(536)
(228)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (53) باب صفة الصلاة -7- فصل في التأمين وقراءة السورة
صباح السبت 24 ذو القعدة 1445هـ
فصل في التأمين
"كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين"، وكان أبو ميسرة -رضي الله عنه- يقول: لما قرأ رسول الله ﷺ (وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: ٧] قال له جبريل: قل آمين، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا دعا أحدكم فليؤمن على دعاء نفسه"، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ إذا قال: (وَلَا الضَّالِّينَ) يقول عقبها سرًا: "اللهم أغفر لي وللمسلمين، ثم يقول آمين مادًّا بها صوته حتى يُسمِع من يليه من الصف الأول ويرتج المسجد"، وكذلك كان يجهر بها المأمومون فإن كانت الصلاة سرية أسمع بها نفسه ﷺ.
وكان ﷺ يقول: "إذا أمَّنَ الإمام فأمنوا فإن الإمام يقول آمين والملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"، وكان ﷺ يقول: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين فأكثروا من قول آمين"، وكان بلال -رضي الله عنه- يقول: قال لي رسول الله ﷺ: "لا تسبقني بأمين"، والله أعلم.
فرع: في قراءة السورة بعد الفاتحة
تقدم آنفًا قوله ﷺ: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة وفي رواية وآيتين"، وكان ﷺ يقرأ غالبًا سورة بعد الفاتحة كاملة أو طائفة من سورة طويلة في الركعتين الأوليتين من الرباعية والثلاثية والصبح، وكثيرًا ما كان يقرأ بالسورة في الثالثة والرابعة من الرباعية أيضًا وثالثة المغرب، وكانت قراءته فيهما أخصر من القراءة في الأولتين، وقراءته في الثالثة أخصر من الثانية، وقراءته في الرابعة أخصر من الثالثة، وكان ﷺ يقرأ بالسورة أيضًا في السرية كما ذكرنا في الجهرية وكان يسمعهم الآيات أي أحيانًا، وتارة كانوا يعرفون قراءته ﷺ باضطراب لحيته كما سيأتي عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وكان ابن عمر وابن الزبير -رضي الله عنهما- وغيرهما يبسملون للسورة بعد الفاتحة، والله أعلم.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بشريعته العظيمة وبيانها على لسان عبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم للمراتب الفخيمة، اللهم أدم صلواتك على المختار سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأهل ولائهم ومتابعتهم من أهل القلوب السليمة وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين؛ الذين رفعتهم في المراتب الشريفة الفخيمة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وجميع عبادك الصالحين وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبعد،،
فيتكلم الشيخ -عليه رحمة الله- في هذا الفصل عن التأمين وهو قول آمين:
فآمين طلب الإجابة للدعاء، وهي مما وردت به السنة المطهرة، وصارت لمن دعا الله تبارك وتعالى على العموم؛ ولمن قرأ الفاتحة كذلك على الخصوص وآخرها الدعاء أن يقول آمين كلما قرأها فانتهى إلى قوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)[الفاتحه:7] فيقول: آمين خارج الصلاة أو داخلها.
وإنما جاءت اجتهادات الأئمة في الجهر بها أو الإسرار بها وهل هي لكل من الإمام والمئموم في الجهرية والسرية أم تختص في الجهرية بالمأموم ولهم في ذلك تفصيل، وذكر لنا حديث "ابن عباس يقول: سمعت رسول ﷺ يقول: آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين" وقال: كان أبو ميسرة رضي الله عنه لما قرأ رسول ﷺ (…وَلَا الضَّالِّينَ)[الفاتحه:7] -أي: في ختم الفاتحة- قال له جبريل: قل آمين" "كان ابن عمر رضى الله عنه يقول كان رسول ﷺ يقول: إذا دعا أحدكم فليؤمن على دعاء نفسه".
وفي هذا جاء الاختلاف عند المالكية، هل يؤمن الإمامة في الجهرية أو يكتفي بتأمين المأمومين؟ "لقوله: "فإذا قالوا (…وَلَا الضَّالِّينَ)[الفاتحه:7] فقولوا آمين"
فيسن لكل من الإمام والماموم والمنفرد إذا قرأ الفاتحة في صلاة أن يقول بعدها آمين، في الجهرية جهرًا، وفي السرية في الظهر والعصر سرًا.
"وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ إذا قال: (وَلَا الضَّالِّينَ) يقول عقبها سرًا: "اللهم أغفر لي وللمسلمين، ثم يقول آمين" وهذا تفسير السكتة التي يذكر ندبها الشافعية وغيرهم ما بين الفاتحة وآمين، في هذه السكتة يقول بعضهم: رب اغفر لي والمسلمين، ثم يأتي التأمين يقول: "..مادًّا بها صوته حتى يُسمِع من يليه من الصف الأول ويرتج المسجد"، أي: بتأمين الصحابة من ورائه ﷺ، وهكذا جاء في الروايات تسمع للمسجد لجه وضجه بالتأمين خلفه عليه الصلاة والسلام ، وهذا في الصلاة الجهرية المغرب وعشاء والفجر، "وكذلك كان يجهر بها المأمومون فإن كانت الصلاة سرية أسمع بها نفسه ﷺ".
"وكان ﷺ يقول: "إذا أمَّنَ الإمام فأمنوا فإن الإمام يقول آمين والملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمينَ الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"، هكذا صح في الحديث.
واختلفوا ما معنى وافق تأمينه تأمين الملائكة؟
فإذا أمن في نفس الوقت لم يتأخر كثيراً عن الأمام ولم يتقدم على الأمام، وهنا السكتة الخفيفة ما بين (…وَلَا الضَّالِّينَ)[الفاتحه:7] وما بين آمين؛ ثم ما بين آمين وما بين افتتاح السورة هي من السكتات التي تقدمت معنا.
ثم قال من قال من الأئمة:
وقد سمعت ما جاء في الرواية أنه تجمع للمسجد ضجة ويكون المسجد لجة وحتى يرتج المسجد بتأمين الصحابة خلف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم سوا.
قال: "وكان ﷺ يقول: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام" انتشاره بينكم "والتأمين فأكثروا من قول آمين"" قد علمنا أن المؤمن شريك للداعي في الدعاء، وجاء في حديث صحيح "ما اجتمع قومٌ فدعا بعضهم وأمَّنَ الآخرون إلا استجاب الله لهم".
قال الحبيب علي الحبشي: وقت يدعون أمِّن حين تسمع دعاهم، فينبغي الأكثار من آمين؛ وهي من جملة الكلمات التي اشتهرت على ألسِنَة المسلمين ولم تكن مشهورة ومعروفة وإن كان التَآمِين واقع في الأمم السابقة، وتقدم معنا أن سيدنا هارون قال: آمين لما دعا سيدنا موسى، وقال سيدنا موسى (وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)[يونس:88]، قال سيدنا هارون: آمين، قال ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا)[يونس:89]، ولم يقل دعوتك يا موسى ولكن دعوتكما؛ فجعل الجميع داعين هذا دعا وهذا دعا، هذا بالدعا وهذا بالتامين صار شريكًا له في الدعاء، فالمُؤَمِّن يشارك الداعي في دعائه.
"وكان بلال -رضي الله عنه- يقول: قال لي رسول الله ﷺ: "لا تسبقني بأمين"" معناه: أنه يقولها ﷺ في الصلاة، وويقولها المأموم بعده، ولكن ما أحب أن أحد من المؤمن يسبقه، وكان يسكت السكت الخفيفة بعد قوله (..وَلَا الضَّالِّينَ)[الفاتحة:7]، فينبغي أن ينتظروا حتى يقول الإمام آمين، فيقولون معه ليوافق تآمينهم تأمين الملائكة، "لا تسبقني بأمين" يقول سيدنا بلال إذا قلت انتظر حتى أمن أنا تُؤَمن معي، ولا تتقدم علي "لا تسبقني بأمين" صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم.
ثم ذكر لنا مسألة السورة بعد الفاتحة.
ومن المعلوم أن آمين ليست آية من الفاتحة، وليست من القرآن أصلا آمين، ولكنها دعاء ندعو الله به لنطلب منه الاستجابة للدعاء بقول آمين، وفي الحديث أيضًا عن تأمين الملائكة على دعاءها المؤمنين روايات عديدة كثيرة،
ولم يقل بوجوبها أحد في معتمد الأئمة. وكذلك السورة بعد الفاتحة:
قال: "فرع: في قراءة السورة بعد الفاتحة"؛
إلا أن غالب ما روي عنه ﷺ قراءته لسورة كاملة بعد الفاتحة، أو سورة يقسمها بين الركعة الأولى والثانية.
"قال: تقدم آنفًا قوله ﷺ: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وسورة وفي رواية وآيتين""، هذه الرواية التي أخذ بها المالكية، وفي رواية "وآيتين"،"إلا بفاتحة الكتاب"، "وآيتين".
"وكان ﷺ يقرأ غالبًا سورة بعد الفاتحة كاملة أو طائفة من سورة طويلة في الركعتين الأوليتين من الرباعية والثلاثية والصبح" الصبح وهي ركعتين، "وكثيرًا ما كان يقرأ بالسورة في الثالثة والرابعة من الرباعية أيضًا وثالثة المغرب" ومن هنا جاء أيضًا الخلاف هل يسن قرأ السورة في الثالثة والرابعة أم لا؟
1-وتقدم معنا أن الشافعية قالوا:
قال:"وكانت قراءته فيهما": أي: الركعتين الأخيرتين، "أخصر من القراءة في الأولتين، وقراءته في الثالثة أخصر من الثانية، وقراءته في الرابعة أخصر من الثالثة"، كما أن قراءته أيضًا في الركعتين الأولين قراءته في الثانية أقل من القراءة في الركعة الأولى، فكان يقرأ في الركعة الأولى ويقرأ في الركعة الثانية ما يقارب نصفها أو ثلثيها -ثُلُثَي أو نصف القراءة في الركعة الأولى-، فيقرأ في الركعة الثانية قريبًا من نصفها أو ثلثيها، فيكون في الركعة الثانية قراءته أقل؛ إلا ما ندر من مثل قراءته بسورة الجمعة والمنافقون في ليلة العشاء من الجمعة، وما تقل المنافقون عن الجمعة؛ وقراءته بـ(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ..)[الأعلى:1]، ما تقل عن (هَلْ أَتَاكَ..)[الغاشية:1]، وما تقل هل أتاك عن (سَبِّحِ اسْمَ)، وما جاء من قراءته بمثل الكافرون والإخلاص الإخلاص أقل من الكافرون، وما جاء في قراءته أيضًا في الصلاة الفجر بالمدثر وعمّ عمى أقل من المدثر، وهكذا فغالب قراءته أن يقرأ في الركعة الثانية أقل من الركعة الأولى، فإذا قرأ في الركعة الثالثة فهو أقل من الثانية فإذا قرأ في الرابعة فهو أقل من الثالثة.
"وكان ﷺ يقرأ بالسورة أيضًا في السرية كما ذكرنا في الجهرية" وهي سنة "وكان يسمعهم الآيات أي أحيانًا"حتى يضبط الصحابة أنه في الظهر قرأ سورة كذا، أو في العصر قرأ سورة كذا، من الذي بجانبه قريب منه يسمع منه بعض الآيات فيعلمون أنه قرأ السورة الفلانية؛ يسمعون السورة أحيانًا، "وتارة كانوا يعرفون قراءته ﷺ باضطراب لحيته" بعد أن يكمل الفاتحة ويستمر حالته على القراءة فيعلمون أنه قرأ سورة، وقد يظهر لهم بعض كلماتها أو بعض آياتها فيعلمون السورة؛ أي الذين بجانبه في خلفه مباشرة.
"وكان ابن عمر وابن الزبير -رضي الله عنهما- وغيرهما يُبسملون للسُورة بعد الفاتحة"؛
وذكر الحب أحمد بن عمر الشاطري في نيل الرجاء أن عمل السلف أنهم لا يبسملون إذا قرأوا من أثناء القرآن، فيكتفون بالتعوذ ويشرعون في الآيات، إلا في أول السورة فإذا ابتدأوا من أول السورة قرأوا البسملة، وإلا اكتفوا بالتعوذ وقرأوا مباشرة من حيث الآية نفسها.
فهذا ما يتعلق بالتَآمين والسورة بعد الفاتحة في الصلاة، رزقنا الله إقام الصلاة على الوجه الذي يرضاه، وجعلنا ممن يخافه ويتقيه ويرجوه ويَخشاه، وجعلنا من أهل حاضر قلوبهم معه في الصلاة وخارج الصلاة، ومن (الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[المعارج:23]،(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[الموؤمنون:9]، وجعلنا الله وإياكم من المقبولين الموفقين في خير لطف وعافية، وأصلح شؤوننا والمسلمين وحققنا بحقائق العبادة والذكر والحمد والشكر، والقيام بالأمر واجتناب كل زجر في السر والجهر، مع صلاح الشان كله لنا والأهل لا إله إلا الله وتعجيل الفرج للأمة المحمدية، ودفع كل أذيه وأختم بكامل الحسنى وهو راضٍ عنا في لطفٍ وعافية.
بسرِّ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
25 ذو القِعدة 1445