(536)
(230)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (4) مواقيت الصلاة( 2 )
صباح الثلاثاء 13جمادى الآخرة 1445هـ
"وكان ﷺ يقول: "إذا زالت الأفياء فاطلبوا إلى الله حوائجكم فإنها ساعة الأوابين، وإنه كان للأوابين غفوراً"، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: ما رأيت أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله ﷺ ولا من أبي بكر ولا من عمر، وما رأيت رسول الله ﷺ صلى الصلاة لوقتها الآخر حتى قبضه الله -عز وجل-، وقال أنس: كان رسول الله ﷺ يصلي صلاة الظهر في أيام الشتاء وما ندري هل ذهب من النهار أكثر أو ما بقي منه .
وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يصلون الظهر والظلال ثلاثة أذرع، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: أول وقت الظهر في الصيف ما بين ثلاثة أقدام من الظل إلى خمسة ووقته في الشتاء ما بين خمسة إلى سبعة، قال أبو داود: وهذا أمر يختلف بالبلدان والأقاليم، وكان ﷺ كثيراً ما يقول : "وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفرْ الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط نور الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل، ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس"، وكان علي -رضي الله عنه- يؤخر العصر حتى ترتفع الشمس على الحيطان، وكان ﷺ يقول: "وقت الصبح ما لم يطلع قرن الشمس الأول، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول"، وكان ﷺ يقول: "تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً"، وسيأتي بسط ذلك في باب أوقات النهي إن شاء الله تعالى .
وقال أنس -رضي الله عنه-: "كان رسول الله ﷺ يصلي المغرب في أكثر أوقاته إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب وكنا ننصرف من صلاة المغرب وأحدنا يبصر مواقع نبله"، "وكان ﷺ كثيراً ما يؤخر الظهر إلى قريب العصر والمغرب إلى سقوط الشفق والعشاء في بعض الأحيان إلى ثلث الليل"، قال أنس -رضي الله عنه-: "وكان رسول الله ﷺ مع الناس على الراحة إن اجتمعوا أول الوقت صلى بهم، وإن تأخروا أخَّرَ لهم شفقة ورحمة"، وكان ﷺ يقول: "يلبث الدجال في الأرض أربعين يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، فقال رجل: يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا اقدروا له".
قال شيخنا -رضي الله عنه-: وسبب طول أيام الدجال تكاثر الغيوم واتصالها ليلاً ونهاراً حتى إن الشمس لا تظهر إلا بعد سنة أو شهر أو جمعة، وليس المراد أن الشمس إذا طلعت من المشرق لا تغرب إلا بعد سنة مثلاً، ولو كان المراد ذلك لم يلزمنا في ذلك اليوم الذي كسنة غير خمس صلوات، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعة الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى سيدنا محمدﷺ، وبارك وكرم عليه وعلى آله وأهل بيته الذين حازوا به طهرا، وصحبه الذين رُفِعوا به قدرا، وعلى من ولاه واتبعه سرًّا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضاء لأعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم من ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بأوقات الصلوات الخمس ويقول:"وكان ﷺ يقول: "إذا زالت الأفياء-أي: الظِلال- فاطلبوا إلى الله حوائجكم فإنها ساعة الأوابين، وإنه كان للأوابين غفوراً" والأواب هو: الرجّاع إلى الله-تبارك وتعالى-، وكل ذاكر متبتل للرحمن في وقت غفلة الناس فهو من الأوابين، والصلاة في وقتين تسمى صلاة الأوابين؛لأنهما وقتان يغفَل فيهما الناس،وقت الضحى: فالصلاة في الضحى يقال لها صلاة الأوابين، وآخره ما ذكره: "إذا زالت الأفياء" أي: عند زوال الشمس، فهي ساعة مباركة تفتح فيها أبواب السماء، والوقت الثاني الذي تسمى فيه الصلاة صلاة الأوابين: ما بين المغرب والعشاء، فهو وقت أيضًا يغفل فيه الناس؛ إلا من وفقه الله-تبارك وتعالى- لحسن الذكر والتلاوة والخير في تلك الساعة التي كان يقول سيدنا أنس بن مالك: "أن فيها نزل قول الله تعالى (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا) [سورة السجدة-16] قال: هو فيما بين المغرب والعشاء"، وقال سيدنا العيدروس-عليه رحمة الله تعالى-: "الكنوز كل الكنوز في إحياء مابين المغرب والعشاء" فالصلاة في هذا الوقت أيضًا تسمى صلاة الأوابين.
وقال:"إذا زالت الأفياء فاطلبوا إلى الله حوائجكم فإنها ساعة الأوابين، وإنه كان للأوابين غفوراً" أي: من ساعات الإجابة، وذكر الإمام الغزالي حديث "من صلى عند زوال الشمس أربع ركعات فأحسن ركوعهن وسجودهن صلى معه سبعون ألف ملك يستغفرون له إلى الليل" وكانت عائشة -رضوان الله تعالى عليها- تقول: "ما رأيت أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله ﷺ ولا من أبي بكر ولا من عمر-يصلون الظهرأول الوقت- وما رأيت رسول الله ﷺ صلى الصلاة لوقتها الآخر"-أي نصفها الأخير، وآخر وقتها- "حتى قبضه الله -عز وجل-" فكما ذكر الجَنَدي: أن عامة صلواتهﷺ منقولة عنه بعد اليوم الذي بيّن فيه أول الوقت وآخره، كانت صلاته تقع في النصف الأول من وقت كل فريضة، فكان يصلي في ذلك النصف ما بين أوله أو وسطه أو آخر النصف الأول من كل فريضة، فغالب صلواته في ذاك الوقت.
"وقال أنس: كان رسول الله ﷺ يصلي صلاة الظهر في أيام الشتاء وما ندري هل ذهب من النهار أكثر أو ما بقي منه" يعني أنه في أول وقتها يبادر بها ﷺ ومع ما جاء من الإبراد بالظهر أيام الصيف، فصار أوقات هذه الصلوات:
كما تبين في اجتهادات الأئمة فيما جاء عن الله ورسوله ﷺ.
فالصبح بطلوع الفجر الصادق يدخل وقته بالإتفاق.
واستحب الحنفية الإسفار به؛ لكن لم يختلفوا عن بقية الأئمة في أن بداية الفجر هو: طلوع الفجر الصادق، وقبل ثلاث درج يطلع الفجر الكاذب؛ ثم ينمحي أي: ما بين عشر دقائق واثني عشرة دقيقة ما بين طلوع الفجر الكاذب ثم طلوع الفجر الصادق. ونهاية وقت الصبح:
يقول أبو حنيفة وأصحابه: قبيل طلوع الشمس.
وجاء عن الإمام مالك:
وفي القول الآخر عند الإمام مالك كالشافعية: أن كله وقت اختيار من من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
يقول الشافعية لصلاة الصبح أوقات:
وهو كما سمعتَ عند الحنفية: خلاص خرج الوقت مادام قرب الإشراق، وهو عند الشافعية مكروه تأخيرها إلى هذا الوقت حتى تطلع الشمس.
وجاء عن الإمام أحمد بن حنبل:
فمعناه عند الإمام أحمد: أنه إذا استيقظ من أول الوقت وأخَّر الصلاة إلى وقت الإسفار أنه يُكره له ذلك؛ أنه مكروه أن يأخرها إلى أن تسفر، ولكن بعد الإسفار وقت عذر وضرورة حتى تطلع الشمس.
فمن نام فلم يستيقظ إلا بعد الإسفار يصلي بلا كراهة، فأما إذا استيقظ عند طلوع الفجر وأخَّر صلاة الصبح إلى ما بعد الإسفار فهو مكروه عند الإمام أحمد بن حنبل.
إذًا يقول الجمهور: آخر وقت الصبح طلوع الشمس.
وقد جاء في الحديث:"وإنَّ أوَّلَ وَقْتِ الفَجْرِ حينَ يَطلُعُ الفَجْرُ، وإنَّ آخِرَ وَقْتِها حينَ تَطلُعُ الشَّمْسُ" عليه الجمهور، وسمعتَ ما قال سيدنا أبو حنيفة: أنه قبيل الإشراق ينتهي وقت الصبح.
وكذلك فيما ذكر لنا في الظهر: وفي الظهر مبدأه من زوال الشمس بالاتفاق عند الأئمة؛ أنه إذا زالت الشمس عن كبد السماء دخل وقت الظهر، إذا زالت باتجاه الغروب، فلا قائل بأنها قبل الزوال تُؤدَّى أصلًا، ولكن إذا زالت الشمس إلى جهة الغروب عن كبد السماء، فإنها تطلع من جهة الشرق حتى تتوسط السماء، ثم تميل وتزول إلى جهة الغروب، فهذا وقت الزوال الذي يدخل به وقت الظهر.
ويخرج وقت الظهر إذا صار ظل الشيء مثله -غير ظل الاستواء- وهو كذلك عند الجمهور ومنهم الصاحبان لأبي حنيفة ولكن أصل مذهب أبي حنيفة أنه يستمر إلى أن يصير ظل الشيء مثليه -أي: مثله مرتين- لما جاء "إنَّما بَقاؤُكُمْ فِيما سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كما بيْنَ صَلاةِ العَصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أهْلُ التَّوْراةِ التَّوْراةَ، فَعَمِلُوا حتَّى إذا انْتَصَفَ النَّهارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيراطًا قِيراطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أهْلُ الإنْجِيلِ الإنْجِيلَ، فَعَمِلُوا إلى صَلاةِ العَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيراطًا قِيراطًا، ثُمَّ أُوتِينا القُرْآنَ، فَعَمِلْنا إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينا قِيراطَيْنِ قِيراطَيْنِ، فقالَ: أهْلُ الكِتابَيْنِ: أيْ رَبَّنا، أعْطَيْتَ هَؤُلاءِ قِيراطَيْنِ قِيراطَيْنِ، وأَعْطَيْتَنا قِيراطًا قِيراطًا، ونَحْنُ كُنَّا أكْثَرَ عَمَلًا؟ قالَ: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: هلْ ظَلَمْتُكُمْ مِن أجْرِكُمْ مِن شيءٍ؟ قالوا: لا، قالَ: فَهو فَضْلِي أُوتِيهِ مَن أشاءُ." فدلَّ على أن وقت العصر أقصر من وقت الظهر، فبذلك قال أبو حنيفة: إن وقت العصر يكون عندما يصير كل شيء مثليه، ويبقى وقت يسير إلى المغرب، فيكون أقصر من وقت الظهر بكثير.
وكذلك فيما جاء في الحديث: "أبْرِدوا بالظُّهْرِ في الحَرِّ؛ فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَوْحِ جَهنَّمَ" والإبراد: ما يحصل إلا إذا كان ظل كل شيء مثليه، خاصة في البلاد الحارة في استدلال أبي حنيفة.
والظهر عند الشافعية:
وفي كل الأوقات هذه عنده وقت الضرورة وهو: أن من زال عنه المانع الموجب للصلاة وقد بقي من الوقت ولو مقدار تكبيرة لزمته تلك الصلاة، فإن كانت تُجمع مع ما قبلها جَمَع ما قبلها معها.
بمعنى إذا طَهُرت الحائض:
ولكن الذي يُجمع إن طهرت في وقت العصر تصلي الظهر، وإن طهرت في وقت العشاء تصلي المغرب.
وكذلك من بلغ أو أفاق من جنون في وقت شيء من هذه الصلوات:
هذه مسألة زوال المانع إذا زال المانع الموجب للصلاة.
يقول الإمام مالك: الوقت الاختياري للظهر إلى بلوغ ظل كل شيء مثله، وقته الضروري عنده حين الجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير يصلي الظهر بعد بلوغ الظل مثله إلى ما قبل غروب الشمس.
والعصر بعد ذلك يبدأ وقته عند جمهور الفقهاء: حين يصير ظل الشيء مثله.
قال أبو حنيفة: عندما يصير ظل الشيء مثليه.
أكثر المالكية يقولون: في تداخل وقتي الظهر والعصر، يقول: لو أن شخص صلى الظهر عندما صار ظل كل شيء مثله وآخر صلى العصر في هذا الوقت كان صلاتهما أداء، خالف في هذا بعض المالكية مثل ابن حبيب وابن العربي، وقال المالكية: أن هذا وقت عندما يصير ظل الشيء مثله يجتمع فيه الظهر والعصر، يكون آخر وقت الظهر وأول وقت العصر.
الجمهور قالوا: لا؛ يخرج وقت الظهر ويبدأ وقت العصر.
وينتهي وقت العصر بغروب الشمس، إذا بقي من وقت الغروب ما يسع الصلاة فهذا باتفاق، وإن كان الذي أدرك ركعة من الوقت يُقال أدرك العصر بمعنى تسمى أداء- ولكن يأثم بتأخيرها إلى هذا الوقت.
ولذا يقول الشافعية للعصر أوقات:
ثم يأتي وقت الغروب وقت المغرب باتفاقهم: يبدأ بغروب الشمس، إذا صح غروب قرص الشمس فقد دخل وقت المغرب، وهكذا يقول الحنفية والشافعية والحنابلة: يخرج وقت المغرب إلى عند مغيب الشفق الأحمر، فيستمر من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.
والقول المشهور عند المالكية: لا يمتد وقت المغرب؛ بل هو بعد غروب الشمس بقدر ثلاث ركعات بعد تحصيل شروطها من الطهارة طهارة حدث وخبث، وستر عورة، ومقدار ثلاث ركعات يخرج وقت المغرب؛ فهو عندهم ضيق، وهذا في قول عند الشافعية: أنه يمضي وقت يسع وضوء، وستر عورة، وأذان وإقامة، وخمس ركعات- يعني ثلاث مغرب وركعتين بعدية- يخرج وقت المغرب، هذا قول عند الشافعية، والفتوى على المذهب القديم فيه وهو إلى مغيب الشفق.
والوقت يبقى في القديم الأظهرِ*** إلى العشاء بغروب الأحمرِ.
وقت العشاء: يبدأ حينما يغيب الشفق الأحمر باتفاق.
ويقول الشافعية:
ينتهي وقت العشاء بطلوع الفجر الصادق.
والقول عند المالكية: آخر وقت العشاء ثلث الليل.
ويقول الحنابلة كالشافعية: أن وقت الاختيار إلى ثلث الليل، ولكن يبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر.
إذا طلع الفجر فيستحب الحنفية الإسفار يعني: تأخيره لأن ينتشر الضوء بحيث تميز الوجوه،
وفي الإسفار:
قال جماهير الفقهاء: التغليس بالفجر أفضل، وقد جاء في الحديث أن السيدة عائشة تقول:"كُنَّ نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مع رَسولِ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، لا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ." الظلمة.
في أيام الصيف المستحب الإبراد، وخصص ذلك الشافعية بمن يصلي جماعة في مكان بعيد ما يوجد فيه ظل وكِنْ؛ فيؤخرون حتى يأتي الظِّلال للجدران والحيطان؛ حتى تخف حدة الحر ويتمكنون من ذهابهم لقولهﷺ " أَبْرِدُوا بالظُّهْرِ؛ فإنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ".
قال المالكية: التعجيل في الظهر أفضل صيفاً وشتاءً، إلا لمن ينتظر جماعة يُندَب التأخير بربع القامة، لكن في شدة الحر يُندَب التأخير إلى نصف القامة، يعني: أن يكون ظل الشيء ربعه، أو ظل الشيء نصفه.
وهكذا يقول الشافعية: أن الأفضل التعجيل إلا لمن يصلون جماعة؛ فيبردون بالظهر إلى وقت أن يصير للحيطان والجدران والأشجار ظل يمشون فيه إلى المسجد،
وقت العصر فتقدم فيه وقت الفضيلة ووقت الاختيار إلى أن يصير ظل الشيء مثليه، ويبقى الجواز إلى الإصفرار بلا كراهة، وبعد الإصفرار كراهة.
وقت المغرب المستحب فيه التعجيل ولم يقل أحد باستحباب التأخير؛ بل في الحديث عند أبي داود وغيره يقول ﷺ: " لا تزالُ أمتي على الفطرةِ ما لم يُؤخِّروا المغربَ حتى تشتبكَ النجومُ"؛ إلا في يوم الغيم هذا في الأيام التي لم يكن لديهم فيها ضبط الوقت بالساعات ونحوها، فيحتاطون وقت الغيم إلى أن يتيقنوا أن الشمس غربت، فقد يتصوروا غروب الشمس ثم ينقشع السحاب وإذا الشمس لازالت موجودة، حتى كانوا صائمين في أيام خلافة سيدنا عمر، واشتد الغيام وظنوا غروب الشمس فأفطروا، ثم انقشع السحاب وإذا باقية الشمس موجودة، فقال: "إنا أفطرنا بجهاد فقضوا يوماً مكان هذا اليوم".
وقت العشاء يستحب عند الحنفية تأخيره إلى ما قبل ثلث الليل، قال ﷺ"لولا أن أشقَّ على أمَّتي لأخَّرتُ صلاةَ العشاءِ إلى ثلثِ اللَّيلِ أو نصفِ اللَّيلِ".
يقول -عليه رحمة الله-:"وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يصلون الظهر والظلال ثلاثة أذرع، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: أول وقت الظهر في الصيف ما بين ثلاثة أقدام من الظل إلى خمسة ووقته في الشتاء ما بين خمسة إلى سبعة، قال أبو داود: وهذا أمر يختلف بالبلدان والأقاليم، وكان ﷺ كثيراً ما يقول : "وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفرْ الشمس -ففيه الكراهة عند تأخيرها إلى الإصفرار- ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط نور الشفق -الشفق الأحمر- ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل، ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس"، وكان علي -رضي الله عنه- يؤخر العصر حتى ترتفع الشمس على الحيطان، وكان ﷺ يقول: "وقت الصبح ما لم يطلع قرن الشمس الأول، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول" -أي جانبها- "وكان ﷺ يقول: "تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان.." -يعني تهيأت للغروب- "قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً" فوصف بذلك صلاة المنافق.
"وقال أنس -رضي الله عنه-: "كان رسول الله ﷺ يصلي المغرب في أكثر أوقاته إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب وكنا ننصرف من صلاة المغرب وأحدنا يبصر مواقع نبله" لو بيرمي بيشوف محل الرمي بيصل فين، عاد أثر الضوء موجود، لكن الشمس قد غربت "وكان ﷺ كثيراً ما يؤخر الظهر إلى قريب العصر والمغرب إلى سقوط الشفق والعشاء في بعض الأحيان إلى ثلث الليل"، قال أنس -رضي الله عنه-: "وكان رسول الله ﷺ مع الناس على الراحة إن اجتمعوا"-إن اجتمعوا جاءوا بدري المسجد- خرج وصلى بهم متقدم صلاة العشاء، وإذا تأخروا ينتظر حتى يجتمعوا فيخرج يصلي بهم ثلث الليل.
وكان ﷺ يقول: "يلبث الدجال في الأرض أربعين يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، فقال رجل: يا رسول الله فذاك اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا اقدروا له". قدروا تقدير ما تعتادوه كونه في كل منطقة وفي كل مكان الذي يعتادونه من مضي الوقت يمضون عليه.
"قال شيخنا -رضي الله عنه-: وسبب طول أيام الدجال تكاثر الغيوم واتصالها ليلاً ونهاراً حتى إن الشمس لا تظهر إلا بعد سنة" وبعدين ما تظهر إلى بعد شهر، وبعدين ما تظهر إلى بعد اسبوع، قال: هذا السبب- تأويل الشيخ له- وقال: أما لو فعلا طلعت الشمس من المشرق وما غربت إلى بعد سنة، ما كان علينا إلا أن نصلي خمس صلوات؛ لأنه طلوع وغروب؛ إلا تتغطى علينا بسبب الغيوم فنقدر لها قدرها كما أرشد ﷺ، وهذا احتمال وتأويل أوله الشيخ عليه رحمة الله.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، ورزقنا الاقتداء بنبيه محمد ﷺ في جميع الشؤون في الظهور والبطون، وأثبتنا في ديوان من يهدون بالحق وبه يعدلون في خير ولطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
14 جمادى الآخر 1445