(228)
(536)
(574)
(311)
الدرس الثالث للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في شرح كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن
ما يجب على المرتد وما يجب على المكلفين
. صباح الإثنين 15 صفر 1446هـ
لتحميل كتاب سلم التوفيق
pdf: https://omr.to/sullam-pdf
نص الدرس مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، من كتاب سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق للإمام العلامة سيدنا عبد الله بن حسين بن طاهر باعلوي رحمه الله ونفعنا به وبكم في الدارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم، قال:
فَصْلٌ [في بعضِ أحكامِ المُرتَدَّ]
يجب على من وقعت منه ردة:
- العود فورًا إلى الإسلام:
- بالنطق بالشهادتين،
- والإقلاع عما وقعت به الردة.
ويجب عليه:
- الندم على ما صدر منه.
- العزم على ألا يعود لمثله.
- قضاء ما فاته من واجبات الشرع في تلك المدة.
فإن لم يتب وجبت استتابته، ولا يقبل منه إلا الإسلام أو القتل.
وتبطل الردة:
- صومه،
- وتيممه،
- ونكاحه قبل الدخول وكذا بعده إن لم يعد إلى الإسلام في العدة.
- ولا يصح عقد نكاحه، وتحرم ذبيحته، ولا يرث ولا يورث، ولا يصلى عليه، ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يدفن، وماله فيء
فَصْلٌ [فيما يجب على كل مكلف]
أداء جميع ما أوجبه الله عليه، ويجب أن يؤديه على ما أمره الله به من الإتيان بأركانه وشروطه وتجنب مفسداته، ويجب عليه أمر من رآه تاركًا لشيء منها أو يأتي بها على غير وجهها، ويجب عليه قهره على ذلك إن قدر عليه، وإلا فيجب عليه الإنكار بقلبه إن عجز عن القهر والأمر، وذلك أضعف الإيمان، أي أقل ما يلزم الإنسان عند العجز، ويجب ترك جميع المحرمات، ونهي مرتكبها، ومنعه قهرًا منها إن قدر عليه، وإلا وجب عليه أن ينكر ذلك بقلبه، ومفارقة موضع المعصية، والحرام ما توعد الله مرتكبه بالعقاب ووعد تاركه بالثواب.
الحمدلله؛
يُبَيِّن الشيخ -عليه رحمه الله تبارك وتعالى- بهذا الأحكام، أحكام من وقعت منه الردة، -والعياذ بالله تبارك وتعالى وحفظنا وأهلينا وأولادنا والمسلمين أجمعين-، يقول: من وقعت منه الردة وجب عليه "العود فورًا إلى الإسلام"، وكيف يعود للإسلام؟
بأن يُقلِع عمَّا وقعت به الردة، ويرجع إلى الاعتقاد الصحيح، ويرجع عن القول الخبيث الذي نطق به، أو الفعل الشنيع الذي فعله مع تجديد العهد على العموم، تجديد العهد على العموم بالشهادتين؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وهكذا قال: "يجب عليه: الندم على ما صدر منه، العزم على ألا يعود لمثله"؛ وهذه شروط التوبة التي إذا اجتمعت تُحقِقَ قبولها عند الله لقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) [الشورى:25].
وأنواع الذنوب والمعاصي: ومنها الشرك، ومنها أخبث أنواع الكفر وهو الردة، وجميع الذنوب والمعاصي مشروع لصاحبها التوبة، وتقبل منه التوبة ما لم يُغرغر، ما لم تطلع الشمس من مغربها، إلا خصلة واحدة اختلفوا في قبول التوبة منها وهو: سفك دم المؤمن، قتل المؤمن عمدًا، وقتل النفس هذا الذي فيه اختلاف: هل تقبل توبته أو لا، ولم يختلف، لا الصحابة ولا من بعدهم في بقية الذنوب كلها، أنها تقبل منها التوبة، وإذا اجتمعت شروط التوبة فالقبول محقق، إذا اجتمع:
فالقبول محقق.
فإن تعلقت بحق آدمي، فأداء الحقوق وأرجاعها إلى أهلها، فإذا تمت هذه الشروط فهي مقبولة من جميع الذنوب؛ حتى أنواع الكفر والشرك، حتى أخبث أنواع الكفر وهو الردة تجب منه التوبة، والتوبة مقبولة من صاحبها، إلا هذا القتل، قتل النفس واختُلِف فيها تقبل أو لا، ولم يُختَلَف في شيء آخر من الذنوب والمعاصي أنَّه يقبل منه التوبة مهما كان، لكن تَعمُّد قتل النفس قيل تُقبَل توبته وقيل لا تُقبَل.
ومما يُذكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّه كان في مجلس، فسأله سائل: هل للقاتل توبة؟ فقال له: نعم، فذهب، فجاء الثاني وقال: هل لقاتل توبة؟ فقال: لا، لا تقبل توبة القاتل، فذهب،
وقال جلساؤه اختلف الجواب بالسؤال الواحد، قال: جاءني الأول وقد وقع في مصيبة القتل، فأراد أن يتوب، ففتحتُ له الباب حتى لا يستفحل إذا عرف أنَّه ليس له توبة، يستفحل في القتل، فأما الثاني تفَرَّستُ فيه فإذا بينه وبين بعض بني عمه نزاع وأنَّه يفكّر في قتله ثم يتوب، فقلت لا، حتى لا يقع في المصيبة، فلمَّا ذهبوا تتبَّعهم فوجدهم كما قال -عليه الرضوان من الله تبارك وتعالى-.
وإن كان إذًا يصح، أن التوبة إذا صَحَّت بشروطها فهي مقبولة ولو من القتل، ولكن ما اختُلِف في شيء من الذنوب والمعاصي تقبل توبته أو لا، إلا قتل النفس التي حرّمها الله، فما أَشْنَعَها.
قال: "قضاء ما فاته من واجبات الشرع في تلك المدة، فإن لم يتب وجبت استتابته"، أي من قِبل الحاكم، من قِبل ولي الأمر، والإسلام يجب عليه أن يستتيبه، وأن يتوسل إلى ذلك ببيان ما اشتبه عليه، وبإيضاح الأمر له من قِبل العلماء، حتى يرجع إلى الاعتقاد الحق وإلى دين الحق.
"ولا يقبل منه إلا الإسلام أو القتل." بالنسبة للحاكم، من ارتدَّ من رعيته فيستتيبه ولا يُقبَل منه إلا الإسلام، فإنْ أصرَّ فحدّه القتل حتى لا يُتَخذ دين الله لعبًا وهُزْوًا.
قال: وبطل بها؛ إذا حصلت منه الردة وهو صائم، بطل "صومه" في ذلك اليوم، ولو عاد بعد لحظات إلى الإسلام فصوم هذا اليوم بطل، يبطل الصوم.
"وتيممه" يبطل التيمم إذا كان متيممًا لشيء من الصلوات، ثم حصل منه شيء مما ذُكر من الردة ثم تاب، قال سأصلي، نقول له اذهب تيمم، قال أنا تيممت، نقول له تيممك قد أبطلته الردة؛ لأن الرُّخَص لا تُنَاط بالمعاصي.
"ونكاحه قبل الدخول" إذا كان قد عَقَد على امرأة ثم حصلت منه الردة قبل أن يدخل بها فُسخ النكاح، ولا يجوز له أن يرجع إليها إلا بعقد جديد، بعد أن يعود للإسلام، فإن كان قد دخل بها؛ فإن عاد إلى الإسلام وهي لا تزال في العدة ولم تنقضِ عدتها؛ سواء كانت ذات حمل بوضع حملها، أو كانت من ذوات الحيض بثلاثة قروء، أو كانت من الآيسة أو لا تحيض بثلاثة أشهر، فإن عاد في هذه المدة قبل أن تنقضي عدتها عادت إليه، فإن تمادى حتى انقضت العدة، خرجت من عقده، فإن عاد بعد ذلك إلى الإسلام هي أجنبية لا تجوز له إلا بعقد جديد
قال: "وكذا بعده" أي بعد الدخول، "إن لم يعد إلى الإسلام في العدة."
"ولا يصح عقد نكاحه،" في أيام ردته، يُزوِّج ابنته، ليس له ولاية عليها، ولا يصح منه عقد النكاح، إن الولاية تنتقل إلى الذي بعده، لا ولاية لكافر على مسلم.
"وتحرم ذبيحته،" ما يذبحه في أيام الردة من الإبل والبقر والغنم ما يجوز تناوله، لأنه ذبح كافر مرتد.
ولو مات وهو مرتد -والعياذ بالله تعالى- "لا يرث"، فلا يرث منه ورثته شيء، كما أنَّه لا يرث هو إذا مات أحد أقاربه وهو في الردة؛ لأنه لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم
"ولا يورث،" كيف ما يُورث؟ ماله يرجع فيء للمسلمين، إذا مات وهو مرتد أو أُقيم عليه الحد بسبب الردة فقتل، فماله كله فيء، يصرف في المصالح العامة للمسلمين في بيت المال، لا يرثه أحد من قرابته.
"ولا يُصَلَّى عليه،" لأنه على غير الملة -والعياذ بالله تعالى-.
"ولا يُغَسَّل،" على سبيل الوجوب، "ولا يُكَفَّن،" أيضًا على سبيل الوجوب، يعني أنَّه لا يحرم ذلك، لكن الصلاة عليه حرام، وأما تغسيله وتكفينه ما يحرم ولكن لا يلزم.
وأما قوله: "ولا يدفن،" أي لا يجب دفنه، ولا يجوز أن يدفن في مقابر المسلمين، يعني يجوز أن يُدفَن، ليس حرام دفنه، ولكن ليس في مقابر المسلمين، في مقبرة أخرى، لئلا يتأذى المسلمون بما يُسمعه الأَمَوات وأرواحهم في البرزخ من عذابه وتعذيبه.
وهكذا فإن الجار الصالح ينفع جواره في الدنيا والآخرة، والجار السوء يضر، يؤذي في الدنيا والآخرة.
كان في بعض بلاد اليمن واحد حفَّار قبور، يقول وهو نائم في الليل رأى امرأتين قد ماتتا، تقولان له: اسمع فلان سيموت لا تدفنوه بجانبنا ولا قريب منا، تعجب! انتظر، وتَعَجَّب ثاني مرة ورآهما تقولان: اسمع، فلان سيموت لا تقربه من عندنا ولا تدفنه جنبنا، وثالث مرة...، وخرج يصلي الفجر وقالوا: فلان مات -نفس الاسم-، قال: خرجت للمقبرة، وجدت القبر جنب القبرين لهؤلاء، قلت: لا والله ما دام قد جاءوني وهن مهتمات، لن أقبره هنا، فذهبتُ للطرف الثاني من المقبرة بعيد هناك، وحفرت له قبر بعيد منهم وقبرته فيه.
وكان بعض الناس عنده ابنة له توفيت صغيرة، وكان مُعلَّقًا بها ويحبها، فكان يراها كثيرًا في النوم، فرآها ذات ليلة:إذا شعرها مُبيَّض، قال: ما هذا يا ابنتي؟ أعندكم عذاب؟ قالت: لا، ما علينا عذاب، لكن فلان بن فلام أمس تُوفي ودُفِنَ عندنا، فلما دُفِنَ في المقبرة زفرت جهنم لقدومه، زفْرة شابَ منها كل رضيع، مصيبة، الجار السوء يضر في الدنيا وفي الآخرة.
ولهذا قال سيدنا موسى -عليه السلام- لما حضرته الوفاة: أدْنُوني من أرض المقدسة رمِيَةَ حجر، طلب القرب من الأرض المقدسة.
وفي الحديث قيل: لما مات التائب وقد قتل تسعة وتسعين نفس، ولمَّا صدق في التوبة ورجع إلى الله أشار إليه العالِم، قال: أرضُكِ أرض سَوْء اتركها وانظر القرية الفلانية فيها صالحين وأخيار اذهب إليهم، اجعل باقي عُمْرُك معهم عسى أن تَصِّح لك التوبة ويقبلك الله، وما يقدر أحد يحول بينك وبين الله، لمَّا كان في الطريق أدركه الموت، يقول صلى الله عليه وسلم: فنَاءَ بِصَدْرِهِ، رَمَى نَفْسَهُ إِلَى جِهَةِ ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِى يُرِيدُها، مُتَبَرِّمًا مِنْ الأَرْضِ التي كَانَ فِيهَا وَمِنْ أَهْلِهَا، فَحَفِظَ ٱلله له ذَلِكَ، ولمَّا اختصمت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، أرسل لهم ملكًا، بِحُكم الله بينهم، يقول: قيسوا ما بين الأرضين، فإن كان أقرب إلى أرض الأشرار فلتأخذه ملائكة العذاب، وإن كان أقرب إلى أرض الأخيار فلتأخذه ملائكة الرحمة، يقول: فأوحى الله إلى الأرض: هَذِهِ أَنْ تباعِدِي، وَهَذِهِ أَن تقاربي، فَوُجِدَ أَقْرَبَ إِلَى أَرْضِ ٱلْأَخْيَارِ بِشِبْرَيْنِ، فَلذَلِكَ قال نَاءَ بِصَدْرِهِ، فَأَخَذَتْهُ مَلَائِكَةُ ٱلرَّحْمَةِ، -لَا إِلَهَ إِلَّا ٱللَّهُ-، -ٱلله، لَا إِلَهَ إِلَّا ٱللَّهُ-.
وهكذا كان سيدنا عمر -عليه رحمة الله ورضوانه- أرسل ولده عبد الله بن عمر إلى سيدتنا عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- يقول: استأذني لي أن أُدفَن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر -رضي الله عنه- في الحجرة، فلما رجع قال: ما وراءَكَ؟ قال: قالت أذِنَت لك بذلك، وأنها كانت تُعِدُّه لنفسها، ولكن طيِّبَتْ لك نفسها، قال: الحمد لله، لم يكن في نفسي شيء أهم من ذلك، لم يكن في نفسي شيء أهم من ذلك، مهتم بأن يُقبر في هذا المكان -لا إله إلا الله-.
ولما قُبِر سيدنا معروف الكرخي في بغداد، فرآه بعضهم قال له: ما فعل الله بك؟ قال: لما قبروني ووصلت الى البرزخ، أعتق الله من على يميني عشرين ألفًا، وعلى يساري عشرين ألفًا، وأمامي عشرين ألفًا، ومن خلفي عشرين ألفًا، أعتقهم من النار إكرامًا لوفادتي عليهم، سبحان الله!
لهذا قالوا: هذا المرتد لا يُقبر في مقابر المسلمين، لا يجوز، يجوز أن يُدفَن نعم، لكن لا يجوز أن يُدفَن في مقابر المسلمين، ولا يلزم دفنه -لا إله إلا الله-.
وهكذا كان قديمًا في صنعاء أيام استعمال الدواب هذه، قبل انتشار الدراجات والسيارات، نوع من المرض يُصيب الحمير عندهم، العجيب إذا جاء المرض هذا للحمار دواؤه فقط يُفَزَّع، إذا أصابته فزعة، يصحى ويرجع، يذهب عنه المرض، فتصالح أهل صنعاء إذا أحد أصاب حماره هذا شيء من هذا المرض، هناك قبور اليهود عندهم، يذهبون بالحمار إلى مقبرة اليهود يقول برأسه كذا ويُصحو، يُشفَى من المرض، لأن الدواب والحيوانات تسمع العذاب، تسمع عذاب المعذبين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الضربة في القبر للعاصي، وصيحته قال: يَسْمَعُهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا ٱلثَّقَلَيْنِ، يسمعه كل شيء، الحيوانات تسمع عذاب المعذبين وصياحهم، إلا الإنس والجن، يقول: لو سَمِعُوها لصَعِقوا، اللهم أجرنا من النار واجعلنا في الأخيار.
ولهذا ذكر أيضًا الفقهاء عندنا: إذا واحد مات في مكان، وأوصى أن يُدفَن في مكان آخر، قالوا: إن كان هناك ميزة مثل الأرض المقدسة -القدس-، مثل المدينة ومكة، أو المكان الذي أوصى أن يُنقَل إليه معروف بالصالحين، ودُفِنَ فيها كثير معروفين من خيار الأمة تُنفَّذ وصيته، وأمَّا لا شيء من هذه الأوجه، لا يلزم تنفيذ وصيته، يُقبر حيث مات، -لا إله إلا الله-.
قال: "وماله فيء" أي لا يرثه أحد من المسلمين، فهو مرتد.
ثم ذكر تعريف "الواجب" فيما تقدم معنا: أنَّه ما توعّد الله تاركه بالعقاب ووعد فاعله بالثواب، وعكسه "الحرام" وهنا عرّفه: ما توعّد الله مرتكبه بالعقاب، ووعد تاركه بالثواب.
إذًا فالواجب: ما يُثاب على فعله، ويُعاقَب على تركه، وعكسه الحرام: ما يُثاب على تركه، ويُعاقَب على فعله.
يقول: "يجب على كل مُكلَّف أداء جميع ما أوجبه الله عليه، ويجب أن يؤديه على ما أمره الله به من الإتيان بأركانه وشروطه وتجنب مبطلاته، ويجب عليه أمر من رآه تاركًا لشيء من الواجبات أو يأتي بها على غير وجهها،" يُخِل بأركانها وشروطها، قال:
قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ."
"ويجب ترك جميع المحرمات، ونهي مرتكبها،" عنها وعن ارتكابها فإن كان له ولاية عليه "منعه قهرًا منها إن قدر عليه، وإلا وجب عليه أن ينكر ذلك بقلبه،" لكن مع "ومفارقة موضع المعصية،" لا يقول: أنا أنكر عليهم، ويحضر معهم، وقت هم يعصون، فإن الإنكار؛ يجب أن يُفارق الموضع الذي يعصون الله تعالى فيه، ولا يحضر معهم، ولا يُقرُّهم على ذلك.
قال: هذا أيضًا تعريف الحرام: "والحرام ما توعد الله مرتكبه بالعقاب ووعد تاركه بالثواب." إن كان الترك لأجل امتثال أمر الله.
وأمَّا المكروه: فما لا يُعاقب على فعله، ولكن يُثاب على تركه امتثالًا؛ هذا المكروه، كراهة التنزيه كما يسمونها، الحرام مكروه لكن كراهة التحريم، والمكروه كراهة تنزيه دون الحرام؛ يُثاب على تركه ولا يُعاقَب على فعله.
وبقي بعد ذلك المندوب: وهو ما يُثاب على فعله ولا يُعاقَب على تركه.
بقي بعد ذلك المباح: وهو الذي لا يُثاب ولا يُعاقَب على فعله ولا على تركه.
وعلمنا أنَّ هذا نظام الحق تعالى في تسيير أعمال المُكَلَّفِين على ظهر الأرض، فكل ما يفعله المُكَلَّف إمَّا واجب، وإمَّا محرم، وإمَّا مندوب، وإمَّا مكروه، وإمَّا مباح.
باب الطهارة والصلاة
فَصْلٌ [في أوقات الصلوات المفروضة]
فمن الواجب خمس صلوات في اليوم والليلة:
- الظهر: ووقتها إذا زالت الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله غير ظل الاستواء.
- والعصر: ووقتها من بعد وقت الظهر إلى مغيب الشمس.
- والمغرب: ووقتها من بعد مغيب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر.
- والعشاء: ووقتها من بعد وقت المغرب إلى طلوع الفجر الصادق.
- والصبح: ووقتها من بعد وقت العشاء إلى طلوع الشمس.
فتجب هذه الفروض في أوقاتها على كل مسلم، بالغ، عاقل، طاهر، فيحرم تقديمها على وقتها، وتأخيرها عنه بغير عذر؛ فإن طرأ مانع (كحيض) بعد ما مضى من وقتها ما يسعها وطهرها لنحو سلس لزمها قضاؤها، أو زال المانع وقد بقي من الوقت قدر تكبيرة لزمته ، وكذا ما قبلها إن جمعت معها.
-ما شاء الله تبارك الله-؛ فمن أهم الواجبات، وهي أعظمها بعد الشهادتين؛ الصلوات، الصلوات الخمس، وهي كما تقدم معنا من المُجمَع عليه، ومن المعلوم من الدين بالضرورة.
"فمن الواجب خمس صلوات في اليوم والليلة" قال -صلى الله عليه وسلم-: "خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَرَضَهُنَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى العِبَادِه فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَمَنْ أَدَّاهُنَّ لِمَوَاقِيتِهِنَّ كَنَّ لَهُ نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ لم يكن لَهُ نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة"، و "العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ"، حتى قيل في قوله تعالى: (لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا) [مريم:87]، الصلوات الخمس، إقامَة الصلوات الخمس، فهي صلة بين العبد وبين ربه، وكذلك لم يقل أحد من العلماء، ولا من الصحابة -رضي الله عنهم-، فمن بعدهم: بأن ترك شيء من الواجبات، اختلفوا فيه هل يكون كفرًا؟ أي واجب من الواجبات إذا تُرِك هل يكون كفرًا؟، إلا الصلاة اختُلِف فيها، الصلوات الخمس إذا تركها متعمدًا هل يُكَفُر؟
قال الجمهور: إنَّه ما يُكَفر، يكون فاسقًا عاصيًا، إن لم يعتقد إباحة تركها، أمَّا إذا أنكر وجوبها فبالإجماع يَكفر، إذا استباح ترك الصلوات الخمس بالإجماع يكفر.
لكن لا، تركها كسلًا لا جحودًا، فهذا فيه خلاف؛ بعض الصحابة -رضي الله عنهم- قالوا: بكفره، وعليه مذهب الإمام أحمد بن حنبل، أنَّ تارك الصلاة متعمدًا كافر -والعياذ بالله تعالى-.
وجمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم: أنَّه عاصٍ فاسق وليس بكافر، إلا إن جَحَدَ وجوبها، فإن تركها جحودًا فهو كافر باتفاق.
قال: وليس شيء من الواجبات الأخرى اختلِف هل تركه كفر إلا الصلاة، وأمَّا من ترك الزكاة، وترك الصوم لا أحد يقول إنَّه كافر، إذا لم يجحد شيء من هذا لا أحد يقول إنَّه كافر، إلا الصلاة فيها اختلاف: هل هو كافر أو غير كافر؟ "من ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر جهارًا"، و"العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ فمَن تركَها فقد كفرَ" لهذا جاء الخلاف، وأما بقية الواجبات فتركها فسق، ولا يكون صاحبها كافرًا إلا إن جَحَد الواجب المُجمَع عليه، إلا ترك الصلاة اختُلِف في تاركها كسلًا.
قال: "الظهر" يبدأون بها؛ لأنَّه قال بعد أن أُسْري برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعُرِجَ به، وفُرِضَت الصلوات الخمس، عادَ فأول صلاة بُيِّنَت له وأقامها هي الظهر، فجاء إليه سيدنا جبريل -عليه السلام- في يوم -صبيحة ليلة المعراج-، وبَيَّن له كيفية الصلاة، وعدد ركعاتها، فابتدأ بالظهر؛ فهي تُفعَل في وقت الظهيرة، وكما يقال: أول صلاة ظهرت في الإسلام من الصلوات الخمس.
قال: "ووقتها إذا زالت الشمس" عن كبد السماء، أي إذا ابتدأت طلوعها من المشرق حتى تتوسط السماء فتميل إلى المغرب، فبهذا الميل والزوال يدخل وقت الظهر، إذا زالت الشمس، قال: "إِذَا زَالَتِ ٱلشَّمْس" ويستمر وقتها "إلى مصير ظل كل شيء مثله غير ظل الاستواء." يعني بحسب المناطق واختلافها، أحيانًا وقت الاستواء يكون هناك ظل فهذا الظل لا يُحسَب عندما يتحول الظل إلى الجهة الأخرى، فيصير ظل الشيء مثله وزيادة، ما كان وقته، فلو فرضنا أنه وقت الاستواء كان لهذا ظلٌ مقدار أصبعين، فما يدخل وقت العصر حتى يصير ظله مثله وزيادة أصبعين؛ هذا معنى قوله: "غَيْرِ ظِلِّ ٱلِٱسْتِوَاءِ".
وهذا أيضًا عند الجمهور، قال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-: إنما يكون وقت العصر بعد أن يصير ظل شيء مثليه، أي: مثله مرتين، فيتأخر وقت صلاة العصر عن بقية المذاهب.
ووقت صلاة العصر: "فوقتها من بعد وقت الظهر"؛ أي: من بعد أن يصير ظل شيء مثله عند الجمهور، أو يصير ظل الشيء مثليه عند الحنفية، "إلى مغيب الشمس." ويُكرَه تأخيرها إلى الإصفرار.
ثم أنَّ هذه الأوقات تتقسم إلى:
وهو أوله، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ ٱلْأعَمَالِ إِلَى ٱللَّهِ الصَّلَاةُ لأول وَقْتِهَا"، ووقت الفضيلة اختُلِفَ فيه؛ الكثير قالوا: أنَّه يحصل بأن لا يشتغل بعد دخول وقت الفريضة إلا بالتهيؤِ للفريضة.
وبعضهم ضيَّق في ذلك، بأن قال: أن يدخل إلى الصلاة قبل أن يمضي من حين دخول وقت الصلاة، وقت يسع الطهارة والأذان والراتبة، فإن أخره عن هذا الوقت فقد فاته فضيلة أول الوقت.
وقال بعض أهل العلم: أنَّ فضيلة أول الوقت، في النصف الأول؛ فمن صلى في النصف الأول من الوقت فقد حاز فضيلة أول الوقت، وهذا أوسع ما قيل في إدراك ثواب فضيلة أول الوقت في الصلاة، فإذا أوقعها في النصف الأول من الوقت فقد أدرك فضيلة أول الوقت، "أحب الأعمال إلى الله الصلاة لأول وقتها".
قال: "والمغرب"
ثم بعد ذلك يأتي بالنسبة للظهر، للذي يجوز له الجمع، يمتد وقتها إلى المغرب أيضًا؛ وهو للمسافر، والمريض الذي يَشُق عليه أداء كل صلاة في وقتها، فيجوز له أن يُؤخِر الظهر إلى العصر، والمسافر عند الجمهور.
وكذلك قال الحنفية: لا، إنما يكون الجمع لأجل النُّسُك في عرفة ومزدلفة، يجمع بين الظهر والعصر في عرفة، ويجمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة، ثم لا جمع عندهم بعد ذلك.
يقول: "والمغرب: ووقتها من بعد مغيب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر" أيضًا مختلف فيه، فهذا هو المذهب القديم للشافعي -رحمه الله-، وهو الذي اعتمده أئمة الشافعية، أن يستمر وقت المغرب بعد غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأحمر.
مغيب الشفق الأحمر في غالب البلدان العربية؛ من بعد المغرب ما بين أربعين دقيقة إلى ثلاثين، وغايته إلى عشر دقائق فوق الساعة، سبعين دقيقة، وأمَّا تأخيره إلى الساعة ونصف فهذا في غالب البلدان العربية عندنا لا يتأخر الشفق إلى هذا الوقت أبدًا، يغيب الشفق الأحمر قبله، قبل ساعة ونصف من المغرب يبيقين، بل بعد أربعين دقيقة في كثير من الأراضي يغيب في الغالب، فإذا غاب الشفق الأحمر دخل وقت العشاء.
وقيل: إنَّ وقت المغرب ضيق، إذا مضى بعد الغروب وقت يسع الطهارة، والسترة، والأذان، وصلاة خمس ركعات خرج وقت المغرب، يبقى وقت لا من المغرب ولا من العشاء، إلى أن يغيب الشفق.
والذي عليه الجمهور: أن الوقت يمتد، يمتد من بعد غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق الأحمر، إنَّه عند قبل طلوع الشمس وبعد غروبها، تكون في الجو أشفاق ثلاثة: أبيض، وأصفر، وأحمر.
عندما يبدأ الضوء الأبيض قبل طلوع الشمس هذا هو الفجر، يأتي بعده الأصفر وبعده الأحمر تطلع الشمس، بعد ما تغيب التحول أيضًا أشفاق: أبيض، وأصفر، وأحمر، فإذا غاب الشفق الأحمر وهو الذي يلي الشمس مباشرة خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء.
وقيل: حتى يغيب من بعدها الأصفر والأبيض، وكما أنَّه يُختار تأخيرها إلى ثلث الليل، ولكن وقتها من بعد مغيب الشفق الأحمر، وقت العشاء.
"إلى طلوع الفجر الصادق." ويكره تأخيرها إلى طلوع الفجر الكاذب وهو الذي يسبق طلوع الفجر.
"والصبح: ووقتها من بعد وقت العشاء إلى طلوع الشمس." يعني من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، وهذا أيضًا تحديد الوقت فيه يكون نسبي ويختلف باختلاف البلدان، بينما أكثر أيضًا البلدان العربية: ما بين ساعة وعشر دقائق إلى ساعة وربع تطلع الشمس، يكون طلوع الشمس من بعد طلوع وقت الفجر.
قال: "فتجب هذه الفروض في أوقاتها" لقول الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103]،"على كل مسلمٍ، بالغٍ،"؛
وأما الصبي: يجب على الولي -كما يأتي في الفصل بعد ذلك- أن يأمره بها لسبع، قال: "عاقل،" فلا وجوب على المجنون، "طاهر،" فلا صلاة على الحائض والنفساء.
قال: "فيحرم تقديمها على وقتها، وتأخيرها عنه بغير عذر؛ فإن طرأ مانع" هذه مسألة: طروء المانع وزواله؛ طرأ مانع يمنع صحة الصلاة، ما هو المانع؟ مثل الحيض، أو جنون، أي شيء يمنع صحة الصلاة.
"طرأ مانع (كحيض) بعد ما مضى من وقتها ما يسعها وُطهرها، لنحو سلس"؛ سلس لأنه ما يجوز له أن يتطهر إلا بعد الوقت، لكن غير السلس الذي يستمر منه خروج الحدث، يكفيه فقط ما يسعها فقط وإن كان لا يسع طهرها؛ بمعنى إذا طرأ عليه إما جنون مثلًا، أو حيض على المرأة بعد الظهر، فالآن تمتنع عن الصلاة، لكن أول ما تطهر فيجب عليها أن تقضي الظهر، لأنها قد مضى من وقتها ما يسعها ولم تُصَلِّ، ثم كذلك إذا أفاق المجنون فيقضي تلك الصلاة التي قد مضى من وقتها ما يسعها قبل جنونه؛ هذا يُسمَّى "طروء المانع".
مثله "زوال المانع": أي طهرت في أثناء وقت الصلاة فيجب عليها أن تُصليها، أو أفاق من جنونه في أثناء وقت الصلاة يجب عليه أن يصليها، ولو لم يبقَ من هذا الوقت إلا لحظة، يجب عليه أن يصليها، بل إن كانت عصرًا فيُصلي معها الظهر -مع ممكن بين الظهر والعصر-، أو في وقت العشاء زال المانع فيجب عليه أن يُصليها ويصلي معها المغرب أيضًا، لأنه يمكن الجمع بينهم. فهذه المسألة التي تقع كثيرًا خصوصًا للنساء، فيجب أن يتفقَّهن في حكمها.
قال: "فإن طرأ مانع (كحيض) بعد ما مضى من وقتها ما يسعها وطهرها لنحو سلس لزمها قضاؤها،" إذا زال المانع "أو زال المانع وقد بقي من الوقت قدر تكبيرة" حتى لحظة "لزمته ، وكذا ما قبلها إن جمعت معها." يعني: إن كان الطهر حصل في وقت العصر فتصلي العصر والظهر، وإن كان الطهر حصل في وقت العشاء فتصلي العشاء والمغرب.
فَصْلٌ [فِيمَا يَجِبُ عَلى وُلَاةِ الأُمُورِ]
يجب على ولي الصبي والصبية المُمَيِّزَيْنِ أن يأمرهما بالصلاة ويعلمهما أحكامها بعد سبع سنين، ويضربهما على تركها بعد عشر سنين، كصومٍ أطاقاه، ويجب عليه أيضًا تعليمهما ما يجب عليهما وما يَحرُم.
ويجب على ولاة الأمر قتل تارك الصلاة كسلًا إن لم يتب، وحُكمه مسلم.
ويجب على كل مسلم أمر أهله بها، وقهرهم، وتعليمهم أركانها وشروطها ومبطلاتها، وكل من قدر عليه من غيرهم.
هكذا واجب أولياء الأمور نحو أبنائهم وبناتهم، قال صلى الله عليه وسلم: "مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ، واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ".
يقول: "يجب على ولي الصبي والصبية المُمَيِّزَيْنِ أن يأمرهما" وليّهُما من أب وأم أو غيرهما؛ مِمَّن له ولاية عليهما إذا فُقد الأب والأم، "ويعلمهما أحكامها" فيكون الأمر من السبع، يقول: "بعد سبع سنين،" قيل من أولها وقيل بعد تمام السبع، وجوب الأمر، ما قبل ذلك ما يلزم، ما يجب عليه أن يأمر، ولكن ينبغي أن يرغب ويشجع على إقامة الصلاة، فإذا بلغ السابعة أمره، وهكذا إلى العاشر من السنين.
فإذا كان يؤخر الفريضة عن وقتها بعد العشر فينبغي أن يُؤدِّبَهُ على ذلك بالضرب، والضرب الذي جاء للتأديب كله مُقَيَّد بأن يكون غير مُبَرِّح، معنى غير مبرح: أي لا يكسر عظمًا، ولا يسيل دمًا، ولا يجوز أن يكون في الوجه، يحرم الضرب في الوجه، واختُلف في العدد، فقال بعض أهل العلماء لا يجوز أن يزيد على عشرين ضربة؛ لأنها حد الخمر بالنسبة للرقيق.
وقال آخرون: لا يجوز على عشر ضربات لما جاء في الحديث، وقال آخرون: ثلاث ضربات، لا يجوز أن يزيد على الثلاث ضربات، وكونها في غير الوجه، وكونها غير مبرحة، ليعود.
قال: "كصومٍ أطاقاه،" إذا كان بنيته قوية ويستطيع الصوم فيُأمره بالصوم في رمضان، كذلك يزجره عن تركه إذا أطاقه ويستطيع الصوم، فيُأمره بالصوم في رمضان بالعاشرة.
قاس جماعة من الفقهاء الصوم على الصلاة ولكن بشرط الإطاقة وفَرَّق بعضهم بينها.
قال: "ويجب عليه أيضًا تعليمهما" كل "ما يجب عليهما" وتعليمهما "وما يَحرُم." عليهما لأنهما أمانة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه"، ينبغي أن يقترن هذا التعليم بالتعظيم وبالمحبة وبالإجلال، وبمراعاة صبغ النفس بصبغة الإجلال والإكبار لأمر الله، والمحبة والرغبة فيما عند الله تعالى.
قال: "ويجب على ولاة الأمر" دون من سواهم، ولاة الأمر يعني من الحُكَّام "قتل تارك الصلاة كسلًا إن لم يتب، وحُكمه مسلم." إذا لم يتركها جحودًا، ليس كالمرتد، إن تركها جحودًا فقد تقدم حكم المرتد فحكمه حكمه.
وأمَّا إن تركها كسلًا فحكمه مسلم، فيجب عليه ما يجب على كل مسلم؛ يعني يجب أن يُغَسَّل ويُكَفَّن ويُصَلَّى عليه ويُدفن في مقابر المسلمين؛ التارك كسلًا لها، على قول الجمهور أنَّه ليس بكافر.
قال: "ويجب على كل مسلم أمر أهله بها،" لقوله تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ) [طه:132] "وقهرهم، وتعليمهم أركانها وشروطها ومبطلاتها، وكل من قدر عليه من غيرهم." لقوله تعالى: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة:71].
رزقنا الله إقام الصلاة وأداءها على وجهها، ووفر حّظنا من سرّها وبركاتها وخيرها ونورها، اللهم آمين، وأثبتنا في ديوان أهل الصلاح والفلاح، والنجاح، والسعادة الكبرى في الدنيا والآخرى، وأقام بيننا حقائق الدين، وجعلنا في الهداة المهتدين، والهادين بأمره إليه، والدالين بفضله عليه، ونقَّانا عن الشوائب، ورفّعنا عالي المراتب، ونظمنا في مسلك الأطايب من العباد الصالحين والحزب المفلحين.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
20 صفَر 1446