كشف الغمة 333- كتاب الصيام (10) وقت الإفطار، وآدابه

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  333- كتاب الصيام (10) فصل في وقت الإفطار والسحور والترغيب في تفطير الصائمين

صباح الثلاثاء 13 محرم 1447هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  الكف عن المفطرات بعد النهار
  •  تحديد وقت الإفطار عند الغروب
  •  التيقن من الغروب للإفطار
  •  حكم من أفطر قبل المغرب وهو يظن الشمس غربت
  •  سنة تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب
  •  النهي عن تأخير الفطور وانتظار النجوم
  •  مراتب أفضل ما يؤكل للإفطار

نص الدرس مكتوب:

فصل في وقت الإفطار 

والسحور والترغيب في تفطير الصائمين

"تقدم في الباب قوله ﷺ: "إن الله لم يكتب علينا صيام الليل فمن صام تعنى ولا أجر له"، كان ﷺ يقول: "إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم"، وأفطر صهيب -رضي الله عنه- هو وأصحابه يوماً ثم طلعت الشمس وزال الغيم فقال: طعمة الله أتموا صيامكم إلى الليل واقضوا يوماً مكانه، وسيأتي بسط ذلك آخر الباب.

 

وكان ﷺ يحث على تعجيل الفطر قبل الصلاة ويقول: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ولم ينتظروا بفطرهم النجوم"، وكان ﷺ يقول: "قال الله عز وجل إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً"، وكان ﷺ يقول:"لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر"، لأن اليهود والنصارى يؤخرون، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "رأيت رسول الله ﷺ وهو صائم يترصد غروب الشمس بتمرة فلما توارت ألقاها في فيه"، وكان ﷺ يفطر على رطبات قبل أن يصلي وكثيراً ما كان ﷺ يفطر بعد الصلاة، وكان ﷺ إذا لم يجد رطبات أفطر على تميرات فإن لم يكن تميرات حسا حسوات ماء ثم قال إنه طهور.

 

وقال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ له يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار، وفي رواية: "كان رسول الله ﷺ يستحب إذا أفطر أن يفطر على لبن"، وفي رواية: "كان يعجبه أن يفطر على الرطب ما دام الرطب، وعلى التمر إذا لم يكن رطب ويختم بهن ويجعلهن وتراً ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً"، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: لا تمجوا الماء الذي تفطرون عليه ثم تشربون غيره ولكن اشربوا الأول فإنه خير، وكان عمر وعثمان -رضي الله عنهما- لا يفطران إلا بعد الصلاة وذلك في رمضان".

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة، وبيانها على لسان صاحب المراتب الرفيعة والجاهات الوسيعة، عبدِه المصطفى محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه وسار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، صفوة الرحمن تعالى بين العالمين، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعد، فيواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر ما ورد فيما يتعلق بالإفطار والسحور والترغيب في تفطير الصائمين وما إلى ذلك. 

 

فيقول: "تقدم في الباب قوله ﷺ: "إن الله لم يكتب علينا صيام الليل"، فإنما يُتعبَّد بالكف عن المفطرات من خلال النهار، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم لا معنى للكف عن المفطرات بعد ذلك، ولا يترتب عليه صحة صوم؛ وتقدم الكلام معنا على الوصال.

 

"كان ﷺ يقول: "إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم"، وفي لفظ: "وغربت الشمس فقد أفطر الصائم"، أي: دخل وقت جواز إفطاره وخرج عن الصوم بإتمامه بغروب الشمس، يخبر: "إِذا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِن ها هُنا" -يعني: من جهة المشرق، والمراد به ظلمة الليل إذا بدت-، "وأَدْبَرَ النَّهارُ مِن ها هُنا" -يعني: غابت الشمس من الشق الثاني- وأدبر النهار أي ضوء النهار، فلم يبقَ له ضوء من جهة الغروب، وإذا كان ذلك بسبب غروب الشمس لا بسبب آخر، فإذا غطت السحب الكثيفة الشمس فأدبر النهار من هنا وأقبل الليل من هنا، فلا عبرة به. ولهذا جاء في الرواية الثالثة: "وغربت الشمس". إذا كان ذلك بسبب غروب الشمس، حتى يُتيقَّن غروب الشمس، فقد أفطر الصائم.

نعم، وهكذا يقول الشيخ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: "إِذا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِن ها هُنا" قال: من جهة المشرق كما في حديث الآخر، والمراد وجود الظلمة، قال: ذكر في الحديث ثلاثة أمور أصلها متلازمة؛ لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة: 

  • إقبال الليل.
  • إدبار النهار. 
  • غروب الشمس. 

فقد يُظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة، بل يوجد أمر يغطي ضوء الشمس، وكذلك إدبار النهار، فمن هنا قيِّد بقوله: "وغربت الشمس"، وفي لفظ "وغابت الشمس"، فهو إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والإدبار، وأنهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر؛ فإنما ذكر الإقبال والإدبار معًا لإمكان وجود أحدهما مع تحقق الغروب، فالظاهر الاكتفاء بأحد الثلاثة لن يُعرف به الانقضاء؛ ولكن المراد أن ذلك صادر وناشئ عن غروب الشمس، ومن هنا قال الفقهاء: لا يجوز للصائم أن يهجم على الفطر حتى يتحقق الغروب بعلامة ناجزة، إما بيقين علم، أو بعلامة أو أمارة ناجزة كمثل أذان المؤذن الموثوق به وما إلى ذلك.

 

"فقد أفطر الصائم" أي: دخل وقت الفطر، أو دخل في وقت الفطر، فهو الوقت الذي يجوز له أن يتناول المفطرات، وهو الوقت الذي يكون خرج به عن حكم الصائم، فما عاد يكون بعد هذا الوقت صائم.

"فقد أفطر الصائم" يعني: انقضى صومه وتم، ولا يوصف الآن بأنه صائم، لأنه لا صوم في الليل.

  • فأجمع فقهاء الإسلام أن الصائم يجب عليه أن يمسك عن المفطرات من طلوع الفجر يوم صومه إلى غروب الشمس، حتى يتأكد من غروبها قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ) [البقرة: 187]. 
  • ولذا قال الإمام النووي: يجب إمساك جزء من الليل بعد الغروب مباشرة ليتحقق به استكمال النهار؛ هذا معلوم.

 

فإذا أفطر يظن أن الشمس غربت وغلب ذلك على ظنه بعلامة فبان خلافه؟

 لزمه الإمساك ما بقي، وأن يقضي يومًا مكان هذا اليوم إذا كان ذلك في رمضان.

وأتى بحديث صهيب: "وأفطر صهيب -رضي الله عنه- هو وأصحابه يوماً -بسبب غيم، وظنوا أن الشمس قد غربت، وقد أقبلت ظلمة الليل من الجهة الشرقية-، قال: ثم طلعت الشمس وزال الغيم فقال: طعمة الله أتموا صيامكم إلى الليل واقضوا يوماً مكانه".

وكذلك جاء عن سيدنا عمر بن الخطاب أنه في يوم غيم تهيأ لهم أنه قد غربت الشمس فأفطروا، ولما طلع المؤذن يؤذن قال: أيها الناس، هذه الشمس؛ فقال سيدنا عمر: اقضوا يومًا مكانه، من أفطر منكم فليقضِ يومًا مكانه.

السُّنة في تعجيل الفطر منوطة بتحقق الغروب؛ كالسُّنة في تأخير السحور منوطة بأن لا يقع في شك، فإذا شك؟ وإن كان لا يُحكم ببطلان صومه إلا أن يتيقن أنه تناول مفطرًا بعد طلوع الفجر؛ قالوا: فما دام يشك في غروب الشمس لا يجوز له الفطر، فإذا غلب على ظنه الغروب جاز له أن يفطر، فإن تبين خلافه فعليه القضاء. واختلف بعد ذلك الأئمة هل من كفارة في مثل هذا أو لا؟

 

قال: "وكان ﷺ يحث على تعجيل الفطر قبل الصلاة"، قبل صلاة المغرب، كما عليه عمل خيار الأمة على مدى القرون، إذا تيقنوا الغروب أفطروا ثم صلوا. 

ويقول: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ولم ينتظروا بفطرهم النجوم"، أي: ينتظرون دخول الليل حتى تستحكم ظلمته فتظهر النجوم للرائي في السماء، فهذا عمل منهي عنه ومخالف لسنته ﷺ.

 

وكان ﷺ يقول: "قال الله عز وجل إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً"، لما يدل ذلك على يقظتهم وانتباههم وعلى اتباعهم وعلى شهودهم ضعفهم وعجزهم وما إلى ذلك من معنى. "إن أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا". 

وكان ﷺ يقول:"لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر"، " -هكذا في رواية الإمام أحمد وأبي داود-، لأن اليهود والنصارى يؤخرون  -فأُمرنا بمخالفتهم-، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "رأيت رسول الله ﷺ وهو صائم يترصد غروب الشمس بتمرة فلما توارت ألقاها في فيه"، فكان في جهة لا يحول فيها بينه وبين الشمس جبل ولا غيره من جهة الغروب، فلما تيقن الغروب تناول التمرة مباشرة ﷺ.

 

"وكان ﷺ يفطر على رطبات قبل أن يصلي"، فالرطب من أفضل ما يفطر عليه الصائم، فإذا كان في أوقات الرطب فهو الأفضل، وبعده البسر، وبعده التمر، ثم ماء زمزم، ثم بقية المياه، ثم الحلو غير التمر، ما كان حلواً من الفاكهة ونحوها، ثم الحلوى وهي التي تُصنع وتُطبخ ويوضع فيها السكر وما إلى ذلك، فيوضع فيها ما يحلِّيها هذه الحلوى.

فالفطر على الرطب أفضل، ثم على البسر الذي لم يصير رطبًا بعد، ثم على التمر، ثم على ماء زمزم، ثم بقية المياه، ثم الحلو: أي شيء حالي، ثم الحلوى؛ 

والأفضل في التمر أن يكون وترًا: واحدة أو ثلاث أو خمس أو سبع.

"وكان ﷺ يفطر على رطبات قبل أن يصلي وكثيراً ما كان ﷺ يفطر بعد الصلاة، وكان ﷺ إذا لم يجد رطبات أفطر على تميرات فإن لم يكن تميرات حسا حسوات ماء ثم قال إنه طهور"، أحيانًا ما يصادف عنده شيء من الرطب ولا من التمر؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

يقول: "وكان ﷺ إذا لم يجد رطبات أفطر على تميرات فإن لم يكن تميرات حسا حسوات من ماء ثم قال إنه طهور".

ولهذا ذكر بعض أهل الفقه، مثل صاحب "البيان" عندنا في الشافعية: أنه يُكره أن يتمضمض الصائم عند الفطر بماء ويمجه، بل يشربه، يشرب الماء ولا يمج الماء.

 

يقول: "وقال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ له يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار، وفي رواية: "كان رسول الله ﷺ يستحب إذا أفطر أن يفطر على لبن"، -وهذا أيضًا من خير ما يُتناول بعد التمر أو عند فقد التمر-، "وفي رواية: "كان يعجبه أن يفطر على الرطب ما دام الرطب، وعلى التمر إذا لم يكن رطب ويختم بهن ويجعلهن وتراً ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً"، -هذا هو الأفضل-، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: لا تمجوا الماء الذي تفطرون عليه ثم تشربون غيره ولكن اشربوا الأول فإنه خير، وكان عمر وعثمان -رضي الله عنهما- لا يفطران إلا بعد الصلاة وذلك في رمضان".

 

ثم ذكر لنا الأدعية المتعلقة بالفطر.

 

رزقنا الله القبول والتوفيق، وألحقنا بخير فريق، وثبتنا على الاستقامة على التحقيق، وكشف عنا الشدائد والآفات، وأصلح الظواهر والخفيات، وثبتنا أكمل الثبات، ورعانا بعين عنايته في جميع الأحوال، وأتم لنا بأكمل حسن الخاتمات في خير ولطف وعافية. 

 

بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد

 اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة

 

تاريخ النشر الهجري

15 مُحرَّم 1447

تاريخ النشر الميلادي

09 يوليو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام