(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (42) باب آداب الصلاة وما يُنهى عنه فيها وما يُباح (6 )
صباح الإثنين 23 شعبان 1445هـ
"فرع: وكان يكره أن يشبك أحد أصابعه في الصلاة أو يفرقعها ويقول ﷺ : "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن أحد أصابعه فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج "، قال أنس -رضي الله عنه-: وشبك رسول الله ﷺ يديه مرة في خبر ذي اليدين . وكان إذا رأى رجلاً شبك أصابعه في الصلاة فرج بين أصابعه في الصلاة وقال له: "لا تشبك أصابعك في الصلاة". وكان ﷺ يكره أن يفرقع الرجل أصابعه في الصلاة أو يضع يده على خاصرته أو يجلس في الصلاة وهو يعتمد على يده إلا لحاجة .
قال أنس -رضي الله عنه-: ولما أسنّ رسول الله ﷺ وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه إذا قام أو هوى للسجود.
فرع وكان ﷺ يقول: "إذا نعس أحدكم وهو في الصلاة فليرقد حتى غيذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه وهو لا يدري"، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: النعاس في الصلاة من الشيطان وفي القتال أمنة وكان ﷺ يقول: "إذا عرض لأحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة ولو وجد الصلاة قد قامت" وفي رواية: "إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء"، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: أكره أن يقول الرجل إني كسلان، لقول الله تعالى في حق المنافقين: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَوةِ قَامُوا كسالى ﴾ [النساء : ١٤٢].
وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام ولا لمن يدافعه الأخبثان"، وفي رواية: "لا يحل للرجل أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف"، وكان ﷺ لا يمسح التراب أو الوحل عن وجهه حتى يسلم من الصلاة، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يمسحه في الصلاة مسحاً خفيفاً، وكان ﷺ ينهى عن تسوية التراب في الصلاة حيث يسجد ويقول : إذا كان أحدكم فاعلاً ولا بد فواحدة"، وفي رواية: "إذا قام أحدكم في فليسوِّ موضع سجوده ولا يدعه حتى إذا هوى ليسجد نفخ ثم سجد، ولأن يسجد أحدكم على جمرة خير له من أن يسجد على نفخته"، وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى عن جبهته".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالشريعة الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى سيدنا محمد صل الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحبه الكبراء، ومن سار بمسارهم سرًا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد: يواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بالآداب في الصلاة.
وذكر لنا أن النبي ﷺ "كان يكره أن يشبك أحد أصابعه في الصلاة أو يفرقعها" ففرقعت الأصابع؛ والتشبيك: بأن يدخل بعض الأصابع في بعض بأي كيفية ففي الصلاة مكروه وكرهه جماهير أهل العلم.
فإذًا: أجمعوا على أن التشبيك الأصابع في الصلاة مكروه لهذه الأحاديث
ولما رأى ﷺ رجلاً يشبك أصابعه في الصلاة دنا منه وفرج أصابعه فك أصابعه وقال : "إذا صلى أحدكم فلا يشبك أصابعه ". وسيدنا عبد الله بن عمر يقول في الذي يصلي وهو يشبك تلك صلاة المغضوب عليهم كما رواه أبو داود، يقصد أن اليهود يشبكون بين أصابعهم في صلاواتهم، قال: فتلك صلاة المغضوب عليهم.
بقي بعد ذلك خارج الصلاة:
إذًا تشبيكها أيضًا في المسجد وقت انتظار الصلاة فهو في صلاة فلا ينبغي أن يشبك مثل الحال في الطواف، يكره أن يشبك بين أصابعه وهو يطوف بالكعبة المشرفة لأنها بمنزلة الصلاة، وكذلك في الحديث أن الذي الذي توضأ وخرج للصلاة فإنه في صلاة فلا يشبك بين أصابعه.
إذًا التشبيك فيه بعض عبث وتشبه بالشيطان ويأمر به، فينبغي أن يجتنب، وبذلك أحب كثير من أهل الفضل والعلم أن لا يشبك بين أصابعه في حالة قراءة القرآن؛ ولا في حالة درس؛ ولا حالة مجلس ذكر وما إلى ذلك؛ كما يكره أن يشبك بين أصابعه وهو في الصلاة.
فإذا كان بعد الفراغ من الصلاة ولو كان في المسجد:
وكذلك فرق الجمهور بين ما قبل الصلاة في انتظارها وبين ما بعد الصلاة:
يقول: "وكان يكره أن يشبك أحد أصابعه في الصلاة أو يفرقعها ويقول ﷺ : "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن أحد أصابعه فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج "، و"أنتم في الصلاة ما انتظرتم الصلاة" في الحديث الآخر.
"قال أنس -رضي الله عنه-: وشبّكَ رسول الله ﷺ يديه مرة في خبر ذي اليدين"، وأنه لما سلَّم وقام وشبَّكَ بين أصابعه فكلمه ذو اليدين، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه؛ وكلمه ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: لم تقصر ولم أنسى، قال: بلى، فالتفت إليهم أحق ما يقول ذي اليدين، فكمل الركعتين الباقيتين، فالشاهد في تشبيكه وهو في المسجد ولكنه بعد الصلاة.
يقول: "وكان إذا رأى رجلاً شبك أصابعه في الصلاة فرج بين أصابعه في الصلاة وقال له: "لا تشبك أصابعك في الصلاة". وكان ﷺ يكره أن يفرقع الرجل أصابعه في الصلاة أو يضع يده على خاصرته" كما تقدم معنا " أو يجلس في الصلاة وهو يعتمد على يده إلا لحاجة ".
قال أنس -رضي الله عنه-: "ولما أسنّ رسول الله ﷺ وحمل اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد عليه إذا قام أو هوى للسجود" ففيه: الاستعانة لأجل الضرورة بمثل العمود عند القيام وعند الهُوِيْ إلى السجود، وهذا أيضًا غير الاستناد إلى مثل عماد أو حائط ونحوها.
فإذا استند إلى مثل عمود أو جدار ونحو ذلك:
فالقادر على القيام مستقلا دون اعتماد لا يعتمد على شيء؛ ولكن إذا كان عاجز أن يقوم إلا باستناد جاز له ذلك، فاذا لم يكن عاجزاً وأخذ يستند -يتكئ- بسارية ونحوها وهو يصلي فإن ذلك مكروه عند الشافعية، وفي قول كبقية الأئمة الثلاثة أنه ممنوع؛ لأنه مناقض للقيام فكأنه لم يقُم، وهو قادر على القيام من دون استناد.
المعتمد عند الشافعية: كراهة ذلك لأنه لا يسمى قائمًا بحيث لو أزيل هذا الذي استند عليه لسقط، وقال الآخرون: هو ممنوع.
ويروى عن بعض الصحابة جواز الاستناد للمصلي؛ وعرفنا ما انتهى اجتهاد الأئمة الأربعة عليهم رضوان الله -تبارك وتعالى- من منع ذلك؛ وهو في قول للشافعية والمعتمد عندهم أنه مكروه.
أما في وقت حال الضرورة فبالاتفاق؛ إذا لا يستطيع أن يصلي قائماً إلا بالاستناد:
وكذلك الاستناد في الصلاة في الجلوس مثل ما هو في القيام. وكذلك في صلاة النفل الاستناد:
ويقول وكان ﷺ يقول: "إذا نعس أحدكم وهو في الصلاة -أي: في قيامه في الليل- فليرقُد حتى يذهب عنه النوم" وهكذا حتى في صلاة الفرض إذا كان يدافع النوم والوقت متسع ويثق من القيام، أو يكلف أحد بأن يوقظه ما دام الوقت فيقدم النوم. وأصل الحديث وارد في قيام الليل، فإنه إذا قام وهو يدافع النوم ربما غلبته عينه وربما سهى وعكس الآيات أو تكلم بعكس المعنى المراد فيقع في حرج، "فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه وهو لا يدري" يختلط الكلام عليه من شدة غلبة النوم عليه، ولكن يقول: ليرقد وليقم طاقته؛ إرشاد منه ﷺ إلى الاعتدال والتوسط في الأمر، لا إهمال وتكاسل ولا تكلُّف يفضي إلى أن لا يدري ما يقول وهو يصلي.
"وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: النعاس في الصلاة من الشيطان وفي القتال أمنة"، (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا یَغۡشَىٰ طَاۤىِٕفَةً مِّنكُمۡۖ) [آل عمران:154] فالمؤمنون قد ينعس أحدهم وهو في القتال؛ ولكن ما ينعسون في الصلاة، المنافقون ينعسون في الصلاة؛ أما وقت القتال يفرقزوا-يفتحها بشدة- عيونهم خائفين من الموت ما يأتيهم النوم، المنافقون في القتال ما ينعسون؛ ينعسون في الصلاة نعم، والمؤمنون عكس ذلك.
ويكون بعض سادتنا الصحابة في غزوة أحد يقول: ثلاث مرات يسقط السيف عليه من النعاس وهو فوق الفرس، ينعس يسقط السيف من يده يخرج إلى الأرض يشيل-يحمل- السيف، يرجع ثاني مرة يقاتل وبعدين ينعس يسقط ثاني مرة ويخرج يجيبه ويطلع ثالث مرة يسقط من يده -رضي الله عنه- (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَیۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ ٱلۡغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسࣰا یَغۡشَىٰ طَاۤىِٕفَةً مِّنكُمۡۖ﴾ عليهم الرضوان ولأنهم مطمئنين إلى لقاء الرب -تعالى- لا قلق عندهم من الموت في سبيل الله. قال: "وفي القتال أمنة".
وكان ﷺ يقول: "إذا عرض لأحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة ولو وجد الصلاة قد قامت" -أي الجماعة- وفي رواية: "إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء" حتى لا يصلي وهو يدافع الحدث؛ إلا إذا خاف فوات الوقت وخروجه، فإذا كان الوقت متسع:
فإذا خاف فوت الوقت:
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: أكره أن يقول الرجل إني كسلان.." -عند الصلاة- قال لأن هذا وصف المنافقين "لقول الله تعالى في حق المنافقين: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَوةِ قَامُوا كسالى ﴾ [النساء : ١٤٢]" فلا ينسب إلى نفسه وصف يشبه به المنافقين ويقول كسلت عن الصلاة أوأنا كسلان، ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَوةِ قَامُوا كسالى﴾ فيتجنب مثل هذه اللفظة بُعداً عن مشابهة حال المنافقين.
"وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه.." أي يحتاج إلى إزالة الحدث "لا يصلين أحدكم وهو ضام" يعني: يكون حاقن يضم وركيه من شدة حقنه؛ هذا يشغله عن الصلاة ويمنعه من استيفائها وإحسانها فيقضي حاجته أولًا ثم يستقبل الصلاة. قال: وفي رواية "لا صلاة بحضرة الطعام ولا لمن يدافعه الأخبثان"، وفي رواية: "لا يحل للرجل أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف"
"وكان ﷺ لا يمسح التراب أو الوحل عن وجهه -إذا سجد- حتى يسلم من الصلاة"، قال فقهاؤنا: إذا كان لم يجتمع عليه تراب كثيف يمنع سجود الجبهة على الأرض فلا يمسحه، ولكن إذا كان له جُرم كثير فيمسحه من أجل صحة السجود، وإلا فيترك التراب لا يمسحه عن جبهته حَتَّى يُسَلِّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، اقتداءً بِهِ ﷺ. "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يمسحه في الصلاة مسحاً خفيفاً، وكان ﷺ ينهى عن تسوية التراب في الصلاة حيث يسجد ويقول : إذا كان أحدكم فاعلاً ولا بد فواحدة" فلا يشتغل بتسوية محل السجود ونحوه وهو في أثناء الصلاة.
قال: "إذا قام أحدكم في فليسو موضع سجوده -قبل ما يدخل الصلاة- ولا يدعه حتى إذا هوى ليسجد نفخ ثم سجد، ولأن يسجد أحدكم على جمرة خير له من أن يسجد على نفخته" ينبغي أن يدخل الصلاة بنصيب من الاستعداد وعدم الاشتغال بشيء غير الصلاة طيلة الصلاة. وفي رواية: "إذا قام أحدكم في فليسو موضع سجوده.." يعني قبل دخوله في الصلاة؛ هذا الذي قرأناه.
"وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى عن جبهته". ويبقى مقبلا بكليته على الرب -جل جلاله وتعالى في علاه- فلا يعرض فيعرض الله عنه.
ثم يتكلم أيضا عن حكم العقس وهو أن يكفت الشعر ويجمعه بربطة؛ واحدة فينبغي يدع الشعر حتى يسجد معه في سجوده كما سيأتي معنا في هذه الآثار الآتية.
رزقنا الله الاستقامة ورزقنا الله حسن الائتمام بسيد أهل الإمامة ورقانا بمنازل الدنو والكرامة، وتولانا به ﷺ في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، وجمعنا به في دار المقامة، ورزقنا مرافقته مع المحبوبين والمقربين أرباب التمكين في لطف وعافية من غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب ولا توبيخ ولا عقاب وإلى حضرة النبي مُحمَّد..
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
25 شَعبان 1445