(339)
(368)
(535)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 363- كتاب الحج والعمرة (10) فصل في التلبية
صباح السبت 12 ربيع الثاني 1447هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:
"وكان ﷺ يعلم الناس كيفية إحرامهم ويقول للنساء أصحاب الضرورات: "حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني فإنك إن حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك عزّ وجل"، ولما أراد رسول الله ﷺ الإحرام في حجة الوداع قال لأصحابه: "من أراد منكم أن يهل بحج أو عمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل"، فانقسم الناس في حجة الوداع ثلاث فرق فكان منهم من أهل بعمرة وتمتع بها إلى الحج، ومنهم من أهلّ بحج وعمرة، ومنهم من أهلّ بحج، وسيأتي في باب دخول مكة أنه ﷺ تمتع عام حجة الوداع تخفيفاً على الناس حين امتنع بعضهم من ذلك وتبعه أبو بكر وعمر وعثمان وخلق كثير، وكان معاوية -رضي الله عنه- يقول: أحل رسول الله ﷺ من العمرة بأخذ الشعر ولم يزل محرمًا بالحج وإنما أخذ من شعره تطييبًا لقلوب أصحابه، وكان ﷺ يقول لمن أهلّ بحج وعمرة قولوا: لبيك اللهم عمرة في حجة. قال أنس -رضي الله عنه-: وكان رسول الله ﷺ نهاهم عن القران ثم رخص فيه بأمر جبريل عليه السلام وقال: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة".
وكان ﷺ قد أهلّ بعمرة ثم قال وهو بالعقيق: "أتاني الليلة آت من ربي -عز وجل- فقال صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة"، فقرن عند ذلك، فلذلك اختلفت مقالات الناس، فروى بعضهم أنه أحرم بالحج منفردًا حين رأوه سائق الهدي، وروى بعضهم أنه تمتع بالعمرة حين رأوه أخذ من شعره، وروى بعضهم أنه قرن وكل صحيح فلما دخلوا جميعاً مكة؛ فمن كان محرمًا بالعمرة طاف وسعى وحلق وحل له الطيب والمخيط، ومن كان محرمًا بالحج طاف وسعى حتى إذا كان يوم عرفة ووقف بها وحلق ورمى ثم حل من إحرامه وكذلك من كان قارنًا كما سيأتي بسطه في باب دخول مكة إن شاء الله تعالى؛ وكان ابن المسيب -رضي الله عنه- يقول: "بلغني أنه شهد رجل عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله ﷺ في مرضه الذي مات فيه ينهى عن العمرة قبل الحج"، والله تعالى أعلم".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان خير الورى سيدنا محمد صلى الله عليه وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسانٍ سرًا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الراقين في الفضل والشرف والكرامة أعلى الذُّرى، وعلى آله وصحبهم التابعين، وعلى ملائكة الله المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنَّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،
فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- كيفيات الإحرام بالحج والعمرة ما بين الإفراد والتمتع والقِران، وما قيل في فضل ذلك، وأيها يَفضُلُ على الآخر، وما يكون من الاشتراط عند الإحرام؛ أنه إذا منع مانع من إتمام الحج والعمرة أن يكون محِلُّه ذلك أي: تحلُّلَه من الحج أو العمرة.
"وكان ﷺ يعلم الناس كيفية إحرامهم ويقول للنساء أصحاب الضرورات: "حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني فإنك إن حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك عزّ وجل""، هكذا جاء في تعليمه ﷺ لبعض النساء اللاتي أردن أن يحرمن، وخافت المرض -وهي شاكية- فقال لها ذلك.
فإذا عُذِرَتْ إما بتعب المرض، أو بمانع يمنعها من الدخول، أو صادّ يصدها، فيكون هذا الاشتراط في الإحرام.
قال الشافعية: يصح الاشتراط في الإحرام بالحج والعمرة، وهو يفيد إباحة التحلل من الإحرام عند وجود الحابس والمانع الذي يمنع من الدخول إلى مكة من مرض وغيره. فإذا لم يشترط، لا يجوز له التحلل إلا إذا أُحصِر، فيبقى حكمه كما هو لو فاته الوقوف، وإذًا فالحج فحكمه أن يتحلل بأعمال عمرة، ثم يقضي من العام القابل إلى غير ذلك مما هو معلوم.
قال الشافعية: أنّ اشتراط التحلل عند وجود العذر يفيد لجواز التحلل.
وتوسع فيه الحنابلة، قالوا: نعم، يجوز له أن يشترط عند الإحرام، ثم قالوا: يستحب له أن يشترط عند الإحرام، ويفيد هذا الشرط أمرين:
قال الحنفية والمالكية: ما يصح الإشتراط ولا يفيد صاحبه شيئ.
وقال الشافعية والحنابلة: إنه ﷺ قالت له ضُباعة بنت الزبير: "يا رسول الله، إني أريد الحج وأنا شاكية، عندي مرض، أخاف ألا أستطيع الحج، فقال: "حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني". كما جاء في الصحيحين وغيرهما.
وأخذ الحنفية والمالكية بعموم قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)[البقرة:196]، وقالوا: ما يصح الاشتراط فيه، وما يؤثر شيئًا.
"يقول للنساء أصحاب الضرورات: "حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني فإنك إن حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك عزّ وجل".
ثم إن النبي ﷺ حج حجة الوداع، واختُلِفَ هل كان مفردًا أو متمتعًا أو قارنًا.
فالإحرام بالحج والعمرة يأتي على هذه الثلاثة الأصناف:
الإفراد: وهو أن ينوي الحج وحده، ثم يعتمر من نفس العام بعد انتهاء أعمال الحج، هذا هو الصحيح الإفراد.
والقِران:
فهذا معنى القِران عند الأئمة الثلاثة، والقِران خصصه الحنفية بمن كان آفاقيًّا، وقالوا إن المقيم بمكة ما له قِران ولا له تمتع، ما له إلا الإفراد.
معنى التمتع:
وقال الحنابلة: هو الأفضل.
فعلمنا أن المالكية والشافعية قالوا: الأفضل في الأوجه الثلاثة الإفراد، لأنه لا فِدية فيه، فهو أكمل.
وأخذوا برواية أنه أفرَدَ بالحج، هذا إن كان يؤدي العمرة من نفس العام؛ أما إذا كان يُحرِم بالحج مفردًا ثم ما يعتمر في نفس العام حتى تخرج شهر ذي الحجة، فلا يكون الإفراد أفضل في حقه.
أفضليته أن يعتمر من نفس العام بعد أداء الحج، فإن لم يعتمر من نفس العام فالتمتع أفضل أو القِران.
وهكذا القول عند سيدنا عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر والأوزاعي وأبي ثور، يقولون ماذا؟ يقولون إن الإفراد أفضل. وصحَّ عن جابر وعائشة وابن عباس أن النبي ﷺ أفرَدَ الحج.، جاءت رواية سيدنا جابر في صحيح الإمام مسلم أن ﷺ أفرَدَ الحج، وفي حديث عائشة أيضًا جاءت في صحيح مسلم. وكذلك رواية ابن عمر: أهلَلْنَا مع رسول الله ﷺ بالحج مفردًا.
قال المالكية والشافعية: الإفراد أفضل. قال المالكية: ثم القِران، ثم التمتع. وقال الشافعية: ثم التمتع، ثم القِران.
والقول الثاني عند الحنفية أن القِران أفضل، كما هو في قولٌ عند الإمام أحمد إذا ساق الهدي، فالقِران أفضل -إذا ساق الهدي-.
قال الحنفية: جاء في الحديث الذي أخرجه الطحاوي عندهم أنه يقول: "يا آل محمد، أهلُّوا بحجة وعمرة معًا". وفي لفظ: "أهلُّوا يا آل محمد بعمرة في حجة".
وجاء أيضًا عن سيدنا أنس أن النبي ﷺ أهَلَّ بهما جميعًا، فأخذوا بذلك. وكذلك جاء عن سيدنا عمر أن النبي ﷺ قال بوادي العقيق: "أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة"، هذا الحديث في البخاري. وفي قوله: "قل عمرة في حجة"، استدلالٌ للشافعية على سُنِّيَّة التلفظ بالنية، لأن القول هو اللفظ.
وقالوا إن في القِران جمعًا بين العبادتين، وأنه يدوم إحرامه إلى أن ينتهي من الحج. ومع ذلك فهم أيضا جعلوا عليه طوافين وسعيين، لم يكتفوا بسعي واحد وطواف واحد للقَارن، يطوف طواف عن العمرة وطواف عن الحج بعد ذلك، وكذلك السعي.
وبعد القِران في الأفضلية عند الحنفية: التمتع، ثم الإفراد. وهذا المقرر في المذهب. ويُروى عن أبي حنيفة أنه بعد القِران الإفراد ثم التمتع.
قال الحنابلة: إن التمتع أفضل، وبعده الإفراد، ثم القِران. واستدلوا بما جاء عن ابن عباس وجابر وغيرهما عندما أمرهم النبي بعدما طافوا بالبيت أن يحلوا ويجعلوها عمرة. ويرجع هذا كما ذكر الرملي وغيره، أن اختلاف الرواة في حجة النبي ﷺ هل كان مفردًا أو كان متمتعًا أو كان قارنًا؛ وكلٌّ أخذ بما ترجح في الرواية عنده ففضَّله على غيره.
والجمهور يرون أن المكي أيضًا له التمتع وله القِران مثل الآفاقي، لكن الحنفية قالوا: أهل مكة ليس لهم التمتع والقِران وإنما لهم الإفراد.
يقول: "ولما أراد رسول الله ﷺ الإحرام في حجة الوداع قال لأصحابه: "من أراد منكم أن يهل بحج أو عمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليفعل"، فانقسم الناس -الصحابة معه- في حجة الوداع -إلى مفرد ومتمع وقارِن- ثلاث فرق فكان منهم من أهل بعمرة وتمتع بها إلى الحج، ومنهم من أهلّ بحج وعمرة، ومنهم من أهلّ بحج، -قال:- وسيأتي في باب دخول مكة أنه ﷺ تمتع عام حجة الوداع تخفيفاً على الناس
حين امتنع بعضهم من ذلك وتبعه أبو بكر وعمر وعثمان وخلق كثير، وكان معاوية -رضي الله عنه- يقول: أحل رسول الله ﷺ من العمرة بأخذ الشعر ولم يزل محرمًا بالحج وإنما أخذ من شعره تطييبًا لقلوب أصحابه"، ولكن الصحيح ما جاء في رواية الصحيحين وغيرهما أنه قال: "لو لم أَسُقِ الهدي"، "ولو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ"، لم أَسُقِ الهدي ولَا تَحللت؛ فمعناه أن الروايات تُجمع أنه لم يتحلل أصلًا، لا بأخذ شعره ولا بغيره.
"وكان ﷺ يقول لمن أهلّ بحج وعمرة قولوا: لبيك اللهم عمرة في حجة. قال أنس -رضي الله عنه-: وكان رسول الله ﷺ نهاهم عن القِران ثم رخص فيه بأمر جبريل عليه السلام وقال: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة"، كما جاء في صحيح مسلم والترمذي وأبي داود.
وكان ﷺ قد أهلّ بعمرة ثم قال وهو بالعقيق: "أتاني الليلة آت من ربي -عز وجل- فقال صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة"، فقرن عند ذلك، فلذلك اختلفت مقالات الناس، فروى بعضهم أنه أحرم بالحج منفردًا حين رأوه سائق الهدي، وروى بعضهم أنه تمتع بالعمرة حين رأوه أخذ من شعره، وروى بعضهم أنه قرن وكل صحيح فلما دخلوا جميعاً مكة؛ فمن كان محرمًا بالعمرة طاف وسعى وحلق وحل له الطيب والمخيط، ومن كان محرمًا بالحج طاف وسعى حتى إذا كان يوم عرفة ووقف بها وحلق ورمى ثم حل من إحرامه وكذلك من كان قارنًا كما سيأتي بسطه في باب دخول مكة إن شاء الله تعالى".
"وكان ابن المسيب -رضي الله عنه- يقول: "بلغني أنه شهد رجل عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله ﷺ في مرضه الذي مات فيه ينهى عن العمرة قبل الحج".
فحديث النهي عن العمرة قبل الحج:
ولكن إسناد هذا الحديث لا يخلو من مقال، وقد اختلفوا في سماع سعيد بن المسيب من عمر، وعلى كل حال فالثلاثة الأوجه كلها مُقَرَّة عند الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء الدين: أنه يمكن الإفراد، ويمكن التمتع، ويمكن القِران، وفي الأمر سعة وجاء بها ﷺ لأمته.
أصلح الله أحوالنا وقَبِلَنا وأقبل بوجهه علينا، ورزقنا الاتباع لحبيبه محمد ظاهرًا وباطنًا، ودفع به عنا الأسواء والأدواء في السر والنجوى، وجعلنا من أهل الصدق والإنابة والاستقامة، في لطف وعافية.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ
اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
13 ربيع الثاني 1447