(535)
(363)
(339)
(604)
الدرس السادس عشر والأخير للعلامة الحبيب عمر بن حفيظ في كتاب: سُلّم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، للإمام الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر. ضمن دروس الدورة الصيفية الأولى بمعهد الرحمة بالأردن.
معاصي البدن
ظهر الإثنين 22 صفر 1446هـ
لتحميل كتاب سلم التوفيق
pdf: https://omr.to/sullam-pdf
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد،
وبسندكم المتصل إلى الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر ومن كتاب سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق، رحمه الله ونفعنا به وبكم في الدارين آمين، ورضي الله تعالى عنه وعنكم، إلى أن قال:
"فصل
ومن معاصي البدن:
عقوقُ الوالدين، والفِرار من الزحف، وقطيعة الرحم، وإيذاء الجار -ولو كافرًا له أمان- إيذاءً ظاهرًا. والاختضاب بالسواد، وتشبُّه الرجال بالنساء وعكسه، وإسبال الثوب للخيلاء، والحنّاء في اليدين والرّجلين للرجل بلا حاجة، وقطع الفرض بغير عذر، وقطع نفل الحج والعمرة بغير عذر، ومحاكاة المؤمن استهزاءً به، والتّجسس على عورات الناس، والوشم، وهجرُ المسلم فوق ثلاث أيام لغير عذرٍ شرعيّ، ومجالسة المبتدع والفاسق للإيناس، ولبس الذهب والفضّة والحرير أو ما أكثره وزنًا منه للرجل البالغ إلا خاتم الفضة، والخلوة بالأجنبيّة، وسفر المرأة بغير صحبةٍ نحو محرمٍ كزوج، واستخدام الحرّ كرهًا، والاستخفاف بالعلماء، والاستخفاف بالإمام العادل، والاستخفاف بالشائب المسلم، ومعاداة الوليّ، والإعانة على المعصية، وترويج الزائف، واستعمال أواني الذهب والفضّة واتخاذها، وترك الفرض، أو فعله مع ترك ركنٍ له أو شرط، أو مع فعل مبطلٍ له، وترك الجمعة مع وجوبها عليه، وإن صلى الظهر، وترك نحو أهل قرية الجماعة في المكتوبات، وتأخير الفرض عن وقته بغير عذر، ورمي الصيد بالمثقّل المذفّف، واتخاذ الحيوان غرضًا، وعدم ملازمة المعتدّ للمسكن بغير عُذر، وعدم الإحداد على الزوج المتوفّى، وتنجيس المسجد وتقذيره ولو بطاهر، والتّهاون بالحج بعد الاستطاعة إلى أن يموت، والاستدانة لمن لا يرجو وفاءً لدينه من جهة ظاهرة ولم يعلم دائنه بذلك، وعدم إنظار المعسر، وبذل المال في معصية. والاستهانة بالمصحف، والاستهانة بكل علم شرعي، وتمكين الصبي غير المميّز منه، وتغيير منار الأرض، أو التصرف في الشارع بما لا يجوز، واستعمال المُعار في غير المأذون له فيه، أو زاد على المدة المأذون له فيها، أو أعاره لغيره بلا إذن، وتحجير المباح، كالمرعى والاحتطاب من الموات، والملح من معدنه، والنقدين وغيرهما، والماء للشرب من المستخلف. واستعمال اللُّقطة قبل التملّك بشرُوطه، والجلوس مع مشاهدة المنكر إذا لم يُعذر، والتطفل في الولائم وهو الدخول بغير إذن أو أدخلُوه حياءً، وأن يكون الشخص ممن يكرمه المرء اتقاءً لشرّه، وعدم التسوية بين الزوجات، وخروج المرأة متعطّر أو متزيّنة، ولو مستورة وبإذن زوجها، إذا كانت تمر على رجال أجانب، والسحر، والخروج عن طاعة الإمام، والتّولّي على يتيم، أو مسجد، أو لقضاء، أو نحو ذلك، مع علمه بالعجز عن القيام بتلك الوظيفة، وإيواء الظالم ومنعه أي حمايته ممن يريد أخذ الحق منه، وترويع المسلمين، وقطعُ الطريق، ويُحدّ بحسب جنايته، إما بتعزير أو بقطع يدٍ ورجل من خلاف، أو بقتل، أو بقتلٍ وصلب. ومنها عدم الوفاء بالنذر، والوصال في الصّوم، وأخذ مجلس غيره، أو زحمته المؤذية أو أخذُ نوبتِه"
الحمدلله… بعد أن حدّثنا عن المعاصي المتعلّقة بالأعضاء؛ بأعضائنا وجوارِحنا السّبعة التي جُعلت على عدد أبواب النار السبعة، ولا يتعيّن للدخول من أبواب النار السّبعة إلا من عصى الله بأعضائه السبعة،
بعد أن فصّل لنا ما لكل عضو، ذكرَ ذنوبًا تعمّ البدن كلّه، فيكون صاحبها عاصيًا من رأسه إلى قدمه، ليست معصية عين ولا يد ولا رجل ولا لسان؛ معصية بالبدن، والمعصية بالبدن كلُّه، يصير البدن كله عاصي من الرأس إلى الرِّجل والعياذ بالله.
"قال من معاصي البدن: عقوق الوالدين"، الذي أدخل الكدر على قلب أبيه أو قلب أمه بتقصير في حقّهما أو إساءة لهما أو عدم امتثال أمرهما مما يُباح فعله في الشرعِ، فيصير هذا العاق عاصي؛ رأسه وعينه ويده ورجله وبطنه وأجمع شعره وبشره ودمه، كلّه عاصي، يصير عاصي بسبب عقوق الوالدين.
قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، ثم نصَّ على حالتهما في الكِبِر لأنهما يحتاجان إلى البرِّ والرعاية في هذا الوقت أكثر، (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ)، "أف" كلمة التضجُّر، قال ولو علم الله كلمة أصغر منها لذكرها، يعني لا يشعرا منك بأدنى تضجر ولا بأدنى اشمئزاز ولا بأدنى استثقال (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا)
وكان بعض أهل التفسير يقول قد يحتاجان بعجزهما أن تأخذ الوسخ من تحتهما وتنجِّيهما، فلا تقول لهما أفّ، لا تتضجر لأنهما كانا يفعلان معك ذلك، كانوا يوضّونك وينجّونك وأنت صغير، وكلما وسَّختَ قاموا، حتى تقوم الأم من فوق طعامها من أجل توضّيك، ومن أجل تطهّرك وتنقّيك عن النجاسة، وبهِبة حنانهما كأنها أمام أعطار وما تتأفف مما يخرج منك، وهكذا.
(فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * واخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الأسراء:23] فمن بقي له أب وأم، فمن نعمة الله عليه أن يَغنم بِبرهما رضى الله - سبحانه وتعالى -
وكان بعض الأكابر من تابعي التابعين، جلس يذْكر عن مالك وعن أحد من شيوخه، وكان جالسًا يدرِّس، وإذا به استوى قائمًا ثم جلس، قالوا له مالكَ؟ قال: رأيتُ الوالدة كانت في السطح فخرجتْ فقمتُ لها، ثم جلس في أثناء درْسها تعظيمًا لوالدته وبرًّا بها.
وهكذا، رفع الله قدْر سيدنا أويس القرني ببِرِّه لأمّه، وبسبب برِّه لأمّهِ منَعتْه أن يسافر ليلْقى رسول الله ﷺ، فلم يزل في برِّها وخدمتها حتى توفيتْ، وقال توفي ﷺ فجُوزِيَ بأن ذَكرهُ ﷺ، وكان سيد التابعين أويس القرني - عليه رحمة الله تبارك وتعالى -.
ولما ذكر ﷺ مرة أولياء وأوصافهم، قالوا كيف لنا برجل منهم؟ قال "ذاكُم أويس بن عامر" من قَرَنٍ ثم من مُرَاد ووصَفه ﷺ، جاء في صحيح مسلم أنْ ذكرهُ رسول الله ﷺ وذكَر أوصافه.
وفي روايات أخرى، أيضًا بيّن وفصَّل أوْصافه: رجل أصْهل ذو شهوبة، كان به برصٌ فَبَرأ منه، إلا موضع لُمعَةٍ تحت منكِبِه الأيسر، سأل الله أن يُبقيها ليذْكر نعمته عليه كلما رآها، كانت له والدة وكان بها بَرًّا، وهو مجهولٌ في الأرض، معروفٌ في السماء، لو أقسَمَ على الله لأبَرَّه، إذا كان يوم القيامة قيل له: قف فاشفع، فيشفّع في عدد كربيعة ومُضر. أكبر قبائل العرب، عددها ملايين، قال: "فيُشفّع في عددٍ كربيعة ومضر".. وجاهة هذا العبد الصالح من أمة محمد ﷺ، يشفع فيها كلهم يوم القيامة - عليه رضوان الله تبارك وتعالى - ثم قال "يا عمر، يا علي، إذا أنتما لقِيتماه فاسألاه أن يستغفر لكما، يغفر الله لكما".
وبقي يسأل عنه سيدنا عمر، حتى كان في أواخر سِنِين خلافته، قال لأهل الحج -حوالي الكعبة- ِقفوا، فوقفوا، قال اجلسوا إلا من كان من اليمن، فجلسوا، وبقي جماعة، قال اجلسوا إلا من كان من مُرَاد فجلسوا، بقي عدد قليل، قال اجلسوا إلا من كان من قَرَن، بقي واحد شيبة، قال أقَرَني أنت؟ قال؛ نعم، قال هل تعرف أويس بن عامر؟ قال ما أعرف أحد منا أرفعه إليك، لكن واحد به وبه، ابن أخي يقال له أويس بن عامر، قال بك لا به، أين نلتمس صاحبكم هذا؟ قال يرعى إبل لنا حول عرفة.
فرِكب مع سيدنا علي ومشوا، وجَدوه يصلِّي -وعرفوه بالأوصاف التي وصفها ﷺ- إلى شجرة والإبل ترعى حوله، هم مستأجرينه قومه يرعى لهم الإبل على دراهم يعطونه إياها، وينفق منها هذا على نفسه، وخدّام لهم.
فسلّم عليه، فلما أحسّ بالسلام خفَّف الصلاة، وسلَّم، وردَّ السلام عليهم، قالوا من أنت؟ قال عبد الله، قال سيدنا عمر؛ قد علِمنا أن الخلق كلهم عبيد الله، ما اسمك الذي تدعوك به أمك؟ من تسميك أمك؟ قال: أويس، قالوا: ابن عامر؟ قال: نعم، قالوا: من قَرَن، قال: نعم، ثمّ من مُرَاد، قال: نعم، كانت لك والدة وكنت بها برًّا؟ قال: نعم، قال: وكان بك برص فبرئتَ منه؟ قال: من أنتم الذين شهّر الله لكما حالي؟ تطَّلعون على أشياء خفيّة من شؤوني وأحوالي، من أنتم الذين شهَّر الله لكما حالي؟ قام سيدنا علي قال: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعليّ بن أبي طالب، فاهتز، وقف قائمًا، قال: وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته، وجزاكما الله عن أمة محمد خيرًا، من ذكركما لي؟ قالا: رسول الله ﷺ، قال: ذكرني بإسمي؟ قالوا: باسمك واسم أبيك وقبيلتك ووصفك، بكى بكى بكى سيدنا أويس قال: نفسي الفداء لرسول الله ﷺ.
كان فيمَا حدّثهم به، تحَّدثوا عن رسول الله ﷺ، قال يخاطب كبار الصحابة مثل عمر وعلي وقال: ما عرفتما من رسول الله ﷺ إلا الظل، قالا: والله ما عرفنا إلا ظلَّه، ما عرفنا منه إلا ظله، وهؤلاء كبار الصحابة أعرَف الأمّة به؛ سيدنا عمر وسيدنا علي، قالا: والله ما عرفنا إلا ظله.
إلى أين تمشي؟ قال إلى العراق بعد البصرة، قالا له نكتب لك إلى عاملنا بالبصرة، قال: لا، أكون في غبراء الناس أحبّ إلي، قال: آتيك بزاد ونفقة؟ قال: لا، عندي ثوبي هذا، معي ثوبان متى تراني أبليهما يا أمير المؤمنين؟ ومعي أربعة دراهم من رعي الإبل متى تراني أنفقها؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عَقَبة كأْداء لا يجوزها إلا المخفّون، وضرب الأرض بالدرّة سيدنا عمر، قال: من يأخذ الخلافة بما فيها؟ وددتُ أني أخرج منها كفافًا لا لي ولا علي.
وقالا: استغفرْ لنا، قال أنا أستغفر لكم؟! أنتما صاحبا رسول الله ﷺ ومن السابقين الأولين من المهاجرين، وكنتم معه! قال: هو أمرنا بذلك، قال: هو أمركم؟ قعد يستغفر لهما وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، قال: هذا موعد بيني وبينك؟ قال: لا موعد بيني وبينك يا أمير المؤمنين إلا الحوض، موعد بيني وبينك على الحوض، ودّعاه ومشيا، فكان آخر عهده، وما لقي سيدنا عمر بعدها.
وسافر إلى العراق، ردّ الإبل إلى أهلها بعد الحج ورأى أنه بدأ يُعْرف بين قومه ويظهر شأنه فهرب إلى العراق، حتى يقول هِرَم بن حيان، وُصِف لي أويس ممّا ذكر الصحابة عن النبي ﷺ وأوصافه فتعلّقتُ به، وصار مالي همّ إلا أن ألقى أويس، أين هو؟ قالوا بالبصرة، ذهبتُ أبحث عنه أبحث أبحث حتى خرجتُ يوم صدفة إلى نهر الفرات، أتوضأ وإذا به يتوضأ، عرفتُه بالأوصاف التي وصفوها، فقلتُ السلام عليك يا أخي يا أويس بن عامر، أكمل الوضوء وقال: وعليكَ السلام يا أخي يا هِرم بن حيان، قال: كيف عرفت اسمي؟ وأنا لم ألقك قبل اليوم ولم تلقني؟ قال إنّ روحي كلّمت روحك، إن أرواح المؤمنين تتعارف، ما الذي جاء بك يا هِرم؟ قال أنا أبحث عنك من كذا وكذا، ماذا تريد؟ قال وصية توصيني بها، ودعوة تدعو لي بها، فوصّاه، قال نسمع منك حديث عن النبي ﷺ، قال لم أُدرِك رسول الله وأدركت أصحابه من بعده ولكن لا أفتح على نفسي هذا الباب، لستُ محدِّثًا ولا قاضيَا ولا مفتي.
قال يا هِرم استعد لمثواك وآخرتك، مات أبوك، ماتت أمك، مات جدك ومات آدم وماتت حواء ومات فلان ومات فلان، ومات محمد حبيب الله وصفيّه، ومات أبو بكر الصديق ومات أخي وصديقي عمر بن الخطاب، قال يا أويس إن أمير المؤمنين لم يمت بعد، قال: بلى، نُعيَ إلي، ونُعِي إلى روحي، وكان في اليوم الذي ضُرب فيه سيدنا عمر في المدينة وهذا في العراق، سيصل الخبر بعد شهر بوفاة أمير المؤمنين، لكن سيدنا أويس عرفهُ، وقال وعمر كذلك أخي مع القوم راح، وأموت أنا وتموت أنت.
قال له: أتأذن لي أن ألقاك بعدها؟ قال لا، هذا آخر لقاء بيني وبينك في الدنيا، الموعد على حوض رسول الله ﷺ، إن شاء الله تعالى، أمسك بيده يتلو آيات من القرآن قال امشِ أنت هنا، قال لا أراك تسأل عني بعد اليوم، ولا تبحث عني في مكان، قال بكيتُ لما رأيتُ من رقَّة حاله، قال ودخل معي ناحية القصر، فافترَق عني فجعلتُ أنظر إليه حتى غاب عن نظري، قال ثم إني لم أصبر بعد ذلك، أخذتُ أبحث عنه، ما وجدت إليه من سبيل ولا عرفت أين هو.
فالشاهد أن رِفْعته في الدرجات كان مرْكزها برّهُ بأمه، بره بأمه، بره بأمه، إيمانًا؛ قال الإمام عبد الرحمن بلفقيه: قد يبرّ كثيرا من الناس آباءهم وأمهاتهم لكن ليس بالإيمان، ولا بدافع المعاملة مع الرحمن، التي كانت مع أويس، لا يظهر عليهم الأثر كما ظهر على أويس، لكن من يقوم بالبرّ من أجل الله ودافع الإيمان الخالص لوجه الله يحصِّل النتيجة، يحصِّل هذه الثمرة الكبيرة.
وزرنا قبر والدته في بلادهم في قَرن -بلاده مُراد- يسمّونها الآن في اليمن، والتي من أجْلها تأخَّر حتى توفي الرسول ﷺ.
ثم جاءت روايات في دفْنه وأين دُفِن، وذُكِر عدة أماكن ولكن أصح الروايات أنه كان استشهد بصفّين مع سيدنا علي - عليه رضوان الله -.
قال: وهما يتأذيان به.
"والفِرار من الزحف" عند مقابلة الكفار وجيش الكفار المقاتلين المناوئين للإسلام، فالفِرار من القتال والزحف، كبيرة من الكبائر وهي معصية بالبَدَن كلّه، فالفارُّ من الزحف؛ عينهُ عاصية وأذنهُ عاصية ويدهُ عاصية ورجلهُ عاصية ورأسه عاصي ولحمهُ عاصي ودمهُ؛ كلُّه عاصي، قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * ومَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [النفال:15-16].
ولما رجع بعض الصحابة من مؤتة، عنّفهم الصحابة في المدينة، قالوا لهم فررتم؟ أنتم الفُرَّار، قال ﷺ: "ليسوا بفرَّار ولكن كُرّار إن شاء الله"، قالوا فلان وفلان جاءوا رجعوا ، قال: أنا فِئتهم إن الله يقول (إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ) قال: وأنا فئتهم، رَجَعوا إليّ، جاءوا إلى عندي يستعدون للجهاد والقتال أنا فئتهم، ﷺ.
"الفرار من الزحف، وقطيعة الرحم" فتكون معصية بجميع البدن (فهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم) [محمد:22]، وهكذا..
ويذكرُون عن بعضهم أنَّه كان له وديعة عند واحد من الأخيار في مكة، توفي الشخص وجاء بعد وفاته يسأل أولاده وأولاد أولاده أيضًا أخيار، فتّشوا في المَتَاع ما وجدوا، وقالوا هل توجد علامة؟ وقال لك أين وضعها الوالد؟ قالوا تعبنا وهذا المتاع كله، ماذكرها في شيء من المكتوبة.
فشكا لبعض الصالحين في مكة، قالوا له إن لأرواح المؤمنين اجتماع ليلة الجمعة حوالي زمزم فاذهب ونادِه، تعال وصلّ وناده لعلّ روحه تجيبك، فجاء وصلى، ما سمع الجواب، قال: إنا لله، الرجل حُبِس، ما هو مع هؤلاء، هناك بئر في أسفل حضرموت اسمها برهوت تجتمع فيها أرواح الفساق والكفار، فذهب ونادى فأجابه، قال له: ما لك هنا؟ قال الحمد لله أعمالي صالحة وأموري طيبة، أما وديعتك فهي في المكان الفلاني، قل لأولادي أنها تحت عند الباب الفلاني، تحت يحفرون فإني وضعْتها لك هناك يسلِّمونها لك، ولكن أنت ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قال له أن أخت لي أو بنت أخ في الشام احتاجت، ما سألتُ عنها، ونالها العُري ونالها الجوع وأنا ما انتبهت منها، فبسبَب هذا أنّي هنا محبوس عند هؤلاء، والأصل منزلي هناك، لكن الآن بسبب هذه فمن فضلك -جاء بك الله إليّ وكلّمتْ روحي روحك- اذهب لأختي هذه أو بنت أختي أو عمته في الشام، وقل لها تسامحني وتعفو عني حتى يخلصني الله.
رجع فقال للأولاد أن ينظروا الى صدق الخبر، فحفروا في المحل ووجدوه، أعطوها سلموها له، سافر إلى الشام جاء الى عندها، قال ألكِ أخ كان في مكة؟ قالت لا أخ سأل عنا، قال ترضين يكون في النار؟ قالت: لا، ما أرضى يكون في النار، قال هو الآن محبوسة روحه بسببك.
فذكر لها القصة بَكَت، قال سامحيه من قلبك، سامحته وعفتْ عنه، فرآه يقول: جزاك الله خير، أخرجوني من عند الأشرار، رجَّعوني لعند الأبرار لما سامحتْني هذه.
الرحم شجنة معلقة بالعرش تقول: أعوذ بك القطيعة، يقول: "ألا يُرضيك أن أصِلَ من وصلك وأقطع من قطعك؟".
"إيذاء الجار" ولو كان كافرًا فله الحقّ، بعض الغافلين من أهل الفسق يزعج أبا حنيفة -جار له- كان يتناول شيء من المسكرات ويصيح بصوته:
أَضاعُوني وَأَيَّ فَتىً أَضاعُوا *** لِيَومِ كَريهَةٍ وَسِدادِ ثَغرِ
فيما يكرّر من أبياته، حتى فقد صوته الإمام أبو حنيفة ليلتين، قال أين جارنا هذا؟ قالوا جارك وقع في قبضة الشرطة أخذوه في الحبس، قال: إن له حقّ الجوار فلنشْفع فيه، هو يؤذيه يزعجه كل ليلة.
جاء أبو حنيفة وكلّمه، وكان لا يجيء عند الخلفاء، خرج الخليفة واستقبله، قال إنما جئت في جار لنا عندكم، فإن كان شيء غير حد من حدود الله أنا أشفع فيه، حدود الله ليس فيها شفاعة، قال أنت جئت من أجل هذا؟ جميع من في السجن يخرجون الآن إكرامًا لك، لا يبقى أحد في السجن، إكراما لمجيئك.
هاتوه، جاء الى الإمام أبو حنيفة، مسك يده، قال: هل أضعناك؟ تقول أضاعوني كل ليلة، أنا أسمعك تقول هل أضعناك؟ طأطأ رأسه، وقال: جزاكم الله خير، رجع تاب، وجلس يحضر مجالس أبي حنيفة، وأناب إلى ربه وصُلح حالهم بحُسن الخلُق من أبي حنيفة وقيامه بحق هذا الجار.
"إيذاء الجار ولو كافرًا" قال له أمان، بخلاف الكافر الحربي يحرُم إيوائه، ويحرُم الإحسان إلى الكافر الحربي ولكن يجب أن يُزْجر.
"والاختضاب بالسواد" على المعتمد عند الشافعي، وكثير من العلماء -أكثر العلماء- لقوله ﷺ لمَّا أسلم سيدنا أبو قحافة والد سيدنا أبوبكر الصديق، كان شعره أبيض شديد البياض وشايب، فقال "غيّروا هذا بصفرةٍ أو حُمرة واجتنبوا السواد".
في عام الفتح، لما جاء أبوبكر يقود والده قبل أن يُسلم، يقوده أعمى من قبل إسلامه، أعمى وشايب، فلما جاء يقوده، قال ﷺ "لو تركتَ الشيخ مكانه أنا أزوره" أنا أجيء الى عنده، قال هو أحقّ أن يجي إليك يا رسول الله، فجلس عنده وأخذ النبي يكلِّمه فأسلم، قال حتى هنّأ النبي ﷺ أبوبكر بإسلامه، فأسلم ودخل الإسلام آخر عمره، واجتمعوا لذلك قالوا لأبي بكر أربع طَبَقات من الصّحبة لم تجتمع لغيره من الصحابة، ولده وولد ولده صحابة، وهو وأبوه؛ أربع طبقات.
وفي الصحابة موجود عدد، الذين هم طبقتين؛ الأب مسلم كثيرٌ هذا، وقليل ثلاث طبقات، الجد والابن وابن الابن صحابة أدركوا النبي، أما أربع ما اجتمع لأحد إلا لأبي بكر، لمّا أسلم والده صار الرابع؛ أولاد أولاده أدركوا النبي ﷺ صار طبقتين وهو الطبقة الثالثة، وأبوه الطبقة الرابعة، صحابي بن صحابي بن صحابي بن صحابي حفيد أبوبكر، صحابي بن صحابي بن صحابي بن صحابي، أربع طبقات.
سيدنا الشافعي لقّبوه بالشافعي لأن جده شافع بن السائب صحابي بن صحابي، عنده أجداد كثير، ماأخذوا إلا شافع، ما سمُّوه "سائبي" أو "إدريسي" فقط أخذوا جده "شافع" وقالوا "الشافعي" لأنه صحابي بن صحابي، فنسبوه إليه.
قال في "الاختضاب بالسواد"؛ أكثر العلماء على أنه يَحرُم إلا للجهاد، إذْ كان يُرهب العدوّ، وإذا رأوا أن لِحاهم كلها بيضاء ورؤوسهم بيضاء يقولون هؤلاء كبار في السن، لن يقاومونا، سنضربهم وتذهب المهابة منهم، فلإهابتهم يجوز التّخضيب بالسواد، في غير ذلك لايجوز.
كذلك المرأة، المرأة خصوصًا المتزوجة إذا أحب زوجها أن تختضب بالسواد يجوز لها تختضب بالسواد من أجل زوجها، ومع ذلك فالمعتمد أنه يحرم ولكن يُسن بالصفرة أو بالحمرة ويجتنب السواد.
قال: "وتشبُّه الرجال بالنساء وتشبُّه النساء بالرجال"، فيما يُختص بهم من ألْبسة، أو من ألفاظ معينة، من حركة معينة في بعض الأعراف؛ في بعض البلدان وبعض القبائل، ألفاظ معينة لا ينطق بها الرجال؛ تقول بها النساء، فلا يجوز للرجل أن ينطق بها.
وكذلك الأزياء؛ هناك كيفية في اللبس عند النساء يختلف عن الرجال، فالزيّ مخصوص بالرجال لا يجوز للمرأة أن تلبسه، والزي المخصوص بالنساء لا يجوز للرجل أن يلبسه، وهكذا..
والتشبُّه كذلك سواء في حلاقة أو في قَصة أو في غيرها، ما اختُصّ في العُرفِ في أي زمان وأي مكان بالرجال لا يجوز أن يعملْنه النساء، وما اختُصّ في العُرف أو في أي زمان أو أي مكان بالنساء فلا يجوز أن يعمله الرجال، وهكذا التشبّه، لقوله ﷺ: "لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال".
ليحفظ كلٌّ هويته، فكرامته في حفظ هويته، فكرامة المرأة أن تحفظ أنوثتها، وكرامة الرجل أن يحفظ ذكوريته، فيما يخص كل منهم ما كرّمه الله بهذه الخِلقة وشرّفهُ بها، فخروجه إلى غيرها سفاهة وحماقة ومضادة للمكوّن والفاطر والخالق - سبحانه وتعالى-.
وهذا الذي وصَّل تطوُّر حضارة زمانكم إليه، يغيّرون الذكور الى إناث والإناث إلى الذكور، وإبليس الرجيم من أول ما طرده الله قال: (وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) [النساء:119].
على مدى القرون كلها ما قدر إبليس في بني آدم أن يغيِّروا خلق الله إلا في تفريق أسنان، أو في حواجب، أما في زماننا تطوّر إبليس وتطور مع الأباليس؛ نفس الذَكَر يُحوّل أنثى، نفس الأنثى تُحول إلى ذكر، تغيير ما قد حصل على مدى القرون، على مدى التاريخ! لكن حضارة الحقارة هذه جاءت بهذه القذارة، حضارة القذارة، جاءت بهذه الأشياء.
وصاروا - والعياذ بالله - في مدارس بلدانهم يقولون للأولاد والبنات من أراد أن يتحول على رغم أنف أبوه وأمه، وكانوا يقولون لهم إلى سنّ خمسة عشر لا بد من رأي أبوه وأمه في أي شيء، وقالوا في ثمانية عشر ونزّلوه إلى خمسة عشر، وهذا الحين من سبع سنين بدأوا يلعبون عليه، وأرسلوا بعض أذنابهم إلى بعض مُدن في اليمن، ودخلوا في مدرسة ثانوية للبنات هنا عندكم يسمّونها التوجيهي، كانوا يصلّحون محاضرة للبنات، بعد ذلك يقولون أكبر مشكلة عندكم لتعوقكم من التقدم والتطور؛ الآباء والأمهات هؤلاء، هؤلاء أكبر مشكلة، فأي واحدة منكن تريد أن تتخلص من هذا ما عليها بأس، وفي بعض منهنّ يتحجبن على الفطرة ويسألن، كيف هؤلاء أبوي وأمي وأقرب الناس إليّ، قال لها أبدا إذا يمنعك من التقدم ويمنعك من التطور، قالت: كيف أعمل وأبوي في البيت؟ قالوا: هذا رقمنا تتصلين بنا.
ما طريقة التفكير هذه؟ ماذا يريدون أن يعملوا بالإنسانية؟ وإلى أين يريدون…….؟ وإنا لله وإنا إليه لله راجعون، يا محوّل الأحوال حوّل حالنا والمسلمين إلى أحسن حال.
قال: تشبّه الرجال بالنساء وعكسه.
"وإسبال الثوب للخُيلاء"، بأن ينزل ثوب الرجل على الكعبين، ما أسفل من الكعب فهو في النار، سواء كان إزارًا أو سراويل أو قميصًا أو غيره.
وبخلاف المرأة، المرأة إذا أرادت أن تخرج من البيت يجوز لها أن تسبِل ثوبها من الكعب إلى شبر، وفي رواية جاء في الحديث إلى ذراع، قال "ذيل المرأة شبر"، قالت بعض أمهات المؤمنين إذًا تنكشف أقدامنا يا رسول الله، قد لا يكفي شبر، قال: فذِرَاع، لا يزِدنَ عليه.
هذا للمرأة، أما الرجل حرام يسبل ثوبه، ورأيناهم يبيعون ثياب جاهزة يأتون بها لبلاد المسلمين للأبناء الأطفال؛ البنين الذكور مغطاة تسحب الى تحت، مستورة وتحت الكعب، أما البنات مرتفعة إلى نصف الساق، وبعد ذلك جاءوا بثياب إلى عند الركبة، والآن جاءوا بثياب فوق الركبة، يرسلونها إلى بلاد المسلمين.
والمغفّل من المسلمين يجيء بثوب غالي يشتريه بفلوس أكثر، وهذا قلة حياء وخروج عن القِيَم وتشبّه بالكاسيات العاريات، والتربية للصغيرة المسكينة على قلة الحياء وهي صغيرة، ينزعون منها أعز شيء بعد الإيمان وهو الحياء، يخرِّجونه منها حتى تنشأ هكذا، بفعل أعدائه، وهو بليد أبله.
هل عجز المسلمون أن يخيّطوا ثياب لأنفسهم؟ ماأدري كيف!! ما عاد يعرفوا يخيّطوا ثياب لأنفسهم، عجزوا إلى هذا الحد، يقولون لعدوِّهم تصرّف في بناتنا، تصرَّف في أولادنا، ماذا تحب أن يلبسوه، وساعة يأتون بثوب ضيّق، وساعة فضفاض بلا معنى، وساعة شقّ نازل وشقّ طالع، وساعة شق مشقوق، كأنه يلعب بلعبة يبهذل بها، ولكن موضة، يقول لهم موضة غالية، بفلوس من غير حسوس، ما عندهم حس يمشون وراءها، ماعرفنا نخيط لأنفسنا ثياب، أو كيف؟!
نحن تبعيّة إلى هذا الحد؟!! إمّعات؟!!
خيِّط لك ثياب تشابه النبي والصحابة، وخيِّط لبنتك ثياب تشبه فاطمة الزهراء، تشبه خديجة الكبرى، تشبه أمهات المؤمنين، تشبه الأنصاريات، لماذا تشبه واحدة ساقطة يهودية من شرار اليهوديات؟ واحدة خبيثة نصرانية من خباث النصرانيات، واحدة ملحدة من خباث الملحدات!
بعض اليهود وبعض النصارى ما يرضون لبناتهم بهذه الأزياء، هم يهود وهم نصارى وهم كفار لكن ما يرضون لبناتهم، هذا عيب، يقولون لهم هذا مخالِف للفطرة، لا يرضون.
وأنت مسلم، و تشتريه بفلوسك؟! وتجيء به لبنتك مسكينة تغشّها وتضرها!!. "إسبال الثوب للخيلاء".
"والحِنّاء في اليدين والرجلين للرجل"، هذا خاص بالنساء بلا حاجة، أما للرجل لو لحاجة؛ من علاج ونحوه، واختلفوا إذا كان في الزواج، هل يجوز يحنّي يديه الرجل؟ وليس على شكل النقش الذي يعملْنه النساء لأنه ﷺ لما رأى في جابر بن عبد الله صُفرة في يديه قال "ما هذه الصُفرة"؟ قال تزوجت، فسأله قال "بِكر أم ثيّب"؟ قال بل ثيبًا، قال هلّا بكرًا تلاعبك وتلاعبها؟ قال إن أبي مات وخلّف لي أخوات صغيرات فَكَرِهتُ أن أتزوج واحدة في عمرهنّ صغيرة لا تعرف تقوم عليهن، قال له: "أصبت"، لأنه كان وحدهُ في الطريق وهم راجعين.
النبي ﷺ أحيانًا كان يتخلّف وراء الجيش وأحيانًا يتقدم أمامه، فكان عندما يتخلّف وراء الجيش ويتفقَّده، فجاء فوجد سيدنا جابر هو وجَمَله في مشكلة يمشي بصعوبة ويتْعبه، فقال مالكَ يا جابر تخلّفت عن القوم؟ قال هذا جَمَلي يارسول الله يتعبنا يمشى ببطء، ولا يسمع الكلام، قال: أنِخْه، خرج من جمَلهِ ﷺ وحمل العصا، نخزَ الجمل، فقال له اطلع عليه، طلع عليه صار يمشي بسرعة، حتى مسك بالزمام حتى لا يسبق النبي ﷺ، قال: أنا أمسك الزمام وأنا أمشي مع النبي يكلِّمنا، وقال له: تَبِيع جملك هذا؟ قال -أنا استحيت من رسول الله- قلت له: نعم، يارسول الله، قال: بكم؟ قال: هو لك، قال؛ لا، بكم، قال ثمنه كذا كذا، فقال: لك، ماعندي جمل، قال: لك إلى أن نصل إلى البلد، الحمل، لك ظهره إلى أن نصل إلى البلد، بعد أن نصل إلى البلد هاته، هو لك تمشي عليه الى البلد، قال مرحبا.
حتى وصلوا الى المدينة، لما وصلوا الى المدينة جاء سيدنا جابر في اليوم الثاني بالجمل، دخل سيدنا بلال يقول: رسول الله، انظرالى جابر جاء بالجمل، قال أُنقده ثمنهُ ورُدّ إليه جمله، هو أراد أن يواسيه ﷺ وجعلها في صورة مبايعة للجمل، لأنه يعلم أن والده لم يترك شيء لما توفي، كان عليه دَين حتى قضوا دَينه، إلا بمعجزة.
الَدين بعضه عند يهود وبعضه عند منافقين، طلبوا منهم الصحابة وحتى النبي ﷺ بنفسه طلب أن يضعوا الدَين، قالوا أبدا، ولا نضع شيء من الدَّين نجيء بالدَين كله، فقال له ﷺ في يوم جذاذ النخل الذي خلَّفه والدك، عندما تجذّون التمر، اجْمعه في جَرِين، ثم ادعُهُم يأخذون ما لهم، وادعني قبل ذلك نعطيهم، والدَين كثير وهو يعرف أن النخل هذا كله لن يغطي حتى ربع الدين الذي عليه، فقال مرحبا، جمعَ التمر من النخل في جرين وأخبر النبي ﷺ قال؛ قل لهم في اليوم الفلاني يتجمعون، كل من له دَين على أبوك يجيء.
جاؤوا؛ بعضهم يهود وبعضهم منافقين فجاء، قال رأى النبي ﷺ أكبر رُكمة من النخل فيها التمر، يقول خذ أعطِهم كِيل للأول الذي له، قال يناولني ﷺ وأنا أكيل أكيل والصُبرة محلّها ما تنقُص، الصّبرة هذه من التمر يعطيه؛ كِيل للثاني كِيل للثالث قال أنا راضي فقط أفتك -أتخلص- من الدين، لا أريد ولا تمرة واحدة، والصّبرة في مكانها، بدرة من التمر ما ينقص منها شيء، قال أعطيت الثالث، الرابع، الخامس؛ حتى انتهوا كلهم والنبي ﷺ محله قاعد فوق البدرة فقال: باقي أحد؟ قال ما باقي أحد، كلهم قضيت دينهم، قام ﷺ، قال وأنا انظر إليها، هل هي أكثر لما دخلها أو لما خرج منها؟! قال: هنا صارت أكثر وقال البدرة/الكومة كلها الباقية محلها لم نَمِسْ شيء منها، ووقعت لي واخواتي وأخذناها، لما علم ﷺ فأراد أن يواسيه، جعله في صورة مبايعة بالجمل، وهو لا يريد الجمل منه، قال لسيدنا بلال: أنقده الثمن، ورُدّ عليه جمله، ﷺ.
قال: "قطْعُ الفرضِ بغير عذر"؛ فرض الصلوات، قطع نفل الحج والعمرة لقوله تعالى: (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) [البقرة:196]. وهذا نفل الحج والعمرة مُجْمع أنه إذا دخل فيه أحدهما يجب أن يُكْمله، بخلاف؛ نفل الصلوات، نفل الصوم، اختلف العلماء؛ منهم من أجاز قطع النفل، ومنهم من حرّم قطع النفل.
لكن الحج والعمرة بالإجماع؛ إذا دخل في الحج والعمرة وأراد قطعها لا يجوز أن يقطعها، فإذا أُحصر فعليه أن يتحلل بما شاء، ولكن لا يجوز له أن يختار قطْعها ولا يتعمَّد قطْع الحج ولا قطْع العمرة، فإذا أحرم وجب عليه أن يُكمل، لو قال هذا قد حج أربعين حجة!! حتى خمسين مادمتَ أحرمت لابد أن تكمل، أو هذا قد اعتمر كثيرا، إذا قد احرمتَ بالعمرة لابد أن تكملها، (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)[البقرة 196]. - جل جلاله -.
قال: "محاكاة المؤمن استهزاءً به"؛ محاكاته؛ تقليده؛ يقول كذا، يتحرك كذا، يمشي كذا؛ يُقلِّده، يمثِّلهُ بقصد الاستهزاء؛ حرام حرام.
واحد أراد أن يستهزئ بالنبي ﷺ يقول إنه يمشي كذا، غيّر مشْيته ليست مثل مشْية النبي ﷺ، فبقي هكذا ما عاد رجع، ما عاد قدر يرجع الى حالته، وبقي طول عمره يمشي هكذا، ومحاكاة المؤمن استهزاءً به.
"والتجسُّس على عورات الناس"، وما يخبئونه من معايبهم.
"والوشم"؛ الوشم أنه يخلط الدم بما يوضع فيه من نِيل ونحوه، فيبقى المكان نجِسًا؛ "الوشم". فإذا كان وَقعَ في الوشم، عليه أن يتوب، كيف يتوب؟ كيف يزيله الآن؟ سيزيل البشرة، إن كان يسهل عليه فيجب إزالته، إن كان يصعب، يعني يتعرّض للمبيح من مبيحات التيمم يبقى للضرورة، وكما أنه يدخل في الإسلام بعضهم وهو ملآن بالوشم -إذا قلنا إن بإزالته يسبب جروح- يبْقيه على ما هو عليه، "لعن الله الواشمة والمستوشمة".
"وهجْر المسلم فوق ثلاث بغير عذر شرعي"، رُوعِي الطبع البشري، إذا زعلتَ من واحد وهجرْته -مراعاة لطبعك- ثلاثة أيام، لأنك ثقيل الطبع، بعدها لا يوجد عذر، إذا ما هناك عذر شرعي، لا يجوز أن تهجر مسلم فوق ثلاث، قال: زعّلنا، ولا عاد نريده، كيف ما عاد تريده؟ بعد الثلاث إذا قابلته؛
"وإما يلتقيان فيُعرِض هذا ويُعرِض هذا"... إذا هجر المسلم أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض فمات فهو في النار، فما يجوز هجر المسلم فوق الثلاث، والثلاث إنما مراعاة لطبع البشر.
سؤال: إذا اغتبت شخص، هل يوجد حلّ؟ غير أنه يستسمح منه؟
لو استسمحت منه ستنكشف، إذًا أنت توسّطْ بأي وسيلة للاستحلال منه، وإلّا سيظهر كل الكلام الذي قلته عليه، سيظهر له بعد ذلك في الآخرة؛
يحصل واحد من هذه، فالغيبة مشكلة، ولكن الاستسماح إذا تيسّر فهو أحسن، لكن إذا كان الكلام الذي قلتَه عنه، إذا بلغهُ سيغضب ويشتد الأمر بينكم:
ومن الأسباب التي يقذف الله في قلب صاحب الحق المسامحة، كان يذكر بعض العارفين في قول "رب اغفر لي ولوالديّ ولمن له حق علي" خمس مرات بعد الصلاة؛ إذا واظب عليها بعد الصلاة، إن الله يُلهِم الذين ظلَمهم أن يسامحوه، يُلهم قلوبهم أن يسامحوه، "رب اغفر لي ولوالدي ولمن له حق عليّ" خمس مرات، بعد كل صلاة.
الله يغفر لنا ولجميع من أسأنا إليه ولمن قَصّرنا في حقّه، ولمن له حق علينا، من صغير وكبير، وذكر وأنثى؛ الله يعفو عنا ويسامحنا ويقذف في قلوبهم عفوهم عنا، عن كل حق قصّرنا فيه، وفي حقهم آمين.
قال: "ومجالسة المبتدع والفاسق، للإيناس" بخلاف أن تصلِّي أنت وإياه في مسجد، أو جَمْعتكم وليمة عند أحد من غيرهم وكذا، لكن للإيناس يذهب الى عنده، يجلس معه، يؤانسه وهو متظاهر بالفسق أو متظاهر بالبدعة في الدين ويجلس يأخذ بخاطره، فيكون مثل المؤيّد للفسق والبدعة.
"ولبس الذهب والفضة والحرير للرجال" أو ما وزْنه من الذهب والفضة أكثر من غيره -للرجل البالغ- وإن كان يجوز تحْلية الأطفال، إلا خاتم الفضة، فيسنّ للرجل أن يستعمل في إصبعه خاتم واحد من الفضّة، وليس اثنين أو ثلاثة، يستعمل واحد فقط، خاتم من الفضة؛ استعمله ﷺ واستعمله الصحابة معه، بل صار مما يُضاعَف به ثواب الصلاة -يُصلّي بخاتم- ولكن من الفضة لا من الذهب.
واشترط بعض الفقهاء:
هكذا السُّنة، واتخذ مرَّة خاتم من الذهب ثم رمى به، وحَمل قطعة من حرير وقطعة من ذهب، وقال على المنبر "هذان حرامٌ على ذكور أمّتي، حِلٌّ لإناثهم".
ورأى -بعدما نهاهم عن الذهب للرجال- رجل يلبس خاتم من ذهب فأخرجه ﷺ من إصبعه ورمى به وقال: "لا يعْمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في إصبعه" وانفضَّ المجلس، قالوا للرجل خذ خاتمك، قال؛ لا والله، لن آخذه وقد رماه رسول الله ﷺ، قال خذوه أنفِقوه حيث يحب الله تعالى، أما أنا بعدما رماه النبي ما عاد يرجع إليّ ولا عاد آخذه.
قال: "والخلوة بالأجنبية" لقوله ﷺ: "ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما".
"وسفر المرأة بغير نحوِ محْرم"؛ إما زوج أو محْرم:
في بعض الطائرات، كان بعض النساء يتعجّبن من أنّه لابد من وجود المحرم، فوجدوا سكران قام في الطائرة، ويمسك امرأة وإذا هي تصيح، وكانت وحدها، قالت فتعجبت من حديث النبي ﷺ هذا في وقت التقدم عندنا والتطور، يقول لا تسافر المرأة إلا معها زوج أو محرم.
"واستخدام الحُرّ كُرهًا"، ولو ذمّيًا، لا يجوز إكراهه على الخدمة.
"والاستخفاف بالعلماء وبالإمام العادل"، "إن من إجلال الله توقير ذي الشيبة والإمام المقسط" أي الإمام العادل، ومن استخف بهم تعرّض لعقاب الله ولذلَّته في الدارين - والعياذ بالله -، وبالشايب المسلم كذلك.
"ومعاداة الوليّ"،
وهي من موجبات حرب الله تعالى؛ "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب". ولهذا قالوا من أقوى أسباب سوء الخاتمة معاداة وليّ.
"والتساهل بالربا، وإضاعة حقوق الناس" - والعياذ بالله -. لا يعتاد سبّ المؤمنين وخصوصًا أهل البيت، إلا مات على غير الملة - والعياذ بالله تعالى-.
وروى القوم أن من كان سبّ الفاطميين دأبه واعتياده *** لم يمت - والعياذ بالله - إلا عن ملة الرسول ارتداده
الله يرزقنا حفظ حرمة المسلمين والمؤمنين عامة، وخاصّتهم خاصة.
"والإعانة على المعصية بأي وجه من الوجوه، وترويج الزائف من النقود"؛ الزائف من النقود مثل هذه العملات اذا هي مزيّفة يحرم ترويجها، ولما كان بعض الصالحين يعرف أن هذا يزيّف، كل يوم درهم واحد من أهل الذمة من غير المسلمين، يزيّف درهم كل يوم، فكان يبيع عليه ويشتري درهم منه، يأخذ الدرهم منه يعرف بأنه مزيّف، ويأخذه ويرْميه في بئر، وبعد ذلك قالوا له كيف تقبل منه هذا؟ قال لو ما قبلت منه سيروّجه على غيري من المسلمين وأنا أعرفه وآخذه وأرمي به في البئر، قالوا ولماذا ترميه؟ قال حتى لا يغش غيري به، فترويج الزائف من النقود حرام.
"استعمال أواني الذهب والفضة سواءً للرجل أو المرأة حرام."، ولو ميلًا يكحل به، يحرُم، أو قلم، أو أي استعمال لأواني الذهب والفضة حرام على الرجال والنساء؛ المعتمد عند أكثر العلماء، وبعضهم جعل ذلك خاص بالأكل والشرب، والذي يأكل في آنية الذهب والفضة أو يشرب فيه، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم.
"واتخاذها"، لو قال فقط سأبقيها للزينة، فلن يكون للزينة، لأنك بعد ذلك ستقول ماعندك وعاء وستستعملها؛ استعمالها حرام واتخاذها حرام، حتى قالوا إذا كان عنده مرض في عينه والأميال قد تضره إلا لصفاء جوهر الذهب والفضة؛ واستخدم ميل، قالوا يجوز أن يستعمله فإذا شفيت عينه، وجب عليه أن يكسره، لا يجوز أن يتركه، لأنه ماعاد له حاجة، يكسره لأن اتخاذه حرام. كما أن استعماله حرام، فاتخاذه حرام
"أو ما أكثره وزنًا للرجُل"، إذا الثوب أكثره حرير، يحرم على الرجل ويجوز للمرأة.
"وترك الفرض أو فعله مع ترك ركنٍ"، ترك الفرض من الصلوات أو ترك ركن أو شرط أو فعل له.
"وترك الجمعة مع وجوبها عليه" وإن صلى الظهر، قال أنا سأصلي الظهر يوم الجمعة، مادام أنت بالغ عاقل حر مقيم، تقدر على حضور الجمعة، لا يجوز أن تصلي الظهر بدلها، يجب أن تحضر الجمعة، لقوله ﷺ "من ترك ثلاث جُمعٍ تهاونًا بها، طبع الله على قلبه بطابع النفاق". لقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) [الجمعة:9].
يقول: "وترك نحو أهل قريةٍ، الجماعة في المكتوبات"، "مَا مِن ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلاَ بَدْوٍ لا تُقَامُ فِيهمُ الصَّلاةُ إِلاَّ قدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ"، فلا بد أن يكون إقامة الجماعة في كل قرية، فرض كفاية، وفي كلّ حِلّة، في مكان عام، وليس وسط ديارهم.
"وتأخير الفرض عن وقته بغير عذر"، لأن الله تعالى قال: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء:103]، ولا يكون تقديم أو تأخير إلا:
"ورمْي الصيد بالمحّدد والمثقل"، الصيد البرِّي يجوز أن نصيده بحديدة، بشيء ينهر الدم، وأما بمثقّل مثل رصاص يقْتل به لايجوز، أمّا يضرب رجليه مثلًا من أجل أن يذبحه، يجوز، وأما يضربه في رأسه بعد ذلك يفوت ويموت، لا! إنما يرميه بشيء محدد، ينهر الدم.
"واتخاذ الحيوان غرَض"، يحبْسه ويجعلْه رمْية يرميها، لكي يكون غرض يرمي سهامهُ فيه، ليتعلَّم الرماية، على حيوان؟؟! حرام..
"وعدم ملازمة المعتدّة للمسكن بغير عذر"، سواء عدة وفاة أو عدة طلاق، (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة:228].
"والمتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا"، (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) [البقرة:234]، فتركُ العدّة معصية بجميع البدن
"وكذلك عدم الإحداد على الزوج"، "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدّ على ميت فوق ثلاثة أيام، إلا زوجٍ، أربعة أشهر وعشرا". فإذا تركتْ الإحداد بأن تستعمل الزينة وتخرج من البيت بغير حاجة، فهي عاصية بجميع البدن.
"تنجيس المسجد وتقذيره ولو بطاهر"، يقول ﷺ: "عُرضت عليّ أعمال أمتي حتى القذى يخرجها الرجل من المسجد"، وتنجيسه وتقذيره ولو بطاهر حرام، يجيء بتراب يرمي به في المسجد، ماذا تفعل؟ قال طاهر، ندري إنه طاهر لكن هذا ما يتناسب مع المسجد، إذا المسجد كله تراب نعم، أما مسجد فيه فرش نظيف، وتضع فوقه تراب أو أي شيء آخر طاهر، ما يليق بالمسجد، يحرُم عليك تضعهُ في المسجد.
"والتهاون بالحج بعد الاستطاعة إلى أن يموت"، فإذا تمكّن من الحجّ ثمّ لم يحجّ فمات، في آخر سنة تمكن من الحج، منها يتبيّن أنه من تلك السنة فاسق إلى وقت الموت، لأنه ترك الحج متعمّدًا فيتبيّن فسقه من آخر سنة تمكّن يحج فيها فلم يحج.
قال: "والاستدانة لمن لا يرجو وفاءً لدَينه من جهة ظاهرة" ولم يُعلِم دَينه بذلك؛ من باب أولى إذا يتديّن ونيّته أن لا يفي، فهذا حرام محض أن يأخذه، ولو هذا قال؛ يمكن إذا قدرنا سنوفي، كيف إذا قدرنا؟!! ليس لديه مبلغ دخْل، ويستدين ويأخذ دين، ولا يعلم صاحب الدين، أنه ماله دخل وأنه ما عنده قدرة، ومتى يقدر أن يقضيه، ومتى يقدر أن يرده، فيجب يعلم، فإذا أظهر إنه سيجيء به إليك وسيرده عليك وقال الآن فقط نحن محتاجين ومضطرّين، ويأخذه منه، فهذا حرام! وهكذا، التحايل في أمثال هذا لا يمشي على الجبّار، جلّ جلاله.
قالوا: "وعدم إنظار المُعسِر"، معسِر مسكين، ما عنده شيء وناوي يقضي الدين ولكن ما عنده شي، ماذا تعمل؟ (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) [البقرة:280]، ولكنه يشتغل، فلا يجوز له أن يسافر من البلد إلا بإذن الذي له الدَين، اشتغِلْ إلى أن تقضِ دين الرجُل، لا يجوز أن يسافر حتى يأذن له صاحب الدين، إلا إذا علِم أنه سيسافر لكي يشتغل ليقضي الدين، فيحرُم عليه السفر وهو عليه دين لأحد من أهل البلد، إلا بإذنه.
"وبذْل المال في معصية"، فإذا واحد أراد أن يستأجر مغنية في زواج له أو غيره، وتأتي بالكلام الماجن، وقال يا أخي نريد منك ديْن للزواج، هذا إعانة على معصية، لا يجوز أن تديّنه فضلًا أن تتبرع له، يقول مسكين هذا جارنا صاحبنا سنعطيه، تعطيه فلوس لكي يجيء بواحدة ساقطة؟ حرام الإعانة على الحرام حرام.
"بذل المال في معصية والاستهانة بالمصحف وبكل علم شرعي"، هو من موجبات الكفر -والعياذ بالله-.
"تمكين الصبي غير المميز من المصحف"، صبي غير مميز، كيف هذا؟ يريد أن يرى المصحف، يعطيه إيّاه ويقلِّبه، فقد يرميه أو يقطعه، فهذا حرام، لا تعطي صبي غير مميز مصحف.
هل ستعطيه فلوسك ليلعب بها؟ الفلوس سيقطعها عليه، المصحف تعطيه؟!! إنما يحمل الصبي المميز المُصحف للقراءة، للدراسة؛ يجوز، وأما تمكين الصبيان -أطفال صغار- يأخذون المصاحف ويقعدون يقلدون الذين يقرأون، صار لعبة أو كيف؟! لا يجوز تمكين الصبيّ غير المميز من مصحف. ولا من كتاب حديث حتى، لا يجوز أن تعطيه يلعب به، حتى يكبر ويميز ويقرأ.
"وتغيير منار الأرض"، ما معني منار الأرض؟ الأعلام التي فيها، الحدود، فيقدمه من أجل أن يزيد له ذراع أو ذراعين في أرضه؛ أي يُبْعد العلم، تغيير منار الأرض فيه وعيد شديد منه ﷺ.
أو التصرّف في الشارع الذي حدده السلطان أنه شارع أو تعارَفَ أهل المنطقة أن هذا شارع. شارع عام، يقوم يبني له دكان فيه، أو يُخرج جزء من الشارع ويزيده في غرفته.
يجوز له أن يعمل له دَرَج لمحل الدخول به، من الشارع، يعمل فيه درَج يطلع فيه لكي يدخل إلى البيت، وأما غير هذا لا يجوز يقتطع من الشارع شيء، لأنه الآن صار حكمهُ حُكم عام، متى يكون شارع؟
فما تحدد أنه شارع لا يجوز لأحد التصرّف فيه، إلا في مثل ضرورة، أن يجعل له درج، قالوا الدرج من الشارع، وليست من حدود أرضه، يطلع فيها إلى مستوى الدخول إلى بيته، وأمثال هذا.
وكذلك قال: "استعمال المُعار في غير المأذون له"، قال أترك هذا عندك عاريّة، ثم يستعمله، مثلا؛ أعطاه سيارة أو أعطاه دراجة أو أعطاه ثوب، قال عاريَة عنده أمانة، وهو لبسه أو مشى على السيارة؛ إن كان أذن لك هو، امشِ عليها هذا صحيح، فإذا لم يأذن، لا يمكن أن تستعملها، عاريّة مضمونة، وإذا أذن لك تستعملها يجوز أن تستعملها.
لو أعطاه السيارة ليقضي مشاويره فيها، قام يأجرها، هو أذِن لك أن تؤجرها؟ هو أذن لك من أجل أن تركب أنت وأهلك وتجيء بحاجتك، فما يجوز لك تستعملها إلا في المشاوير التي أذن لك بها، حسب ما يأذن لك المُعير فيه.
"أو زاد على المدة المأذون له فيها"؛ قال له فقط مدة شهر، فاستعملها الشهر الثاني والشهر الثالث، وهو أعارك إياها وقال لك إذا انتهى الشهر قف، ولا تستعملها، فتصير عندك وديعة وليست عارية، بعد الشهر تصير وديعة أمانة وليست عاريّة، لأنه أذِن لك بشهر فقط، الشهر تكون عاريّة، بعد الشهر تصير أمانة، وديعة.
لا يجوز، لو أعطاه عاريّة يستعملها لكن قام هو أعطى واحد ثاني؛ خذ استعملها، كل واحد يعطي الثاني، فالمستعير لا يعير لثاني، فإن أعاره ثم هلكت على يديه يضمنه ثانٍ، ولم يعد إليه.
قال: "وتحجير المباح كالمرعى والاحتطاب من الموات"، شيء عام للناس أو أرض موات، قال ممنوع أحد يعمّر هنا، ممنوع أحد يبني هنا، ممنوع أحد يرعى هنا، هل هذا تملكه؟ هذا حق عام من المطر، لا يجوز، ما كان عامًا لا يجوز لأحد أن يحجّره.
"تحجير المباح كالمرعى والاحتطاب من الموات"، أرض موات يقول لا أحد يأخذ من هنا، لماذا؟ قال هذه لي، من أين لك؟! ملكتها؟ ليست ملكك، أرض موات، من أراد أن يحتطب يحتطب.
"والملح من معدنه"، ملح في شيء من الجبال، قال لا أحد يأخذ من الجبل هذا لقريتنا، ليس لقريتكم، هل ملكتوه؟ مادام لايوجد مُلك جرى عليه، من أراد أن يأخذ من الملح يتفضل يأخذ..
"والماء للشرب من المستخلَف"، يجعله ناظر على مال مسبّل للشرب لا يجوز يمنع أحد منه.
"واستعمال اللقطة قبل التملك بشروطه"، أخذ لقطة بنيّة التملك واجب عليه أن يعرّفها مدة سنة، إن لم يأتِ أحد تملّكها، قبل السنة قال نحن من الحين نستعملها، وهي ما تتغير ولا تتضرر، لايجوز.
"والجلوس مع مشاهدة المنكر إذا لم يُعذَر، والتطفل في الولائم"، الدخول في الوليمة من غير دعوة من صاحب الوليمة، "وهو الدخول بغير إذن، أو أدخلوه حياءً"، وقد دعا بعض الصحابة النبي ﷺ، وسمى معه اثنين أو ثلاثة، وبعد ذلك تبعهم واحد رابع وهم في الطريق، فلما وصلوا عند بيت الداعي، قال النبي ﷺ، إنك دعوتني وفلان وفلان، وإن هذا تبعنا من الطريق فإن شئت رجع وإن شئت دخل، ماله حق أن يدخل إلا بإذن منك، قال: يدخل معك يارسول الله، فرجَّع الإذن له.
قال: وإلا يكون متطفِّل، طفيلي يدخل من دون دعوة، أو بحياء
"وأن يكرم المرأة اتقاء لشرِّه"، أين المعصية؟ المعصية في المُكْرَم هذا وليس في المُكرِم، المكرَم صاحب الخلُق السيئ الذي يصير يُكرَم من أجل اتقاء لشرِّه هو المأثوم، وليس الذي يكرمه. يُكْرَم، أي: من سوء الخلُق يصير الناس يتجنَّبون شرّه ويحترمونه ويقدمونه ليس محبة له وإنما ليكفيه بلاه، قال هذا سيؤذي ويضرّ، هو ذاك مأثوم بكل بدنه، هو هذا الذي يُكْرم، الذي يُكرَم اتقاءً للشرّ هو المأثوم.
"وعدم التسوية بين الزوجات، في المبيت والنفقة، وخروج المرأة متعطرة ومتزيّنة ولو مستورة، بإذن زوجها"، قالت زوجها أذن لها، أذِن لك تتبرجين؟ أذِن لك تتعطرين للأجانب يشموا ريحك في الطريق؟ ماله حق يأذن لك! مالك إذن من الله، الله الذي حرّم هذا وليس زوجك، الحقّ ليس للزوج الحقّ لله تعالى، له الحقّ أن يأذن لك لتخرجي من الدار نعم، لكن متعطرة لا! الله حرّم عليك أن تخرجي متعطرة، "إذا استعطرت المرأة فمرّت على الرجال ليجدوا ريحها فهي زانية" - والعياذ بالله تبارك وتعالى -.
ولا متبرِّجة متزيّنة، قالت زوجي راضي، ليس هو الذي أحلّ وحرّم، الله تعالى هو الذي حرّم، الله غير راضي، ما علينا من زوجك، زوجك يرضى أو يغضب، لكن الله تعالى هو الذي حرّم التبرج (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) [الأحزاب:33]. إن يبدو شيء من زينتها فيُرى، نعم تدخل في الحُرمة إلا إن كان لا يُرى شيء أبدًا، ولكن الزينة في العباءة نفسها، زخرفة ونقوش في العباءة التي تتغطى بها، صار هذا زينة، (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ).. الحجاب شُرِع من أجل ستر الزينة، لتغطية الزينة، فإذا كان هو زينة نحتاج حجاب فوقه حتى يسترها. ما شُرِع إلا من أجل أن يغطي الزينة، فإذا هو زينة نحتاج الى حجاب فوقه يغطيه.
وإذا كانت تمرّ على رجال أجانب ويجدون ريحها، لا يجوز، قالت زوجي راضي، زوجك راضي وربك غضبان؟…
"والسحر" معصية بكل البدن، ولا يتقنه إلا بالكفر - والعياذ بالله تبارك وتعالى -، مبادئ السحر قد يستعملها بعض المسلمين وهم على كبيرة من الكبائر، وأما إتقان السحر للبَطَلة، العاملين في السحر من الجانّ ، فهم لا يرضون أن يتعاملوا إلا مع كافر - والعياذ بالله تعالى - فيشترطون على أصحابهم -والعياذ بالله - إما يبول على مصحف أو يعمل شي من هذا -والعياذ بالله- فيكفر.
"والخروج عن طاعة الإمام" في غير المعصية، أما في معصية لا يُطاع لا إمام ولا غيره، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. لكن في غير المعصية ما يجوز الخروج عن الإمام إلا إذا أظهر الكفر البواح، وإلا أعطوهم حقهم واسألوا الله الذي لكم، تعرفون منهم وتنكرون، أفلا نناجزهم؟ قال لا، ما أقاموا فيكم الصلاة.
"والتولي على يتيم أو لمسجد أو لقضاء ذلك مع علمه بالعجز عن القيام بتلك الوظيفة"، يدري أنه لن يؤدي حقها، ويقدِّم نفسه ويرشح نفسه لها ويتصدّى، بأن يتولى أموال يتيم أو أموال مساجد، أو يتولى قضاء، يدري بنفسه أنه ضعيف لا يعرف الحكم ولن يحكم بالشرع.
"وإيواء الظالم ومنع من يريد أخذ الحق منه"، ما دامه ظالم، بخلاف المظلوم، يجوز إيواء المظلوم وليس إيواء الظالم. واحد سيُقتل بغير حق، ظلم، أو سيُضرب بغير حق، ظلم، ودخل عندك يجوز تؤويه وتستره. وفي هذه الحالة من الحالات التي يجوز فيها الكذب، قال كيف؟ واحد مظلوم سيُقتل ظلم -متعدّى عليه- لا يستحق القتل، فجاء وتخبأ عندك، فجاء الذي سيقتله يقول هل رأيت فلان بن فلان؟ هل تعرف أين هو؟ قال واحد أنا أحكي بالصدق، تحكي بالصدق؟!! تعّرض النفس للقتل! تأثم بهذا، قل ما رأيته، قل ما رأيته لأنه مظلوم بغير حق.
بخلاف إيواء الظالم - والعياذ بالله تعالى- ومنْعه من يريد أخذ الحق منه.
"وترْويع المسلمين"؛ من روّع مسلمًا لم يؤمّن له روعته يوم القيامة. وهكذا، وخافوا أن يكون من الترويع أنه لو واحد خبّأ نعْلي المسلم وخرج يبحث، أين النعلين؟ ظن إن أحد سرقهم، أو أحد أخذهم، قالوا هذا إخفاءها من الترويع
وبعض المحتاطين من الصالحين يعرفون قيادة السيارات ولكن يتجنبها، لماذا تجنبها؟ قال حتى لا يضطر الى استعمال التنبيه، وواحد قريب فيتروّع، حتى إذا جاء ورأى أحد يمشي في الطريق يبقى واقفًا، لا يستعمل الآلة، قال الآن إذا استعملت الآلة سيتروّع هذا، سيخاف وأكون روَّعته، رأى الحل إنه يصبر صابر محله، الى أن يمشي.
"وقطع الطريق" -والعياذ بالله تعالى - فإما أن يؤذي، وإما أن يسرق وإما أن يقتل، فلذا يختلف التعزير، إما قطع يد ورجل، من خلاف هذا إذا أخاف وقتل، إذا أخاف وأخذ المال؛ قطع يد أو رجل، أو يقتل ويصلّب إذا أخاف وقتل أيضًا، يأخذ الذين معهم ويقتلهم، فيُقتل ويُصلب، وإن كان فقط يروّعهم ويأخذ مالهم فقط، فبقطع يد ورجل من خلاف.
ومنها: "عدم الوفاء بالنذر"، إذا نذر قربة ولم يقم بها.
"والوصال في الصوم"؛ أن يصوم يومين من دون أن يفطر في الليل بشيء.
"وأخذ مجلس غيره"؛ كان جالس فيه، وقام ليشرب ماء أو ليكلّم صاحبه أو ليقضي حاجته، فجاء، فوجدك قد جلست في محله، مسكين… تتعمد الجلوس في محل الغير!.
"أو زحمته المؤذية، أو أخذ نوبته"، إذا كانا متناوبين على أخذ ماء أو بيع شيء في مكان معين، فإذا النوبة للثاني تتقدم تأخذ نوبته؟! لا يصحّ، إلا ما كان بإذنه، والله أعلم.
ينتهي الكتاب بباب التوبة ونسأل الحق أن يحققنا بها، ويرسِّخ أقدامنا فيها ويجعلها توبة نصوحًا خالصة لوجهه الكريم لا ننقض عقدها ولا ننكث عهدها ولا نعصي بعدها.
يا تواب تُب علينا وارحمنا وانظر إلينا، تجب التوبة من الذنوب فورًا على كل مكلّف، ونحن نستغفر الله ونتوب إليه.
وقولوا جميعًا نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم ونتوب إليه، نستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحيّ القيّوم ونتوب إليه، نتوب إليه من جميع الذنوب والمعاصي والآثام بيني وبين الله، وبيني وبين عباد الله، ومن جميع ما يعلمه الله، نستغفر الله لما يعلمه الله، نستغفر الله كما يحبّه الله، نستغفر الله لما يعلمه الله، نستغفر الله كما يحبه الله، نستغفر الله لما يعلمه، نستغفر الله كما يحبه الله. اللهم اقبل منا ومنهم ذلك، وتُب علينا توبة نصوحا، زكّنا بها قلبًا وجسمًا وروحا.
"فصلٌ في التوبة
تجب التوبة من الذنوب صغيرها وكبيرها، فورًا على كل مكلّف وهي:
1- الندم
2- والإقلاع
3- والعزم على أن لا يعود إليها،
ولا يشترط الاستغفار باللسان،
4- وإن كان الذنب ترك فرضٍ قضاه،
5- أو تبِعة لآدميّ قضاه أو استرضاه"
مع الإقلاع والعزم على عدم العودة إليها والاستغفار، وإن كان الذنب بترك فرضٍ قضاهُ، أو تبعةٍ لآدمي ردّ له القضاء أو استرضاه.
خاتمة المؤلف
انتهى ما قدّر الله جمعه، وأرجو منه سبحانه أن يعمّ نفعه، ويكثر في القلوب وقْعه، وأطلب ممن اطّلع عليه من أولي المعرفة ورأى فيه خطأً أو زللًا أن ينبّه على ذلك، بالردّ الصريح، ليحذر الناس من اتباعي على غير الصواب، فالحقّ أحقّ أن يُتبع، والإنسان محلّ الخطأ والنسيان.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر:10]. اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبنا ورحمتك أرجى عندنا من أعمالنا، (سبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180-182]. قال مؤلفه سيدنا الحبيب عبدالله بن الحسين بن طاهر باعلويّ رضي الله عنه، وكان الفراغ من إملائه فاتحة رجب، سنة ألف ومائتين وإحدى وأربعين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم."
أكملَ كتابته وتأليفه قبل مئتين وخمس سنين، لكن ما شاء الله النفع يتجدّد به، كَتبهُ في قرية من قرى حضرموت، لا أحد يتوقع أنه يُقرأ في عمّان في الأردن بعد مئتين وخمس سنين، لكن الإخلاص لوجه الله والصدق مع الله هو الذي يحصل به الانتشار للخير، الحمدلله رب العالمين.
والرجل هذا من عباد الله الصالحين، كان يتحدث بنعمة الله يقول: ما أذكر أني فعلتُ مكروهًا ولا هممت بفعل مكروه من قبل البلوغ، من قبل ما يبلغ إلى آخر عمره؛ ليس الحرام، بل المكروه، ولا هممت بفعل مكروه، هذا العطاء الكبير، هذا المنّ العظيم، ومع ذلك يبتهل ويتضرّع ويبكي يقول:
يارب ما معنا عمل *** وكسبُنا كله زلل
لكن لنا فيك أمل *** تحيي العظام الرامّة
ويقرأ عشر أجزاء من القرآن في صلاة الليل، وعشرة أجزاء في الضحى، من أوراده كل يوم 25 ألف من لا إله إلا الله، 25 ألف يا الله يا الله ، و25 ألف صلاة على النبي ﷺ، وبعد ذلك يقول: يارب ما معنا عمل…
وله دروس في التذكير والدعوة إلى الله تعالى، وكان يفرِّغ ساعة لأهل بيته يجلس معهم يتفقد أمورهم، فيفرحون بهذه الساعة معه وهو مشغول بربه.
واحد من الأطفال وهم جالسين في هذه الساعة مع الحبيب، يقول للذي بجانبه، أعطنا ماء، ما انتبه منه، لأنه مُقبل على الحبيب، فرحانين بهذه الساعة، وكلّم الثاني ولم ينتبه منه، قام الطفل قائمًا؛ حبيب عبدالله يومك جُويِّد، أنت جُويّد، قال: مرحبا، وقام. قاموا كلهم، قال: هذا شهد لي بالجوادة، وقام بنفسه وجاء له بالماء، وأعطاه إياه، و أكمل الجلسة مع عائلته، رضي الله عنه وأرضاه.
وفي وقته اخترعوا هذه الساعات، جاءه واحد قال هذه ستساعدك على ضبط الوقت، فتركها عنده، قال ساعتك هذه وقفت، قال انت ما ملّيتها، قال كل يوم لابد تمليها، قال أنت أعطيتني إياها لتضيع وقتي أو تحفظ وقتي؟ ما عندي وقت أمليها هذه، أعطها واحد فارغ معه وقت يمليها، وقتي كله موزع، ما عاد شي وقت.
فكان يذكر أهل البيت إذا جاء وقت رمضان، قبل رمضان يقول لهم يا أولادي الآن وصل رمضان وأنا وقتي كله موزع ما عندي وقت حد بيبيع علي وقت منكم؟ سأشتريه بالذي تريدون، يريد يذكّرهم بعظمة الوقت، حفظ الوقت، لا أحد يبيع الوقت قال الآن أريد أزيد شيء في رمضان، كيف أعمل؟
الوقت كله مشغول بالعبادة، غاية الأمر أن ينقلب التهجد إلى صلاة التراويح لكن أريد أن أزيد شيء في رمضان، زيادة على غير رمضان ما معي وقت، حد سيبيع لي وقت منكم؟ من فضلكم، ينبّه الأسرة أن الوقت عزيز ووجب اغتنامه، وهكذا عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، أعلى الله درجاتهم وأعاد علينا عوائدهم.
ونفعنا بهذا الكتاب وما فيه ومؤلفه وبجميع الصالحين نفع يستقر نوره في قلب كل منكم، ولا يزال يزيد حتى نجتمع مع خيار العبيد، (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].
رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ارزقنا العمل بهذا العلم وتطبيقه واجعله ذخرًا لنا للوصول إليك وللرضا الأكبر منك عنا في جميع أحوالنا وتزداد عنا رضًا أبدًا سرمدًا بسر الفاتحة إلى روحه وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
لكم الإجازة في قراءة هذا الكتاب، وتأمُّل المعاني والعمل بما فيه، وتعليم ذلك ونشره.
01 ربيع الأول 1446