(209)
(536)
(568)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (85) الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
صباح الأحد 29 محرم 1446 هـ
باب بيان الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
"قال أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ ينهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس كرمح، وبعد العصر حتى تغرب، وحين يقوم قائم الظهيرة، وكان ﷺ يقول: "إذا صلى أحدكم الصبح فليقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم ليصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يُستقْبَلَ الظل بالرمح يعني يصير ظله تحته ثم ليقصر عن الصلاة فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها، فإذا تحولت الشمس من فوق الرأس حتى صارت على الجانب الأيمن فليصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يصلي العصر، ثم ليقصر عن الصلاة حتى تغرب فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يُسجد لها الكفار".
وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: كان رسول الله ﷺ يصلي بعد العصر وينهى عن الصلاة بعده ويواصل وينهى عن الوصال؛ ولكن رسول الله ﷺ يفعل ما أُمِرْ ونحن نفعل ما أُمِرْنا، وكذلك كان ابن الزبير يقول: كان علي -رضي الله عنه- يقول: "ما نهى النبي عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة بيضاء نقية"، وكذلك كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول، فقال له طاوس مرة: ليس النهي لذات الصلاة وإنما نهى عنها خيفة أن تُتّخذ سُلَّمًا، فقال له ابن عباس: اسمع يا أخي إن رسول الله ﷺ نهى عن ذلك ولا أدري أيعذب عليها المصلي أم يؤجر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: ٣٦]، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: ساعة النهي هي عند الطلوع وعند الغروب فقط، وما قبلهما حريم لهما، وقد رأى زيد بن ثابت أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-: يصلي بعد العصر، فنهاه زيد فقال أبو أيوب: إن الله لا يعذبني على أن أصلي له ولكن يعذبني على أن لا أصلي له، فقال زيد: ما عليك بأس أن تصلي بعد العصر ولكني أخاف أن يراك من لا يعلم هذا فيصلي حتى يصلي في الساعة التي نهى عن الصلاة فيها.
ورأى سعيد بن المسيب رجلًا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين فنهاه فقال: أيعذبني الله عن الصلاة؟ قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة، ورأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تميمًا الداري يصلي بعد العصر فضربه بالدرة فأشار إليه تميم الداري أن اجلس فجلس عمر -رضي الله عنه- حتى فرغ تمیم لعمر: لم ضربتني؟ قال: لأنك صليت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما، قال: فإني صليتهما مع من هو خير منك رسول الله ﷺ، فقال عمر: ليس كل الناس يعرف ذلك إنما يعرفون النهي وأخاف أن يأتي قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمرون بالساعة التي نهوا عن الصلاة فيها.
قال شيخنا -رضي الله عنه-: فعلمنا من هذا أن النفل بعد العصر والصبح جائز للعالم بذلك إذا لم يتبع عليه وإنما النهي خاص بنفس الطلوع والغروب تنفيرًا من موافقة عباد الشمس ولهذا نهى عن الصلاة إلى العمود والقبر والنائم ونحو ذلك إذا كان الناس قريبي عهد بجاهلية، وأما اليوم فلا أحد يقصد بصلاته شيئاً من الأوثان؛ لكن قال العلماء بالاستصحاب سدًا للباب، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمدلله مكرمنا بالشريعة الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى سيدنا محمد، وصلّى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه من رفع الله لهم به قدرًا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان سرًا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الرّاقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .
ويذكر الإمام الشعراني -رضي الله عنه- في هذا الباب الأوقات المنهي عن الصلاة فيها التي حُرّمت الصلاة فيها، ونُهينا أن نصلي فيها.
فقد جعل الله -تبارك وتعالى-:
وقال في ذلك ﷺ: "الصلاة خير موضوع فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقلل".
ثم جعل في هذه الأوقات الثلاثة أو الخمسة النهي عن تحريم الصلاة، واختلف الأئمة أكلّ صلاة أم النافلة المطلقة؟ وهل يدخل فيها شيء أيضًا من النوافل الأخرى؟ وهل يرتفع ذلك في حرم مكة لقوله ﷺ: " يا بني عبدِ منافٍ لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيتِ وصلَّى أيةَ ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ".
قال الشافعية: أن ما كان من نفل مطلق أو ذات سبب، صلاة نافلة ذات سبب، سببها متأخر عنها، غير متقدم عليها كصلاة السفر سنة سببها سفر متأخر عنها، وساعة الاستخارة ونحوها، فهذا تحرم النافلة المطلقة وما له سبب متأخر، وأجازوا القضاء وأجازوا المؤقتات وقضائها، وأجازوا ما له سبب متقدم كسنة الوضوء وتحية المسجد، وأمثال ذلك مثل: صلاة القادم من السفر الذي يريد السفر متأخر، والذي قدم من السفر سبب متقدم، فتكون سبب السنة هذه سنة متقدمة، فأجازوه في هذه الأوقات، ما كان له سبب متقدم وما كان ذا وقت، وما كان قضاءًا من فرض ونفل فهو جائز عندهم في هذه الأوقات.
ويقول: "أنس -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ ينهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.." قالوا "بعد الصبح" أي: بعد صلاة الصبح، وكذلك هل يتعلق بطلوع الفجر شيء؟ أو أن الأمر منوط بنفس الصلاة؟
يقول: "وبعد العصر" أي: بعد فعلها "حتى تغرب، وحين يقوم قائم الظهيرة" يعني: وقت الاستواء، ثم إن الاستواء جاء في علته في بعض الأحاديث أنه فيه تسجر جهنم؛ في وقت استواء الشمس، ولكن جاء أن جهنم لا تسجر يوم الجمعة فهل يستثنى يوم الجمعة من الصلاة وقت الاستواء -وقت استواء الشمس-؟
قال الحنفية والشافعية: نعم، يُستثنى هذا اليوم يوم الجمعة فإنه لا تسجر فيه جهنم، وكان ﷺ يقول: "وكان ﷺ يقول: "إذا صلى أحدكم الصبح فليقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس.."، ففيه ربطها بالصلاة لا بطلوع الفجر، ربط النهي بالصلاة كما هو مذهب الجمهور.
قال: "حتى تطلع الشمس، وترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان" وذلك أن إبليس يأتي إلى جهة طلوعها، فينتصب ليسجد الساجدون له مع الشمس مع الذين يعبدون غير الله ويعبدون الشمس ويسجدون لها -والعياذ بالله تعالى- ﴿لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: 37].
فيسجد الكفار الذين يعبدون الشمس لطلوع الشمس -عند طلوعها، وكذلك عند غروبها-.
قال: "ثم ليصلِّ" يعني: إذا ارتفعت الشمس قدر رمح، والعجيب أن أكثر الفقهاء قدّروا ما بين بداية الطلوع إلى ارتفاع قدر رمح أنه قدر ستة عشر دقيقة؛ وبعضهم ذكر ثُلث الساعة، ولكن الواقع في رأي العين ويعتقد أنه ترتفع أكثر من سبع أذرع في رأي العين قبل قُرور هذا الوقت من بداية الطلوع، فالعبرة بارتفاعها فإذا ارتفعت قدر الرمح -والرمح سبعة أذرع طوله-؛ والمراد في رأي العين لا في المسافات التي تقطعها أو تدور فيها الأرض، فذلك في اللحظة الواحدة أميال كثيرة.
قال: "حتى يُستقْبَلَ الظل بالرمح يعني يصير ظله تحته" يعني: يصير ظله تحته، وهو وقت الاستواء، "ثم ليقصر عن الصلاة فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها" في هذه اللحظة، لحظة استواء الشمس في وسط كبد السماء، في وسط السماء، "فإذا تحولت الشمس من فوق الرأس حتى صارت على الجانب الأيمن فليصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يصلي العصر، ثم ليقصر عن الصلاة حتى تغرب فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يُسجد لها الكفار"، هكذا الحديث أيضاً في صحيح مسلم، وعند الإمام النسائي، وأحمد في المسند.
يقول: "وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: كان رسول الله ﷺ يصلي بعد العصر وينهى عن الصلاة بعده ويواصل وينهى عن الوصال؛ ولكن رسول الله ﷺ يفعل ما أُمِرْ ونحن نفعل ما أُمِرْنا"، إشارة إلى خصوصيته ﷺ في بعض الأشياء.
فأما كونه صلّى بعد العصر؛ فذلك لأنه شغله وفد عن سنة الظهر فقضاها بعد العصر، ثم من خصوصيته أن كل أعماله الصالحة ديمَة أي: يدوم عليه، فصار يصلي كل يوم، وبعد ما يرجع إلى البيت بعد العصر -والقضاء إلا يوم واحد- فغيره يشاركه في القضاء عند الشافعية ومن وافقهم يمكن أن من فاته يقضي في هذا الوقت، لكن عند غير الحنفية، الحنفية ما عندهم، ولكن في اليوم الثاني والثالث، ما لأحد حق، هذه من خصوصياته ﷺ كما أشارت.
"وكذلك كان ابن الزبير يقول: كان علي -رضي الله عنه- يقول: "ما نهى النبي عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة بيضاء نقية""، فيَدخل وقت الحُرمة بأداء فريضة العصر، وإن لم تُصفر الشمس بعد، وإنما الإصفرار حتى لمن لم يصلِّ العصر ما عاد يجوز له يصلي إلا العصر فقط إذا اصفرت الشمس، فهذا وقت مُتعلَّق، فهذه ثلاثة أوقات متعلقة بذات الوقت؛ وأما الاثنان مُتعلقات بالفعل؛ وهو فعل الصلاة بعد صلاة الصبح، وفعل صلاة العصر.
وكذلك "كان ابن عباد -رضي الله عنهما- يقول: قال له طاووس مرة: ليس النهي لذات الصلاة، وإنما نهي عنها خيفة أن تُتخذ سُلَّماً. فقال له ابن عباد: اسمع يا أخي إن رسول الله ﷺ نهى عن ذلك ولا أدري أيعذب عليها المصلي أم يؤجر؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ) وفي رواية ( أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: ٣٦]، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: ساعة النهي هي عند الطلوع وعند الغروب فقط، وما قبلهما حريم لهما".
قال: "وقد رأى زيد بن ثابت أبا أيوب الأنصاري -رضي الله عنه-: يصلي بعد العصر، فنهاه زيد فقال أبو أيوب: إن الله لا يعذبني على أن أصلي له ولكن يعذبني على أن لا أصلي له، فقال زيد: ما عليك بأس أن تصلي بعد العصر ولكني أخاف أن يراك من لا يعلم هذا فيصلي حتى يصلي في الساعة التي نهى عن الصلاة فيها".
وهكذا:
يقول المالكية أنه تُحرم:
"ورأى سعيد بن المسيب رجلًا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين فنهاه فقال: أيعذبني الله عن الصلاة؟ قال: لا ولكن يعذبك على خلاف السنة، ورأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تميمًا الداري يصلي بعد العصر فضربه بالدرة فأشار إليه تميم الداري أن اجلس فجلس عمر -رضي الله عنه- حتى فرغ تمیم لعمر: لم ضربتني؟ قال: لأنك صليت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما، قال: فإني صليتهما مع من هو خير منك رسول الله ﷺ، فقال عمر: ليس كل الناس يعرف ذلك إنما يعرفون النهي وأخاف أن يأتي قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمرون بالساعة التي نهوا عن الصلاة فيها".
"قال شيخنا -الشعراني رضي الله عنه-: فعلمنا من هذا أن النفل بعد العصر والصبح جائز للعالم بذلك إذا لم يتبع عليه وإنما النهي خاص بنفس الطلوع والغروب تنفيرًا من موافقة عباد الشمس ولهذا نهى عن الصلاة إلى العمود والقبر والنائم ونحو ذلك إذا كان الناس قريبي عهد بجاهلية، وأما اليوم فلا أحد يقصد بصلاته شيئاً من الأوثان؛ - الحمدلله- لكن قال العلماء بالاستصحاب سدًا للباب، والله أعلم"، فبقي وقت الغروب ووقت الطلوع، هذا النهي مُتعلِّق بالوقت، النهي عن الصلاة مُتعلِّق بالوقت، أما بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، فالنهي مُتعلِّق بالفعل، بفعل الصلاة.
رزقنا الله الاستقامة، وإقامة الصلاة على الوجه الأرضا له في عافية، وأصلح شؤوننا الظاهرة والخافية، إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي اللهم صل وسلم وبارك عليه
وعلى آله وصحبه
الفاتحة
29 مُحرَّم 1446