كشف الغمة -105- باب الحيض (4) الاستحاضة: أحكام المستحاضة والنفساء واغتسالهما وصلاتهما

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الحيض (4) الاستحاضة

 صباح الإثنين: 5 جمادى الآخرة 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  • ما معنى الاستحاضة؟
  •  شرح قوله ﷺ: إن هذه ليست بالحيضة
  •  المتحيرة والغسل لكل صلاة
  •  ما هو دم الاستحاضة؟
  •  الاستحاضة لأقل من حد الحيض وأكثر منه
  •  حيض الحامل
  •  ضرورة التفقه وسؤال العلماء
  •  الصفرة والكدرة

نص الدرس مكتوب:

فصل في أحكام المستحاضة والنفساء واغتسالهما وصلاتهما 

"كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "استحيضت أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله ﷺ سبع سنين فاستفتت رسول الله ﷺ في ذلك، فقال رسول الله ﷺ: إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي"، قالت عائشة -رضي الله عنها- : فكانت أم حبيبة تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء، قالت عائشة: ورأيت مركنها ملانا دماً وكانت تغتسل لكل صلاة، وكان ابن شهاب يقول: "لم يأمر النبي ﷺ أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة وإنما هو شيء فعلته هي"، وفي رواية عن عائشة فأمر أم حبيبة وقال لها : "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي لكل صلاة ثم صلي، وفي رواية: فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضها وتصلي فكانت تغتسل عند كل صلاة، وفي رواية: فدعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي". 

 

وقالت فاطمة بنت أبي جحش: قلت يا رسول الله: "إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟  فقال ﷺ : إن دم الحيض دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي من الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق"، وفي رواية: "اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة"؛ وفي رواية: "فقال لها: إذا رأت المستحاضة الدم البحراني فلا تصلي وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي".

 

وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إذا رأت الحامل الصفرة توضأت وصلت؛ وإذا رأت الدم اغتسلت وصلت ولا تترك الصلاة على كل حال، وكان مكحول -رضي الله عنه- يقول: النساء لا يخفى عليهن الحيضة إن دمها أسود غليظ ؛ فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة فلتغتسل وتصلي" . 

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وحبيبه وصفوته؛ سيدنا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه وعترته وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعد، فيذكر الإمام الشعراني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الباب: ذكر الأحاديث المتعلقة بالمستحاضة.

والمستحاضة: هي التي يأتيها الدم في غير وقت النفاس وغير وقت الحيض، فالدم الذي ليس بحيض ولا بنفاس يقال له استحاضة؛ وإن خصص بعضهم الاستحاضة: بما اتصل بالحيض وزاد عليه وأن الآخر يسمى دم فساد.

والجمهور على أن الكل يقال له استحاضة إذا لم يكن في أوقات النفاس وأوقات الحيض المعتادة:

  • فإما أن يخرج الدم لابنة صغيرة قبل التسع السنوات فهو من جملة ما يقال استحاضة ودم فساد.
  • وإما أن يزيد الحيض على خمسة عشر عند الجمهور وعلى عشرة أيام عند الحنفية. 
  • وإما أن يزيد النفاس على ستين يومًا عند الشافعية وعلى أربعين يومًا عند بعض الأئمة. 

فهذا يكون هو الاستحاضة، يعني الدم الذي ليس بحيض ولا نفاس؛ ويترتب عليه أحكام وجوب الصلاة وغير ذلك من الأحكام، وكما أن عليها أن تغتسل وحينئذ فهناك أقسام وتفصيلات فيما يتعلق بالمستحاضة يجب السؤال عنها في فقه الشريعة لكل من ابتليت بشيء من ذلك.

 

 "كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول : "استحيضت أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله ﷺ"، ختنة يعني: أخت زوجته من أم المؤمنين زينب بنت جحش وهذه أختها أم حبيبة بنت جحش قالت: "استحيضت.." مدة "سبع سنين" استمر فيها الدم "فاستفتت رسول الله ﷺ في ذلك فقال رسول الله ﷺ : إن هذه ليست بالحيضة" ليست بالترتيب الدم الذي جعله الله -تبارك وتعالى- معتادًا للنساء في سنهن المعتاد من بعد سن التاسعة إلى وقت سن اليأس، "إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق" يقال له العاذل: عرقٌ يخرج منه دم ليس بدم حيض ولا نفاس، "فاغتسلي" أي: إذا انتهت أيام الحيض المعتادة لمن كانت معتادة؛ فإذا انقضت الأيام المعتادة من ستة أيام أو سبع أيام تغتسل ثم تصلي وتجدد الوضوء لكل صلاة؛ لأنها صارت مثل السلس -كسلس البول- في استمرار خروج الدم منها فتحتاج إلى أن تجدد الوضوء لكل فرض.

"قالت عائشة -رضي الله عنها- : فكانت أم حبيبة تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء، قالت عائشة: ورأيت مركنها.." الذي تغتسل فيه "ملانا دماً وكانت تغتسل لكل صلاة، وكان ابن شهاب يقول: "لم يأمر النبي ﷺ أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة.."كان ذلك استحسان منها "وإنما هو شيء فعلته هي"، ومن هنا أيضًا جاءت اجتهادات الأمة وفي بعض الحالات لما يسمونها المتحيرة عند الشافعية تحتاج إلى الغسل لكل صلاة، ولكن عامة صور الاستحاضة ما تحتاج الغسل لكل صلاة إنما تحتاج الغسل في كل شهر، وفي بعض الأقوال وكما يأتي معنا عن السيدة عائشة أنه في كل يوم مرة تغتسل؛ ولكن شأن المتحيرة: التي نسيت عادتها قدرًا ووقتًا، هذه التي رأى الشافعية أن عليها الاغتسال لكل فرض لاحتمال أن يكون ذلك الفرض هو الذي انقطع فيه الحيض بحكم ما اعتادت سابقًا ثم إنها نسيت عادتها قدرًا ووقتًا فسميت المتحيرة حيرت نفسها وحيرت الفقيه معها وجاء يقول ابن شهاب يقول: "لم يأمر النبي ﷺ أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة وإنما هو شيء فعلته هي"، وفي رواية عن عائشة فأمر أم حبيبة وقال لها : "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت.."  وقت الحيض المعتاد "فاغتسلي لكل صلاة ثم صلي.." فحمل هذه الرواية من حمله على سبيل الاستحباب، "وفي رواية : فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها وحيضها وتصلي فكانت تغتسل عند كل صلاة، وفي رواية: فدعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي". 

فهو أي الإستحاضة:

  • دم عرق انفجر ليس من الرحم يقول الحنفية هكذا في التعريف.
  • يقول الشافعية: دم علة يسيل من عرق من أدنى الرحم يقال له العاذل أو دم تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس سواءً اتصل بهما أم لا،فأما أن ترى الدم أقل من يوم وليلة فهذا أيضًا من الإستحاضة عند الشافعية ومعه جمهور العلماء غير المالكية
  • فالمالكية : عندهم كما تقدم معنا لا حد لأقل الحيض فلو كانت أيضًا لحظات فيها الدم تعد حيضًا
  • وقال غيرهم:  إذا كان أقل من يوم وليلة فهو استحاضة وليس بحيض وإذا زاد على الأكثر في النفاس أو في الحيض فهو استحاضة. 

إن عبر الأكثر واستداما ... فمستحاضةٌ حوت أحكاما

قال أهل العلم: إنما وقت إمكان الحيض من بعد التسع سنين، ولا عبرة لمن سبق لها دم قبل ذلك فهو داخل في الإستحاضة أو ما يقال له دم الفساد.

يقول:

"وقالت فاطمة بنت أبي جحش : قلت يا رسول الله : "إني امرأة أستحاض.." أي: يستمر بي الدم؛ يعدي أكثر الحيض والدم مستمر، "فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ . فقال ﷺ : إن دم الحيض دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي من الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق"، وفي رواية: "اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة"؛ وفي رواية: "فقال لها: إذا رأت المستحاضة الدم البحراني فلا تصلي.." المراد به الأسود "وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي".

 وكذلك إذا كان دمها يختلف ما بين ثقيل وخفيف ومدة الثقيل لا تقل عن يوم وليلة ولا تزيد على الخمسة عشر يومًا فهو الحيض والخفيف استحاضة.

"وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : إذا رأت الحامل الصفرة توضأت وصلت ؛ وإذا رأت الدم اغتسلت وصلت ولا تترك الصلاة على كل حال".

وقد تقدم معنا أن الحنفية والحنابلة : يرون أن الحامل لا تحيض وأنها إن رأت شيئًا من الدم فهو استحاضة الحامل. 

قال الشافعية: في الأصح أن الحامل تحيض، يمكن تحيض حكمها حكم غيرها.

وتقدم معنا تفصيل مذهب المالكية: ففرقوا بين أن يكون في الشهر الأول أو الثاني والثالث فهي تحيض عندهم.

 ثم إذا ظهرعليها فيما بعد ذلك في وسط الأشهر فتمتد وقت أكثر حيضها إلى عشرين يوم إلى أن ترى في السابع أوالثامن أو التاسع فحينئذ يقدر حيضها أكثر حيضها بثلاثين يوم ففرق بين أكثر الحيض عندهم للحامل وغيرها، ففي غير الحامل هم كالشافعية والحنابلة. 

وعامة الأئمة أن أكثر الحيض خمسة عشر لا يزيد عليها، وقال الحنفية عشرة أيام، مرجع ذلك إلى الاستقراء أي: من العادة التي جعلها الله -تبارك وتعالى- للنساء فهنا تفصيل عند المذاهب فيما يتعلق بالمستحاضة؛ فتحتاج من وقعت في شيء من ذلك إلى سؤال علماء بلدها عن الأمر الذي يتعلق بها:

ومتى يجب عليها الصلاة ومتى تحرم عليها؟

 ومتى يجوز إتيان زوجها ومتى يحرم ذلك؟

 ومتى يجب الوضوء ومتى يجب الغسل؟ 

فترجع إلى سؤال أهل بلدتها من أهل العلم والمتمكنين في العلم فلتعمل على بصيرة لأنها في صدد معاملة مع الله تعالى وعبادة لله جل جلاله، فإن كان زوجها فقيهًا أخبرها وإلا وجب عليه أن يسأل أو يفسح لها المجال لتسأل من يُوثق به من أهل العلم لتكون على بصيرة بينها وبين الله -تبارك وتعالى- في عبادتها.

 

"وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : إذا رأت الحامل الصفرة توضأت وصلت ؛ وإذا رأت الدم اغتسلت وصلت ولا تترك الصلاة على كل حال، وكان مكحول -رضي الله عنه- يقول : النساء لا يخفى عليهن الحيضة إن دمها أسود غليظ .." أي: في الغالب فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة فلتغتسل وتصلي"

على أن الصفرة والكدرة عند -جمهور أهل الفقه- إذا كانت في أيام الحيض أو أيام النفاس فهي حيض أو نفاس إلى أن تأتي القصة البيضاء بحيث لا يبقى أثر كدرة ولا صفرة ولا حمرة فحينئذ هذا هو الطهر. 

كما جاء أن يبعثن بالقطنة فيها الأثر إلى السيدة عائشة يقلن أن هذا طهر فتقول: لا حتى ترين القصة البيضاء؛ لا تستعجلن بالغسل والصلاة حتى يأتي الطهر وهو المسمى بالقصة البيضاء. 

 

جعلنا الله من أهل التفقه في الدين والمتابعة لحبيبه الأمين وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين، ورقانا على مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، وكشف كروبنا وكروب المسلمين أجمعين، وحول الأحوال إلى أحسنها، وختم لنا بالحسنى وهو راضٍ عنا في خير ولطف وعافية.

 اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله الفاتحة

 

بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي 

اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

11 جمادى الآخر 1445

تاريخ النشر الميلادي

23 ديسمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام