(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: تكملة شرح فصل في أذكار تُقال عند النوم
الأربعاء: 17 ذو الحجة 1444هـ
تابع فصل في أذكار تقال عند النوم
"وكان ﷺ إذا نام واستيقظ ينظر إلى نواحي السماء ويقرأ الآيات من آخر سورة آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [البقرة:164]، إلى آخر السورة، وتارة يقرؤها إلى قوله: عَلَى ﴿رُسُلِكَ﴾ [آل عمران:194]، وتارة حتى يقارب ختمها ثم يقول: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور"، ثم يكبر الله تعالى ويحمده ويهلّله ويدعو وهو يستاك، ثم يتوضأ ويصلي ما كتب الله له.
وكثيراً ما كان ﷺ يقوم فيقضي حاجته ويغسل وجهه ويديه ثم ينام ثانياً
وكان ﷺ يقول : "ما من مسلم يتعار من جوف الليل فيقول: الله أكبر وسبحان الله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله أستغفر الله الغفور الرحيم، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
وكان ﷺ يقول: "لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح". وكان أنس رضي الله عنه يقول: أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة، وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يقرأ سورة الكهف في كل ليلة، وكانت مكتوبة عنده في لوح يدار بذلك اللوح معه حيث ما دار في بيوت أزواجه، والله أعلم."
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات).
الحمد لله الذي خلق النوم واليقظة، وخلق الموت والحياة ليبلونا أيُّنا أحسَنُ عملا، نشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، لا يَرُدُّ سائلاً ولا يضيع لمن رجاه وأمَّله أملا، ونشهد أن سيدنا ونبينا وقرة أعيننا ونور قلوبنا محمدًا عبده ورسوله خير خَلْقِ الله اعتقادًا ونيَّةً وقصدًا وعملا، صلَّى الله وسلَّم وبارك وكرَّمَ عليه وعلى آله وصحبه ومن والاهم بإحسانٍ واقتدى بهم نيَّةً وقولًا وفعلا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رفع الله لهم قدرًا ومكانًا ومَنْزِلاً، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويُبيّن الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- في هذه الأحاديث ما كان يفعله ويقوله ﷺ عند الاستيقاظ من النوم، ولقد قال في بلاغه الرسالة: "واللهِ لتَموتُنَّ كما تَنامونَ، ولتُبعثنَّ كما تستيقِظونَ،…، وإنّها للجنَّةُ أبدًا او النّارُ أبدًا"، وقال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزُّمَر:42]، رزقنا الله حُسن التفكر والفهم والتدبّر.
يقول فيما ينبغي للإنسان إذا استيقظ من المنام؛ فمن ذلك الاعتناء بقراءة هذه الآيات، وقد جاءت عنه في رواياتٍ متعددات، وهي أواخر سورة آل عمران.. آيات منها أول المُقْرَأ كله إلى آخر السورة أو ما يقارب نهايتها، وقال: "وكان ﷺ إذا نام واستيقظ ينظر إلى نواحي السماء ويقرأ الآيات.." مُتَفَكِّراً مُتَدَبِّرَاً مُطَّلعاً بما أطلعه الله عليه من ملكوت السماوات والأرض وآراه إيَّاه.. (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ) [آل عمران:190-193]. ويزيد على ذلك في بعض الأحيان إلى ما يُقَارِب آخر السورة أو إلى أن يختمها، "ثم يقول : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا" أحيانا باليقظة بعد ما أماتنا بالنوم؛ فإن النوم أخو الموت يُذَكِّر به، ويُنَبِّه على معناه، وفيه يَفقِدُ الإنسان كثيرًا من قدراته وآلاته فتتعطَّل وقت النوم.
قال: "ثم يكبر الله تعالى ويحمده ويهلله ويدعو وهو يستاك، ثم يتوضأ ويصلي ما كتب الله له" وفي هذا جاءتنا عدد من الروايات والنصوص، فمنها ما في صحيح الإمام البخاري، يقول ابن عباس أنه بات ليلة عند خالته سيدتنا ميمونة أم المؤمنين، قال: اضطجعتُ في عرض الوسادة واضطجع رسول الله ﷺ في طولها، فنام رسول الله ﷺ حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله ﷺ فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شَنٍّ مُعلَّقَةٍ -أي: قِرْبَة صغيرة من الماء- فتوضأ منها فأحسنَ الوضوء ثم قام يصلي، قال ابن عباس: فقمتُ فصنعت مثل ما صنع.. مسحت وجهي وقرأت الآيات وجئت إلى الماء وتوضأت.. ثم ذهبتُ فقمتُ إلى جنبه -وقف إلى جنبه الأيسر- فردَّه إلى الجانب الأيمن، قال: فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يَفتِلُها، فصلَّى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فقام فصلَّى ركعتين خفيفتين -أي سنة الصبح- ثم خرج فصلَّى الصبح ﷺ.
وجاء في رواية الإمام مسلم أيضًا عن ابن عباس: أنه رقد عند النبي ﷺ قال: فاستيقظ وتوضأ وهو يقول: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران:190] فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، أكمل إلى قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200]. حتى ختم السورة، ثم قام فصلَّى ركعتين فأطال فيهما القيام والركوع والسجود، ثم انصرف فنام حتى نفَخَ، ثم فعل ذلك ثلاث مرات، ست ركعات، كل ذلك يستاك ويتوضأ ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث، فأذّن المؤذن فخرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من خلفي نورا، واجعل من أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، اللهم اعطني نورا".
جاء أيضًا في رواية عند الإمام المسلم عن ابن عباس أنه لمَّا بات عنده ﷺ ذات ليلة قال: فقام نبي الله ﷺ من آخر الليل فخرج فنظر في السماء ثم تلا هذه الآية: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ..) حتى وصل قوله: (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ثم رجع إلى البيت فتسوَّك وتوضأ ثم قام فصلى ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية، ثم رجع فتسوَّك فتوضأ ثم قام فصلَّى. وهكذا جاءت هاتان الروايتان في صحيح مسلم، وجاء في رواية النسائي في السنن الكبرى أيضًا عن رجل من الأنصار يقول كان مع النبي ﷺ في بعض أسفاره ﷺ فقال لأنظرنّ كيف يصلي رسول الله ﷺ -يعني في الليل-، فجاء إلى جنب الخيمة التي فيها رسول الله ﷺ، قال: فنام رسول الله ﷺ ثم استيقظ فرفع رأسه إلى السماء فتلا أربع آياتٍ من آخر سورة آل (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران:190] ثم أهوى يده فيما حواليه فأخذ سواكًا فاستنَّ به -أي: استاكَ- ثم توضأ وصلى ثم نام، ثم استيقظ فصنع كصنيعه أول مرة، ثم نام، ثم استيقظ فصنع كصنيعه أول مرة، قال: ويزعمون أنه التهجُّد الذي أمر الله عز وجل به (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:79].
(مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا) أي: بل خلقته للدلالة على معرفتك، ومن عرفك وجب عليه أن يُطيعك، وأن يتوقَّى عذابك وسخطك. وكان ﷺ سيد المتفكرين في عجائب المُلْكِ والملكوت، وفتح الله لسانه بالذكر فكان أذكر خلق الله، وجُمِعَ البدن والروح للتَّأَهُّب والوقوف في مقام المناجاة والدعاء، وهكذا وردنا من أحوال ﷺ. وجاءت رواية أيضًا في البخاري وعند الترمذي والإمام أحمد: أنه ﷺ كان إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: "اللهم باسمك أحيا وأموت" أو: "باسمك اللهم أموت وأحيا"، وإذا استيقظ قال: "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور".
ثم جاءنا في رواية أبي داؤود والنسائي أيضًا يقول: شَرِيقٌ الْهَوْزَنِيُّ يقول: دَخَلتُ عَلى عائِشَةَ، أُمِّ المُؤمِنِينَ، فَسَأَلتُها: بِمَ كَانَ يَفتَتِحُ النَّبيُّ ﷺ إِذا هَبَّ مِنَ اللَّيلِ؟ -يعني قامَ- فَقالت: لقد سألتني عن شيءٍ ما سألني عنه أحدٌ قبلك، كَانَ إِذَا هَبَّ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ عَشْرًا، وَحَمِدَ عَشْرًا، وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَشْرًا وَقَالَ: "سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ عَشْرًا وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَهَلَّلَ عَشْرًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا، وَضِيقِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَشْرًا، ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ". وهذا مُحرَّر في الطَّبعَات الأخيرة من الخلاصة، وتسبيحاته ﷺ، وهي مذكورة في المَسْلَك وغيره، وفي الأذكار للإمام النووي.
إِذَا هَبَّ مِنَ الليل كَبَّرَ الله عَشْرًا، وَحَمِدَ الله عَشْرًا، وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَشْرًا وَقَالَ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ عَشْرًا وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَهَلَّلَ -أي قال: لا إله إلا الله- عَشْرًا، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا، وَضِيقِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ"؛ ما يعتري في الدنيا من هموم ومن ضيق الصدر وضيق يوم القيامة، ولا ضيق أشق ولا أصعب من ضيق يوم القيامة في مشاهدة أهوالها العظام. جعلنا الله من الآمنين في ذلك اليوم من عذابه وغضبه.
ثم حدثنا عن حديث: "ما من مسلم يتعار من جوف الليل فيقول: الله أكبر وسبحان الله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله أستغفر الله الغفور الرحيم، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" كما جاء في رواية الطبراني في الأوسط.
وجاء في ذلك روايات منها عند الإمام مسلم وأبي داود: "أن النبي ﷺ كان إذا قام من الليل فقضى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام". وهكذا جاء في رواية الخرائطي في مكارم الأخلاق يقول عبادة بن الصامت: "ما من مسلم يتعارّ من جوف الليل فيقول: الله أكبر، سبحان الله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك والحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، أستغفر الله الغفور الرحيم إلا سَالَخَهُ الله من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وجاء في رواية أيضا في البخاري وعند أبي داؤود والترمذي يقول ﷺ: "مَن تَعارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلّا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحانَ اللهِ، ولا إلَهَ إلّا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلّا باللهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أوْ دَعا، اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلّى قُبِلَتْ صَلاتُهُ". والتعارّ: اليقظة مع الصوت، يُقال: تعارَّ من الليل.. فذَكَر هذا الذكر.
ثم ذكر لنا رواية الرؤيا، أنَّ:
من رأى رؤيا في النوم، فإن كانت سيئة وممّا يكره فلا يُحَدِّث بها، ويُغَيِّر هيأته في النوم؛ ينقلب إلى الشِق الآخر ويتفل عن يساره ثلاثًا، ولا تضرّه.
وإن رأى رؤيا حسنة فلا ينبغي أن يقصّها إلا على عالم بالرؤيا أو ناصح من أهل العقل أو أخ له في الله يأنسُ بما يقول.
ولا ينبغي أن يتساهل في قصّ الرؤيا على ذا وذاك ثم تكون محل حديثٍ لهم، أو يُفسرها أحدهم على غير بيِّنة وبصيرة. "لا تقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح". قال الترمذي في كتابه: باب كراهية أن يُعَبِّرُ الرؤيا إلا على عالم.
وذكر لنا عن سيدنا أنس يقول: "أمرنا أن نستغفر بالسحر سبعين استغفارة" فقد أثنى الله على المستغفرين بالأسحار في قوله تعالى: (..الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) [آل عمران:17]، وفي قوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:16-18]. فهذا من أعظم أوقات الاستغفار وقت السحر، ولا أقل من أن يكرر الاستغفار إلى سبعين مرة فذلك أفضل.
"وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يقرأ سورة الكهف في كل ليلة..". ومعلومٌ أن قراءة عشر آيات من أولها أو من آخرها تكون عصمة من فتنة المسيح الدجال أشد الفتن. "..وكانت مكتوبة عنده في لوح يُدار بذلك اللوح معه حيث ما دار في بيوت أزواجه" يحضرها ويقرأ سورة الكهف -عليه الرضوان الله تبارك وتعالى-.
وجاءنا في الأحاديث ما في رواية الإمام الترمذي يقول: عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "الرُّؤيا ثلاثٌ؛ فرؤيا حقٌّ ورؤيا يحدِّثُ بِها الرَّجلُ نفسَهُ.." من آثار حديث النفس "..ورؤيا تحزينٌ منَ الشَّيطانِ، فمن رأى ما يَكرَهُ فليقُم فليصلِّ وكانَ يقولُ يعجِبُني القيدُ.." يعني في الرؤيا "..وأَكرَهُ الغَلَّ القيدُ ثباتٌ في الدِّينِ.." فمن رأى أنه قُيَّد فمعناه: أنه التزم بحكم الدين وحكم الشريعة.. القيد في اليد أو الرجل، بخلاف الغلّ في الرقبة "..وكانَ يقولُ من رآني فإنِّي أنا هوَ فإنّهُ ليسَ للشَّيطانِ أن يتمثَّلَ بي.." لا يُلقي في القلب أن هذا رسول الله ولا يقول أنا رسول الله.. ما يستطيع ذلك، ولا يقوله أحد؛ فإنَّ الله تعالى عصم نبيه أن يتمثَّل به الشيطان ".."وكانَ يقولُ لا تُقصُّ الرُّؤيا إلاَّ على عالمٍ أو ناصحٍ..". هكذا جاءت هذه الألفاظ عند الإمام الترمذي.
وجاء في رواية الحاكم يقول عن أنس عن النبي ﷺ: "إنّ الرُّؤيا تَقَعُ على ما تُعبَّرُ، ومَثَلُ ذلك مَثَلُ رَجُلٍ رفَعَ رِجْلَه، فهو يَنتظِرُ متى يَضَعُها، فإذا رأى أحَدُكم رُؤيا، فلا يُحدِّثْ بها إلّا ناصِحًا أو عالِمًا". فإن من حِكَمِ الله تعالى أن تكون الرؤية فتُعَبَّر أيُّ تعبير فيجعل الله -تبارك وتعالى- لذلك أثرًا في الواقع في شيء من الأحوال. وهكذا جاء في رواية الإمام أحمد، يقول: " الرُّؤيا على رِجلِ طائرٍ ما لم تُعبَرْ، فإذا عُبِّرتْ وقَعتْ". ما دام ما عُبِّرَت ولا أُوِّلَت فليس لها بَعدُ دلالة على شيءٍ يكون في الواقع؛ فإذا عُبِّرَت وضع الطائر رجله على الأرض، وقعَت على ما تُعَبَّر عليه بأول تعبير.
فلهذا ينتبه لا يُعبِّرها هو ولا يقصّها على أحد إلا وهو يعلم علمه وصلاحه ونصيحته، وإلا يعبّرها له واحد تعبير أخبل ويقع عليه معناها وخلاص ويروح فيها.. وفيه أنَّ الحق -سبحانه وتعالى- في عظيمِ حكمته يربط حدوث بعض الأشياء بكلامٍ يصدر من الناس وبأقوالٍ تصدر من الناس؛ فلهذا نُهينا عن الدعاء على أنفسنا وعلى أولادنا فنُصادف ساعة إجابة.. ومن القول ما يُرفَع به الدرجات في الجنة، ومن القول ما يُهوَى به في النار، ومن القول في التعبير ما يُقَدِّرُ الله به أقدارًا، وهو قد سبقه القول نفسه وما فيه؛ ولكن أرشد ﷺ إلى استعمال العقل والحكمة على مَن نقصّ الرؤيا. وجاء عند رواية الإمام أحمد بن حنبل يقول رسول الله ﷺ: " الرُّؤيا على رجل طائرٍ ما لم تُعبَّرْ فإذا عُبِّرت وقعت قال والرُّؤيا جزءٌ من ستَّةٍ وأربعين جزءًا من النُّبوَّةِ قال وأحسبُه قال لا يقُصُّها إلّا على ذي وادٍّ". يعني: رأي.
وقال سيدنا أنس فيما رواه البيهقي في شعب الإيمان: كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أن نستغفر في آخر السحر سبعين مرة. وجاء في رواية ابن عساكر عن الحسن: أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةٍ سُورَةُ الْكَهْفِ فِي لَوْحٍ مَكْتُوبٍ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ مِنْ بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ فِي الْفِرَاشِ رضي الله تعالى عنه. كما أورده ابن كثير في البداية والنهاية. وجاء أيضاً عند المروزي يقول: وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، وَكَانَتْ مَكْتُوبَةً فِي لَوْحٍ يُدَارُ بِذَلِكَ اللَّوْحِ مَعَهُ إِذَا دَارَ عَلَى نِسَائِهِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- ذكر: بَنُي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطَهَ، وَالْأَنْبِيَاءُ، هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي. أي: ممّا حفظته قديما. وفي الحديث يقول ﷺ: "مَن قرَأ عَشْرَ آياتٍ مِن سورةِ الكهفِ عُصِم مِن فتنةِ الدَّجّالِ". فهكذا ذكَّرنا بهذه الآداب.
جعل الله نومنا ويقظتنا على الاتباع والاقتداء والاهتداء، نرتفع بها خير ارتفاع، ونسلَم بها من الآفات والضياع، ونصدق مع الربِّ -سبحانه وتعالى- في الوجهة إليه والإقبال عليه، على حسن إصغاءٍ وإنصاتٍ واستماعٍ يُوجِبُ لنا الارتقاء والارتفاع وعظيم الانتفاع، ووقانا الله الأسواء والأدواء وكل بلوى في السِّرِّ والنَّجوى.
بسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.
الفاتحة
17 ذو الحِجّة 1444