(363)
(535)
(339)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 328- كتاب الصيام (05) باب ما يبطل الصوم وما يستحب وما يكره فيه
صباح السبت 3 محرم 1447هـ
باب ما يبطل الصوم وما يستحب وما يكره فيه
"قال أبو معشر -رضي الله عنه-: أرسلت أم الحكم إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- تقول له: إنه يصيبني ما يصيب النساء في شهر رمضان فما أصنع؟ فقال لها: صومي كيف شئت واقضي العدة إنما يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام وإذا سلم رمضان سلمت السنة"، قال -رضي الله عنه-: وكان ﷺ ينهى عن الحجامة للصائم من أجل الضعف، وكان يرخص في ذلك للأقوياء ويقول: "ثلاثة لا يفطرن الصائم الحجامة والقيء والاحتلام". وكان -رضي الله عنه- يقول: "رأيت النبي ﷺ يحتجم وهو محرم صائم وذلك بعد ما قال أفطر الحاجم والمحجوم"، وكان -رضي الله عنه- يقول: إنما قال رسول الله ﷺ: "أفطر الحاجم والمحجوم ونهى عن الوصال في الصيام إبقاء على أصحابه وشفقة ولم يكن يحرمهما"، وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: إنما قال رسول الله ﷺ: "أفطر الحاجم والمحجوم"، لأنه مرَّ عليهما وهما يغتابان رجلاً في رمضان، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يحتجم وهو صائم ثم ترك ذلك بعد فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر، وسيأتي الكلام على الحجامة مبسوطاً في كتاب الطب إن شاء الله تعالى".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمدلله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأهل بيته الذين حازوا به طهرا، وصحابته الذين رفع الله لهم به قدرا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر ما يتعلق بالصوم وخصص هذا الباب لما يبطل الصوم وما يستحب وما يكره فيه.
وذكر ما "أرسلت أم الحكم إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- تقول له: إنه يصيبني ما يصيب النساء في شهر رمضان فما أصنع؟ فقال لها: صومي كيف شئت واقضي العدة إنما يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وهذا من المسائل الواضحة في الشريعة، وأيضًا المتفق عليها أنه:
ولماذا؟
هذا من جملة ما انبَهَمت فيه الحكم مع أنه لا يُشترط للصوم الطهارة، ولكن لا يصح الصوم مع وجود حيض ولا مع وجود نفاس.
وإذا انقطع الدم بعد الفجر:
أما إذا طهرت المرأة قبل الفجر:
فإذا نوت أن تصوم غدًا من رمضان قبل انقطاع دمها ولا يزال فيها الدم، فهل يصح أم لا؟
فإن كان يتم لها في الليل أكثر الحيض أو قدر العادة التي تعتاد أنها تطهر قبل الفجر، وكانت عادتها أنه ينقطع دمها قبل الفجر، فهي بعد العشاء نوت صوم غدٍ على اعتبار أنها قبل الفجر ستطهر؛ فإذا كانت تلك عادتها، أو ينتهي أكثر وقت الحيض وهو خمس عشرة ليلة فلها أن تنوي الصوم وإن كان الدم لا يزال، وهكذا عند الحنابلة، فإذا عرفت أنها تطهر ليلًا، صحَّ منها النية قبل انقطاع الدم.
وهكذا يقول: "كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام وإذا سلم رمضان سلمت السنة"، فكان يحث ﷺ على الانتباه من يوم الجمعة ويقول إن الذي يراعي حرمة ذلك اليوم ويقوم بحقه ويُحسن القيام بفرائضه وسننه، فإن الحق -تبارك وتعالى- يكافئه بالتوفيق في بقية أيام الأسبوع لمرضاته، ويحفظه من المعاصي والذنوب ومن الآثام ومن حصول البلاء عليه. "إذا سَلِمَت الجمعة - أي: يوم الجمعة - سَلِمَت الأيام"، أيام الأسبوع.
"وإذا سَلِمَ رمضان، سَلِمَت السنة"، وإذا راعى حق رمضان وقام بحقه وتحفّظ ما ينبغي له أن يتحفظ فيه من أول الشهر إلى آخره، فإن الله يكرمه ويكافئه بتمام التوفيق ويمده به في بقية الأشهر من شوال إلى رمضان الآتي، يكون إكرامًا له على ما حافظ على هذا الشهر وراعى حرمته "وإذا سَلِمَ رمضان سلمت السنة".
كما جاء في الحديث أيضًا أن: "الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارات لما بينهن إذا اجْتُنِبَتِ الكبائر". وأيضًا في الحديث الحث على إكرام واحترام اليوم الذي ورد فيه أو الشهر الذي ورد فيه فضل مخصوص، وأن ذلك سبب لإمداد الحق تعالى للقائم بذلك بالتوفيق في بقية الأيام. فإن الحسنة بعد الحسنة جزاء الحسنة، كما أن السيئة بعد السيئة جزاء السيئة. فمن جزاء السيئات المعجلة -والعياذ بالله تعالى- أن يُخذَل إلى سيئة أخرى بعدها، وهكذا لمن لم يتحقق بالتوبة والندم على ما كان منه.
ثم قال: وكان ﷺ ينهى عن الحجامة للصائم من أجل الضعف، وكان يرخص في ذلك للأقوياء ويقول: "ثلاثة لا يفطرن الصائم الحجامة والقيء -إذا لم يتعمده- والاحتلام"، أي: إذا خرج منه المنيُّ في النوم وهو صائم فإنه لا يُبطل صومه.
والحجامة التي هي مأخوذة من الحَجْم وهو المصُّ، حتى يقولون: "حَجَمَ الصبيُّ ثدي أمه" بمعنى مصَّهُ.
وهكذا هذه الحجامة إخراج الدم من القفا عند الجميع بواسطة المص، أو من غير القفا كذلك بما يتناوله الفصد، والفصدُ شقُّ عرقٍ لإخراج الدم.
وفي الصحيح أنه ﷺ احتجم وهو صائم، ومن هنا جاء التخصيص بالضعفاء، كما جاء من حديث سيدنا ثابت البُناني، يقول لسيدنا أنس: "أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله ﷺ؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف"، وعلى هذا جاءت الأقوال.
ورأى من رأى الجمع بين أحاديث الحجامة بهذا التفريق الذي أشار إليه وهو عند الحنفية ممن يُضعِفُه ومن لا يُضعِفُه. كذلك حكم الفصد حكم الحجامة، إلا أن الحنابلة قالوا؛ لا يفطر بالفصد؛ لورود النص في الحجامة، هو مكروه ولكن لا يفطر به، بخلاف الحجامة فإنه يفطر الحاجم والمحجوم.
وأخذ الشافعية بما ورد مما يدل على نسخ قوله "أفطر الحاجم والمحجوم"، وما جاء من أنه رخَّص بعدُ في الحجامة، وكذلك حديث ابن عباس -عليه رضوان الله تبارك وتعالى- أن النبي احجم وهو صائم، وهو الأصح. وأخذوا به.
وجاء أيضا في رواية أنه سمع الحاجم والمحجوم يغتابان فقال: "أفطر الحاجم والمحجوم"، أي: ذهب ثواب صَومهما بسبب الغيبة. وحمله بعضهم على أن قوله "أفطر" أي: تعرض للفطر، فعرض نفسه لأن يفطر بسبب ذلك. وكان -رضي الله عنه- يقول: "رأيت النبي ﷺ يحتجم وهو محرم صائم وذلك بعد ما قال أفطر الحاجم والمحجوم"، وهذا دليل النسخ.
"وكان -رضي الله عنه- يقول: إنما قال رسول الله ﷺ: "أفطر الحاجم والمحجوم ونهى عن الوصال في الصيام إبقاء على أصحابه وشفقة ولم يكن يحرمهما"، وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: إنما قال رسول الله ﷺ: "أفطر الحاجم والمحجوم"، لأنه مرَّ عليهما وهما يغتابان رجلاً في رمضان، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يحتجم وهو صائم ثم ترك ذلك بعد فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر، يقول:
وسيأتي الكلام على الحجامة مبسوطاً في كتاب الطب إن شاء الله تعالى".
رزقنا الله حفظ الأوقات والأيام والليالي ومراعاة الحرمات لما كان من الأوقات والأيام والليالي، وأعاد علينا عائدات إفضاله وإحسانه في كل وقت وفي جميع أوقاتنا، ويجعلنا من المُقبلين بالكليَّة عليه، والمقبولين لديه، والموفقين لمرضاته.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
07 مُحرَّم 1447