(535)
(377)
(607)
(339)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 365- كتاب الحج والعمرة (12) باب محرمات الإحرام -1-
صباح الأربعاء 14 جمادى الأولى1447هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:
باب محرّمات الإحرام
"كان رسول الله ﷺ يقول:" لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوباً مسَّه ورس أو زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين"، وكان ﷺ يقول: "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين وما مسَّ الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفراً أو خزّاً أو حلياً أو سراويل أو قميصاً أو خفين"، وكان ﷺ يقول: "من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل" قالت عائشة: وكانت الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله ﷺ محرمات، فإذا حاذَوْنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه.
وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يأمر بقطع الخفين للمرأة المحرمة فلما بلغه أن رسول الله ﷺ رخص للنساء في الخفين ترك ذلك، كان ﷺ إذا رأى من أحرم في قميص جاهلاً يأمره بنزعه ولم يكن يأمره بفدية، وإذا رأى من عليه طيب يأمره بغسله ثلاث مرات، وكان ﷺ يغير ثوبه الذي أحرم فيه إذا اتسخ، وكان أنس -رضي الله عنه- يكره أن يطرح عليه قميص وهو محرم يعني من غير لبس له، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا أحرم لا يعقد رداءه عليه وإنما كان يغرز طرفي ردائه في إزاره بأن يخالف بين طرفي ثوبه من ردائه ثم يعقده، وكان كثيراً ما يقول للمحرم: لا تعقد شيئاً".
وكان ﷺ يُرخِّص للمحرم في تظلُّلِه من الحر وغيره وينهاه عن تغطية رأسه. وكان عثمان -رضي الله عنه- يغطي وجهه وهو محرم. وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: ما فوق الذقنِ من الرأس فلا يغطيه المُحرم. قال شيخنا -رضي الله عنه-: ويشهد لذلك ما يأتي قريبًا من قوله ﷺ في المُحرم الذي مات: "ولا تخمروا وجهه".
قال أنس -رضي الله عنه- ولمَّا حجَّ رسول الله ﷺ ورمى جمرة العقبة في الحر، كان بلال وأسامة يُظلَّانه بثوبٍ من الحر وهما واقفان على رأسه، وكان ﷺ يأمر بغسل من مات محرمًا، ويقول: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثيابه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمدلله مكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان حبيبه ومصطفاه سيدنا محمد بن عبدالله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، أدِم اللهم صلواتك على خير الخلق سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن اتبعه ووالاه، وعلى جميع آبائه وإخوانه من رسل الله والأنبياء وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ولم يزل الحق -تبارك وتعالى- يتعبد عباده المكلفين بأنواعٍ من العبادات تحتوي على ترويض أنفسهم وتطهيرها وتنقيتها وصلاحيتها للقرب من الله تعالى، وصلاحية القلوب للمعرفة، وصلاحية الأرواح للمحبة، وتهيئ الأسرار للمشاهدة بواسطة ما شرع لهم من العبادات والطاعات -جل جلاله وتعالى في علاه.
ومن ذلك ما يتعلق بأركان الإسلام، ومنه يتعلق منها أيضًا بالحج والعمرة إلى بيت الله -جل جلاله-، ومنها الإحرام ونية الدخول في الحج أو في العمرة أو فيهما للقارن، فنية الدخول في ذلك هو الإحرام؛ وهو الذي يتحول به المؤمن إلى مُحرِم تحرم عليه أشياء كانت حلالاً له قبل أن يدخل في هذا النسك وفي هذه العبادة.
فجاء الشرع المصون بتغيير العادات والمألوفات والخروج عنها ترويضًا للنفس، وتطهيرًا لها من الدنس والرجس، ولتحقيق العبودية لله القدوس -جل جلاله وتعالى في علاه-.
ففرق أيضًا بين الرجل والمرأة، فأباح للمرأة أن تلبس المحيط والمخيط وحرّم ذلك على الرجل، وقال كما سمعنا في الحديث الذي يذكره الشيخ -عليه رحمة الله- في باب محرمات الإحرام، "كان رسول الله ﷺ يقول:" لا يلبس المحرم القميص""، وكان لباس القميص من أحب اللباس إلى رسول الله ﷺ، "ولا العمامة"، وهذه هي الألبسة المشتهرة في ذاك الوقت بل التي كان يكثر استعماله بنفسه لها ﷺ؛ القميص والعمامة والجبة، قال: "ولا البرنس" ما يغطى به الرأس، "ولا السراويل" والسراويل مفرد جمعه سراويلات، والواحد يقال له سراويل، وليس قولهم "سروال" بفصيحة، ليست بفصيحة بل هي لحن في اللغة، فالواحد سراويل والجمع سراويلات، "ولا السراويل ولا ثوباً مسَّه ورس أو زعفران" لأن فيه طيباً يحرم على المحرم أن يستعمله. قال:"ولا ثوباً مسَّه ورس أو زعفران ولا الخفين –في الرجلين- ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين -وليس معه إلا الخفين ويضطر إلى لبسهما- فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين"، فما جمع بين تغطية القدم إلى الكعب فهو حرام على الرجل أن يلبسه، وما كان ظاهرًا منه الكعبان أو ظهر ظاهر القدم من النعال فيجوز لبسها للمحرم، وما يغطي مقدمة الرجل والكعبين فلا يجوز أن يستعمله لأنه يصير محيطًا، وقال لمن لم يجد النعلين وعنده الخفان: "فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين".
"وكان ﷺ يقول: "لا تنتقب المحرمة " هذا في شأن الرجل والمرأة كذلك "لا تنتقب أي- لا تغطي وجهها- ولا تلبس القفازين" يعني: أكياس اليدين، لا تلبس القفازين.
ومن هنا جاء:
ومع ذلك فإذا خافت المرأة نظر الرجال الأجانب إليها:
وكما اختار ﷺ لأمهات المؤمنين وابنته فاطمة لما حججن معه أن يسدلن الستر على وجوههن إذا رأين الركبان، إذا تعرضن لرؤية الغير، فقالت أم المؤمنين كنا إذا أقبل الركبان علينا أسدلنا الستر على وجوهنا، فإذا ذهبوا عنا كشفنا عن وجوهنا، فاختار لأمهات المؤمنين وابنته فاطمة أن يتسترن وهن محرمات، يسترن وجوههن من الأجانب، وهم في ذلك الوقت خيار الأمة أصحاب نبيناﷺ.
قال: "ولا تلبس -يعني: المرأة- القفازين -ستر للكفين- وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفراً أو خزّاً أو حلياً أو سراويل أو قميصاً أو خفين"، فذلك جائز للمرأة، إنما يحرم المحيط المخيط على الرجل المحرم، يحرم عليه أن يلبس المحيط، المرأة تلبس ما أحبت.
"وكان ﷺ يقول: "من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل"، أي: للضرورة؛ ثم تلزمه الفدية عند الجمهور.
"قالت عائشة -رضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين-: وكانت الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله ﷺ محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه"، وكان ذلك بنظر سيدنا رسول الله ﷺ.
إذًا؛ جعل الحق تعالى هذه المحرمات للإحرام:
فإذاً يحرُم على الرجل أن يستر جسمه كله أو عضو منه بشيء من اللباس المخيط المحيط، فما ينسج على هيئة الأعضاء والجسم وتدخل فيه قطعة واحدة دون خياطة محيط، يحرم؛ ولكن يستعمل إزاراً ورداءً ويستر به نفسه من دون أن يكون محيطاً به.
وهكذا هذا الحديث الأول الذي ذكره قد جاء عند الستة من الصحيحين والسنن الأربع: لا تَلْبَسُوا القُمُصَ، ولَا العَمَائِمَ، ولَا السَّرَاوِيلَاتِ، ولَا البَرَانِسَ، ولَا الخِفَافَ ، إلَّا أحَدٌ لا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْهُما أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ ، ولَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شيئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ ولَا الوَرْسُ". وفي رواية ابن عمر: "لا تنتقبُ المرأةُ المحرمةُ ولا تلبسُ القفَّازينِ"، جاء في رواية البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي.
إذًا يشتمل هذا التحريم من النبي ﷺ على تحريم لبس القباء والسراويل ونحوها.
أما لو وضع القباء ونحوه من غير لبس أكمامه عليه فيكون إذا هو محيط:
فمن لم يجد الإزار، كما جاء معنا:
جاءنا خبر لبس الخُفين لمن لم يجد النعلين:
وكذلك كل ما ستر شيء من القدمين -ستر إحاطة- يلحق بالخفَّين:
ثم بعد ذلك هل يجوز أن يتقلَّد المُحرم السلاح؟
ثم ستر الرأس:
إذًا فالمُحرم:
ومن نوى وقصد الستر بحملٍ أو غيره؛ فله ما نوى، ويعاقب على نيَّته.
أما ما لا يُلامس الرأس -مما يُستظل به- مثل المظلَّة وغيرها، فجائز بالاتفاق، مثل سقف الخيمة، والبيت من داخلهما، أو حمل مظلَّة على الرأس، فذلك جائز.
كذلك يَحرُم لبس القفازين على الرجل وعلى المرأة؛ لأنه مُحيط، ولأن المرأة -أيضًا- يحرُم عليها لبس القفازين في يديها.
فلا تستر المرأة وجهها أثناء الإحرام، "لَا تَنْتَقِبُ الْمُحْرِمَةُ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ". فإذا أرادت أن تحتجب لستر وجهها عن الرجال جاز لها ذلك باتفاق العلماء؛ فإذا خشيت الفتنة أو غلب على الظن وجب عليها الستر.
وقرأنا حديث السيدة عائشة، وأصله أيضًا في سنن أبي داود: "كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا جَاوَزُوا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ". وهكذا قالت فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ: "كُنَّا نُخَمِّرُ أي -نُغطِّي- وُجُوهَنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ وَنَحْنُ مَعَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ"، رواه الإمام مالك والحاكم في المُستدرك؛ يعني ستر وجههم من غير النِّقاب، من أجل نظر الأجانب.
والجواز: جائز باتفاق الجميع، إذا سترت وجهها من أجل كفّ أعين الأجانب، جاز لها. جاء أيضًا في حديث ابن عمر: "إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا".
وهكذا يُتابع لنا ذكر ما يَحرُم على المُحرِم في أثناء إحرامِه بالحج والعمرة، يقول:
رزقنا الله حسن الاتِّباع لحبيبه محمد، والاقتداء به، والتَّخلُّق بأخلاقه، والتَّأدب بآدابه، وأحيا فينا حقائق التقوى والإنابة والاستقامة، ودفع عنَّا الآفات وعن الأمَّة وكشف الغمَّة، وعمَّ عبيده بالرحمة في خيرٍ ولطفٍ وعافية.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
15 جمادى الأول 1447