تفسير سورة مريم - 12 - من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} الآية 96 إلى 98 آخر السورة

للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة مريم:  

إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) 

مساء الإثنين 1 جمادى الآخرة  1446هـ

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله ربنا الرحمن مُنزِل القرآن، مُكرِمنا بِبيانه على لسان خير إنسان، عبده المُجتبى المختار سيد الأكوان، اللهم أدِمْ صلواتك على الرحمة المُهداة والنعمة المُسداة والسراج سيدنا محمد، وعلى آله المخصوصين بالتطهير، وأهل صحبه الذين حُضوا بالقدر الكبير، وعلى مَن تابعهم بإحسان في خير مَسير إلى يوم المصير، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين أهل الفضل الكبير، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المقرّبين، وعلى جميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، يا سميع يا بصير يا لطيف يا خبير.

أما بعد،،،

فإنّنا في نعمة تأمُّلنا لكلام إلهنا وربنا ومولانا وخالقنا وخالق كل شيء، مَن بيده ملكوت كل شيء، الحق الحي القيوم -جلَّ جلاله- وتعاليمه وإرشاداته وخطاباته، انتهينا إلى أواخر سورة مريم، وجِئنا إلى قوله جلَّ جلاله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) -جعلنا الله وإياكم منهم- (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96))، ولم يزل الحق يُذكِّرنا بما يكْسب وينال ويُحَصِّل أرباب الإيمان والعمل الصالح، أرباب التصديق بما أوحى إلى أنبيائه؛ مِن خيراتٍ ومَبَرّاتٍ عظيماتٍ جليلاتٍ كبيراتٍ دائمات، وهي فائتةٌ على كل مَن لم يؤمن، ويُسيِّبها ويُحْرَمها كل مَن لم يُصدِّق ولم يعمل الصالحات.

  • فما الذي يُحصِّلون مقابل هذه العطايا؟

  • وما الذي يكْسبون بدل هذه المزايا؟!

أكل أم شرب أم طعام، أم نكاح أم رئاسة، أم ثياب أم منازل أم طائرات؟ أم ماذا؟ مُنْتهٍ مُنْقضٍ، زائلٍ مُتبدِّلٍ مُفارَق! فماذا حصَّلوا إذا فقدوا هذه الخيرات؟! فما أخسرهم!؛

  • (وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ) [الشورى:45]، -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

  • (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر:15]،

فالله يُوفِّر حظَّنا مِن عطايا المؤمنين العاملين للصالحات، ويرزقنا قوة الإيمان وحُسن العمل الصالح، وفرصتنا ما دمْنا في هذه الحياة وغنيمتنا: يزداد إيماننا ونزداد عملًا صالحًا في كل ليلة وفي كل يوم، فيكون الليلة عليك مباركة واليوم عليك مبارك؛ إذا ازددتَ فيها إيمانًا وعملًا صالحًا، فأنت رابح!

كل ما يجري في هذا الوجود والكون ما يضرّك شيء ولا يحجزك عن ربحك هذا، مشاكلهم وحروبهم وآفاتهم وسياساتهم ما تقدر تمنعك عن ربحك هذا، تقدر تزداد إيمانًا، تزداد عملًا صالحًا، وارقَ واكسب، وخُذ من المواهب والعطاء، وخُذ لك من الزاد الشريف وارتقِ؛ دعْهم، (قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام:91]، ما عندهم غير اللعب، (وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) [العنكبوت:64].

قال سبحانه وتعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) اعلموا.. اعلموا.. اعلموا علم يقيني مِن عند ربك العليم، (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) [الحديد:20].

والمستقبل الكبير ما هو؟ (وَفِي الْآخِرَةِ)، وماذا في هذا المستقبل؟ واحد مِن اثنين:

  1. (عَذَابٌ شَدِيدٌ).

  2. (وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ).

واحد مِن هذه الاثنتين: (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [الحديد:20]. 

وما أكثر المُغترِّين فيها! وكل ما عندهم مِن أنظمة وبرامج، وسياسات وخِطط، ومحاولات وأفعال ينطلقون في هذه الحياة، وفي زمننا هنا وهناك: (لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) لا شيء غير هذا، ما عندهم غير هذا! فيا ويل مَن لم يؤمن، ويا ويل مَن لم يستعِد للدار الآخرة.

قال: 

  • (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) صحَّ إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وما جاء به المرسلون.

  • (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) عملوا بمقتضى هذا الإيمان، طبَّقوا الإيمان، صارت أعينهم ذوات نظرات صالحات، أذانهم ذوات أسماع صالحات، ألسنتهم ذوات كلمات صالحات، أيديهم وفروجهم وبطونهم، وأرجلهم ما تمشي إلاَّ في الصالحات، ولا يقولون إلاَّ الصالح.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96)) سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ -جلَّ جلاله- الرحمن: اختار مِن أسمائه الرحمن- سيجعل لهم ودّا، (وُدًّا) -غاية المحبة- غاية المحبة والرضا والملاطفة، ود.. ود.. يجعل لهم ود، أين هذا الود؟ يقول لسيدنا قتادة: يُحبهم ويُحبِبهم إلى عباده، يُحبهم ويُحبِبهم إلى عباده.

(سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96)):

  • يفتح لهم وهم في هذه الحياة الدنيا قبل الآخرة معاني مِن وداده، تذوق فيها أرواحهم لذائذ لا تُوصَف ولا تُحَد، 

  • ويكسبون ود الملائكة، وود الأنبياء ومحبتهم، وود الصالحين والعِبرة بهؤلاء، 

  • بل الكثير منهم يمتد آثار محبته وموَدَّته عند مختلف الطوائف، وعند مختلف الكائنات والمخلوقات، تُحِبّهم السماوات، تُحِبّهم الأرض، تُحِبّهم الحيوانات، تُحِبّهم الجمادات، تُحِبّهم -سبحان الله-!

حتى كثير مِمّن يُعاديهم يجد وسط قلبه تقدير لهم وإعزاز ومحبة، ويود أنه تغلب على هواه أو على القوم الذين دخل معهم في دائرة الصدام لهؤلاء، ويحس في قلبه أنَّ هؤلاء ناس طيبين - سبحان الله -. 

ويجد الكثير منهم امتداد محبة في قلوب الناس مِن دون شيء سابق، لا قرابة ولا معروف ولا إحسان ولا عملوا شيء معهم، بِمجرد ما يرونهم يحبونهم، بمجرد ما يسمعون عنهم مِن دون ما يرونهم يجدون في قلوبهم محبة لهم، مِن أين هذا؟ -سبحان الله-  هذا الأمر الذي نتحدث عنه والذي به العبرة، شؤونه مُستمرة وهي مُتّصلة بِوِدّ الحي القيوم الذي لا تأخذه سِنة ولا نوم، والذي هو الدائم الباقي لا يموت -جلَّ جلاله- هذا هو الشرف.

 بهذا يسقط ما لا اعتبار له، ما الذي لا اعتبار له؟ محبة فُجار، محبة فُساق، محبة سَقَطة، الذين يحبونك من رؤوسهم إلى أقدامهم، ماذا سيعملون لك؟ وإلى متى ستدوم هذه المحبة؟ كل الذين تحابُّوا في غير الله يتباغضون؛ أكثرهم في الدنيا قبل الآخرة، والكثير منهم في الآخرة؛ مِن عند الموت وهو يكره كل أصحابه الذين ساعدوه على المناكر وعلى الكبائر، وعلى الخروج عن أمر الله الخالق الفاطر.. يكرههم، يقول: هم السبب، وإذا تلاقوا في القيامة يلعن بعضهم بعض، يسب بعضهم بعضا، ما هي العبرة لهذه المحبة؟ ما هي العبرة لهذه المحبة؟!

(سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96))، أمّا هؤلاء فهم أهل الودّ العجيب الذي يدوم ويتأبّد؛

  • أولاً: ودّ إلههم الرحمن، 

  • ثم عجائب فيما يقذف مِن محبتهم في قلوب الملائكة، وقلوب النبيين، وقلوب العباد الصالحين؛ 

والعبرة بهم، والعبرة بهم؛ لأن محبة هؤلاء هي التي تنفعك، وهي التي توصلك إليهم، وتُقرِّبك منهم، وتجعل مآلك معهم، ومحبتهم تدوم.

  • المتحابون في الله محبتهم دائمة؛ لأنها مِن أجل الدائم، يموت ويزداد محبة للذين أحبهم في الله تعالى، ويتفرّغ بعد الموت للدعاء لهم أكثر ويذكرهم أكثر؛ لأنه أحبهم مِن أجل الواحد الباقي -جلَّ جلاله- وبعد ذلك في القيامة على منابر مِن نور، وفي ظل العرش؛ هذه المودَّة المعتبرة، هذه المودة الطيبة المحسوبة.

  • وأما يتحابون -والعجيب وجدناهم في الدنيا قبل الآخرة- اليوم يتحابون مِن أجل مصلحة هذا، وثاني يوم يتقاتلون، وثالث يوم من أجل غرض آخر يتقاربون، وسادس يوم يتضاربون، ونحن في أعمارنا القصيرة رأينا عجائب مِن هذا، يجتمعون ويقدِّمون ويُصلِّحون اتحاد، وبعد ذلك تفريق، وبعد ذلك تدور بينهم معارك، وبعد ذلك تأتي مصلحة أخرى، يقول الآن هناك مساواة، والأمر هكذا، ويصلِّحون زيارات ومنشورات، وبعد قليل يضرب هذا الثاني، رأينا بين دولة ودولة خمس مرات، مرة يتفقون ومرة يقْربون ويأتي السفير بعد ذلك انقطاع.. نرى هذا في أعمارنا القصيرة، أي مودة عند هؤلاء؟! أي محبة عند هؤلاء؟ و (يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) [العنكبوت:25]

لكن المودة عند الأنبياء، المودة عند الملائكة؛ 

  • يقول سيدنا مسلم يروي في صحيحه: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً نَادَى جِبْرِيلَ، يا جبريل إِنِّي أُحِبُّ فُلَان ابن فلان فَأَحِبَّهُ"، فيحبه جبريل، وينادي في أهل السماء: "يا أهل السماء إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ فَأَحِبُّوهُ". قال: فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض".

  • وجاء في روايات متعددة، في رواية عند الإمام أحمد بن حنبل يقول: "إِذَا قَامَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَطْلُبُ رضى رَبَّهُ" قال: إن الله ينادي: "يا جبريل، فلان ابن فلان يسترضيني، -فلان ابن فلان يسترضيني-، فعليه رحمتي"، يقول: "عليه رحمة الله، عليه رحمة الله". قال: فيأمره أن ينادي بها فيقول: "فلان بن فلان عليه رحمة الله"، قال: فينادي حملة العرش، ومَن حوله، حتى ينادي أهل السماء: "فلان بن فلان عليه رحمة الله".

هذه المودة العجيبة، هذا الذِّكر الطيب، وبعد ذلك يستمر ذكره إلى الأبد مرفوع مُعزَّز مُكرَّم! أما وسائل التواصل هذه ووسائل الإعلام هذه؛ يوم سب ويوم شتم، يوم يرفعون واحد ويوم ينزلونه.. والله ما تحتها شيء وما هي شيء، ولا تنفع شيء؛ لكن هذا؛ "فأحِبوه"، فيحبونه إلى الأبد، ويعيش محبوب، يموت محبوب، ويبعث يوم القيامة محبوب، ويدخل الجنة وهو محبوب.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96))، وعبَّر بـ(سَيَجْعَلُ)؛ فِعل مضارع، فيه السين للتنفيس، يعني أن ما يُكرمهم به مِن الوداد إلى ازدياد، سَيَجْعَلُ.. سَيَجْعَلُ.. سَيَجْعَلُ.. سَيَجْعَلُ.. سيجعل، أعطاه ود، سيجعل لهم ودّ سيجعل لهم ودّاً، قوِِّ الإيمان والعمل الصالح وخذ ود فوق ود، فوق ود مِن الوَدود -جلَّ جلاله- يا سلام!

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96))؛ لذا تجد قلوب عموم المؤمنين يحبون الأنبياء، يحبون الصحابة، يحبون آل الأنبياء صلوات الله عليهم، وكل نبي إلى نبينا الطاهر -عليه الصلاة والسلام-، ويحبون ذِكر كثير من الأخيار.

  • فإن صادفتْ محبتك لِمن يُحبه الله ويُحب الله؛ فأنت الناجح المفلح، أنت الفائز الرابح. 

  • وإذا انحرف قلبك وصرتَ تُحب مَن يبغضه الإله -والعياذ بالله- وتُبغض مَن يحبه الله؛ فأنت على الخطر، وأنت مُعرَّض لسوء المستقر، انتبه لنفسك!

نسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وحُب عمل يُقرِّبنا إلى حُبك، يا رب العالمين.

  • ولذا أوحى إلى بعض أنبيائه: "لو لقيتني بعبادة أهل السماوات والأرض وحُبٌّ فيَّ ليس، وبغض فيَّ ليس، لم أتقبَّل ذلك منك"، ما تُقبل عبادة منك إذا لم تحب أحباب الله وتبغض أعداء الله. 

  • قال النبي ﷺ: "نُحِبُّ بِحُبِّكَ الناس، وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ مِن خلقك".

  • (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) [المجادلة:22]. 

اكتب في قلوبنا الإيمان وأيِّدنا بروح منك يا رحمن، ونسألك أن ترزقنا لذيذ هذا الود وتزيدنا منه يا ودود يا رحمن.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96)) يقول الله تعالى: هذه المعاني البديعة والحقائق الكبيرة الرفيعة الوسيعة أنزلناها إليك؛ فضلاً منا عليك، وأنعمنا على خلْقنا بواسطتك، (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ..(97))، 

  • إنما يسّرنا هذا الذكر وهذا الوحي بلسانك يا حبيبنا، بلسانك يا عبدنا المختار، يا عبدنا المصطفى المنتخب؛ (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ) وهذه إشارة إلى مكانة محمد عند ربه.

  • (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ): سهّلناه، وذلّلناه، ووهبناه، وقرّبناه، ومكّناهم منه؛ (بِلِسَانِكَ)، حتى لمّا بُهِتَتْ أرواح الكثير من العارفين بأسرار القرآن وأنواره؛ قالوا: "والله لو لم يُذَلِّـله الله لنا ويُيسِّره بلسان محمد؛ لما استطعنا أن ننطق بحرف منه، فضلاً عن كلمة".

  • (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ) ﷺ وبِلُغَته الكريمة -لُغتُه العربية- بثَّ الله هذه المعاني وهذه الكنوز؛ في كتاب مهيمن على جميع الكتب؛

(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ..) [المائدة:48-49].

يقول الله: المؤمنون بي يأخذون ديني بقوة واستيعاب، ولا يَشُكُّون في شيء منه، ولا يسمحون لإبليس ولا لأحد من شياطين الإنس والجن أن يقول لهم: هذا لا يصلح، وهذا قديم، وهذا من الزمان غير هذا.. 

 حُكم الله:

  •  فوق كل عقل، وفوق كل حكم،

  • وفوق كل نظام، وفوق كل منهج، وفوق كل فِكر،

  •  وفوق كل من في السماوات والأرض؛ حُكْم الله!

(وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا) كل من تَولَّى عن هذا المسلك الصحيح؛ فاعلم أنّما يُريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم، البلايا تنزل عليهم؛ بسبب ذنوب اقترفوها، وعَصَوا الله بها؛ فحرمهم:

  •  نور التصديق، ونور الإيمان، ونور الطمأنينة،

  • وعجَّل لهم البُعد في الدنيا والعذاب في الآخرة -اللهم أجرنا-.

(وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:48-49]، مَن؟ (مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)؟! لا والله! لا أحد أحسن من الله حُكم؛ فالحُكم حكمه، ارزقَنا كمال الاستسلام والانقياد يا ربّ، تعظيم شَرعِك وحُكمِك على كل ما خالفهُ من أنظمة الشرق والغرب، يا حي يا قيوم.

(فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ ..(97)) -اللهم اجعلنا من المتقين- اتَّقِّ ولك:

  •  بشارة من الرحمن،

  •  مُنزَلة في القرآن،

  •  على لسان سيد الأكوان،

وفي أول سورة يس: (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [يس:11]، (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ)؛ فهو مُبَشَّر، فبَشِّره بمغفرة.. كيف ما يَستبشِر؟! كيف ما يفرح؟! لو أحد أراد أن يؤنسك أو يأخذ بخاطرك؟! إذا الرحمن يقول لك كذا على لسان حبيبه! 

اتَّبع الذّكر واخشهُ بالغيب؛ وخذ البشارة..

  •  هو مؤانِسَك، وهو حاضر معك،

  •  وهو مُراعيك، وهو مُتولّيك.

 (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97)): شديدي الخصومة، فُجّار متعصبين، مُصرِّين على الباطل. 

  • (لُّدًّا): قوم لُدّ -جمع لدود- من كُلّ أَلَد، يعني: كذاب فاجر مُصِر على الرَّيْب، شديد الخصومة هذا اللدود؛ شديد الخصومة، "أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصِم".

  • (وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا) قال: أنذِر هؤلاء الّلدَد، قُل لهم: ترفَّقوا بأنفسكم، فأين ستذهبون؟ مبدأكم منه، وعمّا قريب ترجعون إليه..! أنقذوا أنفسكم أحسن لكم.. اتركوا هذا التعصب للإلحاد وللكفر بأصنافه وأنواعه، ولعقولكم الزائغة؛ عظِّموا ربكم الذي خلق.

  • (وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا): مُعاندين مُخاصمين مُجادلين بالباطل، يُجادلون بالباطل؛ (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) [الكهف:56]،  يدفعون به الحق، ومُتعصبين على ذلك؛ فأنذِرهم:

    • ومن أفادت فيه النذارة ورجع؛ فيا بُشراه.

    • ومن أصرَّ؛ فأمامه العذاب الشديد والعياذ بالله -تبارك وتعالى- .

وعلى العقلاء في الأرض أن يُحسنوا النظر والتأمُّل والتفكُّر، ويُحسنوا استعمال العقول، فيا أيتها الأمة الأخيرة، كم أمم قد مضوا قبلنا؟! وكم عجائب وغرائب في العِبر؟ في العِبر والادّكار فيمن مضى؟! (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ ..(98))

  • (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ)! قرن.. بعد قرن.. بعد قرن.

  • (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ)! في أحد بقي عندنا ملحد أم ماذا؟ أصحاب تخطيط! هل هم أول قوم خططوا في الأرض أو ماذا؟ ألوف.. مئات الألوف خططوا قبلهم؛ هلكوا واضمحلَّوا وتلاشوا وعَدِموا من هذه الدنيا ولاقوا العذاب - والعياذ بالله تبارك وتعالى-.

  • (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ)، أمم وطوائف وأفراد وجماعات وهيئات ودول وشعوب وأحزاب؛ راحوا وذهبوا.

  • (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ)، لا إله إلا الله..!

(هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ)؟ هل ترى زمجرة لأحد منهم؟ هل ترى أثر لأحد منهم؟ لم يعد لأحد منهم أثر!! أين قوم نوح؟ أين قوم إدريس؟ أين عاد (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ) [الفجر:11-13]؟ أين ثمود؟ أين النمرود؟ أين فرعون؟! (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا) [الفرقان:38]، قرون بين ذلك كثيرة.

 (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ) -خالقكم وخالق كل شيء؟ كل شيء دليل على عظمته!- (فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) [إبراهيم:9-10].

قالت لهم رسلهم: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) [إبراهيم:11]:

  • أعطانا النبوة.. أعطانا الرسالة..

  • أعطانا الوحي.. أعطانا النور..

  • وأمرنا أن نهديكم وندلّكم على الخير، 

(وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا)؛ دار ابتلاء واختبار؛ يؤذى الأنبياء ويؤذى الأولياء (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)؛ وبعد هذه المعاناة والصبر؛ العاقبة للمتقين: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) [إبراهيم:11-13]، لا إله إلا الله.  اجعلنا ممن خاف مقامك وخاف الوعيد، ومشى على المنهج القويم السديد، والمسلك الحميد الرشيد، يا حي يا قيوم، يا من يبدئ ويعيد، يا فعّالاً لما يريد.

(هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98))، ركزاً: أي حِسّ، صوت خفي قليل، شيء قليل؟ ولا واحد منهم! فكم أفنى؟! وكم أهلك؟! وكم دمّر؟! -سبحانه وتعالى- (وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا) [الفرقان:39]، لا إله إلا الله.

والعجيب في تاريخ هذا الإنسان وهؤلاء البشر؛ تتَنوَّع مظاهر الكفر ويُناقض بعضهم بعضاً، ويسب بعضهم بعضاً، على مدى التاريخ.. حتى في التاريخ الذي حضرناه نحن في حياتنا الدنيا -عند أنظمة ودول- يُمجِّدون ناس ويُعظّمونهم، وبعد ذلك يمر الوقت يقولون: لقد أخطأوا في هذه النظرية، بعد ذلك يقولون: خطأ في خطأ هؤلاء.. يأتون بصوَرهم الذين كانوا يُمجِّدونهم ويُعظِّمونهم ويدعسونها ويُحرّقونها! -نحن رأيناه بأعيننا، هذا حصل في حياتنا القصيرة-!

لكن.. أهل الحق والهدى -من عهد آدم إلى محمد بن عبد الله، إلى المؤمنين اليوم-:

  • كُلهم يُعظِّمون الأنبياء والمرسلين، صوت حق واحد

  • ولا تناقُض ولا تخاصُم ولا تباعُد، ولا سباب ولا شتم.

  • كلٌّ يحب الثاني، مُصدِّقاً لما بين يديه.

 (وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) [المائدة:46]، وهكذا جميع المرسلين، صوت حق واحد هذا! كلهم على: لا إلهَ إلاَّ اللَّه، من آدم إلى المؤمنين اليوم، إلى آخر من يكون من المؤمنين على ظهر الأرض؛ صوت واحد: لا إلهَ إلاَّ اللَّه.

 هذه المبادئ المُبطلة المتناقضة في العالم، أين صوتها الواحد؟ لا كذا.. ولا كذا وهكذا .. هذا غلط وهذا ضد.. كله باطل! لكن هذا يضرب هذا ويتناقضون بينهم البين.. يُمَثّل حالتهم في الآخرة، بعد ذلك تكون هكذا: (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا) [الأعراف:38]؛ يتلاعنون.

وهكذا هم في الدنيا يعْملون، حتى كان بعض الروسيين لمّا أسلم قريباً، سألوه عن سبب إسلامه، قال: تأمّلت التاريخ؛ أنَّ كل العظماء وأهل النظريات والأنظمة؛ يبدأون وبقوة يظهر، وما تمر الأيام إلّا ويَنقُص أتبَاعهُم، ويَنقُص الثناء عليهم، وينقص المُحِبون لهم؛ إلّا محمد ﷺ، ألف وأربعمائة سنة يُحبونه و يُكرّمونه، ومُعظَّم كلامه، ومحترم أقواله وأفعاله، وذلك يزيد، وذِكرُه في كل محل.

فلماذا هذا كذا؟! غير كل الذين جاؤوا بالأنظمة؟ كل الذين جاؤوا بالأفكار من وقته إلى الآن؛ كلهم يتغير الناس عليهم ويسبُّونهم؛ إلّا هذا يزدادون له محبة، ما هو السّرّ؟ عرفتَ أنه من عند الله جاء هذا، ما هو إنسان بفكره ولا بتجربته، ولا بشيء من رأسه، جاء هذا مأمون من عند الله -جل جلاله- صلى الله على سيدنا محمد: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح:1-4]، يا ربِّ صلِّ على مرفوع الذكر، عَليّ القدر، عبدك البدر، سيدنا محمد، واجعلنا معه في الحياة وفي البرزخ ويوم الحشر، وفي دار الكرامة وساحة النظر إلى وجهه الكريم.. آمين.

 (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98))، قل:

  • يا زعماء العالم الذين قبلكم ما عاد نحس أحد منهم ولا لهم رِكز، 

  • وأنتم أيضاً سيأتي وقت قريب لا يُسمَع لكم حس ولا يُسمَع لكم رِكز. 

فأحْسن لكم اتصلوا بالباقي، الدائم الذي لا يموت؛ أحسن لكم، وإلّا فمن مات منكم على انقطاع عن الله؛ فويل له ثم ويل له، ولن يُذكَر إلا بالسوء والعياذ بالله -تبارك وتعالى-. 

 (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ)

  • (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ * وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) [يس:31-32]، المحبوسين في البرزخ لمَّا يصل آخر واحد منكم وتقع نفخة أولى ونفخة ثانية، ونجيء بكم كلكم بعد ذلك. 

  • (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الواقعة:49-50] لا إله إلا الله..

  • (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ * إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) [القمر:45-51]؛

أمثالكم؛ أهلكناهم لماذا لا تتذكرون؟!

  • هل عندك قوة؟ جاؤوا أُناس أقوى منك وهلكوا!

  • ما الذي عندك؟ عندك فكر؟ جاؤوا أُناس أكبر فكراً منك وهلكوا!

ماذا معك؟! ماذا عندك؟! (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر:51-55]؛ هذا الشرف الكبير؛ عند مليك في مقعد صدق؛ الذي قد أشرقت أنواره بالعندِ؛ من عند مليك، عند مليك مقتدر!

في مقعد الصدق الذي قد أشرقت ** أنواره  بالعندِ يا لكَ مِن سنا

 والمتقون رجاله و حضوره **  يا رب ألحِقنا بهم يا ربنا

يا رب ألحقنا بهم يا ربنا، يا رب ألحقنا بهم يا ربنا، يا الله.

 أكرَمنا الله وإياكم باللُّحوق بهم، ولا يخلِّف أحدا منّا من جميع أهل المَجمَع والسامعين والمشاهدين، وجميع من في ديارهم ومن في أُسَرهم ومن في أصلابهم، يا الله، أحضرنا في مقعد الصدق، اجعلنا من أهل مقعد الصدق عند مليك مقتدر يا أكرم الأكرمين، مِن غير سابقة عذاب ولا عتاب ولا فتنة ولا حساب ولا توبيخ ولا عقاب، وعجّل بتفريج كروب هذه الأمة، واكشف عنهم كل غمة واكشف كل ظلمة، وردَّ كيد الظالمين والغاصبين والكاذبين والفاجرين والمعاندين والمخادعين، ورُدَّ كيدهم في نحورهم واكفِ المسلمين جميع شرورهم، يا حي يا قيوم يا قوي يا متين.

بسر الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي محمد

اللَّهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه،

الفاتحة

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3))

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

11 جمادى الآخر 1446

تاريخ النشر الميلادي

12 ديسمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام