شرح كتاب سلم التوفيق - 15- معاصي: اليد، الفرج، الرجل
الدرس الخامس عشر للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن.
معاصي: اليد، الفرج، الرجل
فجر الإثنين 22 صفر 1446هـ
ـ لتحميل كتاب سلم التوفيق
pdf: https://omr.to/sullam-pdf
نص الدرس مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد؛
من كتاب سُلَّمُ التَّوفيق إلى مَحَبَّةِ اللهِ على التَّحْقِيق للإمام العلامة عبد الله بن حسين بن طاهر باعلوي رحمه الله ونفعنا به وبكم في الدّارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم، إلى أن قال:
فصلٌ
ومن معاصي اليد: التطفيف في الكيل والوزن والذرع، والسرقة، ويُحدُّ إِنْ سَرق ما يساوي ربع دينار من حرزِهِ بقطع يده اليمنى، ثم إن عاد.. فرجله اليسرى، ثم يده اليسرى، ثم رجله اليمنى.
ومنها: النهب والغصب، والمكس والغلول، والقتل وفيه الكفارة مطلقاً؛ وهي عتق رقبة مؤمنة سليمةٍ، فإن عَجَز . . صام شهرين متتابعين وفي عَمْدِه القصاصُ إِلا إِن عُفي عنه على الدّية أو مجاناً، وفي الخطأ وشِبْهِهِ الدية وهي:
- مئة من الإبل في الذكر الحر المسلم، ونصفها في الأنثى الحرة المسلمة، وتختلف صفاتها بحَسَب القتل.
- ومنها: الضرب بغير حق.
- وأخذ الرّشوة وإعطائها.
- وإحراق الحيوان إلا إذا آذى وتعيَّن طريقاً في الدفع.
- والمُثْلة بالحيوان.
- واللعب بالنرد والطاب، وكل ما فيه قمار، حتى لعب الصبيان بالجوز والكُعاب.
- واللهو بآلات اللهو المحرمة؛ كالطُنبور والرباب والمزمار والأوتار.
- ولمس الأجنبية عمداً بغير حائل، أو به بشهوة ولو مع جنس أو محرمية.
- و تصوير الحيوان.
- ومنع الزكاة بعضها بعد الوجوب والتمكن، أو إخراج ما لا يجزىء، أو إعطاؤها مَنْ لا يستحقها.
- ومنع الأجير أجرته.
- ومنع المضطر ما يسدّه.
- وعدم إنقاذ غريق من غير عذر فيهما.
- وكتابة ما يحرم النطق به.
- والخيانة؛ وهي: ضد النصيحة، فتشمل الأفعال والأقوال والأحوال.
الحمدُ لله الآخذ بِيدِ أهل الإنابة إليه، والصّدق معه في شؤونهم، والمتولّي لأحوالهم، في ظهورهم وبطونهم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خَالِقُ خَلْقِه، والعالم بأسرارهم وإعلانهم، ونشهد أنّ سيّدنا محمدًا عبده ورسوله، خاتم أنبيائه وصفوة رُسُلَه وأصفيائه، صلى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته، وأهل ولائه، وعلى آبائه، وإخوانه من رُسُلِ الله وأنبيائه، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى جميع الملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين وأوليائه، وعلينا معهم وفيهم، إنّه أكْرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يبيّن لنا شؤون هذه الجوارح التي أعطانا الله إيّاها، والأعضاء، وما أناطَ بها من شؤون الدِّين:
- مُحرّمًا
- ومُباحًا
- وسُنةً
- وفَرضًا
أعضاؤنا تَسْبحُ في أنوار شريعة الله..
- إذا ضُبطت بالانزِجار عمّا حُرّم عليها، فلا تنطلق في شيء منه.
- والمحافظة على ما فُرِضَ عليها فلا تُخَلّف، ولا تُؤخِر، ولا تَترك شيئاً منه.
- ثم الحرص على ما نُدبت إليه هذه الأعضاء، والأخذ بما تيسّر واستطاع الإنسان فيها
وحصرُ ما عدا ذلك في معانيه ومفاهيمه عند أهْليه. فأول الخطوات فيما يذكر من الفناء: أنْ تُفْني أفعالك في حُكم الشرع، فلا يبقَ لك تصرّف ولا فعل من قِبَل داعي النفس، ولا الهوى، ولا مجرّد الشهوات، ولكن مَحكوم بحُكم شرع الربّ، -جلّ جلاله- وما أنزل على حبيبه المقرّب.
بذلك تستقيم الأيدي والأرجل والأعضاء ويكون عنواناً لصلاح القلب. فذكر لنا: "معاصي اليد"، التي يجب أن تتجنّبها الأيدي؛
"تطفيف الكيل، والوزن".
فسمعنا أنّ أول ما نزل بعد هجرة نبيّنا محمد: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ *أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ) أي: ألا يوقِن (أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) أن يقولوا: إنّما يَتصرّف هذا التصرّف في تلبية هذا الداعي النفسي الخسيس، من لم يصدّق بيوم القيامة، من لم يصدّق بالرجوع إلى الحاكم بين الخلق في القليل والكثير، والمُحاسب على النقير والقطمير، هذا ممكن يصدر منه، أما من آمن بهذا، كيف؟! (أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [المطففين:1-6].
وهكذا، لمّا اشترى بعض الأخيار الصالحين عندنا من أهل العلم كيل أخذه من الطعام من السوق ورجع، فعندما رجع كالهُ في مكيال عندهم في البيت، فوجدهُ ناقص قليل، فتعجب! وقال: إن الرجل الذي باع ليس من أهل الإهمال، ولا من أهل التقصير، رجع إليه يقول له: هل نقص عليك شيء من الكيل لمّا كِلْتَ لي؟ قال: لا، -وهذا رجل من العوام، ولكنّه من أهل الوعي والذوق- قال له: أنا لمّا رجعت البيت كِلْتَه وجدته ناقص، قال: اسمع، أنت من أسرة معروفة بالورع، عندكم كيلين ليس كيل واحد؛ عندكم كيل تخرّجون به، وكيل تأخذون به، الكيل الذي تأخذون به هو نفس الكيل الذي نحن نأخذ به، أما الذي تخرّجونه عند أهلك كيل واحد زائد، لمّا يكيلون للناس يكيلون به، قال: ذَكّرتنا.
فلما رجع وجد أن كلامه صدق- قال: نعم أنا كِلْتهُ بالكبير هذا، كان أهلي يخرّجون به، لا يأخذون به، ويأخذون مثل حق الناس، فعندهم في البيت مدّين، مدّ زائد على المعتاد، إذا سيكيلون لأحد لكي يعطونه يكيلون به، والثاني: مثل مكيال الناس هذا، الذي يأخذون به. قال: نبّهنا هذا، قال: أنت بيتكم بيت ورع، وهو واحد من العوام، لكن قال: أنت أسرتكم معروفة، اذهب انظر عندكم كيلين، ليس كيل واحد هذا الذي يخرّجون به أهلك ما يدخّلون به، قال: رجعت حصلّت كلامه صحيح، فكيف احتاطوا وعكسوا الأمر كله!
وكان بعض الصالحين، عندما يبيع ويشتري، إذا باع لأحد يأخذ بيده قبضة، ويضعها فوقه زائدة، وإذا أَخذ من أحد ينقّص قبضة يعطيه إيّاها، وبعد ذلك يقولون له: ما لك؟ قال: لنْ أشتري الويل بِحبَّة، لن أشتري الويل بحبات، لن أشتري بها ويل (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) قال: أحسن اجعل بيني وبين الويل مسافة، اتركه يبعد! لا إله إلا الله…
التطفيف في الوزن و الذرع، مثل الكيل والوزن، الذرع: يذرع القماش أو يذرع البز، وينقّص منه شيء، أو يَزيد منه شيء… (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) في الكيل والوزن والذرع.
ومن معاصي اليد: "السرقة، ويحدُّ إن سرق ما يساوي ربع دينار"، قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ) [المائدة:38].
ووقوعه نادر هذا الحدّ، لِم يبتث بين المؤمنين مِنْ الخشية لأنّه "لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهو مُؤْمِنٌ"، وبعد ذلك يكون هذا الحدّ زجره، زَجره إذا عُرِف أنُه يُقام من الحد، فتنتهي السرقات.
والذين تبجّحوا بمداركهم ومعارفهم، وينتقدون على قطع اليّد، هم الذينّ انتشرت بينهم العصابات في النّهب والسَرِقات، وما عرفوا كيف يخلِّصونها، حتى أن بعض الدّول في آخر القرن الماضي هذا، رجعوا يصلّحون حدّ السرقة، قتل! تَعِبوا من كَثرة السرقة، وكانوا ينتقدون على الشريعة أنّه فيها قطع يد، صاروا يقتّلوا، ما عاد حصلّوا حل يتخلّصون مما هم فيه، ربك أعلم بمصالح عباده -جل جلاله-.
وحتى هذا الذي ذكره ما قد حَصَل في واقع الأمة، في أيام الخلفاء الراشدين، ولا من بعدهم، أنّه يَسرق ثاني مرة؛ ويُقطع رجله اليسرى، ثم يَسرق ثالث مرة؛ وتقطع يده اليسرى، ثم يَسرق رابع مرة؛ فتقطع رجله اليمنى، ومثَّل الفقهاء، قالوا: كيف لو سرق بعد ذلك، -قد قطّعوا يديه ورجليه- قالوا: فكيف يسرق؟! يحبو، ويأخذ بفَمِهِ، يأخذ بفمهِ هنا، يعزَّر بعد ذلك، قد أطرافه كلها مقطَّعة، ولكن هذا لم يحصل أصلًا، لم يحصل في الإسلام، لأنه أقيمَ من أجل الهيبة والزجر، ما حصل مثل هذا أصلًا، وهكذا…
يقول: "والسرقة"، وحدهُ إن سرقَ ما يساوي ربع دينار فأكثر، لا تُقطع اليد في أقلّ من ربع دينار، مع أنّه لو اعتدى إنسان على إنسان، فقَطع يده، فيؤخذ القِصاص:
- إمّا بقطع يده.
- وإما بتسليم الدّية، والدِّيَة: خمسين من الإبل، ليس ربع دينار.
إذا قُطعت يد واحد، لا تسلّم ربع دينار، وإنما تسلّم خمسمائة دينار، خمسين من الإبل، فيأتي الواحد منها بعشرة، فترجع خمسمائة دينار، كيف ديَّتها خمسمائة دينار، وتقطع في ربع دينار؟
لأنّها لمّا كانت أمينة كانت ثمينة، فلمّا خانت هانت، صارت تقطع في ربع دينار.
يدٌ بخمس مئينٍ عسجدٍ …. *** …………..
خمسمئنٍ: خمسمائة دينار؛ خمسمائة عسجد: أي ذهب.
يدٌ بِخمس مئينٍ عسجدٌ ودِيت *** ما بالها قُطِعت في رُبعِ دينار
ديتها خمسمائة، وتقطع في ربع دينار، أجاب المجيب، قال:
عزُّ الأمانة أغلاها، وأرخصها *** ذُلّ الخيانة، فافهم حكمة الباري
لا إله إلا الله…
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) كان واحد يقرأ عنده إعرابي، الآية وقال: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ )، (واللهُ غفورُ رحيم)، وذاك أعرابي أُمّي قال: لا، ما هكذا الآية، قال: أنا أقرأ، قال: غلط ما هكذا الآية، راجع حفظه، قال: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قال: صدقت، عزّ َفحَكم، قال: فأقطعوا أيديهما (وَاللَّهُ غفور رحيم) !!غير متناسبة!! هذا الوصفين، غير متناسبة مع سياق الآية، وهذا الأعرابي لا يقرأ، ولا يكتب، ولكنّه فَهِمَ، يفهم معنى الكلام، قال: (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة:38]، هذه هي مضبوطة صحيحة.
هذا مثل الكلام الذي نسمعه عن النبي محمد، جاء به من الله تعالى، قلت له: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، تقول لي: (غفور رحيم) كيف؟! يقَطّع يده، وهو (غفور رحيم) إلا قُلْ هذا واحد متجري!... عزّ فحكم، (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) قال له نعم أما (غفور رحيم) بعدها ستأتي في آية التوبة بعدها، قال له: هكذا، ففهِمها من خلال وعْيه للمعاني.
يقول: "منها النهب والغصب"، ولا ينتهب نُهبة ترفع الناس إليه فيها أبصارهم وهو مؤمن. "والغصب" كذلك أَخذه قهرًا.
"والمُكس" ما يؤخذ من الجمارك والضرائب، وأمثالها.
"والغلول" ما يؤخذ من الغنيمة قبل القِسمة، يأخذ منه شيء، ولما أصابَ سَهم هذا ولد عم واحد من الصحابة، فَقُتِل، فقالوا: هنيئًا له الشهادة، قال: لكني أرى شملة تشتعل عليه نارًا، قالوا: ما هذا؟ قال: ابحثوا في متاعه فوجدوا شملة من الغنيمة اخذها قبل القسمة، رجعوا خافوا الصحابة، حتى ذهب أحد الصحابة يجيء بخرز وردُّوه من الغنيمة، فلا يأخذون شيء حتى تُقسَم؛ فالغلول: أخذ شيء من الغنيمة قبل القسمة.
والقتل: وهو من أعظم الذنوب، بعد الشرك بالله تعالى، قتل النفس التي حرَّم الله الا بالحق وفيه الكفَّارة مُطلقًا، سواءً كان قَتْل عَمْد او خطأ، ولكن قتْل العمد فيه القصاص أيضًا، فإذا عفوا عن الديّة فبقي أيضًا الكفارة.
الكفارة: يعتق رقبة مؤمنة سليمة (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ …) فان عجزَ (فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:92]. وفي عمْدهِ القصاص إلا أنْ عُفي عنه على الدية، أو مجانًا، فالخطأ، وشبه الدّية.
واختلفوا في الكفّارة بالنسبة إذا عُفي عن القصاص إلى الدية، فهل عليه كفّارة أم لا؟
- فمن أهل الفقه من قال: هذا مجرم كبير، وما له كفّارة، لابد أن يتوب؛ عسى أن يقبله ربه.
- أما إن كان قتل خطأ، ففيه كفارة يكفّر بها ذنبه لأنه غير متعمّد القتل، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:92-93].
فإن عجزَ عن صوم شهرين متتابعين، يبقى في ذمَّته حتى يجد رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، وقال الحنفية: ينتقل الى إطعام ستين مسكينًا في قتل الخطأ.
وقال: "وفي الخطأ وشبهه: الدية"، وهي "مئة من الإبل في الذَّكر الحُر السليم، ونصفها في الأنثى الحرّة المسلمة" وتختلف صفاتها بحسب القتل؛ العمد والخطأ وشبه العمد.
" ومنها : الضرب بغير حق"، يَضرب انسانًا أو حيوانًا.
"وأخذ الرشوة وإعطائها"،
الرشوة: ما يُبذل لأجلِ إحْقاق باطل أو إبْطال حق في القضاء، ولَعن الله الراشي والمرتشي، والرائش؛ أي: الذي يمشي بينهما.
ولمّا سُئل الإمام الحدّاد: أيُعزَل القاضي إذا أَخذ الرشوة، أو لا يُعزل؟ قال: الأَولى تسألون هل يكفُر أو لا يكفُر؟ كيف يُعزل لا يُعزل؟! وهو يأخذ رشوة على تغيير أحكام الله تعالى، وتقولون: يُعزل، لا يُعزل؟! كيف لا يُعزل!! يُعزل ألف عَزل، لكن قولوا السؤال: هل يكفر؟ أو لا يكفر؟ لا يزال مسلم أو قد كفر؟ سيغيّر حُكم الله بمقابل، يأخذه بباطل أو يبطل حق -والعياذ بالله تعالى- فهذا أمره شنيع؛ أخذ الرشوة وإعطائها.
كيف إعطائها؟ إي إذا كان يتوصّل إلى حقّه مِنْ غير إعطائها، أما إذا أعطى ما لم يجد سبيلًا إلى الوصول الى حقّه إلا بإعطائها فربّما يَسلَم مِنْ الإثم، ما دام لَمْ يَبْطل حقًّا، ولَمْ يحقّ باطلًا، إنّما توصّل إلى حقّه، وأمّا مهما كان من طريق إلى التوصّل إلى الحقّ مِنْ دون إعطاء الرشوة، فإعطاؤها أيضًا حرام.
"وإحراق الحيوان"؛ أنواع الحيوانات، لِمَا جاء أنَه لا يُعذِّب بالنار إلا ربّ النار، إلا إن آذى وتعيّن طريقاً للدّفع، مثل: نمل كثير وغيره، فيظل يقتّل، يقتّل هنا، وهذا ملأ بيته، ملأ غرفته، ملأ المطبخ، ولا يقدر أن يتخلّص مِنْه، وهو مؤذي ويضرّ -إلا بالحرق- ففي هذه الحالة يمكن الحرق، وإلا لا يجوز حَرْق أي حيوان بالنار، ولو يَستحق القتل، حتى يَستحق القتل لا يُحرق بالنار، يُقتَل بوسائل أخرى، لا يعذِّب بالنّار إلا ربّ النار.
"والمُثلة بالحيوان"؛ التمثيل به إمّا بِتقطيع شيء من أعضائهِ أو حبسه، واتّخاذه مثل غرض يُرمى، إلى غير ذلك، فهو مِن جُمْلة المحرّمات، لأن للحيوانات ربّ يأخُذ حقّها مِمَن ظَلمها.
واللعب بالنرد والطاب، وكل ما فيه قمار، معنى قمار: يعني ميْسر، يعني فيه مُماكسة بأخذ مال الغير بواسطة اللعب، فكلُّ لعب ترتّب عليه بَذِل واضاعة مال؛ هذا يستحقه على ذاك، وهذا يأخذه مِنْ هذا قهرًا بسبب اللعب، فهو في الميْسِر، قال: "حتى" لو كان "لعب الصبيان بالجوز والكُعاب" حتى بالبُن، بأي شيء يصلّحوا لعبة، والذي يفوز يأخذ حق الثاني هذا؛ ولو جوز، ولو لوز، ولو أي شيء مقابل اللعبة؛ حرام، يدخل في الميسر؛ لأنه تَملُّك من غير طريق شرعي، لا يجوز لك تتملك حقّ الغير.
بالنسبة للحيوان إذا كانت تضرّ كالكلب العقور، يقول: إذا كان يَعقُر، فأما إذا لا يَعقُر، يسمّونه كلب السوء، فلا يجوز قتله، لا يجوز قتله إلا إذا ضّر، فإذا تضرّر من -مثلا- كلاب ذات عَقْر، كثيرة، كيف سيعملون فيها إذا هي عقور؟ لهم قتْلها، لا يجوز حرقها كذلك، ولكن تُعطى مثل: السُم، أو نحوه، وأمّا حَرْقها لا يجوز، لكن الكلب الذي لا يضرّ، ولا يؤذي النّاس بشيء، ولا يَعَضّ الناس، ولا يَأخذ حيواناتهم فهذا لا يَجوز قتله، مِنْ جُملة مَا لا يجوز قَتْله، مما لا يَنبغي أيضًا ولا يَليق، و إنْ كان بعد الموت ليس آثم.
قتله بالنار هذا حرام ، وأما بعد الموت إذا تأتّى دفنه ورمْيه في البحار ونحوه، فهو أولى من الحرق.
والذي لا يَضرّ؛ فقد جاء في ثواب امرأة سقت كَلْب فغفر الله لها، كما قال رسول الله ﷺ في سقْيَها للكلب، عَطِشت فما وجدت دلو فخرجت في الركْوة في البئر حتى وصلت إلى الماء و شربت.. طلعتْ ووجدت كلب يلهث، ويتّتبع أماكن البلل، فقالت: أصابهُ من العطش مثل الذي اصابني، فأخرجت خِفّها من رجلها، وخرجت إلى الماء، وملأت الخفَّ، وحملته بفمها وطلعتْ فسقتْ الكلب فغفر الله لها، ففي سَقْيه وإطعامه ثواب.
قال: "واللهو بآلات اللهو المحرمة؛ كالطُنبور والرباب والمزمار والأوتار"؛ فما ورد النص فيه كالمزمار والطنبور، فهو مُجمع على تَحْريمه، وما ورد النص في إباحته، مثل: الدف ونحوه، وقد أورد ابن حجر في فتح الباري بشرح البخاري، حديث المرأة التي قالت: يارسول الله إنّي نذرتُ، إن ردّكَ الله مِنْ الغزو سالمًا، أن أضرب الدفّ على رأسك -على رأسه الشريف-، قال: إن كنتِ نذرتِ فأوفِ بنذركِ، وجلس وضربتْ -الطار- الدف على رأسه الشريف صلى الله وسلم عليه وعلى آله، وما عاد شيء رأس أكبر من هذا الرأس، ولا أشرف من هذا.
ثم قالوا: كيف قال لها: أَوْفِ بنذركِ، والنذر إنّما يُلزم الوفاء به إذا كان سُنّة، إذا كان في عمل طاعة، أو قُربة، ليس في المباحات؟ فإذا احد نذر أن يأكل، ليس عليه في الاكل الفلاني، أو في الوقت الفلاني، لا يَلزمه، لأنّه مُباح، إنّما إذا نذر قُرْبَة، وطاعة، يَلزمه النذر، فكيف أمرها بالوفاء بالنذر، وهو في عمل مباح -ضرب الطار-؟!
قالوا: لمّا اقترن بالفَرح بعودته سالمًا صار عبادة! صار التعبير عن الفرح بسلامة رسول الله ومن معه من الصحابة؛ صار عبادة! فبهذا قال لها: أوفي بنَذرِك، لأنّها لمّا أرادت أنْ تَضرُب، مُجرّد ضَرْب، ولكن مقرون بفرح بعودة رسول الله سالمًا من الغزو، ومن معه فتحوّل بهذه النيّة إلى قُربة؛ فوجب الوفاء به، "أوفِ بنذرك" قال لها: أوفِ… لا اله الا الله أحمدك ربي.
قال: ومنها ما هو محلُّ الخلاف، وبعضه شديد فيه خلاف، مثل: الأوتار وغيرها.
"و لمس الأجنبية عمدًا بغير حائل" لقوله ﷺ: لأنْ يُطعن أَحدكم بِمخْيط في عَينِه خيرٌ له مِنْ أنْ تَمسَّ يده يد امرأة لا تَحلُّ له، وكان ﷺ يبايع النساء كلامًا.
"أو بحائل لكن مع شهوة" ولو مع جنس أو مَحْرمية، إذا وُجِدَت الشهوة؛ حَصلت الحُرُمَة.
"وتصوير الحيوان"، بالنحت، يُنحت فكأنّه حيوان كامل، فهذا مُحرّم بالاتفاق، ما كان من نحت الحيوان فيكون مجسّمًا هذا مُحرّم فِعله، وكذلك اتّخاذه.
إلا ما استثنيَ من لُعبِ البنات فيجوز، ما يستعمله البنات في لعبهن، يصوّرون صور من اللُعب، فذلك ممّا أقرّهُ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، ولمّا كانت السيدة عائشة في وقت تحتاج فيه -لحَداثة سنّها- للعب، وعندها تصاوير، حتى صورة خيل وله أجنحة، ودخل النبي ﷺ، وهي تلعب باللعب، قال: ما هذا؟ قالت: بناتي يلعبن، قال: ما هذا؟ قالت: خيل، قال: خيل فيه جناحان؟! قالت: ما سمعت إنّ النبي سليمان كان له خيل لها أجنحة، ضحك ﷺ، فهذا استُثني، وغير ذلك في استعماله خلاف، وفي فعله باليد، أمّا ما كان من نحت، فلا فعله ولا اتخاذه، كلّه مُحرّم، لكن غير المنحوت -المرسوم- هذا جاء في حديث: إلا ما كان رقمًا في ثوب، وكذلك لمّا اخرجوا الساتر الذي كان فيه تصاوير وجعلوه وسائد يجلسون عليها ما أنكر ذلك ﷺ.
وبعد ذلك إذا لم يكن من فعل اليد؛ لا نحتًا، ولا رسمًا باليد، بمثل الذي يستعمل الآن في الآت التصوير، هذه لا يرسم صورة ولا ينحت، لكن يَحْبس الظل، الظل الذي يظهر في المرآة يحبسه، فيكون أبعد عن التحّريم، إلا ما اقترن به مِنْ مُوْجبات الحُرَمة، مثل: أن يُصوّر نساء أجنبيات، أو يُصوّر عورات، أو يُصوّر ما يَستخْفي به الناس، وينشره فيدخل عليه التحْريم مِنْ هذه الأبواب، لا مِنْ نفس التصوير، لأنّه لا يَرسم بيده شيء، ولا يَنحت بيده شيء، إنمّا تظهر الصورة في المرآة إن انعكس الظل فيَحبس هذا الظل، أما رسم الجزء الذي لا يمكن حياته به، فيه خلاف، الذي يرسم باليد هذا الإشكال.
أما التصوير لأنّه يقال: أحيوا ما خلقتم -يقال للمُصوّرين: أحيوا ما خلقتم- وبعضهم ربطهُ بأن الناس لمّا كانوا حديثي عهد بالجاهلية، فكانت الصور هذه المنحوتة تُعبد، ولكن الإشارة في عموم النهي بَقِيَ مَحلِّ اجتهاد الأئمة، فإذا كانت صورة كاملة فَهي مُحرّمة، و أمّا جزء مِنْ الصورة بحيث لا يمكن أن تكون هناك حياة بهذا الشكل، فهي إذًا مَحلِّ الخلاف، الذي عليه الأكثر أنها لا تَحرُم إلا صورة كاملة.
مثل أيضًا حتى صور أحد من الكفار والفجّار أو المشهورين بالفسق، رفْعها واتّخاذها حرام، ليس من أجل نفس التصوير، ولكن من أجل إكبار ما حَقّر الله تعالى وتعظيمه.
أما تصوير الأشجار، وأنواع النباتات، والأحجار والديار، والكواكب، والنجوم، وجميع الجمادات، فلا شيء فيه، إنّما تصوير ذو الروح، تصوير الذي فيه الحياة هذا ممنوع، و أمّا غيرها سواء كانت مجسمة منحوتة أو مرسومة باليد غير ذي الروح فلا يضرّ ولا يحرم، ويبقى فيه بعد ذلك بحسب نيّته، قد يكون له ثواب؛ إذا نوى شيء من الخير مثل: تذكرة بمساجد أو بغيرها أو فيها شيء، فبحسب المقاصد قد يثاب عليها.
يقول: "ومنع الزكاة"؛ من معاصي اليد، أو بعضها، بعد الوجوب، "والتمكّن، أو إخراج ما لا يجزئ أو إعطاؤها من لا يستحقُّها، ومنع الأجير أجرته"، أدّوا الأجير أجره قبل أنْ يجفّ عرقُه.
"ومنع المضطر لما يسدّه، وعدم إنقاذ غريق يتمكّن من إنقاذه"، وتَغافل عنه وأهمله حتى مات؛ مع عدم العذر فهو مأثوم، أن يَمنع المضطر لما يسدّه، أو يَترك الغريق يَغرق ولا يَنقذه، وهو قادر على إنقاذه
"وكتابة ما يَحرُم النطق به؛" لأنّ القلم أحد اللسانين؛
- اللسان بالنطق مِنْ فمك
- واللسان الثاني قلمك
فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يسرُّك في القيامة أن تراه
فكتابة ما يَحرم النطق به حرام مثل النطق به.
"والخيانة، وهي ضد النصيحة فتشمل الأفعال والأقوال والأحوال"، فتكون الخيانة بالفعل، وتكون الخيانة بالقول، ولو بالإشارة بما يضّر، أو بالنسبة للمستشار، فالمستشار مؤتمَن، وكذلك بمختلف الأحوال والمعاملات، تكون فيها النصيحة، وتكون فيها الخيانة، حتى تكون الخيانة بالعين، قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19].
فصل
معاصي الفرج
"ومن معاصي الفَرْجِ: الزنا واللواط، ويُحدُّ الحر المُحصَن ذكراً أو ذكراً أنثى بالرجم بالحجارة المعتدلة حتى يموت وغيره بمئة جلدة وتغريب سنة للحر، ونصف ذلك للرقيق.
ومنها: إتيان البهائم ولو مُلْكَه، والاستمناء بيد غير الحليلة، والوطء في الحيض أو النفاس، أو بعد انقطاعه وقبل الغسل، أو بعد غسل بلا نيّة أو شرط من شروطه ثلاثة والتكشف عند من يحرم نظره إليه أو في الخلوة لغير غرض، واستقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط من غير حائل، أو كان وبَعُدَ عنه أكثرَ من ثلاثة أذرع، أو كان أقل من ثلثي ذراع إلا في المعدِّ لذلك، والتغوط على القبر والبول في المسجد ولو في إناء وعلى المعظم، وترك الختان بعد البلوغ".
قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون:5-7]، وهي مِنْ أعظم الكبائر التي تؤدّي إلى فساد الدّين والدنيا، و فساد الدنيا والآخرة.
قال: "ويحدُّ الحرُّ المُحصَن ذكراً أو انثى بالرّجم بالحجارة المُعتدلة حتى يموت"، وهذا لم يقع في الإسلام إلا منْ حيث إقراره، إقرار الفاعل، طلبًا لإقامة الحد ليبرّئ ذمّته ليطهّر نفسه؛ ليَلقى ربه تعالى غير معرّض للعذاب، ولم يثبت بالشهود، لا في زمنه ﷺ ولا في زمن الخلفاء الراشدين.
وقال: "وتغريب سَنَة للحرِّ، ونِصف ذلك للرقيق" بمائة جلدة -غير المُحصَن-. والأقوال في المُحصَن، أنه مَنْ قد تزوج، أيضًا مِنْ أعدل الأقوال في ذلك، يقول: المُحصَن مَنْ كان تحت يده زوجة، أو مملوكة صالحة للاستمتاع؛ هذا مُحصَن، فإن زَنا بعد ذلك فأقرّ، أو قامت عليه الحجّة بالشهود، وهذا ما يحصل في الشريعة، لأنه اشترط أربعة يشاهدونه على حالته مشاهدة بيّنة، فهذا أمر خارج عن كل ذوق، عن كل معنى، فلهذا لم يثبت الحد إلا بالإقرار.
والعَجَب أنه لمّا ثبت في عهده ﷺ وأقرّ الرجل؛ فأمر برمْيه ولم يسأله عن المرأة، وفي الواقعة الثانية أقرّت المرأة فأمر بإقامة الحد عليها ولم يسألها عن الرجل، حين جاءت هي بنفسها، ولمّا جاءت، وقالت: إنّها حامل، قال: اذهبي حتى تضعي، وضعت؛ فجاءت بالولد، فقال: اذهبي حتى ترضعيه، أرضعته حتى تمكّن من الأكل، فجاءته، وأعطته بيده كسرة من الخبز، ليرى النبي أنه أكل حِرصًا منها، فأمر برجْمها؛ فرُجمت، فقال ﷺ: لقد تابت توبة لو وزّعت على أربعين لوسعتهم، قال: شُرّاح الحديث: يعني من المنافقين، لو وزِّعت على أربعين لوسعتْهم، قال: وهل وجدتَ أحسن منْ أن جادت بروحها.
ولمّا أقاموا الحد على ماعز، ورجعوا في الطريق، فسمع النبي واحد يقول للثاني: أترى كيف قُتل هذه القتلة كما يُقتل الكلب، فتأثر ﷺ، فمرّوا على جيفة ميتة، قال: أين فلان وفلان، قال: تأكلان من هذه! قالا: يا رسول الله كيف نأكل مِنْ ميتة؟ قال: ما أكلتما من لحم أخيكما، أنْتَن من هذا، وإنه لينْغمس الآن في أنهار الجنة، -قال: هذا الذي أقمتم عليه الحد، هو الآن يتغسل في أنهار الجنة!
يقول: "إتيان البهائم ولو مُلْكَه"، كذلك لا يجوز. "والاستمناء بيد غير الحليلة"؛ أي: الزوجة
"والوطء في أيام الحيض، وأيام النفاس"، ولو بعد انقطاعه وقبل الغسل كذلك، (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) [البقرة:222]، "أو بعد غسل بِلا نيّة"، أو شرط من شروط الغسل، لأنّه يرتفع حدث الحيض، وحدث النفاس بشروطه.
"والتكشّف عند مَنْ يَحرُم نظره إليه، أو في الخلوة أيضًا لغير غرض"، فتكون عورة الإنسان في خلْوته -سوأتاه- لا يجوز له أن يكشف شيئًا منها لغير غرض؛ من قضاء حاجة، ونحو ذلك.
"واستقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط"، لنهي النبي عن ذلك؛
- مِنْ غير حائل بينه وبين القبلة.
- أو كان حائل ولكن بعيد منه أكثر من ثلاثة أذرع.
- أو كان حائل قريب منه، ولكن ارتفاعه أقل من ثلثي ذراع.
فيشترط أن يكون مقدار ثلثي ذراع فأطول، حائل بينه وبين القبلة، إلا في المعدّ لذلك، أي المكان المبني المعدّ لقضاء الحاجة، ومع ذلك فينبغي للمهندسين مِنْ المسلمين، أن يجعلوا كراسي الحمّامات في غير اتّجاه القبلة، يصرفها كذا، ويصرفها كذا لوجود الخلاف في ذلك، ولوجود الأولوية والسنّية، فلا يجعلها متجهة إلى القبلة، لا استقبالًا ولا استدبارًا.
قال ﷺ: إذا أتيتم البول والغائط، فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط،
- "ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا"، بالنسّبة لأهل المدينة المنورة،
- ومَن كانت الكعبة بالنِّسبة له في الجنوب، أو في الشمال -من كانت الكعبة بالنسّبة له في المنطقة التي هو فيها إلى الجنوب أو إلى الشمال- فيشرِّق أو يغرِّب.
- وأما من كانت مثل أهل جدة، أو غيرهم، الكعبة إلى جهة الشرق، ممنوع يشرّق، أو يغرّب، يذهب إلى الشمال أو الجنوب.
وفي قوله: "ولكن شرّقوا أو غرّبوا"، أيضًا دليل على أنّ إستقبال القبلة يكفي بالجهة، وأنّه لا يخرج عن استقبال القبلة إلا بالخروج إلى الجهة الآخرى، "شرِّقوا أو غرِّبوا"، فجعل جهة الجنوب كلها استقبال للقبلة، وجهة الشمال كلها استدبارًا للقبلة، وجعل الخروج عن القبلة بأن يشرِّق أو يغرِّب.
وعلى هذا قال: من قال إنه في الاستقبال في الصلاة يكفي استقبال الجهة -جهة القبلة-.
يقول: "والتغوُّط على القبر والبول في المسجد" كذلك لا يجوز؛ يبول أو يتغوّط على قبر، لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحْرق ثوبه، فتَخلِص إلى جلده، خَيرٌ له مِن أنْ يجلس على قبر.
"والبول في المسجد ولو في إناء"، لأنّ هواء المسجد مُحترم، وعلى المعظّم أن لا يبول على شيء معظَّم، بل حتى على العَظم لا يجوز لأن العظم مطعوم أخواننا الجن، وأمّا على شيء معظّم؛ من كُتب عِلْم وغيره فهذا من أسباب الكفر كما تقدّم -والعياذ بالله-
"وترك الختان بعد البلوغ"، على القول بوجوب ذلك.
فصل
معاصي الرجل
ومن معاصي الرِّجل: المشي في معصية، كالمشي في سعاية بمسلم، أو قتْله، أو فيما يضرّه بغير حقٌّ، وإباقُ العبد والزوجة ومَنْ عليه حق عمّا يلزمه؛ من قصاص أو دين، أو نفقةٍ أو بِرِّ والدٍ، أو تربية أطفال، والتبختر في المشي، وتخطِّي الرقاب إلا لفُرجة، والمرور بين يدي المصلي إذا كملت شروط سترته، ومد الرِّجل إلى المصحف إذا كان غير مرتفع، وكل مشي إلى محرَّم أو تخلّف عن واجب.
يقول: "من معاصي الرِّجل المشي في أي معصية" كانت مثل السعاية بمسلم؛ يسعى لإيصال الضرَّ إليه، أو يُغري عليه حاكم، أو غير ذلك، أو يسعى في قتله؛ إيصال أي ضر أو أذى لمسلم بغير حق؛ هذا كل خطوة سيئة، وكل خطوة خطيئة وإثم.
"وإباق العبد المملوك"، أو خروج "الزوجة" عن بيت زوجها من دون إذنه. وكذلك هرب "مَنْ عليه حق عمّا يلزمه" من الحق؛ من قصاص، أو دين، أو نفقة، أو بِرِّ والد، أو تربية أولاد، أو أطفال، فسفره وبُعْده عن القيام بهذا الواجب ليتخلَّص من ذلك ويتركه غير مبالاة به، يكون مشْيهُ كله من معاصي الرِّجل.
"التبخْتُر في المشي"، (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) [اللإسراء:37]، "التبختر في المشي".
"وتخطِّي الرقاب"، إذا النّاس جالسين مجتمعين يمرّ فوقهم، يتخطّى رقابهم، يعني يرفع رجله إلى مقابل رقابهم فوقَ الأكتاف، يمرُّ فوق أكتاف الناس؛ حرام، لأنّ فيه شيء مِنْ الامتهان، إلا "لفُرجة"؛ يعني: إن كانت هناك فرجة في صف في الصلاة، قصّروا في صف متقدّم، فيه فرجة لم يسدُّوها، فيجوز أن يتخطّى رقابهم ليسدّ هذه الفرجة، لأنّهم هم المقصّرين في عدم سداد الفرجة هذه، وإلا لغير ذلك لا يمكن يتخطّى الرقاب؛ يحرم تخطّي الرقاب.
وتخطّي الرقاب: يرفع رجله إلى مقابل رقاب الناس -فوق أكتافهم- يمر فوق أكتافهم هذا حرام، أما دون ذلك فليس تخطّي رقاب، ولكن إذا كان أيضًا يؤذيهم، فيمر برجله فوق أفخاذهم -فوق رجولهم- إذا أذاهم فالإيذاء حرام كله، الإيذاء حرام، فلغير الضرورة فلا، ولكن يطلب منهم أن ينحازوا، ويسهلّوا له الطريق، فيمر من دون أن يرفع رجله على رجل أحد، فضلاً عن رقبة أحد.
قال: "والمرور بين يدي المصلي" إذا كان يصلّي وبينه وبين القبلة سُترة، وأنت تمر ما بين سُترته وبين المُصلّي؛ ممنوع، لقوله ﷺ: "لأن يقف أحدكم أربعين خير له بين أن يمر بين يدي المصلي".
"ومد الرِّجل إلى المصحف إن كان غير مرتفع"؛ يعني: مقابل له إذا هو في مستوى أرفع، مدّ الرجل لا يَحرُم ولكن لا يَليق، ولكن إذا كان مقابله مباشرة فمدّ الرِّجل إليه، فيه استهانة بالمصحف، فإن قصد الاستهانة كفر -والعياذ بالله تعالى-، وإن لم يقصد أثم بتهاونه بمدّ رجله إلى المصحف. "وكل مشيٍ إلى محرَّم وتخلّف عن واجب".
عَصم الله أيدينا وأرجلنا، وجميع أعضائنا من الذنوب صغيرها وكبيرها، قليلها وكثيرها، وجعلنا من أهل تقواه وأهل رضاه، إنّه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه
01 ربيع الأول 1446