(363)
(535)
(339)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كشف الغمة 326- كتاب الصيام (032) فرع في صوم يوم الشك وجواز العمل باختلاف المطالع
صباح السبت 25 ذو الحجة 1446هـ
فرع: في صوم يوم الشك وجواز العمل باختلاف المطالع
"كان رسول الله ﷺ يقول: "الصوم يوم يصومون والفطر يوم يفطرون والأضحى يوم يضحون"، قال العلماء -رضي الله عنهم-: معناه إنما الصوم والفطر مع الجماعة ومعظم الناس ولا ينفرد أحد بعقله ورأيه وإن كان له مستند صحيح في نفس الأمر، وكان ﷺ ينهى عن صوم يوم الشك، وكان عمار -رضي الله عنه- يقول: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم ﷺ، وكان مالك -رضي الله عنه- يقول كثيراً: سمعت أهل العلم ينهون عن صوم اليوم الذي يشك فيه أنه من شعبان أو من رمضان إذا نوى به الفرض ويرون أن على من صامه على غير رؤية ثم جاء الثبت أنه من رمضان القضاء ولا يرون ذلك في صيامه تطوعاً، ورأى ابن عباس رضي الله عنهما رجلاً صائماً في يوم الشك فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: أنا صائم فإن كان من شعبان كان تطوعاً، وإن كان من رمضان لم يسبقني فقال له: أفطر فإن رسول الله ﷺ قال: "لا تستقبلوا الشهر استقبالاً ولا تستقبلوا رمضان بيوم من شعبان"، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: لا يقل أحدكم في اليوم الذي يشك فيه إن صام فلان صمت وإن قام فلان قمت فمن صام أو قام فليجعل ذلك تطوعاً لله عز وجل، وإن رسول الله ﷺ قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته".
وكان ابن مسعود وابن عمر -رضي الله عنهما- يأمران بفطر يوم الشك حتى كان ابن مسعود يقول: لأن أفطر يوماً من رمضان ثم أقضيه أحب إلى من أن أزيد فيه يوماً ليس منه، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا أصبحوا يوم لا يريدون الصوم ثم ثبت كونه من رمضان يمسكون بقية يومهم، ويؤيده قوله ﷺ فيمن طعم يوم عاشوراء قبل وصول المنادي: "من طعم منكم فليصم بقية يومه، وكانت حفصة تقول: لا يتمّ لأن رسول الله ﷺ قال: "من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له"، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- لا يأمرون أهل بلد بعيد بالصوم لرؤية أهل بلاد أخرى كالمدينة والشام ومصر والمغرب ونحو ذلك، وكانوا لا يرون بأساً بتقديم أهل بلد بيوم على أهل بلد آخر عملاً باختلاف المطالع.
قال كريب -رضي الله عنه-: بعثتني أم الفضل أم عبدالله بن عباس -رضي الله عنهم- إلى معاوية بالشام فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس متى رأيتم الهلال؟ قلت: رأيته ليلة الجمعة. قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. قال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى يكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا هكذا أمرنا رسول الله ﷺ".
اللَّهُمَّ صَلِّ أَفْضَلَ صَلَواتِكَ عَلَى أَسْعَدِ مَخْلُوقَاتِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ، عَدَدَ مَعْلُومَاتِكَ وَمِدَادَ كَلِمَاتِكَ، كُلَّمَا ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ.
الحمد لله مكرمنا بالشريعة الغرّاء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأهل بيته الذين حُبوا به طُهراً، وعلى أصحابه الذين رفع الله لهم به قدراً، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان سراً وجهراً، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد، فيذكر الشيخ الشعراني عليه رحمة الله في هذا الفرع ما يتعلق بصوم يوم الشك، ثم ذكر اختلاف المطالع، وأورد حديثاً كان رسول ﷺ يقول: "الصوم يوم يصومون، والفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون"، أي: الذي يتم به الإثبات عند الحاكم فيمشي الناس عليه، فيكون هو المراد منهم بالشرع، والمُرضي من قبل الحق تبارك وتعالى، والمقبول عنده. "الصوم يوم يصومون، والفطر يوم يفطرون، والأضحى يوم يضحون".
وهكذا قالت السيدة عائشة رضي الله عنها لمسرُوق لما أتاها في يوم عرفة يستَفتيها، فقالت: أما أنت بصائمٍ يا مسروق؟ قال: إني خفت أن يكون هذا يوم العاشر. قالت: ليس الأمر كذلك، إن عرفة يوم يعرِّف الإمام، وان الأضحى يوم يضحي الإمام، أما تدري أننا كنا نعدله -أي: صوم يوم عرفة- بصِيام ألف يوم، وبصيام عشرة آلاف يوم.
"وقال العلماء رضوان الله عليهم: معناه أن الصوم والفطر مع الجماعة ومعظم الناس، ولا ينفرد أحدٌ برأيه وعقله، وإن كان له مستندٌ صحيح في نفس الأمر".
وبهذا جاء كلام أهل العلم فيمن رأى وحده هلال شوال ولم يثبت عند الحاكم.
أما من رأى هلال رمضان فبالاتِّفاق أنه يصوم.
ولكن من رأى هلال شوال وحده:
فإذا انفرد واحد برؤية الهلال:
فعند الأئمة الثلاثة لا يفطر إلا بعذر آخر غير مجيء العيد، من مثل أن يكون عنده مرضٌ، أو في سفر، أو حيضُ المرأة، إلى غير ذلك. وأخذوا بما قالت عائشة: الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس.
فإن أفطر هذا الذي رأى هلال شوال وحده:
فقال الحنفية: فإن أفطر هذا الذي رأى هلال شوال وحده، فإن أفطر فعليه قضاء يوم بلا كفارة، وعليه القضاء فقط. وهكذا حتى قالوا: لو كان رأي الإمام والقاضي لا يخرج إلى المصلى ولا يأمر الناس بالخروج ولا يفطر، بل يوافق الناس لأنه لم يثبت، ويصلي في اليوم الثاني مع الناس.
إن كان رأى الهلال بمفازه وحده، وليس بقربه بلد:
وقال ﷺ: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"، هذا فيما يتعلق بيوم العيد.
كذلك فيما يتعلق بيوم الشك، يقول:وكان ﷺ ينهى عن صوم يوم الشك. وكان -سيدنا- عمار -رضي الله عنه- يقول: من صام هذا اليوم -يعني: يوم الشك- فقد عصى أبا القاسم ﷺ. وكان مالك -رضي الله عنه- يقول: كثيراً ما سمعتُ أهل العلم ينهون عن صوم اليوم الذي شُكَّ فيه أنه من شعبان أو من رمضان إذا نوى به الفرض، ويرون أن على من صامه من غير رؤية ثم جاء الثبتُ إنه من رمضان عليه القضاء ولا يرون ذلك في صيامه تطوعاً.، ورأى ابن عباس -رضي الله عنهما- رجلاً صائماً في يوم الشك فقال له: ما حملك على هذا؟ فقال: أنا صائم فإن كان من شعبان كان تطوعاً، وإن كان من رمضان لم يسبقني فقال له: أفطر فإن رسول الله ﷺ قال: "لا تستقبلوا الشهر استقبالاً ولا تستقبلوا رمضان بيوم من شعبان"، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: لا يقل أحدكم في اليوم الذي يشك فيه إن صام فلان صمت وإن قام فلان قمت فمن صام أو قام فليجعل ذلك تطوعاً لله -عز وجل-، وإن رسول الله ﷺ قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"".
يقول: "وكان ابن مسعود وابن عمر -رضي الله عنهما- يأمران بفطر يوم الشك حتى كان ابن مسعود يقول: لأن أفطر يوماً من رمضان ثم أقضيه أحب إلى من أن أزيد فيه يوماً ليس منه، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا أصبحوا يوم لا يريدون الصوم ثم ثبت كونه من رمضان يمسكون بقية يومهم، ويؤيده قوله ﷺ فيمن طعم يوم عاشوراء قبل وصول المنادي: "من طعم منكم فليصم بقية يومه"، وكانت حفصة تقول: لا يتمّ لأن رسول الله ﷺ قال: "من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له". هذا إذا اعتبرناه صياماً، أما إذا اعتبرناه أدباً مع اليوم الإمساك فلا إشكال في ذلك، يمسك بقية اليوم تعظيماً لليوم.
فما هو يوم الشك؟
إذا كان يوم غيم فيأتي الشك أنه ربما كان الهلال موجوداً، أو شَهِدَ بالشهر مَنْ رُدَّتْ شهادتُهُ؛ إذًا فهذا يوم الشك في اصطلاح الفقهاء.
إذًا هذا ما يتعلق بيوم الشك.
ثم ذكر بعد ذلك اختلاف المطالع.
قال: "وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- لا يأمرون أهل بلد بعيد بالصوم لرؤية أهل بلاد أخرى كالمدينة والشام"، لما جاء في صحيح مسلم أنه لما جاء كُرَيْبٌ من الشام، فسأله ابنُ عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عن الصوم. فقال كُرَيْبٌ: إنا صمنا في يوم السبت (أي: رأوا الهلال ليلة الجمعة). فقال ابنُ عبّاسٍ: لكننا لم نره إلا ليلة السبت، فنحن صمنا يوم الأحد، قال: رأيته أنت؟ قال: رأيته ورآه معاوية وصام الناس، قال: أما نحن -ما رأيناه- فلا نزال نفكر حتى نراه أو نكمل ثلاثين. فقال كُرَيْبٌ: ألا تكتفي برؤية أهل الشام ورؤية معاوية؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله ﷺ.
قال: "وكانوا لا يرون بأساً بتقديم أهل بلد بيوم على أهل بلد آخر عملاً باختلاف المطالع -وجاء بحديث كريب- قال كريب -رضي الله عنه-: بعثتني أم الفضل أم عبدالله بن عباس -رضي الله عنهم- إلى معاوية بالشام فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس متى رأيتم الهلال؟ قلت: رأيته ليلة الجمعة. قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. قال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى يكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أفلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا هكذا أمرنا رسول الله ﷺ"، وهكذا القول فيمن قال باختلاف المطالع.
صلى الله على سيدنا محمد، ورَزقنا حسن متابعته والاستقامة على مِنهاجه وملته.
أحيا الله فينا الدين، ورزقنا متابعة حبيبه الأمين، وأصلح شؤون أمته أجمعين، وكشف الشدائد والآفات عنهم، وحوَّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال،
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
26 ذو الحِجّة 1446