كشف الغمة -29- تكملة شرح أحاديث باب آداب النوم والانتباه

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  تكملة شرح أحاديث باب آداب النوم والانتباه

 السبت: 6 ذو الحجة 1444هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  تهيئة آلة الطهارة وشؤون العبادة
  •  ترك الاستعانة بماء الوضوء
  •  3 أواني للرسول ﷺ تغطى من الليل
  •  استحباب إضاءة البيت عند قيام الليل
  •  3 أعمال تحل عقد الشيطان إذا قام النائم
  •  إذا طلع الفجر بال الشيطان في أذنه
  •  وضع السواك عند المنام
  •  كيفية صلاة رسول الله في قيام الليل
  •  النهي عن النوم في سطح البيت
  •  خطر النوم بعضه على الشمس وبعضه على الظل
  •  هيئة نومه عليه الصلاة والسلام
  •  لماذا نطفئ السرج والنار قبل النوم؟

نص الدرس مكتوب:

باب "أداب النوم والانتباه" :

وكان ﷺ ينام أول الليل ثم يستيقظ في أول النصف الثاني وذلك حين يصيح الديك، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين، وكان ﷺ إذا نام لا يوقظه أحد حتى يكون هو الذي يستيقظ، وكان نومه ﷺ أعدل النوم."

وكان ﷺ يهيئ آلة الطهارة من الطهرةِ، والسواك ولا يَكِلُ ذلك إلى خادمه وغيره إلا لضرورة ويقول: لا أحب أن يعينني على طهوري أحد»، قالت عائشة : وكان يوضع لرسول الله ﷺ ثلاث أوان تخمر من الليل: إناء لظهوره وإناء لشرابه وإناء لسواكه. 

وقالت: وكان رسول الله ﷺ لا يقعد في بيت مظلم حتى يضاء له بسراج، وكذلك كان يفعل الخلفاء الراشدون، وكان عثمان رضي الله عنه يقوم من الليل فيملأ الإداوة ويتوضأ، فقيل له: أفلا تنبه أحداً من الخدم يفعل ذلك؟ فقال : إن الليل لهم يستريحون فيه.

وكان ﷺ يقول: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ.".

وكان ﷺ يضع الإداوة والسواك عند رأسه، وكان ﷺ ينهى أن ينام الرجل في سطوحٍ لا حظير له، أو ينام بعضه في الشمس وبعضه في الظل. قالت أم سلمة رضي الله عنها: كان فراش رسول الله ﷺ في بيتي نحواً مما يوضع للميت في قبره، وكان ﷺ يقول: "أقلّوا الخروج بعد هدأة الرِّجل فإن لله تعالى دواب يبثهنّ في الأرض في تلك الساعة".

وكان ﷺ يقول : "إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن النار عدوٌّ لكم"، وفي رواية: "لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون". قال ابن عباس رضي الله عنهما: وجاءت مرة فأرة تجرُّ فتيلةً حتى ألقتها بين يدي رسول الله ﷺ على الخمرة التي كان جالساً عليها فأحرقت منها موضع درهم، فقال رسول الله ﷺ: "إن الشيطان يدل هذه على مثل هذا فتحرِقُ على أهل البيت متاعهم"

 اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات).

 

الحمد لله مُكرِّمنا بالشريعة الغرَّاء وبيانها على لسان خير الورى، سيدنا محمدٍ صلى الله وسلم وبارَكَ وكرَّمَ عليه وعلى آله وأهل بيته من نالُوا به طُهرًا، وأصحابه الكرام من أعظم الله لهم به أجرًا ورفع لهم قدرا، وعلى أتباعهم بإحسان وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين من رقَّاهم الله في الفضل والكرامة والمجد والسعود أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المُقرَّبين، وعلى جميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويواصل الإمام عبدالوهاب الشعراني عليه رحمة الله ذكر الأحاديث المتعلقة بالنوم والانتباه، وذكر أنه "ﷺ: كان يُهيِّؤ آلة الطهارة من المطهرة والسواك، ولا يكر ذلك إلى خادمه وغيره إلا لضرورة، ويقول: "لا أحب أن يعينني على طهوري أحد"؛ فكان يحب أن يُباشر كل ما يتيسر له ويقدر عليه من الأعمال المتعلقة بعبادته الخاصة للحق جل جلاله وتعالى في علاه، ويحثُّ على المسارعة للخيرات وأن يُباشر الإنسان شؤون العبادة بنفسه ولا يركن إلى الاستعانة بالغير فتألف نفسه التكاسل والتخاذل أو العلو والارتفاع وينقطع بذلك عن كثير من الأدب؛ وينقطع عنه كثير من الانتفاع والارتفاع، فيبادر بنفسه ﷺ إلى إحضار الماء وإلى أن يغترف بيده ويصب على أعضائه بنفسه ﷺ.

وبذلك جاء عند أهل العلم مسائل الاستعانة في الوضوء، وهنا يقول: "لا أحب أن يعينني على وضوئي أحد". وجاء عن سيدنا علي بن أبي طالب أنه قال: قال أبو الجنوب كنت مع علي فقام ليتوضأ وجئت أستقي له فقال: مه يا أبا الجنوب فإني رأيت عمر يستقي ماء لوضوئه فبادرت وأستقي له، فقال: مه يا أبا الحسن، فإني رأيت رسول الله ﷺ يستقي ماء لوضوئه، فبادرت وأستقي له، فقال: "مه يا عمر فإني أكره أن يشركني في طهوري أحد" ﷺ.

وبذلك قال الشافعية والحنابلة: أن من سنن الوضوء عدم الاستعانة وعبَّرَ الحنفية وقالوا: من آداب الوضوء، فقال الحنابلة: من سنن الوضوء أن يتولى الشخص وضوءه بنفسه من غير معاونة؛ لا يوكل طهوره إلى أحد ولا صدقته التي يتصدق بها إلى أحد. يقول ابن عباس: يكون هو الذي يتولاها بنفسه، هكذا جاء. ثم قال الشافعية: ترك الاستعانة بالصب عليه لغير عذر؛ من سنن الوضوء؛ لأنه الأكثر من فعله ﷺ وقد يصب عليه ماء الضوء بعض الصحابة، وكذلك جعلوا الاستعانة في تقريب الماء من الاستعانة المباحة، وفي صب الماء على الأعضاء من خلاف الأولى وفي تغسيل الأعضاء وللقادر على غسله بنفسه؛ مكروه. وهكذا يقول صفان بن عسال: صببت على النبي ﷺ الماء في السفر والحضر في الوضوء، وجاء أيضا عن المغيرة بن شعبة يقول: "أفرِغْ على النبي ﷺ من وضوءه"، ولكن الأكثر من أحواله أنه ﷺ كان بنفسه يأخذ الماء ويغسل أعضاؤه من دون استعانة بصب. 

فلهذا قال الشافعية: 

  • ترك الاستعانة بالصب لغير عذر من السنن؛ لأنه الأكثر من فعله ﷺ؛ لرغبته في الأجر والثواب؛ وتعظيم عبادة رب الأرباب جل جلاله وتعالى في علاه.
  • أما الاستعانة بالصَّبِّ بالنسبة للمتيسر له ذلك؛ فيصبح خلاف الأولى. 
  • أما الاستعانة بتغسيل الأعضاء؛ فيصير مكروهًا
  • قالوا بخلاف المضطر لذلك يكون واجب عليه أن يستعين؛ من أجل يؤدي الصلاة، من أجل يقوم؛ فيجب عليه أن يستعين بأحد يغسل أعضاؤه لأنه مريض ما يستطيع فيغسلونه من أجل أن يؤدي الصلاة.
  • فإذا لم يمكنه التطهر إلا بالاستعانة صارت واجبة عليه ويجب عليه بذل الأجرة في ذلك.

عبر الحنفية بالآداب قالوا: 

  • من آداب الوضوء عدم استعانة المتوضئ بغيره إلا لعذر، وقالوا عن استعانته بشعبة بن المغير وغيره؛ أن ذلك لتعليم الجواز ولبيان الجواز. 
  • أما عند العجز فأجمعوا على أنه يجب عليه أن يستعين بغيره؛ وهكذا يقول ابن عابدين من الحنفية: أنه إذا كان هذه الاستعانة في الصب وغيره عن طيب قلب بلا أمر فلا كراهة فيها.

"وجاء عن السيدة عائشة قالت: كنا نضع لرسول الله ﷺ ثلاثة أوانٍ مخمرة؛" يعني: مغطاة "إناء لطهوره"؛ أي: لأجل أن يتوضأ إذا قام، "وإناء لسواكه"؛ ففيه: أنه كان يحب أن يبلل السواك بالماء فيضع الماء في السواك ليلين ويصير أقوى في تنظيف الفم. وبذا أيضا قال الشافعية: أن أفضل السواك اليابس المندّى بالماء، "وإناء لسواكه"؛ يضع سواكه فيه، "وإناء لشرابه" فقد يحتاج إلى الشرب في الليل؛ فيكون ماء للشرب، وماء للسواك، وماء من أجل الوضوء؛ فصارت ثلاثة آنية كما ذكر عندنا كنا نضع لرسول الله ﷺ ثلاثة أواني تخمر من الليلة يعنى: تغطى، كما أخرجه الحاكم في المستدرك. 

وكذلك استحبابه أن "لا يقعد في البيت المظلم"؛ يعني؛ الغرفة المظلمة ما فيها ضوء. "لا يقعد في البيت المظلم، حتى يضاء له بسراج"، والبيت: يطلق على الغرفة، والدار: يشمل الغرف ومصالحها وما بينها، والأصل في اللغة والأوجه أن البيت مذكر والدار مؤنث. وقال: وكذلك يفعل الخلفاء الراشدون، وكان عثمان رضي الله عنه "يقوم من الليل فيملأ الإداوة،" -الآلة التي توظب الإناء- "ويتوضأ، قيل له: أفلا تنبأ أحدا من الخدم يفعل ذلك؟ قال: إن الليل هم يستريحون فيه"؛ وقت راحتهم وأنا بنفسي أكفي هذا. يقولوا: لو أمرت بعض الخدم لكفوك. "قال: لا الليل لهم يستريحون فيه،" لهم أعمال أخرى كثيرة يعني وقت قيامه لأن وقت قيامه طويل، وقد جاء عنه أنه سيدنا عثمان كان قد يصلي في الليل مئة ركعة وكان كثير التعلق بالتلاوة والتلذذ بها، ويقول: لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله عليه رضوان الله تبارك وتعالى.

ثم ذكر لنا الحديث فيما يكون بين كل إنسان وقرينه من الشياطين، فإن القرين يترقب نوم الإنسان ليعقد على قافية رأسه "ثلاث عقد"، أي: معنويات "يقعد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام يعقد ثلاث عقد يضرب كل عقد منها مكانها عليك ليل طويل فارقد.." كل ما أراد يستيقظ يقوم للصلاة والتضرع في الليل، يقول له: بعده الليل طويل، بعد في وقت، نام  بعده فيه وقت، باقي وقت، يقول: "عليك ليل طويل فارقد، فإذا استيقظ فذكر الله؛ انحلت عقدة" من الثلاث، "فإن توضأ انحلت عقدة"؛ الثانية، "فإن صلى انحلت عقدة"؛ ثالثة؛ فأصبح نشيطا طيب النفس. 

وبهذا قال بعضهم: استحباب افتتاح التهجد بركعتين خفيفتين؛ قال: لاستكمال انحلال العقد، عشان بسرعة يكمل عقده، باقي العقدة الثالثة فيصلي ركعتين خفيفتين؛ من أجل أن تنحل خلاص، يصلي باقي الصلاة يطولها ولايوجد عقدة عليه؛ قد انتهت العقد. العقدة الأولى تنحل بالذكر والثانية تنحل بالوضوء والثالثة بالصلاة؛ فلهذا يخفف الركعتين الأوليين إذا قام بالليل من أجل أن ينتهي أمر العقد كلها؛ هذا من باب التشريع لأمته. قال: وإلا إن لم يقم ويذكر الله ويتوضأ ويصلي "أصبح خبيثا النفس كسلان"، ويتوالى عليه الكسل والخبث في نفسه بسبب ذلك، هكذا "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ" كما جاء في الصحيحين، وهذا لفظ البخاري عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

فشيطان كل إنسان الموكل به؛ هذا إلا قرينه، هذا الذي يمشي معه يوكَّا من قبل رأسهم إبليس بأعمال كثيرة يقوم بها مع هذا الإنسان. كما أن هناك شياطين أخرى يتعاونون على إغواء الناس وعلى إذلالهم ما استطاعوا، لا إله إلا الله. وكلما أحس وأراد أن يقوم، أوحى إليه يقول له: إنه وراءك ليل، باقي وقت بعد، بعد في وقت شوية، عاده، كم يبقى وقت حتى يطلع عليه؟ الفجر وما قام؛ ويفرح قرينه إذا طلع الفجر ولم يقم لأنه يمكن من البول في أذنه، يحب يستهين بالإنسان ويذله؛ عدو؛ فيمكن وهذا كناية عن إذلاله تذلل الإنسان له. والحديث الصحيح قال فيه بعض الرواة: أنه محمول على ظاهره. وحتى إن من الفقهاء من أوجب على من طلع عليه الفجر وهو نائم أن يغسل أذنيه. قال جماهير أهل العلم: إن هذا أمر معنوي ما يترتب عليه غسل ظاهر، ولكن أمر معنوي، هذا ليس بحسي ما يحسه الإنسان. ولكن قال لي بعض الأخيار الصالحين، قالوا: كانوا فيه مسافر في بعض البلدان في السودان، وقالوا: كنا عزبة وكنا إذا استغرقنا في النوم حتى طلع الفجر نحس بالبلل في الآذان، قال: حتى قد يخرج إلى الرقبة، قال: في البداية ظَنَنَّا أن أحد منا يؤذي إخوانه ليقوم وتأكدنا لايوجد أحد يؤذي أحد؛ إلا حق الخبيث هو هذا المذكور في الحديث، وكنا نحسُّ به؛ وإنما أحسوا به من باب ما يحسُّ الله كثيرا من الناس بشؤون معنوية تظهر، يظهر لهم أثره وهي غايبة عن الناس، لا إله إلا الله. وما أحد يرضا أن أذنه إذنهم مبوله للخبيث الشيطان؛ هذا غاية في الإهانة. واحد يحاول يقوم بعض الناس أيضا من أصحابه في عزبة ما رضي يقوم، راح يقومه وجاب البول يحطه في أذنه ما هذا؟ مالك تعمل هكذا؟!  قال: أحسن بولي ولا بول الشيطان. قال: هذا أحسن لك!  قال: بس خلاص ثاني مرة قم ولا عاد بولي ولا بول الشيطان. لا إله إلا الله. دفع الله عنا الشيطان وسلطانه وجعلنا من عباد الرحمن الذين ليس للشيطان عليهم سلطان.

وهذا الأمر المعنوي جاء في رواية الإمام أحمد: "على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد"؛ يعني يعقد حبل فيه ثلاث عقد، "إذا نام أحدكم عقد على رأسه بجرير"؛ يعني: بحبل، في رواية عند الإمام أحمد أيضا، لا إله إلا الله. فشبَّه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالمسحور لأنه يعقُد عقَد عليه (وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) [سورة العلق:4]. ويقول هذا في تلبيسه وتدليسه عليه مثل مسحور مع الساحر يصدقه في كلامه، يقول له: وراءك ليل طويل نم، الوقت ما يحتاج تقوم، -لا إله إلا الله-. وقابل الثلاث بالثلاث ذكر ووضوء وصلاة ولا عاد يبقى سلطان على الإنسان للشيطان، إذا اتصل بذكر الله والطهارة والصلاة، فيصبح نشيطا يحس بسرور ما يوفق له من الخير طَيِّبَ النَّفْسِ من هذا التصرف الحسن، وإلا أصبح خَبِيثَ النَّفْسِ -لا إله إلا الله-، وما يرى ما يدري ما الذي به متضايق غير منشرح وأنت على نفسك (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [سورة الرعد:28]. 

ويقول: "كان ﷺ يضع الإداوة والسواك عند رأسه"؛ اهتماما بشأن الطهارة والقيام ﷺ، وجاء أيضًا أنه لما سئلت السيدة عائشة عن صلاة الرسول ﷺ قالت: "كانَ يصلِّي العِشاءَ في جَماعةٍ ثمَّ يرجِعُ إلى أهلِه فيركَعُ أربعَ رَكَعاتٍ ثمَّ يأوي إلى فِراشِهِ وينامُ وطَهورُه مُغطًّى عندَ رأسِه وسِواكُه موضوعٌ"، وكان يعتني بالسواك قبل المنام وعند القيام أول ما يفعله أن يستاك عند قيامه من النوم ﷺ قالت: "حتى يَبعَثَه اللهُ ساعتَه التي يَبعَثُه مِن الليلِ، فيَتسوَّكُ ويُسبِغُ الوُضوءَ، ثمَّ يقومُ إلى مُصلَّاه، فيُصلِّي ثمانيَ ركَعاتٍ يَقرَأُ فيهنَّ بأُمِّ الكتابِ، وسورةٍ مِن القُرآنِ، وما شاء اللهُ، ولا يقعُدُ في شيءٍ منها حتى يقعُدَ في الثامنةِ، ولا يُسلِّمُ، ويَقرَأُ في التاسعة، ثمَّ يقعُدُ، فيدْعو بما شاء اللهُ أنْ يدْعوَ، ويَسألُه ويَرغَبُ إليه، ويُسلِّمُ تسليمةً واحدةً شديدةً، يكادُ يوقِظُ أهلَ البيتِ مِن شدَّةِ تسليمِه، ثمَّ يَقرَأُ وهو قاعدٌ بأُمِّ الكتابِ، ويَركَعُ وهو قاعدٌ، ثمَّ يَقرَأُ الثانيةَ فيَركَعُ ويسجُدُ وهو قاعدٌ، ثمَّ يدْعو ما شاء اللهُ أنْ يدْعوَ، ثمَّ يُسلِّمُ ويَنصرِفُ"، هذا الذي حفظته في كثير من الليالي التي نام عندها ﷺ، قالت: فلم تزل تلك صلاة رسول الله ﷺ حتى بَدُن فنقص من التسع اثنين فجعلها إلى الست والسبع وركعتيه وهو قاعد حتى قُبض، وأخذ بهذا الحنفية أيضا فأحبوا بعد الوتر أن يصلي ركعتين وهو قاعد. وكان أيضًا لما بَدًن وثقل قد يبدأ القراءة وهو قاعد يصلي، فإذا قارب الركوع نحو العشرين والثلاثين للآية قام قرأها من القيام ثم ركع ﷺ.

"يضع الإداوة والسواك عند رأسه، كان ﷺ ينهى أن ينام الرجل في سطوح،" سطح بيت "لا حظير له،" يعني: ما في مانع يمنع من السقوط في أطراف السطح، فقد يتقلب وهو نائم، أو يقوم غير مستجمع الحس فيسقط؛ وهكذا رعى المصالح ﷺ لأمته. وكذلك "نهى أن ينام الإنسان بعضه في الشمس وبعضه في الظل" ومهما اكتشفوا أضرار كثيرة على البدن من ذلك، لكن نهيه ﷺ أكبر ضرر علينا أن نعمل ما نهى عنه ﷺ، أكبر من ضرر الجسم وما إلى ذلك، فوجدوا فيه شديد من الأضرار على صحة الإنسان يكون بعض جسده في الشمس وبعضه في الظل. 

"أم سلمة تقول: كان فراش رسول الله ﷺ في بيتي نحوًا من ما يوضع للميت في قبره" ومعناه: ينام على الشق الأيمن ومستقبل القبلة. وكان ﷺ يقول: "أقلُّوا الخروجَ بعد هَدْأَةِ الرجلِ" يعني: في أول الليل، "فإن لله -تعالى- دوابٌ يَبُثُّهنَّ في الأرضِ في تلك الساعة"، يقول سيدنا جابر-رضي الله عنه- فيما روى أبو نعيم: "نهى رسول الله ﷺ أن ينام الرجل بعضه في الشمس وبعضه في الظل"، حتى جاء عن أبي هريرة قال أبو القاسم ﷺ: "إذا كان أحدكم في الشمس -وفي رواية يقول في الفيء- فقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم" هذه رواية أبو داود، يبقى كله في الشمس أو كله في الظل، ﷺ "فليقم" يعني: يتحول إلى الظل ندبا وإرشادا منه ﷺ. 

كما نهى أن يمشي الرجل في نعل واحد، وقال: "لِيُنْعِلْهُما جَمِيعًا، أَوْلِيُحْفِهِما جَمِيعًا"، وفي ذلك أيضًا اختلال في وزن الإنسان لما يمشي فيؤثر عليه فإما يكون إما بنعلين وإلا حافي القدمين، أما يمشي في نعل واحدة فكره ذلك ﷺ.

و جاء في رواية أبو داود كان فراش النبي ﷺ نحوا مما يوضع الإنسان في قبره يعني، وكان المسجد عند رأسه؛ لأن القبلة منه في جهة الجنوب، والمسجد كان غربي المكان -الحجر حقه اللي يسكن فيها ﷺ-. فكان إذا وجّه رأسه نحو المسجد كان صدره إلى القبلة، وكان رجلاه إلى المشرق وكان خلفه الشمال؛ لأن هذا قبلة المدينة المنورة. كان المسجد عند رأسه، تقول أم سلمة في رواية أبو داود؛ يعني رأسه إلى جهة المسجد لأن المسجد عن الجنوب عنه عن مغرب البيت الشريف مغرب الحجر النبوية، والمشرق إلى جهة البقيع والجنوب قبلته، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن أقترن من أحبابه.

كمل إرشادة : "إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن النار عدو لكم"، "لا تَتْرُكُوا النار في بيوتكم حين تنامون"، كما أنه  لا يحب يدخل ولا يمكث في غرفة ما فيها سراج، فلا يحب أن ينام والسراج لاصي -مُضاء-، يعني يحب أن يطفئ النار قبل النوم. وأرشد إلى ذلك في عدد من الأحاديث، "إنَّ هذهِ النَّارَ عدوٌّ لكُم ؛ فإذا نِمتُم فأطفِئُوها عنْكُم" هكذا في الصحيحين. يقول ابن عباس: جاءت مرة فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها وألقتها بين يدي رسول الله ﷺ على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم، قال: "فإذا نمتم فأطفئوا سرجكم"؛ "فإنَّ الشيطانَ يَدُلُّ مِثلَ هذِهِ على هذا فَتُحْرِقَكُم"، هكذا في رواية أبي داود. 

وفي رواية زين يقول: بينما نحن عند رسول الله ﷺ إذا بفارة تجر فتيلة حتى وضعتها بين يديه على طرف الحصير فحرقته، فقال ﷺ: "إنَّ هذهِ النَّارَ عدوٌّ لكُم؛ فإذا نِمتُم فأطفِئُوها عنْكُم"، "إن الشيطان يدل هذه على مثل هذا فتحرق على أهل البيت متاعهم" ﷺ، اللهم أجرنا من النار. وقد جعل الله النار تذكرة لنا حارقة مؤذية تذكر بنار الآخرة الأشد والأعتى والأعظم حرارة، فُضلت عليها بسبعين ضعفًا. يقول في الحديث: "لا تَتْرُكُوا النار في بيوتكم حين تنامون" جاء في الصحيحين، فأي سراج أو قنديل معلق وغيره من الذي فيه النار، و "إذا نِمتُم"؛ يقول: "فأطفِئُوا سُرُجَكم".  

رزقنا الله اتباعه والاقتداء به والاهتداء بهديه وعمرَنا وعمر ديارنا ومنازلنا بسنته والإقتداء به، وزيننا بإتباع ومسلكه وطريقته، وحشرنا في زمرته، وأسعدنا بمرافقته، وحنن روحه علينا وعطّف قلبه علينا، وجعلنا في أهل الاستنان بسنته والاقتداء به في جميع الأقوال والأفعال والمقاصد والنيات والحركات والسكنات، وجعل هوانا تبعًا لما جاء به خير البريات، ووفر حظنا بذلك من هذه الأيام الليالي ومن هذا الموسم والعيد، ووهبنا منه المزيد بما هو أهله من عطائه المديد وجوده الواسع إنه الحميد المجيد في خير ولطف عافية.  

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

06 ذو الحِجّة 1444

تاريخ النشر الميلادي

24 يونيو 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام