(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الحيض(5) تابع أحكام الاستحاضة
صباح الثلاثاء: 6 جمادى الآخرة 1445هـ
فصل في أحكام المستحاضة والنفساء واغتسالهما وصلاتهما
"وقالت حمنة بنت جحش: "كنت أستحاض حيضة كثيرة؛ فقلت: یا رسول الله منعتني حيضتي الصلاة والصوم فما ترى؟ قال: أنعت لك الكرسف - يعني القطن - فإنه يذهب الدم. قلت: هو أكثر من ذلك؟ قال فاتخذي ثوباً، قلت: هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاًّ. قال رسول الله ﷺ: سآمرك بأمرين فأيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر؛ وإن قويت عليهما فأنت أعلم، قال لي: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، وتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصلي وصومي إن قدرت على ذلك قال رسول الله ﷺ: وهذا أعجب الأمرين إلي".
وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: تغتسل المستحاضة من الظهر إلى الظهر كل يوم مرة عند صلاة الظهر، وكانت -رضي الله عنها- تقول: "استحيضت سهلة بنت سهيل فأمرها النبي ﷺ أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل الصبح وتتوضأ فيما بين ذلك، وفي رواية: فقال لها إن قويت فاغتسلي لكل صلاة وإلا فاجمعي".
وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: تغتسل المستحاضة إذا رأت الصفرة فوق الماء مرة واحدة ثم لتّسْتَثْفِرْ بثوب ثم تصلي، ثم تتوضأ إلى أيام أقرانها. وكان عليّ -رضي الله عنه- يقول : إذا انقضى حيض المستحاضة اغتسلت كل يوم واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت.
وكان القاسم بن محمد -رضي الله عنه- يقول: تدع المستحاضة الصلاة أيام أقرائها، وكان ﷺ كثيراً ما يقول: "تنتظر الحائض ما بينهما وبين عشر فإن رأت الطهر فهي طاهر، وإن جاوزت العشر فهي مستحاضة تغتسل وتصلي، فإن غلبها الدم احتشت واستثفرت وتتوضأ لكل صلاة، وتنتظر النفساء ما بينها وبين الأربعين فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر، وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي، فإن غلبها الدم احتشت واستثفرت وتتوضأ لكل صلاة".
وكان علي -رضي الله عنه- يقول: إذا رأت المرأة بعد الطهر ما يريبها مثل غسالة اللحم أو مثل غسالة السمك أو مثل قطرة الدم فتلك ركضة من ركضات الشيطان في الرحم وليست بحيض، فلتنضح بالماء ولتتوضأ ولتصلي، فإن كان دماً عبيطاً لا خفاء به فلتدع الصلاة".
وجاءت امرأة إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: إنما ذلك ركضة من ركضات الشيطان فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي".
"وكانت أم سلمة رضي الله عنها تقول: كانت امرأة تهراق الدماء فاستفتت رسول الله ﷺ فقال: تنتظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيض قبل أن يصيبها الذي أصابها فتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خالفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل؛ وبالجملة فالأمر بالغسل لجميع البدن محله إذا كثر الدم، والأمر بالوضوء محله إذا قلّ"".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمدلله مكرمنا بشريعته على لسان خير بريته؛ عبده و صفوته سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين؛ خيرة الرحمن من بريته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين وعباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم؛ إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الرحمين.
ويواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الآثار المتعلقة بالاستحاضة قال: "وقالت حمنة بنت جحش : "كنت أستحاض حيضة كثيرة؛ فقلت : یا رسول الله منعتني حيضتي الصلاة والصوم فما ترى؟ قال: أنعت لك الكرسف - يعني القطن - فإنه يذهب الدم. قلت : هو أكثر من ذلك؟ قال فاتخذي ثوباً، قلت: هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاًّ. قال رسول الله ﷺ: سآمرك بأمرين فأيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر؛ وإن قويت عليهما فأنت أعلم، قال لي : إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله.." -يعني على ما تعتادين- "ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، وتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصلي وصومي إن قدرت على ذلك قال رسول الله ﷺ : وهذا أعجب الأمرين إلي".
وكذلك اتفق الفقهاء على أنه: عليها أن تخفف الدم بواسطة التعصيب والشد، أو بواسطة الحشو مادام ذلك يدفع عنها الدم لأجل الصلاة؛ فتصير كسلس البول -كصاحب السلس- وأن لا يفيد عنها ذلك فلا يمكن أيضًا أن تمتنع عن أداء الصلاة، ولكن تنظر أيام الحيض إما ذات عادة فترجع إلى عادتها، وإما لم تكن لها عادة أو نسيت عادتها قدرًا ووقتًا، فحينئذ ذلك تحتاج إلى أن تغتسل لكل فرض، كما يجوز لها الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء؛ لأجل مشقة الغسل عليها لكل فرض ولكل صلاة.
قال: "وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: تغتسل المستحاضة من الظهر إلى الظهر كل يوم مرة عند صلاة الظهر.." وهذا مذهب بعض أهل العلم- وأنَّ عليها في كل يوم ما لم تتوقع أنها طهُرت في هذا اليوم، أو كانت عادتها تطهُر في مثل هذا اليوم؛ فهي تكتفي في اليوم كله بغسل واحد.
وكانت -رضي الله عنها- تقول: "استحيضت سهلة بنت سهيل فأمرها النبي ﷺ أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل الصبح وتتوضأ فيما بين ذلك -يعني في النوافل- وفي رواية : فقال لها إن قويت فاغتسلي لكل صلاة وإلا فاجمعي". أي غسل واحد للظهر والعصر، وغسل واحد للمغرب والعشاء، ثم يحتاج الفجر إلى غسل ثالث.
"وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : تغتسل المستحاضة إذا رأت الصفرة فوق الماء مرة واحدة ثم لتّسْتَثْفِرْ بثوب ثم تصلي، ثم تتوضأ إلى أيام أقرائِها" أي: إلى وقت العادة "وكان عليّ -رضي الله عنه- يقول : إذا انقضى حيض المستحاضة اغتسلت كل يوم واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت". من أجل منع خروج الدم مدة الصلاة خاصة.
"وكان القاسم بن محمد -رضي الله عنه- يقول: تدع المستحاضة الصلاة أيام أقرائها.." يعني: ما كانت تعتاده من قبل أن تأتي الاستحاضة، "ثم تغتسل فتصلي ثم تغتسل في الأيام".
يقول النبي ﷺ لأم حبيبة حين استحيضت: "انتظري أيام أقرائكِ ثم اغتسلي وصلي فإذا رأيتِ شيئًا من ذاكِ توضئي وصلي ولو قطر على الحصير"" لأنه استحاضة وليس بحيض.
وكان ﷺ كثيراً ما يقول : "تنتظر الحائض ما بينهما وبين عشر فإن رأت الطهر فهي طاهر، وإن جاوزت العشر فهي مستحاضة.." وهذا يأتي على مذهب الحنفية: أن أكثر الحيض عشر "تغتسل وتصلي، فإن غلبها الدم احتشت واستثفرت وتتوضأ لكل صلاة، وتنتظر النفساء ما بينها وبين الأربعين فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر، وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة" وهذا على القول بأن أكثر النفاس أربعين؛ ولكن قال الشافعية وغيرهم: أن أكثر النفاس ستين؛ فلا تكون مستحاضة إلا إذا جاوزت الستين في النفاس، "فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي، فإن غلبها الدم احتشت واستثفرت وتتوضأ لكل صلاة".
"وكان علي -رضي الله عنه- يقول : إذا رأت المرأة بعد الطهر ما يريبها.." وقد طهرت ولكن جاء شيء لها من الكدرة والصفرة "مثل غسالة اللحم أو مثل غسالة السمك أو مثل قطرة الدم فتلك ركضة من ركضات الشيطان في الرحم وليست بحيض-يعني فلتتطهر من ذلك وتتوضأ ولا غسل عليها- فلتنضح بالماء ولتتوضأ ولتصلي، فإن كان دماً عبيطاً.." خالصًا "لا خفاء به.." فهذا حيض "فلتدع الصلاة".
وجاءت امرأة إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فقال ابن عمر رضي الله عنهما: إنما ذلك ركضة من ركضات الشيطان فاغتسلي ثم استثفري بثوب ثم طوفي"،الطواف مثل الصلاة، المستحاضة تطوف وتصلي كذلك مستثفرة حتى لا يقطر شيء من الدم في الحرم.
"وكانت أم سلمة رضي الله عنها تقول: كانت امرأة تهراق الدماء فاستفتت رسول الله ﷺ فقال: تنتظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيض قبل أن يصيبها الذي أصابها.." ردها الى العادة "فتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خالفت ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل؛ وبالجملة فالأمر بالغسل لجميع البدن محله إذا كثر الدم، والأمر بالوضوء محله إذا قلّ".
والمعتادة ترجع لعادتها وتفصيل في المذاهب الأربعة لحكم المستحاضة والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة والاتباع للمصطفى ﷺ، وحمانا من الآفات والأسواء والأدواء، ورعانا بعين العناية في السر والنجوى، وغمرنا في فائضات الجود، واسعدنا بأعلى السعادة في الغيب والشهادة، في لطف وعافية.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الفاتحة
12 جمادى الآخر 1445