حمل مظلَّة على الرأس، فذلك جائز.

  • وللمرأة ستر الوجه، يحرم عليها ستر وجهها.
  • أمَّا الرجل فألحقَ الحنفية والمالكية الوجه بالرأس، فقالوا أيضًا: لا يستر رأسه ولا يستر وجهه المُحرم. 
  • لكن يقول الشافعية والحنابلة: ما له دخل بالرجل، وإنما هو على المرأة، فيجوز للرجل أن يغطي وجهه.
  • وجاء في صحيح مسلم ما استدلَّ به الحنفية والمالكية: "أَنَّ رَجُلًا أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقالَ النبيُّ ﷺ: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا"، هكذا جاء في صحيح مسلم. فقوله: "وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ وَلَا وَجْهَهُ" أخذه الحنفية والمالكية أنه: لا يجوز للمُحرِم وإن كان ذكرًا أن يستر وجهه. 
  • لكن قال الشافعية والحنابلة: لا يحرم عليه سترُ الوجه، وإنما ذلك خاصٌ بالنساء؛ لِما جاء عن بعض الصحابة أن المُحرم يغطِّي وجهه، من فعلهم ومن أقوالهم؛ كما جاء عن جماعة من مثل: سيدنا عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وزيد بن ثابت، وسعد بن أبي وقاص، وسيدنا جابر، وغيرهم.

 

كذلك يَحرُم لبس القفازين على الرجل وعلى المرأة؛ لأنه مُحيط، ولأن المرأة -أيضًا- يحرُم عليها لبس القفازين في يديها. 

فلا تستر المرأة وجهها أثناء الإحرام، "لَا تَنْتَقِبُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ". فإذا أرادت أن تحتجب لستر وجهها عن الرجال جاز لها ذلك باتفاق العلماء؛ فإذا خشيت الفتنة أو غلب على الظن وجب عليها الستر.

وقرأنا حديث السيدة عائشة، وأصله أيضًا في سنن أبي داود: "كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا جَاوَزُوا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ". وهكذا قالت فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ: "كُنَّا نُخَمِّرُ أي -نُغطِّي- وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ"، رواه الإمام مالك والحاكم في المُستدرك؛ يعني ستر وجههم من غير النِّقاب، من أجل نظر الأجانب.

  • قال الحنفية والشافعية: لا يُلامس الستر الوجه، كأن تضع على رأسها -تحت الساتر- شيء يمنع أن يلتصق الساتر بالوجه؛ حينئذ يصير كالاستظلال بالمَحْمل، لا شيء عليها.
  • قال المالكية: إذا قصدت الستر عن أعين الناس جاز لها أن تستر وجهها بثوبٍ تُسدله من فوق رأسها دون ربطٍ ولا غرزٍ بإبرة أو نحوها، وهو كذلك عند الحنابلة. وقالوا إن احتاجت إلى ستره لأنَّ العلَّة في الستر المُحرَّم أنه مما يُربَط، وهذا لا يُربَط. فهذا قول الحنابلة وكذلك قول المالكية.
  • وقال الشافعية والحنابلة: لا تجعل الستر مُلامسًا لوجهها وإلا لزمتها الفدية. 

والجواز: جائز باتفاق الجميع، إذا سترت وجهها من أجل كفّ أعين الأجانب، جاز لها. جاء أيضًا في حديث ابن عمر: "إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا".

وهكذا يُتابع لنا ذكر ما يَحرُم على المُحرِم في أثناء إحرامِه بالحج والعمرة، يقول:

  • "كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يأمر بقطع الخفين للمرأة المحرمة، فلما بلغه أن رسول الله ﷺ رخَّص للنساء في الخُفين ترك ذلك". 
  • "كان ﷺ إذا رأى من أحرم في قميصٍ جاهلًا يأمره بنزعه ولم يكن يأمره بفدية، وإذا رأى من عليه طِيب يأمره بغسله ثلاث مرات". 
  • "وكان ﷺ يُغيِّر ثوبه الذي أحرم فيه إذا اتَّسخ". 
  • "وكان أنس -رضي الله عنه- يكره أن يُطرح عليه قميص وهو مُحرِم -يعني من غير لبس له-". 
  • "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا أحرم لا يعقد رداءه عليه وإنما كان يغرز طرفي ردائه في إزاره بأن يُخالف بين طرفي ثوبه وردائه ثم يعقده، وكان كثيرًا ما يقول للمحرم: لا تعقد شيئاً". 
  • وكان ﷺ يُرخِّص للمحرم في تظلُّلِه من الحر وغيره وينهاه عن تغطية رأسه. وكان عثمان -رضي الله عنه- يغطي وجهه وهو محرم. وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: ما فوق الذقنِ من الرأس فلا يغطيه المُحرم. قال شيخنا -رضي الله عنه-: ويشهد لذلك ما يأتي قريبًا من قوله ﷺ في المُحرم الذي مات: "ولا تخمروا وجهه". 
  • قال أنس -رضي الله عنه- ولمَّا حجَّ رسول الله ﷺ ورمى جمرة العقبة في الحر، كان بلال وأسامة يُظلَّانه بثوبٍ من الحر وهما واقفان على رأسه، وكان ﷺ يأمر بغسل من مات محرمًا، ويقول: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثيابه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً"؛ لأن المرء يُبعث على ما مات عليه. والله أعلم.

رزقنا الله حسن الاتِّباع لحبيبه محمد، والاقتداء به، والتَّخلُّق بأخلاقه، والتَّأدب بآدابه، وأحيا فينا حقائق التقوى والإنابة والاستقامة، ودفع عنَّا الآفات وعن الأمَّة وكشف الغمَّة، وعمَّ عبيده بالرحمة في خيرٍ ولطفٍ وعافية. 

 

بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ

 إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ 

الْفَاتِحَة

تاريخ النشر الهجري

15 جمادى الأول 1447

تاريخ النشر الميلادي

06 نوفمبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام