كشف الغمة -200- كتاب الصلاة (91) باب: سجود السهو -1-

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  200- كتاب الصلاة (91) باب: سجود السهو -1-

صباح الأربعاء 15 ربيع الأول 1446 هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  ما هو سجود السهو؟
  •  هل سجود السهو واجب أم سنة؟ 
  •  هل سجود السهو قبل السلام أو بعده؟ 
  •  تفصيل أسباب سجود السهو عند المذاهب الأربعة
  •  سجود السهو بعد نقص الركعات
  •  التشهد بعد سجود السهو
  •  ماذا فعل ابن الزبير عندما نقصت صلاته؟
  •  قول ابن مسعود عن سجود السهو
  •  من شك في ركعات صلاته يبني على اليقين

نص الدرس مكتوب:

باب سجود السهو 

"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ إذا سها في الصلاة سجد للسهو؛ وكان تارة يسجد قبل السلام، وتارة يسجد بعده، وكان لا يمنعه عن العود إلى الصلاة خروجه من المسجد وكلامه واستدباره القبلة، وسلم -عليه الصلاة والسلام- مرة عن ركعتين من الظهر، ومرة عن ثلاث من العصر، فلما أعلموه بذلك قام فصلى ما عليه ثم سجد سجدتین کسجود الصلاة ثم سلم، وكان ﷺ إذا رفع من سجود السهو تارة يتشهد ثم يسلم.

وسلم ابن الزبير -رضي الله عنه- من ركعتين من المغرب ونهض ليستلم الحجر الأسود فسبح القوم فقال: ما شأنكم؟ فأخبروه فصلى ما بقي وسجد سجدتين، فذكروا ذلك لابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: ما زال عن سنة محمد ﷺ. 

وقال أنس -رضي الله عنه-: قام رسول الله ﷺ مرة من ركعتين من الظهر ودخل الحجرة فقام إليه ذو اليدين فذكر له صنيعه فخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال: "أصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلى ركعتين ثم سجد سجدتين ثم سلم"، وكان عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- إذا سئل عن السهو يقول: هو أن تقوم موضع الجلوس أو تقعد موضع القيام أو تسلم من ركعتين، وسيأتي في الباب عقبه أن أبا سعيد وابن الزبير وابن عمر -رضي الله عنهم- كانوا يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة فعليه سجدتا السهو. 

وكان ﷺ يقول: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ واحدة صلى أم ثنتين، فليجعلهما واحدة، وإن لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثًا فليجعلهما ثنتين، وإن لم يدر ثلاثًا صلى أم أربعًا فليجعلها ثلاثًا، وليبن على ما استيقن ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين، فإن كان صلى خمسًا شفعتا له صلاته وإن كان صلى تمامًا الأربع كانتا ترغيمًا للشيطان"

 وكان ﷺ يقول: من صلى صلاة يشك في النقصان فليصل حتى يشك في الزيادة فإن العبد لا يُحسب له من صلاته إلا ما عقل منها، وكان ﷺ يقول: "إنما أنا بشر مثلكم أُنَسَّى كما تنسون لِيُسْتَنَّ بي، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين بعد سلامه"، وكان ﷺ يقول: "إن الشيطان يدخل بين ابن آدم  وبين نفسه فيقول له اذكر كذا اذكر كذا حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل يسلم". 

وكان معاوية -رضي الله عنه- يقول: سلم رسول الله ﷺ وقد بقيت ركعة من الصلاة وخرج فأدركه طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- فقال: "نسيت من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد وأمر بلالًا فأقام الصلاة فصلى بالناس ركعة"، 

وكان ﷺ يقول: "إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائمًا فليجلس للتشهد، وإذا استتم قائمًا فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو"".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وحبيبه وصفوته خلقه سيدنا محمد صلى الله وسلم وكرّم عليه وعلى آله وصحابته، وأهل متابعته وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في خليقته، وآلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- في هذا الباب ما يتعلق بسجود السهو، والسهو هو: الغفلة عن الشيء ونسيانه، نسيان الشيء والغفلة عنه يقال له: سهو؛ والمراد هنا السجود في آخر الصلاة:

  • إما قبل السلام كما اختاره الشافعية وجماعة من أهل العلم.
  • وإما بعد السلام كما اختاره الحنفية.
  • وإما أحيانًا قبل السلام وبعد السلام، في تفصيل عند المالكية والحنابلة.

 

باب سجود السهو 

سجود السهو إذا حصل مقتضيه -إذا حصل سبب من أسباب سجود السهو- فسجود السهو:

  • مستحب وسنة عند الشافعية وعند المالكية. 
  • وقال الحنفية والحنابلة: هو واجب، إذا وجد سبب من الأسباب عندهم فيصير سجود السهو واجب.
  • ويقول الحنابلة في سجود السهو: أنه يكون واجبا، وقد يكون مندوبا، وقد يصبح عندهم مباحا، فله صور عندهم.

فوجوب سجود السهو عند الحنابلة: 

  • لكل ما يبطل عمده الصلاة، أي شيء إذا فعله الإنسان متعمد تبطل الصلاة؛ وإذا فعله ناسي لم تبطل صلاته فيجب عندهم له سجود السهو، في كل ما يحصل من زيادة أو نقص، ومثل ترك ركن فعلي، فلكل ما يبطل عمده في الصلاة، بالزيادة أو النقص يجب عندهم لذلك سجود السهو.
  • وكذلك إذا ترك واجبا مثل: التسبيحات عندهم -عند الحنابلة-، عندنا التسبيحات في الركوع والسجود مستحبات مسنونات ومن تركها لا يسجد للسهو -هكذا يقول الشافعية-؛ ولكن الحنابلة ومثلهم الحنفية يقولون: إذا ترك التسبيح في الركوع وفي السجود سجد للسهو. 
  • كذلك إذا شك في الصلاة؛ شك في ترك ركن أو في عدد الركعات فيزيد ويسجد للسهو، فهو واجب عند الحنفية في هذه الأحوال.
  • ومن لحن لحنا يغير المعنى سهوا أو جهلا فأيضا عندهم، يجب في هذه الحالات المذكورة سجود السهو. 

 

ويندب سجود السهو عند الحنابلة: 

  • إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه، -غير السلام- مثل: قراءة القرآن في أثناء الركوع، إلا في السجود ولا في الجلوس بين السجدتين، إذا قرأ القرآن مثلا، أو قرأ التشهد وهو قائم، مثلا ناسيا؛ فهذا إذًا عندهم يستحب له -هذا عند الحنابلة- يستحب سجود السهو. 
  • وكذلك عندهم حتى إذا قرأ سورة في الركعة الثالثة أو الرابعة عندهم مما يستحب له سجود السهو؛ مع أن غيرهم قال بسنية القراءة في الثالثة وفي الرابعة من بعض أهل العلم. 
  • ويكون مباح عندهم، إذا ترك سُنة من سنن الصلاة ما تلزم فيباح أن يسجد للسهو تداركًا للخلل.

وهذا كله في حق الإمام وحق المنفرد، أما المأموم فمن المعلوم عند الأئمة كلهم يجب على المأموم متابعة إمامه في السجود، ولو كان في الصورة التي قالها الحنابلة أنه مباح فيلزم عندهم أن يتابع المأموم أن يتابع المأموم الإمام، ويسجد معه.

 

وكذلك القول عند المالكية كالشافعية: أن سجود السهو سُنة؛ ولكن في قول عندهم بوجوب سجود السهو فيما إذا سها بنقص - نقص شيئا- لأنهم:

  • إذا سها عندهم بزيادة فمحل السجود عندهم -سجود السهو- بعد السلام.
  • وإذا سها بنقص فمحل السجود قبل السلام، هذا عند المالكية

أما عند الحنفية:

  • سجود السهو مطلقا بعد السلام.
  • وعندهم أيضا إذا سجد للسهو يتشهد ويسلم؛ يتشهد بعد سجود السهو.

وعلمنا قول الشافعية أن سجود السهو إذا وُجد سبب من أسبابه فهو سُنة من السنن، لا يكون واجبا ولا يكون مباحا.

جاء "إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه فلْيُلْقِ الشكَّ ، ولْيَبنِ على اليقينِ ، فإذا استيقنَ التَّمامَ سجد سجدتَينِ ، فإن كانت صلاتُه تامَّةً كانت الركعةُ نافلةً له والسجدتانِ ، وإن كانت ناقصةً كانت الركعةُ تمامًا لصلاتِه والسجدتانِ تُرغِمانِ أنفَ الشيطانِ"، كما جاء في بعض الروايات وبعضها أوردها عندنا في هذا الباب.

