كشف الغمة -134- كتاب الصلاة (26) شروط صحة الصلاة - ستر العورة (2)

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (26) شروط صحة الصلاة - ستر العورة (2)

 صباح الأربعاء 19 رجب 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  هل الكفان والقدمان عورة للمرأة في الصلاة؟
  •  حكم ستر الصغيرة في الصلاة
  •  تقسيم العورة مخففة ومغلظة
  •  لبس الخمار الخفيف أو المُزين
  •  أول من أرخت ثوبها من النساء
  •   أم سلمة تسأل النبي ﷺ عن طول ثوب المرأة
  •  تنشئة الأطفال على أحسن الثياب
  •   الصلاة بثياب مُلهية
  •  حكم سدل الثوب بقصد الخيلاء
  •  الحد الأقصى لطول ثوب المرأة

نص الدرس مكتوب:

"فرع: وكان ﷺ يأمر النساء أن يلبسن للصلاة الدرع والخمار ويرخص لهن في ترك الإزار إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور القدمين، وكان كثيرًا ما يقول: "إذا أراد أحدُكُم أن يشتري جارية فلا بأس ان ينظر إليها ما خلا عورتها، وعورتها ما بين ركبتها إلى معقد إزارها"، وكانت عائشة -رضي الله عنها- إذا رأت على أحد من النساء خمارًا رقيقًا وضعته عنها وأمرتها باتخاذ الخمار الكثيف، وكانت تقول: الخمار ما وارى البشر والشعر. 

وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: أوّل من جر الذيول من النساء أم إسمٰعيل -عليه السلام-، فإنها لما جرت من ساَّةٍ أرخت ذيلها لتعفر أثرها، وكان ﷺ كثيرًا ما يقول: "من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: يا رسول الله فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرًا، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن، قال: فيرخين ذراعًا لا يزدن عليه". 

 

وكان ﷺ ينهى عن الصلاة فيما يلهي. وصلى مرة في خميصة ذات أعلام فنظر إلى أعلامها مرة، فلما انصرف نزعها وأرسل بها إلى أبي جهم وأخذ عوضها كساء له أنبجانية. 

وكان ﷺ ينهى عن تجريد المنكبين في الصلاة ويقول: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء"". 

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفيه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأهل بيته الذين حباهم الله به طهرا، وعلى أصحابه المهاجرين والأنصار الذين رفع لهم بهِ قدرا، وعلى من والاهم بالله واتبعهم بإحسان سرًّا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رقاهم الرحمن أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبه وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

يتابع الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بستر العورة، ومنها عورة المصلي في صلاته، وتقدم معنا عورة الرجل ما بين السرة والركبة؛ والمرأة قال: "فرعٌ: "وكان ﷺ يأمر النساء أن يلبسن للصلاة الدرع والخمار ويرخص لهن في ترك الإزار إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور القدمين، وكان  كثيرًا ما يقول: "إذا أراد أحدكم أن يشتري جارية..".

فالمرأة إذًا: يجب أن تستر بدنها ويجب أن تستر بدنها في الصلاة كله ما عدا الوجه والكفين، وهكذا جاء القول وأكثر أهل العلم واختلفوا في القدمين، بل جاء قول عند الحنابلة في الكفين: أنه يجب سترهما واختلفوا في القدمين.

والأصح عند الحنابلة كما هو عند الشافعية والمالكية والحنفية: أن الكفين ليس من العورة في الصلاة ولا الوجه فيبقى الوجه والكفين، بخلاف الشعر وبخلاف القدمين، إلا عند الحنفية: فإن القدمين عندهما ليس من العورة للمرأة في الصلاة.

 

وجاءت في ذلك أحاديث: أن أم سلمة سألت النبي ﷺ، ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ سُئلت السيدة أم سلمة، فقالت: تصلي في الخمار والدرع السابغ الذي يُغيِّب ظهور قدميها، وجاء عن السيدة ميمونة أم المؤمنين كانت تصلي في الدرع والخمار ليس عليها إزار، إذا الدرع سابغ وساتر، أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها، هكذا جاء في رواية أبي داوود عن أم سلمة أنها سألت النبي ﷺ، قالت: "أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار؟" قال: "إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها". 

وهكذا جاءت في رواية الإمام البيهقي والإمام مالك الموطأ، دخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وعلى حفصة خمار رقيق فشقته، وكستها خمارا كثيفا، لأن المقصود بالخمار الستر، فإذا كان رقيق يصف لون الشعر أو البشر فلا فائدة فيه، بل يزيد التفات النظر.

بذلك عرفنا أن بدن المرأة في الصلاة الحرة البالغة جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، وهذا هو الصحيح عند الحنابلة، وفي رواية في الكفين: أنهما عورة.

وكذلك في قول عند بعض الحنفية: أن أيضا ظاهر الكفين من العورة، ولكن الأصح عندهم أنهما -الكفين- ليس بعورة.

كذلك القدمان هي عورة عند المالكية والشافعية والحنابلة وعند بعض الحنفية، ولكن المعتمد المذكور في مذهب الحنفية أن القدمين ليستا بعورة، وعليه المزني من الشافعية: أن القدمين في الصلاة ليستا بعورة للمرأة.

 

فيحمل بعض المتساهلات، والذي ينبغي للمرأة المؤمنة أن لا يبدو شيء من قدميها لا في حال القيام ولا في حال السجود، فيكون ما تلبسه من القميص ومن الدرع سابغا بحيث إذا سجدت يغطي بطون القدمين، فلا يظهر منه شيء، فتكون صلاتها صحيحة على الاتفاق بإجماع العلماء.

 

فإذًا القدمان: عورة عند المالكية والشافعية وكذلك الحنابلة وعند بعض الحنفية، والمشهور في مذهب الحنفية أنهما ليستا بعورة.

 

وفي الحديث: "لا يقبل الله صلاة حائض- يعني: بالغ- إلا بخمار"، ففيه وجوب ستر الرأس وأن لا يظهر من شعرها شيء.

 

ويذكر عن الشافعية أنه قال: عن المرأة تحج، فلو ظهر في طوافها شعرة من شعر رأسها رجعت بغير حج، فبهذا يجب الانتباه والاحتياط.

إذًا: تغطية الرأس متفق على وجوبه في صلاة المصلية، "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار"، يعني: بالغ ؛ يعني: من بلغت.

  • في مذهب الحنفية: أن الحرة البالغة إذا تركت ستر ربع رأسها فأكثر قدر أداء ركن بلا صنعها أعادت، أعادت الصلاة.
  •  يقول المالكية: يندب للمرأة الحرة الصغيرة المأمورة بالصلاة، سترٌ للصلاة، وهو واجب على الحرة البالغة.
  • ويقول الشافعية: لا فرق بين الصغيرة والكبيرة في عورة الصلاة

وحدة، ولو كانت بنت صغيرة في سبع سنين يجب تستر بدنها كله حتى تكون صلاتها صحيحة، فلا تقبل صلاة الصبية المميزة إلا بالخمار وبالستر الكامل.

  • وجاء عند الحنابلة: أن الصغيرة لا يلزمها ستر رأسها في الصلاة حتى تقارب البلوغ .

 

ثم أن المالكية أيضًا قسموا العورة فيما يتعلق بحرمة النظر للعورة ووجوب الستر في الصلاة، قسموها إلى: مغلظة ومخففة.

  • المغلظة أيضًا يقول الحنفية: هي السوأتان بالنسبة للرجل والمرأة على السواء.

 

  • وقال المالكية العورة المغلظة تختلف باختلاف النوع:
  •  فعورة الرجل المغلظة هي السوأتان في الصلاة.
  • أما المرأة فما عدا صدرها وأطرافها، الذراعين والرجلين والعنق. فإذا صلى مكشوف العورة المغلظة فيعيد الصلاة مطلقا عند المالكية،  فيعيد الصلاة لكشفها عمدا أو جهلا أبدا على الشرط ، والمخففة يعيد لكشفها في الوقت فقط، فإذا خرج الوقت لم يلزمه.

 

  • والشافعية والحنابلة لم يقسموا العورة، عندهم العورة هذه واحدة ما فيها غليظ وخفيف، إلا أنهم قالوا الشافعية والحنابلة: إذا لم يجد ما يستر به العورة فيقدم تغطية السوأتين؛ هذا الذي قالوه.

 

لكن المالكية والحنفية قالوا: عورة مغلظة وعورة مخففة، فالحنفية قالوا: المغلظة هي السوأتان، سواء الرجل والمرأة.

قال المالكية: المغلظة للرجل السوأتان، وللمرأة ما عدا صدرها وظهرها وما بين سرتها وركبتها والباقي عندهم مخفف.

 

ما يتعلق بالأمة المملوكة في الصلاة فالشافعية:  عندهم عورتها ما بين السرة والركبة فقط وهو قول المالكية، فالأصح عند الشافعية وهو قول المالكية أن عورة الأمة ما بين السرة والركبة. قال الحنفية: عورتها مثل عورة الحرة بالنسبة لمحارمها. 

وقال الحنابلة: أن عورتها كعورة الحرة لا يجوز أن يُنظر منها إلا ما يجوز النظر إليه من الحرة. هذا بالنسبة لعورة الأمة عند الرجل الأجنبي.

 

وأما عند ابتياع الأمة فيجوز للذي يريد أن يشتريها أن ينظر إليها ما عدا ما بين السرة والركبه "وكان  كثيرًا ما يقول:  "إذا أراد أحدكم أن يشتري جارية فلا بأس ان ينظر إليها ما خلا عورتها، وعورتها ما بين ركبتها إلى معقد إزارها"، أي ما بين السرة والركبة.

 

"وكانت عائشة -رضي الله عنها- إذا رأت على أحد من النساء خمارًا رقيقًا وضعته عنها وأمرتها باتخاذ الخمار الكثيف، وكانت تقول: الخمار ما وارى البشر والشعر"، لماذا شُرِعَ الخمار؟ لماذا شرع الحجاب؟ إلا من أجل أن يستر الزينة ويستر البدن، فأما إذا كان شفاف خفيف!.. هي لعبة في شرع الخمار! أو كان هو مزين، كثيف ولكنه هو مزين يلفت النظر!! هل شُرِعَ الحجاب إلا لستر الزينة؟ ما هو لإبداء الزينة! (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) [31:النور]، فإذا هو زينة فيحتاج حجاب، لا بد حجاب فوقه من شأن يستره، وإلا ما شُرِعَ الحجاب إلا لستر الزينة، يستر البدن ويستر الزينة، فإذا كان هو مزين لا بد تجيب حجاب فوقه وتغطيه، ما عاد صار حجاب، رجع هو نفسه زينة.

وكان إلى عهد قريب كان النساء في صنعاء وحواليها، يخترْنَ شيء من القماش الذي ظاهره يبعد عين الإنسان ومزدرى ما يستطيع أن يلتفت له الإنسان، يتغطين به ويخرجن به سترًا وحياءًا، وحتى في بيوتهن كان لمَّا يكون أسرة في البيت وفيهم أولاد متزوجين، تجد زوجات الأولاد وسط البيت بخمرهن يمشين إلى المطبخ وإلى الحمام، تخرج بخمار كأنها في الشارع وهي وسط الدار، هذا إلى عهد قريب، كان في كثير من بلاد اليمن، وبعد قالوا أنهم طوروهم، ما أعرف ما عملوا فيهم! وأبعدوا منهم الحياء والحشمة، وما ورثوه من تأثير الوحي المنزل وتأثير النبي  أبعدوه عنهم،  قالوا: خذوا التأثير بالصهاينة واليهود، خذوا التأثير بالسقطة والسفلة، حتى كثير من غير المسلمين من اليهود ومن النصارى ومن المجوس ومن الهندوس ما يرضون بالتبرج ولا بالأزياء الخسيسة هذه وهم غير مسلمين، بحكم الفطرة وانتمائهم للدين، إلا الشِّرار شِرار السقطه من هؤلاء الصهاينة وغيرهم، شِرار الملحدين هم الذين يميلون إلى هذه الأشياء، وحببوها إلى كثير من أهل الإسلام، سلبوا عقولهم وسلبوا دينهم، "والإيمان والحياء في قَرَن، فإذا ذهب أحدهما تبعه الآخر" يقول ﷺ. 

فما أبعد تربية الأنبياء عن تربية الأغبياء الأشقياء، والعجب من مسلم يقبل تربية الغبي الشقي ويترك تربية النبي والتقي، ويأخذ أفكار واستحسانات الغبي الشقي البعيد عن الله تعالى، ويترك أذواق ومشاعر وأسس ومسالك الأنبياء والأتقياء والصالحين، "ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم"، "وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى" لا إله إلا الله!

وكذلك في أقوال عند الحنابلة في عورة الأمة خارج الصلاة وعند الرجل الأجنبي كما تقدمت الإشارة، فمنهم من يقول: ما عدا الرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين للركبتين، ولكن هذا عند إرادة شراء الأمة كما جاء عن أحمد سواء فلا بأس به.

 

" وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: أوّل من جر الذيول من النساء أم إسماعيل عليه السلام، فإنها لما جرت من سارَّة.." يعني: هربت من سارة زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وكانت قد أُهدِيَت إلى سيدتنا سارَّة هاجر فأهدتها إلى سيدنا إبراهيم، فكان له منها الولد قبل أن تحمل سارَّة، فغارت منها وكانت تختفي عنها، فأرخت ثوبها إذا تمشي حتى ما يبقى أثر قدمها في الطريق.. -محل المشي-، فكانت أول من أرخت ثم كان هو الحشمة والخيار للنساء الأخيار،  "ذيلُ المرأةِ شبرٌ" يقولﷺ، فكان من بدأت بذلك سيدتنا هاجر أم إسماعيل -على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام- والرجل يحرم عليه أن ينزل ثوبه تحت الكعب،  "مَن جرَّ ثوبَهُ خُيلاءَ لم ينظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامَةِ، فقالت أم سلمة: يا رسول الله فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرًا" لهن من عند الكعب شبر كامل يجوز لها ترخيه، "قالت: -بعدها ما اكتفت بالشبر خافت- إذن تنكشف أقدامهن، قال فيرخين ذراعًا لا يزدن عليه" اللهم صلِّ عليه وعلى آله، هذه فتوى رسول الله ، ما أدري بيستحسنون فتوى من غيره! في أحد أعلم بالله وبأحكامه منه ﷺ ؟! هل أحد أولى أن يُقتَدى به ويُهتدَى بهديه منه ﷺ ؟!  يقول لك خل التشديد وهذا وقت ثاني، عندك رب ثاني؟! ورسول ثاني؟! ودين ثاني؟! أما إذا ربك الله ورسولك محمد ودينك الإسلام ماشي وقت ثاني! أيش وقت ثاني؟! وقت ثاني ما تغير فيه شيء؟! هات نبي ثاني ورب ثاني وامشي معه، أما الرب الله والرسول محمد ماشي وقت ثاني، أيش وقت ثاني؟! الوقت هو ذا هو واحد إلى أن تقوم الساعة، حكم واحد وأمر واحد من الواحد -جل جلاله وتعالى في علاه- لا إله إلا الله. تقول له أم سلمة: " إذن تنكشف أقدامهن، قال: فيرخين ذراعًا"، وجاء في الحديث الآخر أنه سألته بعض أمهات المؤمنين قالن:  لمَّا نمشي والثوب مرخي يمر على النجاسة في الطريق يا رسول الله، نجاسة في الطريق! ما قال ارفعي الثوب، قال: "يطَهِّرُهُ ما بَعدَهُ" يعني ما دام النجاسة يابسة وما تعلق بالثوب، إذا علقت بالثوب وهي يابسة اللي بعده يخرجه منه خلاص ما عليها شيء، جاف بجاف ما ينجس بلا خلاف، ما قال ارفعي الثوب قال: " يطَهِّرُهُ ما بَعدَهُ"  -صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله- يقول: "فيرخين ذراعًا لا يزدن عليه" ذراع كامل ماشاء الله زايد، وانظر عكسوا؛ قالوا للرجال وطُّوا وقالوا للنساء ارفعن، مضاده تمام معاكسة بعكس أمر الشرع، وبدأوا يعلمون الأبناء وبناتهم سنين من الصغر يجيبون ثياب للأطفال الأبناء مرخية وتسحب في الأرض، وللبنات لا فوق الساق ولما قريب الركبة وإلا فوقها، يعكسون إنا لله! ولكن الشؤم واللوم ماهو على أهل التعكيس، على من يقبل منهم التلبيس وعلى من يرتضي بما يجيبون له، هو ذا البلاء البليد المشؤوم على نفسه.

"وكان ﷺ ينهى عن الصلاة فيما يلهي" يعني: ما كان من ثياب أوغيرها عليها أعلام وزينة، "وصلى مرة في خميصة ذات أعلام فنظر إلى أعلامها مرة، فلما انصرف نزعها وأرسل بها إلى أبي جهم وأخذ عوضها كساء له أَنْبِجَانِيَّةِ" "وأْتُونِي بأَنْبِجَانِيَّةِ أبِي جَهْمِ"، أنبجانية: ثوب ما فيه أعلام ولا يلفت النظر.

إذن شُرِع للنساء إسبال ثيابها، ما يستر جميع بدنها وحديث أم   سلمة "فقال: يرخين شبرًا، فقالت: إذن تنكشف أقدامهن، أو ينكشف عنها- قال: فيرخين ذراعًا لا يزدن عليه". فقدر الشبر مستحب، وقدر الذراع جائز، فللمرأة الإسبال وهذا محرم على الرجال، "رخَّصَ رسولُ اللَّهِ  لأمَّهاتِ المؤمنينَ في الذَّيلِ شبرًا ، ثمَّ استَزدنَهُ ، فزادَهُنَّ شبرًا" فوق الشبر؛ يعني: صار ذراع.

قال الحافظ العراقي: ابتداء الذراع من الحد الممنوع منه الرجال وهو ما أسفل من الكعبين؟ أو من الحد المستحب للرجال وهو أنصاف الساقين؟ أو حده من أول ما يمس الأرض؟

العراقي يقول: الظاهر الثالث من أول ما يمس الأرض طويل، لكن هذا الوسط أنه لما حرم على الرجال ما أسفل من الكعب، وقلن النساء كيف؟ قال: شبر؛ -يعني: من عند الكعب شبر-، قال: تنكشف أقدامنا، قال: ذراع صلى الله عليه وعلى صحبه وسلم. والعجيب استظهر الحافظ العراقي أن: الجرّ السحب وأن السحب ما يكون إلا من ما على الأرض، واللي فوق الأرض ما تسحب! هذا لابسته قال: فقوله "تَجرُّ المرأةُ من ذيلِها قالَ: شِبرًا"قال: ما دام فيها جر وسحب هذا إلا من نهاية الرجل كلها من بداية الأرض من عند الأرض، الشبر والذراع هذا كثير- لا إله إلا الله-.

وذكر في بشرى الكريم الشيخ باعشن يقول: الذراع من الكعبين كما في الإمداد والنهاية، أو من نصف الساق كما في التحفة، لكن هذا بعيد من نصف الساق حتى ما بيستر القدم، أو من أول ما يمس الأرض كما في الفتح ذكره، فالشافعية عندهم الأقوال الثلاثة فيه، لكن هذا هو المعتمد وتدل عليه سياق الحديث: أنه من عند الكعب؛ يبدأ الشبر والذراع من عند الكعب، وهذا مما أُبِيح به وشُرِّع وسُنَّ للنساء وحُرِّم على الرجال.

فالرجال: السنة عندهم إلى نصف الساق، والجواز إلى الكعبين، والإستحباب ما فوق الكعبين، فأما إن كان السدل هذا والإسبال للخيلاء فبالاتفاق وبالإجماع أنه حرام؛ بل من الكبائر التي لا ينظر الله إلى أصحابه يوم القيامة، ويدَّعي بعض الناس أنه ما قصدي الخيلاء والكبر، فما القصد إذن؟ عبِّر عن ذلك؛ إن كان مثل أبو بكر الصديق يسترخي عنه من دون قصد هذا شي واضح، وأما هو يفصل ثوبه طويل في كل مرة ويزيده على مقداره ويقول ما قصدي الكبر، فأردنا بيان القصد فقط! نعرف أما القصد؟ لأنك حريص عليه لابد فيه قصد أيش قصد؟ موضة؟ رجعنا للكبر موضة لأيش؟ التقليد؟ أشرّ وأشد! تقلد من؟ وإلا ما السبب؟ كلها ثيابك تخليها لتحت.. لتحت.. لتحت.. لتحت الكعب ما السبب؟ وأمَّا يسترخي عليك يوم حصلت ثوب ما حصلت غيره ورافعه وأنت خجلان وما تريده هكذا، هذا ما فيه خيلاء ولا فيه.. كما قال سيدنا أبكر للنبيﷺ: يسترخي علي إزاري يا رسول الله -كان نحيف- والإزار يخرج عليه من دون قصد إلى تحت الكعب، قال: "إنَّك لستَ ممَّنْ يَفعَلُه خُيلاءَ" أنت ما أنت حول هذه المظاهر ولا حول هذه الشبحات، في حالك ثاني ما أنت حول هذا ولا تقصد هذا، يسترخي عليه، ما أقصد أنا وما أتحزم وأخليه تحت؛ أنا ارفعه بس هو ينزل علَيْ -رضي الله تعالى عن أبي بكر-.

 وبعضهم حملوا كلام بعض التابعين على جواز السدل قالوا: إنه في الصلاة؛  لأنه في الصلاة ما يمشي في الصلاة، ويكون زيادة ستر وهو ما يمشي، أما خارج الصلاة فيكون مكروه أو حرام على الخلاف بين أهل العلم، أما إن تبيَّن قصده الخيلاء والكبر فبالاتفاق وبالإجماع حرام، وإن لم يكن ذلك فبين الكراهة والتحريم بينهم الخلاف، وبعض التابعين نقول عنهم الرخصة ولكن حملوه على أنه أثناء الصلاة يعني، لأنه ما يمشي في الصلاة قائم في محله -الله أكبر-، ويقول بعض المالكية: ولا يجوز أن يجر الرجل إزاره في الأرض بطرًا -أي تكبر- ولا ثوبه من الخيلاء -أي عُجُب- لقول النبي ﷺ:  "لا ينظر الله يوم القيامة إلى من يجرَّ إزاره بطرًا أوعُجبًا".

 فيجوز للمرأة لقصد الستر أن  ترخيه ذراعًا كما في الموطأ، ولا يجوز لها الزيادة على الذراع، قال: حيث لا خُفَّ لها ولا جورب فتحتاج إلى الإرخاء.

يقول الحنابلة في هذا الإرخاء: للرجل ما تحت الكعب سواء كان إزار أو قميص أو سراويل تحت الكعب: يقول: إن فعل ذلك على وجه الخيلاء حَرُم، وإلا فهو مكروه، "من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه" الحديث في الصحيحين عند الإمام البخاري والإمام مسلم،  "مَن أسبَلَ إزارَه في صَلاتِه خُيَلاءَ، فليس منَ اللهِ جلَّ ذِكرُه في حِلٍّ ولا حَرامٍ".لا إله إلا الله! "بيْنَما رَجُلٌ -يمشي متبخترًا- يَجُرُّ إزارَهُ مِنَ الخُيَلاءِ، خُسِفَ به، فَهو يَتَجَلْجَلُ في الأرْضِ إلى يَومِ القِيامَةِ".

يقول"وكان ﷺ ينهى عن تجريد المنكبين في الصلاة" يعني: يُسَنُّ للمصلي إذا صلى لا يكون عاتقه وكتفيه مكشوفتين بل يضع عليهما ولو خيطًا، ولو حبلًا كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

 

رزقنا الله الاستقامة، واتباع نبي الكرامة، والاقتداء به والسير في دربه، وحمانا به من شرور الأنفس وسيئات الأعمال، ومن كل سوء أحاط به علمه الله تعالى في الدين والدنيا والبرزخ والآخرة، وجعلنا من الوجوه الناضرة التي إليه ناظرة، وأصلح شؤوننا الباطنة والظاهرة، وفرج كروب المسلمين، ورفع البلاء والآفات عن المسلمين في غزة وفي الضفة الغربية وفي أكناف بيت المقدس، وفي عراقنا، وفي ليبيا، وفي الصومال، وفي شامنا، وفي يمننا، وفي جميع أقطار الأرض، وردَّ كيد المعتدين والغاصبين والظالمين والفاجرين والكافرين، ودفع عن الأمة جميع شرورهم، وأيَّدنا بتأييده الأكبر، ونصرنا  بنصره العزيز المؤزر، ولا وكلنا إلى أنفسنا ولا إلى أحد من خلقه طرفة عين.

 

 

 بسرّ الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

26 رَجب 1445

تاريخ النشر الميلادي

05 فبراير 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام