(209)
(536)
(568)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (87) مواصلة الحديث عن الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
صباح الإثنين 1 صفر الخير 1446 هـ
"فرع: وكان رسول الله ﷺ يرخص في إعادة صلاة الجماعة وقضاء الفوائت فرضاً ونفلاً وفي الطواف بالكعبة في أي وقت شاء العبد من أوقات النهي وغيرها ويقول: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار"، وكان ﷺ يرخص في الصلاة نصف النهار في يوم الجمعة ويقول: إن جهنم تسجر كل يوم عند نصف النهار إلا يوم الجمعة لما فيه من تنزل الرحمة، وكان ﷺ يقول: "إذا صلى أحدكم في بيته أو رحله ثم أتى مسجد جماعة فليصلها معهم فإنها له نافلة"، وسيأتي ذلك في باب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى.
وتقدم الإذن من رسول الله ﷺ في صلاة ركعتين بعد الوضوء وإذا دخل المسجد في أي وقت شاء العبد، وكذلك ركعتي الاستخارة، وكان ﷺ ينهى عن التطوع بعد الإقامة ويقول: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: ورأى رسول الله ﷺ مرة رجلًا يصلي ركعتين وقد أقيمت الصلاة فلما انصرف النبي ﷺ ولاث الناس بالرجل قال له النبي: الصبح أربعًا الصبح أربعًا"، ورأى النبي مرة أخرى رجلًا يصلي بعد الصبح فلما قضى الرجل صلاته قال له رسول الله ﷺ: "ما صلاتك هذه بعد المكتوبة؟ قال: يا رسول الله دخلت المسجد وأنت في الصلاة ولم أكن صليت ركعتي الفجر فدخلت في الصلاة معك وآثرتها على الركعتين فلم ينكر ذلك عليه رسول الله ﷺ".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالشريعة الغراء، وبيانها على لسان خير الورى سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم طرا، وعلى من والاهم في الله وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المرتقين في الفضل والمجد والكرم أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وعباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم انه اكرم الأكرمين وارحم الراحمين.
وبعد،،
ويذكر الإمام الشعراني -عليه رحمه الله- في هذا الفرع بعض ما تعلق بصلاة الجماعة والصلاة عند الاستواء في يوم الجمعة وما تعلق بذلك فيقول -رضي الله عنه-: "وكان رسول الله ﷺ يرخص في إعادة صلاة الجماعة وقضاء الفوائت فرضاً ونفلاً وفي الطواف بالكعبة في أي وقت شاء العبد من أوقات النهي وغيرها ويقول: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار"، فتبين بذلك حكم إعادة الصلاة جماعة فمن صلى منفردا ثم وجد جماعة يصلون فيستحب له أن يعيد الصلاة يدخل مع الجماعة ليحصل له فضل الجماعة.
وهكذا جاء الحديث الذي أشار إليه وذكره أنه ﷺ صلى في مسجد الخَيْف في حجة الوداع، فرأى رجلين خلف الصف لم يُصليا معه، فقال: "عليّ بهما" فجيء بهما ترعُدَ فرائصهما، فقال: "ما منعكما أن تُصليا معنا؟" قالا: يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلِّيا معهم فإنها لكما نافلة"، كما جاء في رواية الترمذي وقال حديث حسن صحيح، فما أحبَّ أن يُعرِض المؤمن عن جماعة تقام في المسجد ويجلس وحده ويقول: أنا قد صليت، قم صلِّ معهم إن كنت قد صليت.
بل أورد الإمام ابن حجر أيضًا في شرحه على الأربعين النووية "الفتح المبين بشرح الأربعين" أن: ممن يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله مُعيد الصلاة في جماعة.
فإذًا: يُسنُّ لمن أدرك الجماعة وكان قد صلى أن يعيد الصلاة معهم.
جاء أيضًا عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها؟" أشار إلى ما سيحدث بعده ﷺ من بعض الأمراء لما تولوا بعد الخلفاء الراشدين، وكانوا -في لفظ- "يميتون الصلاة عن وقتها؟" قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: "صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم -يعني: جاءوا يصلون وأنت عندهم في المسجد- فصَلِّ، فإنها لك نافلة"، رواه الإمام مسلم في صحيحه.
إذًا تُطلب الإعادة لتحصيل الفضل؛ ولكن:
قال الحنفية والمالكية والحنابلة: إلا المغرب؛ والمغرب قالوا: فإنها وتر النهار، فإذا أعادها ثلاثةً صارت شفعًا لا وترًا، صارت ثلاثة وثلاثة ست، تحولت إلى شفع بدل أن تكون وتر، فقالوا: فلا تُعاد المغرب، التنفل بالثلاث بعد المغرب مكروه، قالوا: فإذا أعادها صلى أربعًا، أو اختصر على اثنتين وتصير نافلة وهكذا.
ثم زاد الحنفية: صلاة الفجر وصلاة العصر، فرأوا أنها لا تعاد، لأنه إذا قد صلى العصر أو صلى الصبح فقد حرمت الصلوات عليه والنوافل، وهذا من جملة النوافل المحرمة عندهم.
قال غيرهم من الأئمة: لا؛ إنما المحرم هو النافلة المطلقة، لا إعادة الصلاة ولا قضاء فرض.
ولكن عمم التحريم الحنفية في جميع الصلوات في هذه الأوقات فقالوا: لا يُصلّى، ولهذا عندهم لا تُعاد صلاة الفجر ولا العصر.
وقال المالكية والحنابلة: لا تُعاد المغرب؛ والحنفية معهم لا تعاد المغرب.
إذًا:
فالحنفية عندهم ثلاث صلوات ما تعاد: الفجر والعصر والمغرب. والمالكية والحنابلة عندهم صلاة لا تعاد وهي: المغرب.
كذلك يقول المالكية: إن كان بعد العشاء قد أوتر، فلا يعيد صلاة العشاء إذا قد صلى الوتر -إذا كان قد أوتر فلا يعيد صلاة العشاء-؛ لأنه إذا أعادها فيحتاج يرجع إلى وتر ثان، ولا وتران في ليلة علمنا ذلك.
وقال الشافعية: كل الصلوات الخمس يُمكن إعادتها، أي صلاة من الصلوات فيمكن أن يُعيدها في جماعة، والصلاة المعادة تكون نافلة.
وهكذا يقول الحنفية والشافعية والحنابلة: يقولون: إن الصلاة الثانية تكون نافلة.
يقول المالكية: يُفوض الأمر لله تعالى، يجعل القبول للأولى ولا للثانية، حيث ما يُقبَل وهو قول عند الشافعية.
وقيل: إن فرضه هي الثانية، والمعتمد والذي عليه الجمهور: أن الفرض هو الأولى والثانية نافلة.
وقيل: الفرض إحداهما يختار الله ما شاء، كما هو مذهب المالكية. وقيل: كلاهما فرض، صارت الأولى فرض والثانية أيضًا فرض، وهذا القول يُعجب كثيرًا من الصالحين الحريصين على الثواب، ويقولون: إن ثواب الفرض يفضل على ثواب النفل بسبعين درجة، فأحسن يكون الأولى فرض والثانية فرض، فيكون الثواب فيها عظيم، هذا لمن صلى منفردًا ثم أدرك الجماعة.
فإذا كان قد صلى جماعة ثم وجد جماعة أخرى؟
جاء عن الإمام أحمد بن حنبل: أنه سئل عن من صلى في جماعة، ثم دخل مسجد وهم يصلون أيصلي معهم؟ قال: نعم.
ويقول سيدنا أنس: صلى بنا أبو مُوسى الغداة في المربد، فانتهينا إلى المسجد الجامع، فأقيمت الصلاة، فصلّينا مع المغيرة بن شعبة.
وهكذا جاء عن سيدنا حذيفة بن اليمان -عليه رحمة الله ورضوانه- أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب، وكان قد صلاهنّ في جماعة، فأعادهنّ ثانية مرة.
ويقول المالكية: إذا قد صلى جماعة، فلا يعيد ثانية مرة جماعة، لأنه حصل فضيلة الجماعة فلا معنى للإعادة. قالوا: إلا إن كان أدرك جماعة في أحد المساجد الثلاثة: فلحُرمتها وعظيم فضلها فيعيد، وإن كان قد صلى جماعة؛ وأما في غيرها فلا يعيد الصلاة إذا كان قد صلاها جماعة.
يقول: ةيرخص في إعادة صلاة الجماعة وقضاء الفوائت فرضًا ونفلًا" في أي وقت كان.
ثم قال: "وكان ﷺ يرخص في الصلاة نصف النهار في يوم الجمعة".
فعند الشافعية استثناءات:
يقول: وكانوا يُصلون في أيام خلافة سيدنا عمر في وقت الاستواء؛ حتى يخرج عليهم عمر يخطب فيهم، ولم يُنكر عليهم ذلك، إذًا ففي الأمر سعة، والمسائل محل استنباط الذين هم أهل من علماء الأمة وعلماء الشرع المصون.
قال: "وكان ﷺ يقول: "إذا صلى أحدكم في بيته أو رحله ثم أتى مسجد جماعة فليصلها معهم فإنها له نافلة"، وسيأتي ذلك في باب صلاة الجماعة إن شاء الله تعالى".
"وتقدم الإذن من رسول الله ﷺ في صلاة ركعتين بعد الوضوء وإذا دخل المسجد في أي وقت شاء العبد"، وعند الشافعية أن سنة الوضوء سببها متقدم -نافلة سببها متقدم- فتجوز في كل الأوقات، ولكن الكثير منهم يتركونها في هذه الأوقات المنهي عن الصلاة فيها خروجًا من خلافِ من حرم ذلك.
يقول: "وكذلك ركعتي الاستخارة"، وهي لها سبب؛ والسبب: الفعل يكون متأخر، يختلف عن الوضوء.
"وكان ﷺ ينهى عن التطوع بعد الإقامة ويقول: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"، إذا قد أُقيمت الصلاة فيُصلّي مع الناس الفرض، لا يصلي شيء من النوافل بعد أن تُقام الصلاة.
إذًا فيكره أن يتنفل عند الإقامة.
قال الحنفية: إلا سنة الفجر لتأكدها عندهم ووجوبها، فيصليها، ويُخفف فيها إذا خاف فوتها.
والحديث: "إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".
وهكذا يقول المالكية: إذا دخل المسجد ووجد الإمام يُصلّي الصبح، فليدخل معه في صلاته ويترك سنة الفجر.
ويقول الشافعية والحنابلة: إذا أُقيمت الصلاة فلا يشرع في صلاة نافلة ولو راتبة، فإذا شرع فيها كان مكروهًا عند الشافعية، وقال الحنابلة: لا تنعقد -ما تصح- إذا قد أُقيمت الصلاة وهو يُصلّح نفل، فلا تنعقد عندهم.
قال الشافعية: تنعقد، ولكن مكروه، يُكره له ذلك، ولا فرق عندهم بين سنة الفجر وغيرها من الرواتب؛ ولكن سنة الفجر لتأكدها عند الحنفية وقول من قال منهم بوجوبها، فرقوا بينها وبين بقية الرواتب.
وقال قائلون من الحنفية: بوجوب سنة الفجر.
وبذلك أيضًا قالوا: لتأكدها عندهم منها أقرب إلى الواجب إذا دخل وهم أقاموا الصلاة فليصلِّ.
والمالكية يقولون: إذا قد دخل المسجد وأُقيمت الصلاة فلا يُصلّ السنة. أما إن كان خارج المسجد وأُقيمت الصلاة، فإن لم يخَفْ فوت الركعة الأولى فليُصلِّها، ويدرك الركعة، وإن خاف فوت الركعة فلا يُصلّ، بل يدرك مع الإمام الركعة.
وعلمنا قضاءها بعد ذلك، فتُقضى إما بعد الصبح مباشرة أو إلى بعد ارتفاع الشمس قدر رمح.
وهي عند الشافعية: أداء ما دامت الشمس لم تطلع، فإن الرواتب للصلوات ما تخرج إلا بخروج وقت الفريضة ووقت الصلاة نفسها.
يقول: "قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: ورأى رسول الله ﷺ مرة رجلًا يصلي ركعتين وقد أقيمت الصلاة فلما انصرف النبي ﷺ ولاث الناس بالرجل قال له النبي: الصبح أربعًا الصبح أربعًا" يعني: تصلي الصبح أربع؛ ركعتين وحدك وبعدين ركعتين مع الناس؛ ما الصبح إلا ركعتين بس.
"ورأى النبي مرة أخرى رجلًا يصلي بعد الصبح فلما قضى الرجل صلاته قال له رسول الله ﷺ: "ما صلاتك هذه بعد المكتوبة؟ قال: يا رسول الله دخلت المسجد وأنت في الصلاة ولم أكن صليت ركعتي الفجر فدخلت في الصلاة معك وآثرتها على الركعتين فلم ينكر ذلك عليه رسول الله ﷺ"، وعليه المذاهب الثلاثة في جواز الراتبة بعد الفرض، وإن كانت صبح.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، ونظر إلينا، وقربنا إليه زلفى، ورفعنا مراتب قربه، وجعلنا في أهل مودته وحبه في عوافي، وأصلح شُؤوننا الظواهر والخوافي، وختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله
الفاتحة
01 صفَر 1446