فإذن فلسجود السهو أسباب فلا يصح أن يسجد السهو من دون سبب، على ما عليه الجمهور؛ وإن كان عندنا سينقل عن ابن عباس أنه يستحب لكل مصل أن يختم صلاته بالسجدتين؛ ولكن يقول جمهور أهل العلم: إذا لم يكن سبب مقتضي لسجود السهو فسجد بطلت صلاته، إنما إذا وجد السبب من أسباب السجود فليسجد، على قول من يقول بالوجوب وعلى قول من يقول بالسنية وعلى قول من يقول بالإباحة في بعض الأحوال كما قرأنا في مذهب الحنابلة.

 

إذن للسجود أسباب كان يقول: "ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ  إذا سها في الصلاة سجد للسهو؛ وكان تارة يسجد قبل السلام، وتارة يسجد بعده، وكان لا يمنعه عن العود إلى الصلاة خروجه من المسجد".

فيقول الشافعية سجود السهو قبل السلام مطلقًا. 

ويقول الحنفية سجود السهو بعد السلام مطلقًا. 

ويقول المالكية: إن سهى بزيادة فالسجود بعد السلام، وإن سهى بنقص فالسجود قبل السلام، 

والحنابلة: عندهم في بعض المواضع يسجد قبل السلام بعضهم بعد السلام، وما ثبت عندهم في شيء من السنة أنه بعد السلام فبعد السلام وما لم يثبت في شيء فهو قبل السلام كالشافعية.

 

ولكن لا يجوز أن يسجد إلا لسبب؛ فما هي الأسباب؟ هذا أيضا محل اجتهاد لأهل العلم في أسباب سجود السهو: 

فيقول الحنفية: يسجد للسهو بترك شيء عمدا، أو سهوا، أو زيادة شيء سهوا، أو تغيير محله سهوا، في هذه الأحوال عندهم:

لا يسجد بتعمد شيء إلا في ثلاث: 

إذا ترك الجلوس للتشهد الأول ولو متعمدا فيسجد للسهو.

أو أخر سجدة من الركعة الأولى إلى آخر الصلاة عندهم -عند الحنفية- فإذا تعمد ذلك عندهم أيضًا يسجد للسهو.

أو إذا تفكر عندهم في الصلاة عمدا فشغله عن مقدار ركن هذا التفكر فليسجد للسهو، فهذه أسباب سجود للسهو عند الحنفية.

وكذلك عندهم يسجد للسهو بترك واجب من واجبات الصلاة سهوا إما بتقديم أو تأخير أو زيادة أو نقص:

  • مثل ترك قراءة الفاتحة عندهم -عنده من الواجبات وليست من الفرائض- فإذا لم يقرأ الفاتحة في شيء من الركعات فيسجد للسهو هذا عند الحنفية؛ ولكن وجوبها عندهم في الركعتين الأوليين وهي كل الصبح؛ والأوليين من الظهر والعصر؛ والأوليين من المغرب والأوليين من العشاء، فإنما تكون قراءة الفاتحة واجب عندهم في الركعتين الأوليين، أما الثالثة والرابعة ما يلزم فيها الفاتحة ويمكن أن يستبدلها بأذكار، ولهذا إذا تركها في الثالثة والرابعة لا سجود للسهو عندهم، إذن فمذهبهم مبني على أن الفاتحة واجبة وليست بفرض، وأنه تجبر إذا تركت بسجود السهو، لكن في الركعة الأولى أو الثانية فقط. 
  • كذلك إذا لم يأتِ بثلاثة آيات عندهم لأنها مقدار القراءة الواجبة في الأولى أو الثانية مقدار ثلاث آيات سواء كانت الفاتحة أو غيرها من الآيات، ثلاث آيات فأكثر فإذا لم يأتي بشيء من القراءة ناسياً فعليه أن يسجد للسهو؛ وسجود السهو عندهم حينئذٍ واجب.
  • كذلك عندهم من أسباب سجود السهو الإسرار في الجهرية والجهر في السرية، وليس من أسباب السهو عند الشافعية -لو جهر في السرية أو أسر في الجهرية لا يسجد للسهو عند الشافعية- لكن عند الحنفية يسجد للسهو، فإذا خفض صوته في صلاة الفجر أو المغرب أو العشاء فيسجد للسهو، أو جهر في صلاة الظهر أو العصر فيسجد للسهو عند الحنفية.
  • كذلك إذا ترك الجلوس الأول للتشهد في الصلاة الثلاثية والرباعية. 
  • كذلك إذا ترك التشهد في القعدة الأخيرة فهو عندهم واجب يجبر بالسجود؛ فإذا سلم ولم يتشهد فليسجد للسهو. 
  • وبعد ذلك إذا لم يراعي الترتيب في فعل مكرر في ركعة واحدة -يعني: السجدة الثانية في كل ركعة- إذا سجد سجدة واحدة سهوا ثم قام إلى الركعة التالية أداها بسجدتيها ثم تذكر السجدة المتروكة في آخر صلاته  يسجدها -آخر الصلاة- وعندهم يلزم حينئذ سجود السهو.
  • كذلك مما يوجب سجود السهو عند الحنفية ترك الطمأنينة في الركوع والسجود، ومن تركها ساهيًا وجب عليه أن يسجد للسهو.
  • كذلك إذا غيَّر محل القراءة بأن قرأ سورة ثم قرأ الفاتحة؛ وكذلك قراءة السورة عندهم في الركعتين الأخريين، عندهم أيضاً كله من أسباب سجود السهو في هذه الحالات يكون واجب مثل: ترك قنوت الوتر عندهم -لا قنوت عندهم في صلاة الصبح- ولكن سنة القنوت في الوتر فإذا ترك قنوت الوتر يلزمه سجود السهو.
  • كذلك ترك تكبيرات العيدين عندهم، فهذه من أسباب سجود السهو عند الحنفية.
  • كذلك إذا زاد فعل في الصلاة مثل: ركع ركوعين يسجد للسهو، وهذا أيضاً عند الشافعية يسجد لأنه فعل ما يبطل عمده ولا يبطل سهوه فإذا فعله ناسياً فيسجد للسهو.

 

أما المالكية يقولون: أسباب سجود السهو إما نقص فقط أو زيادة فقط أو نقص وزيادة.  

  • النقص: وإذا ترك سنة مؤكدة داخلة في الصلاة مثل: السورة عندهم إذا تركها، أو إذا كانت سنة مؤكدة؛ أو سنتين خفيفتين مثل: تكبيرتين من تكبيرات الانتقال عندهم سنة خفيفة، التشهد سنة مؤكدة إذا ترك تشهد سنة واحدة فليسجد للسهو هذا مذهب المالكية. فإذا ترك سنة خفيفة واحدة فلا يسجد للسهو، سنتين يسجد السهو، سنة خفيفة عندهم مثل: تكبيرات الانتقالات إن تركها في واحدة ما يسجد للسهو، وإن ترك تكبيرتين من تكبيرات الانتقال فيسجد للسهو فهذه تكبيرات الانتقال سوى تكبيرة الإحرام. كذلك إذا كان سهو بترك شيء؛ بنقص شي؛ فالسجود حينئذٍ قبل السلام، وهو سنة وفي قول عندهم أنه واجب.
  • أما إذا زاد: فزيادة الفعل غير الكثير أيضًا عندهم مثل الكلام الخفيف سهواً ، وهو كذلك عند الشافعية موجب لسجود السهو يعني: يستحب به أو بفعله سجود السهو في الصلاة، أو سهى فزاد ركوعاً أو سجوداً فحينئذٍ عندهم السجود السهو للزيادة بعد السلام. قال: وأما زيادة القول سهواً إن كان من جنس الصلاة مثل التشهد وإلا فاتحة أو تسبيح ونحوه مغتفر، وإن كان من غيرها وليس من جنس الصلاة فحينئذٍ يسجد للسهو بزيادة هذا القول بعد السلام. 
  • وقد يجمع بين النقص والزيادة:  فإذا نقص سنة ولو غير مؤكدة وزاد شيء -فمن ترك الجهر مثلاً بالسورة وزاد ركعة في الصلاة سهواً اجتمع عنده زيادة ونقص- فيسجد للزيادة والنقصان ، وحينئذٍ يكون السجود قبل السلام ترجيحاً منهم لجانب النقص على جانب الزيادة.

 

أما الشافعية فيقولوا: إنما أسباب سجود السهو أربعة: 

  1. ترك بعض من أبعاض الصلاة، أو بعض البعض؛ وأبعاض الصلاة عندهم: 
  • التشهد الأول والقعود فيه. 
  • والصلاة على النبي فيه. 
  • القنوت وقيامه والصلاة على النبي وآله وصحبه فيه، والسلام على النبي وآله وصحبه فيه.
  • والصلاة على الآل في التشهد الأخير. فهذه أبعاض الصلاة إذا ترك شيئاً منها أم تركها كلها أو بالتأكيد بعضها منها فيسن له سجود السهو، وسجود السهو مطلقاً عندهم قبل السلام .
  1. إذا أدى فعل ركني مع احتمال الزيادة، بأن شك أسجدَ أم لا؟ إذا شك ثلاث ركعات أو أربع يزيد ركعة؛ أي يوقع ركن من أركان الصلاة فعلي مع احتمال أنه زايد مع ذلك فيزيد وبسبب هذا الاحتمال يسن أن يسجد للسهو.  
  2. فعل ما يبطل عمده ولا يبطل سهوه إذا فعله ساهيًا  ناسيًا، فهو من أسباب سجود السهو.
  3. نقل قول ركني إلى غير محله، إذا نقل الفاتحة إلى ركوع أو إلى جلوس أو نقل التشهد إلى القيام والركوع؛ فنقل ركن قولي إلى غير محله.  

 فهذه الأربعة الأسباب عندهم هي سبب سجود السهو .

 

والحنابلة يقولون: أسباب سجود السهو أيضًا زيادة ونقص وشك في بعض صوره إذا حصل ذلك سهواً، أما إذا حصل عمداً فتبطل به الصلاة:

  • زيادة في الصلاة.. قالوا مثل يزيد المصلي سهواً فعلاً من جنس الصلاة، كيف؟ أن يقرأ الفاتحة مع التشهد أو يقرأ التشهد مع الفاتحة زاد شيء؛ فيسجد للسهو عند الحنابلة وجوباً ، فإن كانت الزيادة قولية فقط بدون فعل فندباً سجود السهو. 
  • ثم النقص عندهم في الصلاة مثل إذا ترك الركوع أو السجود أو قراءة الفاتحة ونحو ذلك سهواً يجب عليه تداركه والإتيان به إذا تذكره، فمن نسي ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة الركعة التي بعدها بطلت الركعة التي تركه منها فقط، لأنه ترك ركناً؛ كما يقول الشافعية: إذا ترك ركن  من الأركان وسها عنه ومشى فإن تذكره قبل أن يصل إلى مثله من الركعة الثانية عاد إليه وألغى الزيادة، وإن لم يتذكر إلا وقد فعل مثله من الركعة الثانية فبطلت الركعة وعدت هذه الركعة الثانية كمال للركعة، وحينئذٍ أيضًا يسجد للسهو؛ لأنه فعل ما يبطل عمده ولا يبطل سهوه وهو فعله ناسياً سهواً.

 

كذلك مما اتفقوا عليه إنه إذا ترك التشهد الأول يرجع إليه:

 استحباباً عند الشافعية.

ووجوباً عند الحنابلة والحنفية.

 يرجع إلى التشهد الأول ما لم ينتصب فإذا انتصب قائماً لا يعود إذا انتصب قائماً لا يعود، فإذا لم يستتم قائماً يجلس ويسجد إذن سجدتي السهو إن قارب القيام بأن جاوز حد الركوع.

 وكذلك عند الحنابلة يجب التسبيح في الركوع وفي السجود، فإذا ترك التسبيح سجد للسهو، والتسبيحات في الركوع والسجود عند الشافعية سنة وليست من أبعاض الصلاة ،فلا يسجد للسهو لترك شيء منها .

ما عليه ثم سجد سجدتین کسجود الصلاة ثم سلم، وكان ﷺ إذا رفع من سجود السهو تارة يتشهد ثم يسلم.

 

 

يقول: "قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ إذا سها في الصلاة سجد للسهو؛ وكان تارة يسجد قبل السلام، وتارة يسجد بعده، وكان لا يمنعه عن العود إلى الصلاة خروجه من المسجد وكلامه واستدباره القبلة". 

كما وقع في بعض المرات التي أشار إليها بقوله: "سَلَّم -عليه الصلاة والسلام- مرة عن ركعتين من الظهر، ومرة عن ثلاث من العصر، فلما أعلموه بذلك قام فصلى  ما عليه -ركعتين أكمل بها الظهر، وصلى ركعة أكمل بها العصر- ثم سجد سجدتین کسجود الصلاة ثم سلم".

يقول: "وكان ﷺ إذا رفع من سجود السهو تارة يتشهد ثم يسلم". وهذا التشهد عند الحنفية بعد سجود السهو، وقال غيرهم: لا؛ إنما لا تشهد بعد سجود السهو .

 

يقول: "وسلَّمَ بن الزبير رضي الله عنه- من ركعتين من المغرب ونهض ليستلم الحجر الأسود فسبح القوم فقال: ما شأنكم؟ فأخبروه -أنه سلَّمَ من ركعتين- فصلى ما بقي وسجد سجدتين، فذكروا ذلك لابن عباس -رضي الله عنهما- -قالوا: انظر ابن الزبير كيف سلم المغرب من ركعتين؛ وقام يريد يستلم الحجر الأسود ونبهوه أنه صلى ركعتين فقام محله وكمّل السجدة- فقال: ما زال عن سنة محمد ﷺ" هذه هي السنة

 

فإنه كما قال: "أنس -رضي الله عنه-: قام رسول الله ﷺ مرة من ركعتين من الظهر -يعني: سلم من ركعتين- ودخل الحجرة فقام إليه ذو اليدين فذكر له صنيعه -فقالَ: أقَصُرتِ الصَّلاةُ أم نَسيتَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: كل ذلك لم يكن لأنه ظن أنه صلى أربعًا قالوا:لا صليت ركعتين- فخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال: "أصدق هذا؟ -أحقٌّ ما يقول ذو اليدين؟ في رواية- قالوا: نعم، فصلى ركعتين ثم سجد سجدتين ثم سلم"، "وكان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إذا سئل عن السهو يقول: هو أن تقوم موضع الجلوس أو تقعد موضع القيام أو تسلم من ركعتين، وسيأتي في الباب عقبه أن أبا سعيد وابن الزبير وابن عمر -رضي الله عنهم- كانوا يقولون: من أدرك الفرد من الصلاة فعليه سجدتا السهو".  

وكان ﷺ يقول: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ واحدة صلى أم ثنتين، فليجعلهما واحدة، وإن لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثًا فليجعلهما ثنتين، -يعني: يبني على الأقل على اليقين- وإن لم يدر ثلاثًا صلى أم أربعًا فليجعلها ثلاثًا، وليبن على ما استيقن ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين، -وعلى هذا مذهب الشافعية- فإن كان صلى خمسًا شفعتا له صلاته -أيالسجدتين- وإن كان صلى تمامًا الأربع كانتا ترغيمًا للشيطان".

قلنا: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ .." فليبنِ على الأقل ويسجد عليها كمذهب الشافعية كما ذكرنا.

 

 

"وكان ﷺ يقول: من صلى صلاة يشك في النقصان فليصل حتى يشك في الزيادة -يجعل الاعتماد على الاقل يبني على اليقين وهو الأقل- فإن العبد لا يُحسب له من صلاته إلا ما عقل منها، وكان ﷺ يقول: "إنما أنا بشر مثلكم أُنَسَّى كما تنسون لِيُسْتَنَّ بي، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين بعد سلامه"، وهذه الرواية التي أخذ بها الحنفية، أن سجود السهو بعد السلام .

 

وكان ﷺ يقول: "إن الشيطان يدخل بين ابن آدم  وبين نفسه فيقول له اذكر كذا اذكر كذا حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل يسلم". 

 

وكان معاوية -رضي الله عنه- يقول: سلم رسول الله ﷺ وقد بقيت ركعة من الصلاة وخرج فأدركه طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- فقال: "نسيت من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد وأمر بلالًا فأقام الصلاة فصلى بالناس ركعة"، ولم يأخذ بهذا من الأئمة أحد، إنما يقول يرجع إلى الصلاة ويبني عليها من دون أن يقيم الصلاة.

وكان ﷺ يقول: "إذا قام أحدكم من الركعتين فلم يستتم قائمًا فليجلس للتشهد، وإذا استتم قائمًا فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو"  إذا ترك التشهد الأول، كما يأتي معنا إن شاء الله تعالى.

 

رزقنا الله الاستقامة، واتحفنا بأنواع المنن والمواهب والكرامة ونظر إلينا وقربنا إليه زلفى وجعلنا من أهل الصدق والوفاء بوجاهة المصطفى وأصلح شؤون أمته وفرج كروبهم أجمعين.

 

بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله 

الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

14 ربيع الأول 1446

تاريخ النشر الميلادي

17 سبتمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام