سلم التوفيق - 14- معاصي اللسان
الدرس الرابع عشر للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن.
معاصي اللسان
ظهر الأحد 21 صفر 1446هـ
لتحميل كتاب سلم التوفيق
pdf: https://omr.to/sullam-pdf
نص الدرس مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب سُلَّمُ التَّوفيق إلى مَحَبَّةِ اللهِ على التَّحْقِيق تأليف الإمام العلامة عبد الله بن حسين بن طاهر باعلوي رضي الله عنكم، إلى أن قال:
[فصل]
ومن معاصي اللسان:
- الغيبة، وهي ذكرك أخاك بما يكره.
- والنميمة وهي نقل القول للإفساد.
- والتحريش من غير نقل قول، ولو بين البهائم.
- والكذب وهو الكلام بخلاف الواقع.
- واليمين الكاذبة.
- وألفاظ القذف وهي كثيرة، حاصلها كل كلمة تنسب إنسانًا أو أحدًا من قرابته إلى الزنا فهي قذف لمن نسب الزنا إليه إما صريحًا مطلقًا أو كناية بنية، ويحد القاذف الحر ثمانين جلدة، والرقيق نصفها.
- ومنها سب الصحابة.
- وشهادة الزور.
- والخلف في الوعد إذا وعده وهو يضمر الخلف.
- ومَطْلُ الغَنِيْ.
- والشتم، والسب، واللعن.
- والاستهزاء بالمسلم، وكل كلام مؤذٍ له.
- والكذب على الله وعلى رسوله ﷺ
- والدعوى الباطلة.
- والطلاق البدعي.
- والظهار، وفيه كفارة إن لم يطلق بعده فورًا، وهي عتق رقبة مؤمنة سليمة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينًا ستين مدًا.
- ومنها اللحن في القرآن، وإن لم يُخلَّ بالمعنى.
- والسؤال -وهو غني- بمال أو حرفة.
- والنذر بقصد حرمان وارثه.
- وترك الوصية بثُلثين أو عين لا يعلمها غيره.
- والانتماء إلى غير أبيه أو غير مواليه.
- والخطبة على خطبة أخيه.
- والفتوى بغير علم.
- وتعليم علم مُضر.
- والحكم بغير حكم الله.
- والنَّدب، والنياحة.
- وكل قول يحث على محرم أو يفتر عن واجب.
- وكل كلام يقدح في الدين أو في أحد من الأنبياء، أو في العلماء أو العلم أو الشرع أو القرآن أو في شيء من شعائر الله.
- ومنها التزمير
- والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير عذر
- وكتمان العلم الواجب مع وجود الطالب
- والضحك لخروج الريح
- أو على مسلم استحقارًا له
- وكتمان الشهادة
- ونسيان القرآن
- وترك رد السلام الواجب عليك
- والقبلة المحرّكة للمحرم بنُسك، ولصائم فرض، أو لمن لا تحل له قبلته.
الحمد لله وأزكى صلواته على حبيبه ومصطفاه، سيدنا محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، وعلى آبائه وإخوانه من رسل الله وأنبياه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، من كل منيب أوَّاه، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، نِعْمَ الحق الرب الله.
يذكر لنا معاصي اللسان، وقد كان يقول بعض العارفين: ما رأيتُ تقوى إنسان في لسانه، إلا رأيت أثر ذلك على جميع أعضائه. وجاء أيضًا في الخبر: أنه لا يصبح أحدنا في كل صباح في يوم من الأيام، إلا وتكفّر الأعضاء اللسان، أي تناشد اللسان وتطلبها وتناديها، تقول الأعضاء كلّها للسان: اتّقِ الله فينا فإنّما نحن بك إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا. فالله يقوّم ألسنتنا ويُنطقها بما يُحِب، ويُعِيذُنا من كل قول تعقبهُ حسرة وندامة في الدنيا ويوم القيامة.
قال: "من معاصي اللسان الغيبة" التي حذّر الله عنها في كتابه ونهى، فقال: (وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات:12]، وقد كانوا يعدّون الغيبة من كبائر الذنوب، ويقول: إنّه قد يفوق إثم الغيبة إثم ثلاثين زنْية -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
"الغيبة، ذكرك أخاك بما يكره"، كما جاء تعريف ذلك في الحديث، فقيل للنبي ﷺ: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته -هذه الغيبة- وأما إن لم يكن فيه ما تقول فقد بهتَّه، والبهتان أعظم -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، فلا تذكر أسواء ولا معايب المسلمين؛ كل ما يكره أخوك ذكْره للناس، لا تذكره لهم.
وبعد ذلك، الصادقون مع الله -تبارك وتعالى، يترقَّون في التنقّي عن الغيبة
- فلا كلمة ولا إشارة ولا استماع إلى غيبة مع إقرار لصاحبها.
- ثمّ يتنزّهون عن غيبة الخواطر، فلا يغتابون بخاطرهم مسلمًا، لا يسمحون لخاطر أن يصدِّقوه في ذكر مسلم بسوء، أو اعتقاد سوء في مسلم.
فينزّهون قلوبهم عن الغيبة كما ينزّهون ألسنتهم، فهذه القلوب السليمة التي قال ربي عنها: (لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89] - لا إله إلا الله-، قال: "وهي ذكرك أخاك بما يكره".
"والنميمة: وهي نقل القول للإفساد، والتحريش"، فالنقل للقول هو النميمة، كذلك النميمة التحريش، ولو من غير نقل قول، ولكن يبعث بينهم التباعد والتباغض، ويوغِر صدر هذا على هذا، فالتحريش بين الناس حرام، حتى بين البهائم فكيف بين بني آدم، التحريش بين الديك والديك، والتحريش بين الهرة والهرة حرام؛ يحمل هذا على أن يضارب مع هذا، حرام وفتنة، لا يجوز لك ذلك، فلا يجوز أن يحمل بعض الكلاب على أن يتضارب مع أخيه ويتقاتل، ولا بعض الدِيكة، ولا شيء من القطط، ولا غير ذلك، فكيف ببني آدم؟!
وهذا التحريش هو البضاعة الإبليسية التي ركّز إبليس على القيام بها في الأمة، بعد أن أيْأسه الله من عودة المصلّين التابعين لمحمد إلى الشرك بالله، فلما أيِس أن يوقع بينهم الشرك بالله، جعل أكبر ما يهتم به التحريش بينهم، لِما يعلم من أنه يفسد حقائق الإيمان والصِّلات بينهم، فلا تقوم لهم قائمة ما دام التحريش قائم بينهم، فجَنَّد نفسه لهذا التحريش، فتجنَّد معه من الجن والإنس كثيرون.
ومن الغريب أن من هذا الجند غُفَّل، غُفَّل أقرب إلى البلاهة من المسلمين، يساعدونه في القيام بهذا التحريش في الأُسر، أو بين الفرق، أو بين المذاهب، وهو يرى نفسه خَيِّر وأنه طيب؛ وهو مجنّد مع الخبيث يساعده في التحريش بين الناس
قال ﷺ فيما روى الإمام مسلم في صحيحه: "إن الشَّيطان قد أَيِسَ أن يَعْبُدَه المُصَلُّون في جَزيرة العَرب"، أيس، قال الله ما عاد يُمَكِّنه الله أن يوقع في قلب مسلم، أن مع الله شريك ولا مع الله إله آخر، أي مصلّي من عهده ﷺ إلى آخر الزمان ما يقع في قلبه أن مع الله إله آخر، ولا شريك أصلًا، ولا يقبل ذلك، عَصم الله الأمة من هذا الشرك الأكبر فضلاً منه، فأيس؛ "فإن يطمع في شيء ففي التحريش بينهم"، وسلاحه القوي أيضا للتحريش؛ التنافس على هذا المتاع وهذه السلطة.
ولهذا قال أيضاً في صحيح البخاري: "أما إنّي لا أخاف أن تشركوا من بعدي" -ما أخاف الشرك عليكم- "ولَكِنْ أَخَشَى علَيْكُم أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا وتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ"، لأن هذا أقوى سلاح لإقامة التحريش بين الأمة؛ التنافس الذميم، التنافس السيء القبيح على الدنيا، سواءً كانت مالًا أو جاهاً أو حكماً وسلطة، هذا أقوى سلاح للخبيث؛ ينشر به التحريش بين المسلمين، ويحب التحريش؛ بين الجماعات، بين الفِرق، بين المذاهب، بين القبائل، بين البلدان والأقطار، بين أهل الطريق الواحد، بين أهل الحكم الواحد، بين أهل البلد الواحد، يحاول يبث التحريش بينهم، هذا شغله.
فهذه خطة إبليسية، كأن الله تعالى نبّهنا إليها على لسان نبيّه، لنحذر أنْ نكون نحن أو أهلنا أو أولادنا مجنّدين، من حيث نشعر، ومن حيث لا نشعر، في الخطة الإبليسية، وهي التحريش بين الناس، فما وظيفتنا إلا أن نقرِّب، وظيفتنا إلا أن نحبِّب، وظيفتنا إلا أن نؤلف بين الناس، هذه تبعية النبوة، مدرسة النبوة، (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103].
(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:62-63]. يقول الله: إنها نعمة كبيرة عظيمة، نؤلّف بين قلوب المؤمنين، فلا تحسبوها هيّنة، وإن من فضلي أن أبعث هذا التأليف بتسبُّب يسير من بينكم:
- بخُلُق حَسن
- بمسامحة في أمر يسير
- بتهذيب ألفاظ
- أو بعث بهديَّة
- أو بزيارة
وأنا أعطي الألفة، قال وهذه الألفة ما تستطيعونها بجهدكم، ولو أنفقتم ما في الأرض كلّه، ولكن أنا الذي أؤلّف بين القلوب (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال:24]. فهو الذي يؤلف بين القلوب، ويكتب لك ثواب ذلك، مع أن الجهد بسيط، ما تعرف بماذا تقدر، ما تنفق ما في الأرض جميعاً.. وإنما تُحَسِّن الخُلُق، تُهذِب باللفظ، تزور، تهدي، تقارب بين الناس؛ أمر يسير وهو يؤلّف، ويكتب لك الثواب، وأنت ما تقدر تؤلّف بين القلوب، لأنها بين أصبعين من أصابع الرحمن، ولأنها سريعة التقلّب، ولكن هو تعالى يمنح هذا بالفضل.
فألّف بين قلوبنا بمحمدٍ ﷺ، وقد كنا متناحرين متقاتلين، يقتل القوي منّا الضعيف، أهل سلب، وأهل ثلب، وأهل تجبّر، فجاء الحبيب ﷺ فتحوّل الحال، وألّف الله بين القلوب.
كان الأوس والخزرج، كم وقائع بينهم، كم حروب، وينمّيها من جند إبليس، اليهود كانوا عندهم، ينمُّون بينهم الحروب، وهؤلاء يظهرون الولاء لهؤلاء، وهؤلاء يظهرون الولاء لهؤلاء، وإذا ضعف فريق قوّوه من عندهم بالأسلحة وغيرها من أجل يضرب الثاني، وإذا ضعف الثاني قوّوه، حتى استمرت الحروب بين الأوس والخزرج المئة سنة أو المئتين سنة، إلى أن جاء الحبيب ﷺ، فصاروا أخوان بينهم، وأخوان مع المهاجرين
حتى مر يوم بعض أهل الخبث من اليهود، فوجد الأوس والخزرج جالسين يضحكون فيما بينهم، وقد كان يدري أنه سلاحهم السابق كان يفتنون بين هؤلاء، والآن جاء محمد صلّح كذا فاغتاظ، فذهب إلى بعض جندهم من اليهود، يقول: اذهب إلى القوم الفلاني فهم جالسين في المكان الفلاني، اذهب إليهم واقعد بينهم، وذكّرهم بالحوادث التي كانت بينهم، والقتال الذي كان بينهم، وذكّرهم بيوم بُعاث -يوم معركة شديدة- كانت بين الأوس والخزرج، وقتلوا منهم كثير، ولا تقم من عندهم حتى تُخالف بينهم.
هذا شُغل اليهود، جاء ودخل بينهم، ومن كلمة إلى كلمة، إلى أن ذكر بعض الوقائع، بدأت بعض النفوس، ولمّا ذكر يوم بعاث، إذا الجماعة بينهم، وهذا يقول: يا للأوس، قال الثاني: ياللخزرج، وقاموا،
فوصل الخبر للنبي ﷺ، خرج وجاء إلى الجمع، يقول لهم: "أتفعلونها وأنا بين أظهركم، دعوها فإنها منتنة"، "دعوها فإنها منتنة" هذه العصبية وهذه القبلية، وهذا الأسلوب في إيغار صدور بعضكم على بعض، وقام يذكّرهم، فلانتْ قلوبهم، رجعوا وأخذوا يتعانقون، وعانق بعضهم بعضا.
رجع اليهودي قال: لا فائدة، لمّا قومّناها بينهم، جاء محمد وأطفأها وانتهت وتركوا القتال، قاموا وهم في الأنس أكثر من قبل الذي كان بينهم، يتعانقون، وهكذا أخزاهم الله تعالى بما ألّف الله به، قال لهم في آخر عمره بعد فتح مكة: "ألم آتكم متفرقين فجمعكم الله بي، ألم آتكم متباغضين فتحاببتم وجمع الله بينكم بي" وهكذا.. ﷺ.
فهذا شأن أتباع الأنبياء، يؤلّفون، يقرّبون، يجمعون، والذي يتجنّد لإبليس يحرّش، والتحريش حرّمهُ الله حتى بين الديكة وبين الحيوانات، فكيف بين المسلمين، كيف هذا؟
لو حرّشت بين حمار وحمار، وقفتَ في القيامة للحساب: لماذا حرّشتَ هذا على هذا، وتضاربوا الآن مثل ضرباتهم تقع لك وزيادة، لماذا تعمل هكذا؟ فإذا كان سيحاسبك على تحريش بين حمارين، كيف بين مسلمَيْن تحرّش بينهم؟! ظنيت سينسى وسيتركك؟!
هذه وظيفة إبليس يحرّش بين المسلمين، يباغض بعضهم لبعض، يباعد بعضهم عن بعض.. دفع الله شرّه عنّا وعن المسلمين.
قال: "والتحريش ولو من غير نقل قول، ولو بين البهائم".
"والكذب"؛ من معاصي اللسان، التي يكون صاحبها -صاحب هذه المعصية- مثل السراب، يقرّب البعيد، يبعّد القريب، ويقلّب الحقائق بسبب الكذب (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [النحل:105]. وما أُحلّ الكذب إلا بحدوده؛
- في الخدعة في الحرب
- وفي الإصلاح بين المتخاصمين.
لا تكذب عليه في أي شيء! إذا جئت تصلح بين اثنين، قال: أنا سأكذب عليه أنه اليوم حصل كذا وحصل كذا، شيء لا يتعلق بالتألّيف بينهم؛ حرام، لا يجوز تكذب، لا تكذب إلا فيما يألّف بين قلوبهم ويقارب بينهم، لاعتناء الحق بالأُلفة بين القلوب.
قال: ليس الكذاب من يصلح بين اثنين -لمِا يؤلّف بينهم- يقول: صاحبك ندم وقال لي أنه ندِم، وهو ما أظهر ندم، ولكن من أجل يُليّن قلب الثاني، ومثل هذا مما يؤلّف بينهم.
ولا تكذب عليه في أي شيء، لا يجوز، كمثل ما يُذكر من كذب الرجل على زوجته، يظنُّه مُطْلَقْ.. لا يجوز أن تكذب في أي شيء، لا تكذب إلا فيما يقوى الألفة بينك وبينها فقط في مشاعرك، أن تتحدث عن مشاعرك، وعن محبتك، وعن عواطفك نحوها، وعن إكرامك لها، فقط، أما غير هذا، من أين يجوز لك أن تكذب؟! لا يجوز أن تكذب إلا بهذه الحدود، في هذه الثلاث المواطن:
- الرجل يُنَمّي الألفة بينه وبين زوجته.
- الرجل يصلح بين متخاصمين أو يقرب بينهم.
- الرجل يخاطب المحاربين يخدعهم؛ من أجل وقوع الهزيمة عليهم.
هذه الثلاث مواطن، غير هذا لا يوجد رخصة للكذب، ومع ذلك، فهم حتى في مثل هذه المواطن يستعملون التَوْرية، يستعملون التعريض، يخرجون عن الكذب الصريح، حتى حيث أُبيح لهم.
وبهذه الصورة، في الحرب ومن أجل الخدعة جاء ﷺ في غزوة بدر، يسأل واحد شايب، يقول له: ما بلغك عن قريش وجماعة محمد وأصحابه؟ قال: من أنتم؟ -والأمر يقتضي إخفاء، أي إخفاء من هم، لأنها أخبار حرب-، فقال له: أخْبِرنا نُخبِرُك، قال: ذاك بذاك، قال: نعم، قال: حدّثت أنّ قريش خرجوا في يوم كذا، ومشوا إلى مكان كذا، فإن كان صدق الذي حدثني، فهم اليوم في مكان كذا -للمكان الذي هم فيه-، وحدّثت أن محمد وأصحابه خرجوا في يوم كذا، ومضوا إلى محل كذا، فإن كان الذي حدّثني صَدَق، فهم اليوم في محل كذا وكذا -للمحل الذي فيه النبي وأصحابه-، قال: أحسنت، قال: فمن أنتما؟ -هو و سيدنا أبو بكر معه-، قال له: أخبراني من أنتما؟ قال ﷺ: نحن من ماء، ومشى، قال: من ماء، من العراق هؤلاء؟ من ماء؟! الله خلقنا من ماء..
النبي حتى في التعريض، وفي وقت الحرب ما كذب، جاء بصدق، قال: نحن من ماء، صحيح (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ) [النور:45]. قال: نحن من ماء، ومشى، -من العراق هؤلاء؟!- ظن القبيلة اسمها ماء… فحتى في حالة الحرب، كيف لمّا تكلّم جاء بكلام صحيح، في حد ذاته ﷺ، وخرج من أن يكشف السّر له أنّهم هم -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، قال: "وهو الكلام بخلاف الواقع"، الإخبار بغير الواقع.
"واليمين الكاذبة" أشد، يحلف بالله على الكذب، قال سيدنا الشافعي في تعظيم الحق: ما حلفت بالله صادقًا ولا كاذبًا، حتى صدق، ما حلفتُ بالله، لماذا لغير ضرورة أحلف بعظمته؟! فهو يجلُّ اسمه -سبحانه وتعالى-.
"وألفاظ القذف" وهو اتّهام بزناً أو لواط، هذا القذف، فَسَّقَ الله أصحابه في القرآن، قال: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا)، ما عاد تَصحُّ شهادتهم في أي محكمة، ولا يصحّ يكونوا شهداء في عقد، أو في عقد نكاح، و أو في غيره لا يصحّ، لأنّه رمى واحد مسلم بلواط أو بزنا، بمجرّد رمْيَهُ، يكره الله هذا، قال: إذا رميتم بهذا (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور:4-5]
- قال الجمهور: فإذا تابوا، ومضت سنة على توبتهم، تُقبل شهادتهم.
- قال أبو حنيفة: لا، إن تابوا، الله غفور رحيم؛ يتوب عليهم، لكن الشهادة قال لا: (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) ماعاد تُقبل شهادتهم، حتى لو صار ولي كبير، أنت تكلّمت على مسلم بهذا الكلام! ولا نقبل لك شهادة في محكمة، ولا في عقد طول عمرك، -حتى لو صِرتَ رجل صالح، أصلح بينك وبين الله- تُب، لكن الشهادة أُغْلق بابها؛ لأنك تلفّظت بهذه الكلمة في عِرض مسلم.
انظر كيف كره الله تعالى لهذا الأمر، (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [النور:19].
قال: "وألفاظ القذف وهي كثيرة، حاصلها كل كلمة تنسب إنسانًا أو أحدًا من قرابته إلى الزنا فهي قذف لمن نسب الزنا إليه إما صريحًا مطلقًا أو كناية بنية، ويحد القاذف الحر ثمانين جلدة، والرقيق نصفها".
"ومنها سب الصحابة" -والعياذ بالله-، سب المسلمين حرام، فكيف برؤوس المسلمين؟! أصحاب نبيّنا ﷺ! وهذه الأمة في شرفها مشرّفة عن بقية الأمم (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) ]آل عمران:110]. ولكن رؤوسها هؤلاء الصحابة وأهل بيته الطاهر
فما يكون نسبته بالأمّة المحمدية صحيحة، إلا محب لسيدنا رسول الله ﷺ، محب لسيدنا رسول ﷺ، ما يتأتّى واحد يكون من أمّته غير مُحِب، مُحِب صادق المحبة، والمحبّون صادقو المحبّة رؤوسهم الصحابة، والصحابة منهم من كان أيضًا من آله ﷺ، فصارت هذه الثلاثة الأصناف؛
- آلهِ
- صحابتهِ
- ومحبُّوه
لا أحد غيرهم يدخل في أمّتة في القيامة، لا هو صحابي، ولا من آل بيته، ولا مُحب، ما يدخل في الأمّة يوم القيامة أصلا، ما يكون من أمّة محمد ﷺ، لا يدخل في الثمانين الصف، أي ثمانين صف؟! أصحاب الجنّة يوم القيامة مائة وعشرون صفاً؛ ثمانون من هذه الأمّة، وأربعون من بقية الأمم، هذه الثمانين الصف لا يدخل فيها واحد؛ لا هو من أهل البيت، ولا هو من الصحابة، ولا محب، فأين يدخل؟! لا يدخل في هذه الصفوف، يذهب الى مكان آخر.
فالمُحبّون كل المؤمنين الصادقين، بما فيهم كبارهم من العلماء والعارفين بالله تعالى، ثم عموم المؤمنين، على قدر إيمانهم مُحِبّون، والصحابة مُحِبّون ومصاحبين، وهؤلاء مثل أهل الكساء وغيرهم؛ محبين، مصاحبين، وآل؛ من أهل البيت ما شاء الله، كل الثلاثة فيهم.
صلاة تغشاك يا حائز خصال الشّرف *** وآلك وصحبك ومن بالحب فيك اتّصف
إذا واحد لا هو من الآل ولا هو من أصحابه، ولا هو محب أصلاً؛ خرج عن أمّته أصلاً، لا يحشر معه، ولا يراه، ولا يدخل في دائرته، ولا يرد حوضه؛ حتّى يكون مُحِب.
فكيف يكون مُحِب من يجيء إلى كبار الأمّة ويسبهم؟! فكيف إذا كان السب فيمن تولّى الرحمن الثناء عليهم في قرآنه؟!، الربُّ يثني عليهم وذا..! (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) ماالكلام هذا؟! منشور رضوان من الله في القرآن، وهذا يجي يتكلم عليهم! أنت لا ندري هو راضي عنك، أو ساخط عليك! اذهب ابحث لنفسك خبر، هؤلاء في خبر في القرآن أنّه قد رضي عنهم، أنت اذهب ابحث لنفسك، ما ندري أنت راضي عنك أو ليس راضي، (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].
بعد الثناء هذا يجيء واحد يتكلم، كيف يعني؟! يقول انه عنده تاريخ، تاريخ ماذا؟! روايات ماذا! هذا كلام الخلّاق، هذا كلام الربُّ، هذا العليم بكلِّ شيء، يقول: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) ولازلت تبحث عن شهادة أحسن من هذه؟! أو عندك تاريخ من رواية ماأدري مَنْ مِن الشيوخ جاء بكلام ثاني؟! يقول: (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ) الله، (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح:18]، هل هناك شهادة فوق هذه الشهادة، ومدح فوق هذا المدح، تجيء لي بكلام من ياهذا؟! شيخ ماأ دري من؟! شيخ مذهبك؟!
ربّي كلّمنا عنهم، قال: (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) أنت الآن ستشرح لي مافي قلوبهم؟ علمت مافي قلوبهم علم الغيب؟! والرب هو العالم، المطلّع على كل شي، تريد منّي أصدّقّك وأكذّب ربي! (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)
فهذه منزلة الصحابة عند الربّ في قرآنه، بل (السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ) أثبت لهم تبعيّة، جعل لهم مرجعّيّة للأمّة من بعدهم (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم) فجعلهم هم مرجعّيّة للأمّة -من يأتي بعدهم يرجعون إليه- ماذا كان يفعل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟ كيف يفهمون النص؟ كيف يتعاملون؟ ماذا يرجحون؟ إلى ماذا يميلون؟ اذهب فاتّبعهم، فاجعلهم مراجع (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فنعوذ بالله من سبّ المسلمين عامة، ومن سبّ خاصتهم خاصة.
قال: "سبّ الصحابة وشهادة الزور"، شهادة الزور: يشهد شهادة كذب يبطل فيها حق، ويحقّ فيها باطل، فلا يرفع صاحب شهادة الزور قدمه من موضعه، إلا وقد أوجب الله عليه سخطه، إذا شهد شهادة فزاد فيها كلمة، أو نقّص كلمة تؤثر في المعنى، لم يرفع قدمه من موضعه إلا وقد أوجب الله عليه سخطه، هذا شاهد الزور.
حتى لمّا حذّر ﷺ ونبّه عن الكبائر يوم وهو ﷺ متكئ مضطجع، يقول: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟" الشرك بالله، "الإشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ" وقطيعة الرحم، ارتفع وقال: "ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ،" ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، حتى خاف الصحابة الذين عنده كانوا، وقالوا: ليته سكت، فزعوا أنه يغضب ويشتد غضبه، وينزل عليهم شيء، وكررها ورفع صوته، واستوى جالس، وقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور.
ولهذا من حلف يمينًا يقتطع بها مال امرئ مسلم -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، أدخله الله النار، قالوا: يا رسول الله ولو يسيراً، قال: "ولو قضيبًا من أراكٍ "، اقتطع بها مال مسلم -امرئ مسلم- بغير حق بيمين كاذبة، يقول: أدخله الله النار، قالوا: يارسول الله ولو يسير، قال: "ولو قضيبا من أراك"، أخذه بيمين كاذبة فويل له، لابّد له من دخول النار، فهذه شهادة الزور خطيرة.
"والخُلف في الوعد إذا وعده" هذا كان سيدنا جعفر الصادق إذا وعد أحد وعد، لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، حتى ينفّذ الوعد، أو يتجنّب أن يعد، "والخُلف في الوعد إذا وعده، وهو يضمر الخُلف"؛ يعني: في وقت ما وعده، قال: سأخلّص نفسي منه سأعطيه وعد بعد ذلك سنرى، بمجرّد ما يعد هو كذاب، هو مخلف للوعد، ومكتوب عليه هذا، لأنّه كان نيّته أنه سيخلف بالوعد، بخلاف من كان وعد ونيّته الوفاء، ثم طرأ عليه طارئ أو حصل له عذر، هذا لا يعاقب.
وذكر النبي ﷺ قصة الرجلين الصالحين في بني إسرائيل، جاء إلى عنده محتاج وهومن قرية أخرى، وبينها وبين هذه أيضًا نهر لا يمشي عليه إلا بالسفن -عميق- يقول له: أنا محتاج حاجة كذا، أريدها دين كذا كذا دينار، قال له: من الشاهد؟ معك شاهد؟ قال له: كفى بالله شهيد، قال: صدقت كفى بالله شهيد، معك كفيل؟ قال: كفى بالله كفيل، قال: صدقت كفى بالله كفيل، هذه الدنانير، خذ، أعطاه الدنانير، وعده، متى؟ قال: في اليوم الفلاني أنا أجيء من بلدي، وأسلّمك هذه الدنانير التي أخذتها، قال: مرحبا، وأخذ حاجته منه، وقضى حاجته، ورجع إلى بلده.
اليوم الذي وعده فيه خرج، يريد سفينة، يريد زورق، يريد ساعية، ولم يحصّل شيء، واليوم وعد تسليمه، جاء بخشبة وخشبة ثانية، وحفر وسط هذه حفرة، وضع الدنانير وسطها، وكتب كتاب: اللهم هذه أمانة عبدك فلان، وعدْته أن آتِي بها اليوم فما وجدت سفينة فأوصلها إليه، جاء بالخشبة الثانية، طبَّقها عليها، سمَّرها، رماها في البحر، وذهب، وما اكتفى بذلك.
أعدَّ مثل هذه الدنانير ويراقب سفينة في يوم ثاني، ويوم ثالث، حصّل بعد أيام سفينة ثم ركب فيها، الرجل هناك في بلده حرَّك الله قلبه، يقول له: اذهب إلى عند البحر لعلّ صاحبك يجيء، أو سفينة جاءت، خرج فلم يجد أحد، وإذا الخشبة هذه تمشي، قال: ما هذه الخشبة؟.. لفت نظره مقلّب القلوب قال: ما هذه الخشبة، تَقْرُب، تَقْرُب؛ قَرُبَت إلى عنده، أمسك بها، قال: لعلّها تكون حطب، فأخذها إلى البيت، جاء يفكّها، إلاّ والدنانير والرسالة حتى ما مسّها الماء، الرسالة: اللهم هذه أمانة فلان.. تعجّب هذا فلان أرسل لي حق الدَّيَن الذي عليه، في خشبة في البحر!! وأخذها..
بعد أيام وصل الرجل، قال: السلام عليكم، هذه دنانيرك، قال: قد أدّى الله عنك، أليس قد أرسلتها؟! قال: أين أرسلتها؟!، قال: الرسالة قد وصلت.. لأنّه كتب، قال: أنّه سألني الكفيل، فقلت: كفى بك يا رب كفيل، فرضي، وسألني الشاهد، فقلت: كفى بك شهيد، فرضي، فهذه أمانته أوصلها إليه.. رماها، وصلت إليه، قال: اكتفى بك شهيد، واكتفى بك كفيل، واليوم ما حصلت وسيلة، وصِّلها أنت، وصَّلها الحق سبحانه وتعالى له -لا إله إلا هو-.
قال: "ومَطْلُ الغني"؛ واحد عليه دين ويقدر يؤديه، لكن يؤخره من وقت إلى وقت، يقول: بعدين، الآن ألا بنمشِّي حالنا، الشهر الآتي. الدَين قد حل واجب عليك ترده، أين الدين؟ ان شاء الله، ان شاء الله، قريب بنجيبه لكم، فقط عندنا بعض ترتيب، ان شاء الله الأسبوع الآتي… "مُطل الغني ظُلم"، هذا ظلم حرام ما قد حلَّ الدين وعندك ما تستطيع الوفاء به، سدّده، قوت اليوم والليلة يبقى عندك، والثوب الذي عليك الضروري، الباقي خرِّجه، اقض دينك، إذا عليك دين لأحد، فإذا حل وقت الدين، يحرم تأخيره، فإذا ماطل فيه، فمطل الغني ظلم.
"والشتم، والسب، واللعن"، على العموم، وكل من لعن شيء، إن كان يستحق اللعنة، يعني مطرود من رحمة الله، يموت على غير الملة، وإلا رجعت اللعنة على اللاعن -والعياذ بالله تعالى- ويقول له: إذا لعن ابن آدم الأرض، قالت الأرض: لعن الله أعصانا له، العاصي مننا عليه اللعن، أنا أم أنت؟! الأرض أم أنت يا ابن آدم، من العاصي؟ قالت: لعن الله أعصانا له، العاصي عليه، ما تقع على الأرض.
ولهذا إذا صدرت اللعنة، ترفع نحو السماء، فتغلق دونها أبوابها، تعاد نحو الأرض فتغلق دونها أبوابها، فإن وجدت مساغًا في الذي لُعن، يعني أنه يموت على غير الملة، مطرود من رحمة الله، دخلت فيه، وإلا رجعت على قائلها، الذي قالها تسقط عليه، ولهذا يقول؛ لعْن المسلم كقتله، لعن المسلم كقتله، ويقول: "سِبَاب المسلم فسوق، وقتاله كفر"، و"لعن المسلم كقتله".
"والاستهزاء بالمسلم، وكل كلام مؤذي له"، لأحد من المسلمين، هات لك كلمة طيبة ثانية، دع هذه، لم الاستهزاء؟! (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا) قوم سيدنا موسى، (قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [البقرة:67] يعني ما يستهزئ إلا واحد جاهل ساقط، أنا لا تنسبون إلي هذا، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ) لا لا لا، (أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) يعني ما يستهزئ إلا واحد جاهل ساقط، أنا لستُ بهذه الصورة، هذا كلام جد وصدق، اذبحوا البقرة، (أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ). فلا يقوم بالاستهزاء إلا جاهل، فلا تستهزئ بأحد.
يقول سيدنا علي في التحذير، يقول: "لو عيّرتُ حُبْلى بالحَبَل لخشيتُ أن أحبل"! الرجل في العادة ما يحبل، سنة الله في تكوين الخلق، لكن قال: لو أنا اجترأت واستهزأت بواحدة، وعيّرتها بالحبل، ربما يقلب الله الحال، ويخرق العادة، ويجعلنا أنا، وأنا رجل، أحبل؛ يعني خوفًا من انتقام الله تعالى، فلا تُعَيِّر، ويقول: من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يُبْتلى به
لهذا يقولون: "من نَقَد وَرَد" من انتقد من غير حق، هو بنفسه يقع في الذي انتقد عليه بعد ذلك. فاسأل من ربك اللطف وإن كان هناك مجال للنصيحة انصح، ولا تشمت بأحد، ولا تُعيّر أحد، قل: الحمدلله الذي عافاني، ويا رب خلصه، هذا حال المؤمن، وهذا خلق المؤمن.
قال: "والكذب على الله، وعلى رسوله" أشد، الكذب على الله، إما بالقول بأحكام الشريعة بغير علم، وإما بادعاء الرؤيا، يقول أنه رأى كذا كذا..، هذا كذب على الله، إذ يقول: الله أراني، وهو ما رأى، يقول: "من كلّف عينيه بما لم تريا"، قال: رأيت كذا وهو ما رأى؛ "كلُف أن يعقد بين شعيرتين من نار يوم القيامة"، كيف يعقد بين شعيرتين؟! شعيرة تعتقد مع شعيرة؟! وأيضًا من نار، يعقد بينها، معناه يُعذب، يعذب، يعذب، وما يحصِّل له خلاص من العذاب، عُذِّب حتى يعقد بين شعيرتين، كيف يقدر يعقد بين شعيرتين؟ فيقول: أنا رأيت كذا، وما رأى، هذا من الكذب على الله، أنه يقول: الله أراني.
ولهذا يحذرون في الرؤيا أن يزيدون كلمة، أو ينقصون كلمة، ولكن يقصُّ ما رأى فقط، ومن الكذب على رسول الله ﷺ ، كذلك أن يقول رأيت رسول الله، وما رأى، أو ينسب إليه شيء من الكلام، وما لم يثبت نقله عنه، ولم يصح نسبته إليه ﷺ، "إن كذبًا عليّ ليس ككذب على أحد"، و "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
قال: "والدعوة الباطلة"، يدّعي شيء ليس من حقه
"والطلاق البدعي"، ما الطلاق البدعي؟
- يعلم أن زوجته حائض ويطلقها،
- يعلم أنه قد جامعها في هذا الطهر ويطلقها فيه،
هذا بدعي، أن يطلقها في حيض أو نفاس أو في طهر قد جامعها فيه، هذا طلاق بدعي -اصبر حتى تحيض ثم تطهر، وقبل أن تقربها طلقها- هذا الطلاق البدعي.
"والظَّهار"؛ أن يشبِّه زوجته بظَهْر أمه، وعليه الكفارة إن لم يطلق بعده، وإن طلَّق فورًا، صحيح، هي صارت الآن مثل أمك، يعني: حرام عليك، أما إن لم يطلق حالًا، فعليه الكفارة (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) [المجادلة:3-4]، هذا مذكور في القرآن؛
- عتق رقبة مؤمنة سليمة
- فإن عجز صام شهرين متتابعين
- فإن عجز أطعم ستين مسكيناً مداً؛ يعني: كل مسكين مدًّا، ستين مدًّا، أطعم ستين مسكيناً، ستين مداً، كل مسكين مد.
"ومنها اللحن في القرآن، وإن لم يُخلَّ بالمعنى" لمن يستطيع أن يُقَوِّم لسانه، فأما من كان عاجز، هو يلحن ولا عنده أحد؛
- فإن كان اللحن أكثر، فيمتنع من القراءة، حتى يصحح القراءة على يد أحد، وإلاّ يكتفي بالسور القصيرة التي يحفظها من غير لحن ويكررها
- فأما إن كان اللحن نادر وقليل، وغير اللحن أكثر، فيجوز له أن يقرأ وحده ويجتهد أن لا يلحن
فأما إذا كان أكثر القراءة لحن، ما يجوز يقرأ إلا عند أحد يرد عليه، يصحح القراءة عليه، فإن كان لا، الأكثر صحيحة وبعضها لحن، فإذا لم يجد أحد، فيجوز له أن يقرأ، لكن مع الاجتهاد أن يتجنب اللحن، نعم، لأنه تغيير لكلام الله -تبارك وتعالى- اللحن في القرآن، وإن لم يخل بالمعنى، فإذا أخلّ بالمعنى، هذا أبطل الصلاة.
"والسؤال لغني، بمال أو حرفة"؛ واحد غني ويسأل، عنده ماله، أوعنده حرفة، يقدر يشتغل، لكن يقول أنا فقير أعطونا.
"والنذر بقصد إحرام الوارث"، ينذر شيء من ماله، لكي لا يذهب المال لأخيه، هذا، ليس له أولاد وعنده أخ، فيقوم ينذر بالمال، يعطي أحد آخر لكي لا يصل إلى أخيه، وألّا يصل المال إلى عمه أو ابن عمه، فيتعمّد نذره، بقصد إحرام الوارث، حرام، وقد ربّك قسّم من عنده، مت على كذا، تريد تموت مت، إذا جاء موتك مت، وربي قد قسّم، هل تريد تكون أحسن منه! يروح حيث قسم الله -تبارك وتعالى-.
"وترك الوصية بدينٍ أو عينٍ، لا يعلمها غيره"؛ عليه دين، لا أحد يدري به، وعين عنده أمانة حق أحد، لا أحد داري بها إلا هو، ويتساهل ويترك الوصية بها، ولا يخبر أحد، ولا يُشهد أحد، ويموت.
بعد ذلك يأتي ورثته، يقولون: لا يوجد على أبينا دين، هل عندك حجة؟ يقولون: حقي الحاجة الفلانية، يقولون: أبداً، من أين حقك؟ هذا حق أبونا، ويأكلونها عليه، فيكون الميت مأثوم، لأنه هذه عين عنده، لا أحد داري بها، ولا وصَّى، وهذا دين عليه، لا أحد داري به ولا وصّى بقضاء دينه، فيأثم والعياذ بالله تعالى.
وبعض الورثة أوفياء، وبعضهم مصائب، يأكلون مالك، ويرمون بك في قبرك، تتعذب الى أن تشبع، وهم يأكلون المال من بعدك، يقول:
………… *** ويخْذلك الوصي فلا وفاء
لكن يوصي، تصير الوصية في هذا الحال واجبة، إذا عليه دين ما يدري به أحد، واجب يوصي بأن عليه دين فلان بن فلان، دين كذا كذا كذا، فاقضوه من تركتي، أو عنده أعيان لناس أعطوها إياه، لا يدرون أولاده وأهله، فواجب يقول لهم: الحاجة الفلانية، في المكان الفلاني، لفلان بن فلان، متى ما جاء ردوها له.
يُعذب بعدم وصيته، إلا إن كان قد أكد على الوارث فهذه وصية تعتبر، إذا قال: هذه لفلان، أوصلها له؛ هذه وصية، فإن لم يوصي، وإن صدَّق بعد ذلك الورثة، وردوا للناس حقوقهم، هو يأثم بعدم الوصية، ولكن يخرج من إثم أكل مال الغير، لأنها أُديتْ عنه، فتصير بينه وبين الله، وليست بينه وبين الخلق.
قال: "ترك الانتماء لغير أبيه"، فهذا من الكبائر، يقول أنا ابن فلان بن فلان، "أو لغير مواليه" مِن مَن اعتق. "والخطبة على خطبة أخيه" وذلك إذا تقدّم حد يخطب فتاة، ثم وافقوا، فيجيء واحد ثاني، يقول: أنا بغيت ابنتكم، لفلان بن فلان، أو لي!! وهو يعرف أنهم قد تمت الخطبة، وتجيء تخطب؟! تكون مأثوم.. "الخطبة على خطبة أخيه".
"والفتوى بغير علم"، وهذه من المصائب كذلك في الدين، وإنه يتوسط بين الخلق وخالقهم فيكذب، فلا يفتي إلا بعلم، حتى القضاة قال ﷺ: "القضاة ثلاثة، اثنان في النار، واحد في الجنة"، اثنان في النار، في الجنة واحد، من هو؟ عَلِم الحق وقضى به، هذا هو في الجنة، واثنان في النار، واحد قضى بغير علم، لا يدري أين الحق، ولكن قضى بعقله وحكمه، قال: في النار، حتى ولو صادف الحق، لأنه قضاء بغير علم، والثاني عَلِم الحق، وقضى بغيره، فهو في النار
فمن علِم الحق، وقضى بغيره فهو في النار، من لم يعلم أين الحق وقضى فهو في النار، واحد في الجنة، قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة.
- من عَلِم الحق وقضى به، فهو في الجنة.
- من عَلِم الحق وقضى بغيره؛ فهو في النار.
- من لم يعلم الحق وقضى؛ فهو في النار، فليتوقف.
لا إله إلا الله…
قال: "الفتوى بغير علم، وتعليم علمٍ مُضِر"، مثل: علم السحر والشعوذة وشيء يؤذي الناس، وأي علم يؤذي الناس، يعلّمه علم كيف يتنصت على جوالات الناس، أو يُريه طريقة كيف يدخل على أسرارهم أو يحكرها أو يقطعها، ما هذا؟ يأخذه بقصد الإضرار بالناس، قال: "تعليم علمٍ مُضِر".
"والحكم بغير حكم الله"..
- (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة:44].
- (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [المائدة:45].
- (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [المائدة:47].
ويكون الحكم بغير الله سبب للمعصية والفسق، فإن اعتقد أن غير حكم الله أوثق من حكم الله، وأحسن من حكم الله، هذا يرجع إلى كفر -والعياذ بالله-،
و "الندب والنياحة"؛
- الندب: تعديد شمائل الميت، كان كذا، كان كذا، كان كذا..
- والنياحة: رفع الصوت به، يا كهفاه، يا جبلاه، فهي من فعل الجاهلية.
وإن النائحات اللاتي ينحن، ومن يُستأجرن كذلك للنياحة، يُجمعن في النار، فينُحن على أهل النار، كما كان ينحن على الأموات في الدنيا، يقول: هيا ابكين الآن، هيا صلّحن نياحة على أهل النار-والعياذ بالله- تُلبس درع من جَرَب، وتُؤمر بالنياحة في النار، فتصيح كما كانت تصيح في الدنيا، فما يجوز النياحة على أموات، لكن قدر الله وما شاء فعل، والحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون.
"وكل قول يحث على مُحَرّم"، يُغري أن يفعل أي محرّم، كأن:
- يحثّه على أن يخالف والده ويعقّه
- يحثّه على أن يقطع رحمه
- يحثّه على تأخير الصلاة
بأي قول فهذا القول حرام.
"أو يفتِّر عن فعل واجب، وكل كلام يقدح في الدين"، يعيب شيء من أمر الدين، "أو في أحد من الأنبياء، أو في العلماء، أو في علم الشريعة، أو الشرع"، كّله حكمه "أو القرآن" -والعياذ بالله- وهذه موقعات في الكفر -والعياذ بالله-، "أو في شيء من شعائر الله" (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].
قال: "التزمير" كيف التزمير؟! استعمال المزمار، من معاصي اللسان استعمال المزمار.
"والسكوت عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بغير عذر"؛ يتمكن ولكن يداهن.
"وكتم العلم الواجب مع وجود الطالب"، طالب لا يعرف كيف يصلّي، لا يعرف كيف يتوضأ، لا يعرف واجب من الواجبات المتعلقة بصومه، متعلقة بزكاته، متعلقة بواجبه مع الأسرة، وأنت تعرف وتسكت عنه، حرام؛ كتم علم، واجب تُعلّمه تقول له: هذه المسألة حكمها كذا، واجب عليك كذا، واجب عليك كذا، الوضوء كذا، في الصلاة واجب عليك كذا، أشياء تحتاج علم واجب، والطالب موجود، وهو يقول: أنا مشغول، أنا مشغول، اذهب عند غيري، هذا كتم علم الواجب، حرام.
"والضحك لخروج الريح" فنهاهم ﷺ عن ذلك، وقال: لم يضحك أحدكم مما يكون منه؟ فيحرم الضحك على من خرجت له ريح، أوفلتت عليه، فما تضحك عليه
"أو الضحك على مسلم استحقاراً له"، الضحك بالاستحقار لا يجوز على أي مسلم، ولو طفل صغير، لا تضحك عليه، لكن تضحك له وتتباسط معه، نعم أما تضحك عليه لا.
"وكتم الشهادة"؛ إذا احتيج إليها، بأن يترتب عليها إحقاق حق، وإبطال باطل، ولكن هو يعرف أن عنده شهادة وشاهَد في القضية هذه؛ إما آخِذ أَخَذ، أو مُعتدي اِعْتَدى، وذهبوا للمحاكم، ولا شهود، يريدون شهود، وهو يدري.
فما دام محتاجين إليه، وعدم شهادته تبطل حق أو تحق باطل، فواجب عليه يذهب، ولهذا يقول: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)، إذا قد أثم القلب... أعظم الإثم إثم القلب، (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة:283]، بخلاف إذا قد مسألة فيها شهود موجودين غيره، لا يذهب يعرض نفسه للشهادة، إلا إذا احتيج إليه، فيحرم عليك كتمان الشهادة وقت الحاجة.
"نسيان القرآن" بسبب الإهمال، عدم التعاهد، فراح يشتغل بأشياء ثانية، وقد حفظ شيء من القرآن حتى نسيه، فإذا نسيه بسبب الإهمال فهو مأثوم، بخلاف واحد وقع في سقطة أو وقع عليه مرض أو جنون، ونسي بسبب ذلك، ليس عليه إثم، وعليه أن يتدارك بعد أن يُفيق، وبعد أن يُشفى، لكن إذا كان السبب الإهمال والتقصير في القرآن فنسيه، "فلم أرَ ذنبا أعظم من آية أوتيها أحد من كتاب الله، ثم نسيها".
"وترك رد السلام الواجب عليك"؛ إذا سلّم عليك واحد أو جماعة -سلّموا عليك- وأنت وحدك، يصير الرد فرض عين عليك، فالسّكوت عن الرد إثم من آثام اللسان، واجب عليك تقول: وعليكم السلام، وتُسمعهم إياها، فإن كان من بُعد، فتتلفظ بالرد، ولكن بالإشارة، وأما إن كانوا في مكان يسمعونك، فترد عليهم، واجب ترد عليهم.
ولهذا اختلف الفقهاء: إذا واحد أرسل إليك السلام مع واحد ثاني، واجب عليك ترد عليه، وتقول للذي بلغك: وعليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، وكذا إذا أرسل لك سلام في رسالة؛ كتب لك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، واجب ترد عليه إذا قرأت الرسالة، تقول له: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وإذا كتبت له، ترد له الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ولازم حتى في الجوال، يرسل رسالة فيها: السلام عليكم، الثاني يجيب عليه، ولا يرد السلام؛ أولها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الأمر كذا وكذا، يجيب عليه الثاني؛ الأمر كذا كذا، ولا يقول "وعليكم السلام" مأثوم! الرجل سلَّم عليك، رد السلام عليه، فإذا سلّم عليك واجب عليك ترد السلام، سواءً كان كتابة أو إرسال مع أحد.
وسيدنا عمر بن عبدالعزيز كان يرسل رسول من عنده إلى المدينة المنورة، ليقرئ النبي ﷺ السلام عند قبره، ويرجع، يبعث به من الشام إلى المدينة، ويقف عند قبر النبي، يقول: إنا أرسلني إليك عمر بن عبدالعزيز؛ أقرأ عليك السلام، ويرجع.
معنى أنه يسلّم عليه في كل يوم وفي كل صلاة، ولكن يريد ذكره عند القبر مباشرة، سلّم عليه، ويذكر اسمه هناك.
وفي الحديث: "من سلم علي عند قبري، سمعته، ومن سلم عليّ نائيًا بُلِّغْتُه" -بُلِّغْتُه: يبلغ، فالذين يصلّون عليه ويسلّمون عليه عند قبره، يسمعهم مباشرة، ويرد السلام عليهم، والذين يكونون في أماكن بعيدة، عامتهم يُبَلغون.
ولكن منهم من يعرض ردَّهُ مباشرة ، في أي مكان كان سلم على الحبيب يسمعه مباشرة، -لا إله إلا الله-، انظر الى الدول عندكم إذا شيء أمر مهم تنقله في أجهزتها والتلفزيون مباشرة، نقل مباشر إذا هو مهم.
و إذا واحد مهم عند ربك؛ نقِل مباشر يصير.. لا إله إلا الله! ينقل إلى القيادة، ينقل إلى الحضرة مباشرة، لأنه مهم عند ربه.. وهو قائل: "ما من مُسَلِّم يسلم علي، إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام"، اللهم صلّ عليه وعلى آله.
وبعد ذلك يقول: "القُبلة المحرِّكة للشهوة للمحرم بنسك" بحج أو بعمرة، "أو صائم صيام فرض رمضان أو قضاء أو نذر أو كفارة، فإذا كانت القُبلة تحرك شهوته، فلا يجوز يقبِّل زوجته، كما لا تحل "لمن لا تحل له قُبلته".
[فصل]
ومن مُعاصي الأذن:
- الاستماعُ إلى حديث قومٍ أخْفَوْه عنه.
- وإلى المِزْمارِ، والطُّنبورِ.
- وسائرِ الأصواتِ المُحرَّمةِ.
- وكالاستماعِ إلى الغيبةِ، والنَّميمةِ، وسائرِ الأقوالِ المُحرَّمةِ.
بخلافِ ما إذا دَخَلَ عليه السَّماعُ قَهْرًا وكَرِهَه ولَزِمَه الإنكارُ إن قَدِر.
هكذا، يقول: "معاصي الأذن"؛ والأذن نريدك تسمع بها كلام الله وهو راضٍ عنك في القيامة، فهيأها لذلك، فإنَّ قوم لا يكلمهم الله، وقوم يكلمهم، قوم لا يكلمهم الله يوم القيامة، وهم الذين لعبوا بآذانهم في الدنيا؛ استمعوا إلى ما حرَّم الله عليهم
قال: "الاستماع إلى حديث قوم أخفوه عنه"؛ حديث قوم أخفوه عنه، يتكلمون وحدهم، ويتنصَّت عليهم، وهم يخفونه، "من استمع الى حديث قوم، وهم له كارهون، صُبّ في أذنيه الآنِك يوم القيامة"، والآنك: الرصاص المذاب بالنار، يُصب في أذنه، لأنه يتسمَّع حديث قوم وهم له كارهون، قال: "الاستماع إلى حديث قوم أخفوه عنه".
"وإلى المزمار والطنبور" والآلات المحرَّمة، "وسائر الأصوات المحرَّمة، كالاستماع إلى الغيبة، والنميمة"، قال: أنا ما اغتبت.. لا، وأعرتُ أذنك ما شاء الله، صار يتسمع، وإلّا كان المغتاب سيسكت، لكن أنت الذي استمعت إليه، فالمستمع شريك القائل، المستمع شريك القائل.
وسمعك صُنْ عن سماع القبيح *** كصَون اللسان عن النطق به
فإنك عند استماع القبيح *** شريك لقائله فانْتبه
قال: لا، أنا لا أريد أن أغتاب، وهو يسمع، إمّا أسكتْهُ، وإمّا قُم، أو لماذا تتسمع له؟!
قال: ومن المغتابين من يقول: أنا ما اغتبت، ولكن إذا أحد اغتاب أحد، يقول: عجيب، كيف؟ ماذا؟ يلفت أنظار الحاضرين، فيسمعوا الغيبة هذه، فعليه إثم الغيبة، ويقول أنا ما تكلمت، أنت شجَّعت على الغيبة ولفْتُ النظر إليها.
قال وثمّ: "غيبة القرّاء"، يقول البعض: يصلّحون أنفسهم أنهم ورِعين، مثلا يقول: لا تذكرون فلان، ربنا يستر عليه، ويستر علينا، يهديه الله، هذا مدح هذا أم ماذا؟! فالمقصود حصل منك، أشعرت بذمّه، حصل المقصود.
قال: "وسائر الأقوال المحرّمة، بخلاف ما إذا دخل عليه السمع قهرًا وكرهه ولزمه الإنكار إن قدر"، والمفارقة للموضع إن قدر. ولهذا لمَّا كان يمشي سيدنا عبدالله بن عمر بن الخطاب في الطريق، يقول للغلام: صوت مزمار يزمِّر، يضع أصابعه في أُذنيهِ، ويقول للغلام: هل تسمع شيء؟، ويمشون يمشون، هل تسمع شيء؟ يقول: نعم، فيبقي أصابعه، هل تسمع؟ قال: لا اسمع، يفك أصابعه من أذنيه، فهذا الذي سمعه قهرًا، ولا يستطيع مفارقة المكان، ولا يستطيع الإنكار، معذور، والله أعلم.
ربطنا به، وسار بنا في دْربه، وسقانا من شُربه، وحققنا بحقائق محبته، أثبتنا في أهل مودته، ورزقنا شريف نصرته، وشرّفنا بكريم مرافقته، وأعزنا به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن كل سوء أحاط به علمه، وربطنا به ربطاً لا ينحل أبداً، وجعلنا به من أسعد السعداء، هاهنا وغدا، وأثبتنا وإياكم في ديوان أهل محبته الكبيرة، وسار بنا في خير سيرة، واجعلنا من عابديه تعالى على بصيرة، والداعين إليه على بصيرة منيرة
فرّج كروب الأمة، واكشف الغمة، وعجّل سبحانه تعالى في دفع البلايا والآفات والرزايا، عنا وعن المسلمين، في أكناف بيت المقدس، وفي غزة ورفح، وفي الضفة، وفي جميع الشام، وفي جميع اليمن، وفي جميع مصر والمغرب، وفي جميع أفريقيا، وفي جميع قارة آسيا، وفي جميع المشارق والمغارب، وكشفَ كلَّ كرْب عنا وعنكم، وعن أهل لا إله إلا الله، بالفضل والإحسان، وحوَّل الأحوال إلى أحسنها، بالفضل والامتنان، في لطف وعافية.
وإلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
02 ربيع الأول 1446