تفسير سورة النحل، من قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ..}، الآية: 103

تفسير سورة النحل
للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة النحل، من قوله تعالى:

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهَ لَا يَهْدِيهِمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)}

ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية

نص الدرس مكتوب:

الحمدُ لله مُكرِمنا بالقُرآن وتَنزيله وبَيانه، على لِسان عَبده ورَسوله سَيدنا مُحمد الذي قَضى الرحمن بتَقديمه وتَفضيله، صلى الله وسَلَّم وبارَك وكَرَم عليه وعلى آله وصَحبه ومَن والاه في الله واتبعه في قَصده وفِعله وقيله، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمُرسَلين الذين جَعلهم الله للهُدى أقوى دَليله، وعلى آلهم وصَحبهم وتابعيهم وعلى المَلائكة المُقرَبين، وجَميع عِباد الله الصالحين، وعلينا مَعهم وفيهم إنه أَكرم ُالأكرَمين وأرحم الراحمين.

أما بَعد ،، 

فإننا في نِعمة تَأمُلنا لِكلام رَبنا وكِتابهِ وتَنزيلهِ ووَحيهِ الذي أَنزله على عَبده وحَبيبه ونَبيِّه وصَفيِّهِ سيدنا محمدﷺ. انتهينا في سورة النحل إلى قَول رَبِنا جَلَّ جَلاله (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104))، بَعد أن بَيّنَ لنا أحوال الذين يُكابِرون ويُعانِدون ويَقولون عن الأمين المَأمون إنّما يُعلمه بَشرُ قال رَبنا (لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ) يُشيرون إليه ويَقصدونه أعجمي (وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103)). فَكَيف يَقعون في مِثل هذا الأمر الواضح الغَلَط البَيّن الضَلال؟ قال: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ) من رَد الإيمان بالله ورَفض التَصديق بالحق البَيّن الواضِح؛ لا يُوَفق، لا تَصحبُه الهداية. يَقول ما يشهَدُ بِخُذلانه وما يَشهدُ بِبُطلان ما يدعو إليه وما يُناقض العَقل والحِكمة (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ ) فإنه سُبحانه يَقول: "يا عبادي كلُّكم ضالٌّ إلَّا من هديتُه ، فاستهدوني أهدِكُم"، اطلبوا مني الهِداية، ومَن طَلب الهِداية مِن رَبه بِصدق آمن بما أنزل فَتوالت عليه الهِدايات؛ وهَداه الله هِداية بَعد هِداية حتى إذا ارتقى مَراتب رَفيعة عاليات؛ لم تَزل تُواصِلُهُ الهِداية (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت:69].

(إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ) لطغيانهم وردِّهم الحق ومكابرتهم، وهكذا يكون من شؤم المعصية أن يُخذل صاحبها إلى معصية أخرى، كما أنَّ من يُمن بالطاعة أن يُوفَق صاحبها إلى طاعة أخرى. ولا يحسب أحد ويظن أنه لا لوم عليهم لأن الله لم يهدهم؛ فإنهم أعرضوا وتولوا بعد أن بيّن الحق لهم وآتاهم عقولا وأسماعا وأبصارا يدركون بها أن هذا هو الحق؛ فآثروا الرفض له؛ لغرض في النفس أو لدافع عناد من الباطن، فبذلك اللوم عليهم؛ وقال: (وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)) فأهل الكفر وأهل المعاصي لا حُجة لهم أن يقولوا قدّر الله علينا وقضى؛ فإن ذلك أمر ألأُوهية؛ لا دخل لهم فيه إنما يؤاخَذون بما آتاهم الله من قوة وقدرة واختيار وصَرفوها إلى ما خالفه وما خالف شريعته ووحيه وتنزيله؛ فلهم عذاب أليم، شديد الايلام لا يطاق ولا يستطاع استقصاء حقيقة ألمه ووصف شدة ألمه ولهم عذاب أليم شديد الايلام. اللهم أجرنا من عذابك. 

يقول تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ)  وبذلك علمْنا من تعليم الله أن من أفظع ما يقع فيه العباد من الذنوب والمعاصي انتحال الكذب والتساهل بالكذب وقول الكذب فإنه لا يتناسب ولا يتوافق مع الإيمان أصلا. (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ) والعياذ بالله تبارك وتعالى، حتى جاءنا في السنة أن نبينا سُئل عن المومن أيسرق أيزني أيعمل؟ فكان يقول: قد يكون ويتوب، فقالوا أيكذب؟  فقال: لا، أيكذب المؤمن؟ قال :لا، وتلا الآية الكريمة (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ)؛ وهذا أيضاً يَتَضمن الردَ على الذين تَطاولوا على رَسول الله وقالوا إنما يُعلمه بَشر إلى غَير ذلك، فما يصدر الكذب من الذين آمنوا ومن الذين اختُصوا وقَرُبوا من حضرة الأُلوهية.

 (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ) الكلام الذي تقولونه أنتم والحديث الذي تحدثونه أنتم هو الكذب:

  • (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)) في كل ما يَدّعُونه ويَدعون إليه مخالفاً لتنزيل الله هم الكاذبون الكذابون الذين يحشرون كذابين يوم القيامة ولعنة الله على الكاذبين. 

  • (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105))  ولذا حُذِرَ من القُرب والدُنو من الكَذِب بأي كَيفية وأُمِر بالبُعد عنه ، وإذا قال قائل لطفلٍ: تعال أُعطك، فأقبل الطفل، فقال النبيﷺ: ما كنتي تريدين أن تعطينه؟ قالت: تمرة يارسول الله، قال: أما أنك لو لم تكوني تريدي أن تُعطيه شيء لكتبت عليك كذبة. تقولي تعال أعطيك وما في نيتك تعطينه شيء لكتبت عليك كذبة. 

وبذلك تعلم الضلال المبين الذي فيه حركة كثير على ظهر الأرض من دول وشعوب ينتحلون الكذب بل يتخصصون فيه بل يتسابقون إليه بل يتمرنون عليه، تباً لهم وبئس المسلك مسلكهم وبئس ما يصيرون إليه ويؤلون من هذا المسلك القبيح السيء. (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)) :

  • ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ) هذا مثال للكذب المفترى. 

  • (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ) أشد الناس كذبا وأعظمهم كذبا من استعد للإيمان أو آمن فعلا ثم ارتد وكفر.

  • (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ) والعياذ بالله تعالى، كعبدالله بن سرح أغوته نفسه وقد كان يكتب الوحي ثم فرّ ولحق بالمشركين وكذب على رسول الله ﷺ وارتد؛ وكان ممن أهدر دمهم يوم فتح مكة واستشفع فيه بعض كبار الصحابة فأمنه.

  • (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ) واستثنى قومًا أُكرهوا بِظُروف الحياة ومَسار الأحداث على ظَهر الأرض فؤذوا وعُذبوا وأُكرهوا على أن يَقولوا كَلمات كُفر ولكن قُلوبهم مُؤمنة مُطمَئنة فقالوا مُكرَهين مُستَكرَهين كارهين لما نَطقوا به من الكُفر. قال:(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ).  

كمِثل سيدنا عمار بن ياسر عليه -رحمة الله ورضوانه- ولم يأبَ أن يقول كَلمة الكُفر، أبوه ولا أُمهُ فكانوا أول شُهداء في هذه الأّمة، وأول شهيد في أمة النبي محمد سمية أم عمار زوجة سيدنا ياسر عليها الرضوان، ثم قُتل بعدها زوجها، ثم أُكرهوا سيدنا عمار أن ينال من رسول الله وأن يذكر أصنامهم وآلهتهم بخير، فقال ذلك مُكرَها. وجاء الخبر إلى رسول الله أن عمارَ كفر، فقال إن عمارَ مُلئ إيمانا من قَرنهِ إلى قدمهِ وإن الإيمان امتزج بلحمه ودمه، وأقبل سيدنا عمار عليه الرضوان يبكي،  فجعل يمسح ﷺ عن عينيه، وقال: يا رسول الله أكرهوني حتى نلتُ منك وذكرتُ أصنامهم بخير، قال كيف تجد قلبك؟  قال مطمئن بالإيمان، قال: "فقل بلسانك فإنه لا يضرُّك فإن عادوا فعُد"، إن عادوا إلى تعذيبهم وإلى  اكراههم لك فعد صلى الله عليه وعلى ٱله وصحبه وسلم .

(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) فَكان التشريعُ في هذه المرتبة لمن أُكره؛ أنه يَجوزُ أن يَقول قَول الكُفرِ ليتَخلَّص و قَلبُه مُطمَئن بالإيمان. يكون في درجة أعلى من أبى حتى قُتل. وقد أمسك مسيلمة إثنين من الأصحاب الكرام، فسأل الأول ما تقول في محمد؟ أتشهد أن محمد رسول الله؟ قال: نعم أشهد أن محمد رسول الله، قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إنَّ في أذني صممًا.  فأعاد فعاد،  فأعاد فعاد فأمر بقتله فقُتل. جاء الثاني، قال: أتشهدُ أن مُحمداً رسول الله؟ قال: نعم أشهد أن محمد رسول الله، قال: وأنا؟ قال: وأنت أيضا فتركه، فذهب إلى رسول الله يبكي وأخبره. قال: "أما أخوك فقد مضى بإيمانه إلى ربه وأنت أخذت بالرخصة"، أنت أخذت بالرخصة، لا شيء عليك وإيمانك ثابت وقائم وأخوك ارتقى درجة، عليهم رضوان الله تعالى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ).

يقول الله: (وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا) رضي الكفر وقد أراه الله الإيمان وأحقيِّتهُ وخيره ونوره فانشرح صدره بالكفر، و فسحه والعياذ بالله  للأمر الضيق؛ (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله) عليهم غضب والغضب شديد لأن مصدره من الله (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله) ولا يكون مآل هذا ولا نهايته إلا الشدة. قال: (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106))، ولهم عذاب عظيم، اللهم أجرنا من العذاب. من يقدر على هذا العذاب؟! فيا ليت أن يسمع بعقله كل عاقلٍ من الإنس والجن على ظهر الأرض هذا كلام الإله الحق الذي خلقنا وخلقكم والمصير  المآل خطير على من عاند وكفر واستمر على الكفر، إن جميع ما في أيديكم من التعذيب ما يساوي لحظة من عذاب الآخرة، فخيرٌ لكم أن تؤمنوا بربكم.

يقول (وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) لماذا رضوا لأنفسهم بالكفر مع ظهور الحجج والأدلة على الحق؟ لماذا؟ ولماذا استحقوا هذا العذاب العظيم الذي يصلون إليه ويكون مآلهم؟ (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ)؛ فهذا مصدر الفتنة الكبيرة؛ إيثار الدنيا على الآخرة. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي لْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) [التوبة:38-40]، اللهم اجعلنا مع كَلِمَتك وفي كَلِمَتك وفي حزب أهل كَلِمَتك يا رب العالمين.

يقول: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ) فالإستحباب هي المَحبة القَوية التي بها آثروا هذا الفاني هذا القَصير هذا الزائل هذا المُنتَهي هذا الحَقير هذا المُنعَدِم، آثروه على نَعيم يَبقى ويَتَأبد ويَتَخلد ويَدوم ويَكبُر ويَزداد ولا يَنقُص، (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ) ذلك بأنهم استحبوا الحياة الأقل، الأدنى، الأضعف، الحياة الدنيا الدَنِيَّة على الآخرة الباقية الدائمة. (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)) مِن كُل مُصِرٍّ على كُفره وعُدوانه؛ (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ) والعياذ بالله تبارك وتعالى (وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ)، (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ) [الجاثية:23]  فَمن يَهديه من بعد الله؟! - لا إله إلا الله -، (وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [ٱل عمران:176]، (مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) [النساء:46]، (يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ)، (لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ) [المائدة:41].

فَلك الحَمد يا ربي على نِعمة الإسلام عَلينا وعلى كل مُسلم من الإنس والجان ونَسألك أن تُثبِّت كُل مسلم على الإسلام وأن تَزيده إسلاما حتى تتوفانا مسلمين .

ربِّ احينا شاكرين *** وتوفَّنـــــا مسلمين

نُبعث من الآمنين *** في زُمرة السابقين 

(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107))، من هذا البيان الرباني يجب أن يتعلم المؤمنون أن يسقوا عقولهم وقلوبهم معنى إيثار الآخرة على الدنيا، وإن الله في تربيته للبيت النبوي ولأمهات المؤمنين، أمَرَ نبيَّهُ ﷺ أن يختبرهن اختبارا، وقال إن تعلَّقت قلوبهنَّ بشيء من زينة الدنيا ومتاعها فلا يصْلحن لمجاورتك في الدنيا ولا في الآخرة؛ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:28-29]، و التِسعُ من أُمهات المُؤمنين، كُلما قرأ الآية على واحدة مِنهُن، قالت: "والله أُؤثِرُك يا رَسول الله، أُؤثر الله ورَسوله والدار الآخرة ولأ أؤثر زينة الحَياة الدُنيا" .

عن تِسع نِسوةٍ وَفاةُ المصطفى ***  خُيِّرنَ فاخْترن النبي المُقتفى

عليهن رِضوان الله فاستِحباب الدُنيا على الآخرة مَسلك الكُفار.

يا أيها المؤمن (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر:5]؛ لا يَجوز أن تُؤثر الدُنيا على الآخرة، وكُلُّ ما يَجري في الدُنيا من نَعيمٍ لا يُساوي شَيئا عِند لَحظةٍ مِن نَعيم الآخرة، كَما أنَّ كُل ما يَجري في الدُنيا من تَعبٍ وعَذاب لا يُساوي شَيئاً عِند تَعب لَحظةٍ مِن عذاب الآخرة (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) [الفجر25-26]. بيَّن لنا النبي هذه الحقيقة قال: "يؤتَى بأنعَمِ رجل كان في الدنيا"، كافرٌ من آل النار، واحدٌ لكنه كان بالنسبة للمتاع، أنعم إنسان في الدنيا ـ من حيث وجود النَعْمة لا النِعْمة ـ المُكْنة والقوة و مواتاة الأسباب والصحة ومطاوعة القوم له وتنفيذ قراراته وكثرة أمواله، أنْعمْ واحد. قال: "فيُصْبغ في النار صبغة واحدة".  قال: يا فلان، هل رأيت خيراً قط؟ هل مرَّت بك نعمة قط؟ قال: أنا؟ أين رأيتَ النعمة؟! ولا رأيت نعمة، ولا رأيت خيرا قط، ما زلتُ في بؤس وشدة منذ خُلِقت؛ يعني الصبغة الواحدة في النار تُْنسيه كل ذلك، تمحي من شريط ذهنه وعقله كل ما كان من متاع الدنيا.

قال: "ويؤتى بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة"، كان واحد مؤمن ولكن حياته كلها بؤس، لا أهله يقومون معه، ولا أحد يطيع كلامه، والأمراض من كل جانب والأكل لا يستطيع الحصول عليه والثياب لا يجدها، وليس له وجاهه عند الناس ومكروب ولا يُؤبهُ له ويسبونه الناس ويتكلمون عليه، أقسى معاناة في الدُنيا مَرَّت عليه. قال: فُيصْبَغ صبغة في الجَنة فَيقال: فلان، مرَّت بك شدة قط؟ رأيت بؤساً قط ؟ قال :أنا استغفر الله، الحمد لله، منذ خلقت وأنا في نعيم، يَنسى كُل ذلك بِصبغة واحدة في الجَّنة، ماعد يحس يحس إلا بالنعيم، سبحان الله، يعود أثر هذا النَعيم حتى على ما مَضى مِن عُمره في الدُنيا كما تَعود تِلك الصِبغة على ما مَضى مِن عُمرِ ذاك في الدُنيا، لا إله إلا الله . (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) [غافر:39]، (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) [العنكبوت:64]  الحياة ماهي إلا هُناك، أما هذا كل ما فيها يتضاءل ويَضمَحل ويَتلاشى.

يقول ربنا جل جلاله: ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108))، فَمصدر البُعد؛ الغفلة. مَصدر البُعد وسَبب الطرد؛ الغفلة، لا تَغفل عَنه فهو مَعك، وهو يَراك، وهو يَرقُبك، وهو المُنعم عليك، وهو الذي جَعلك في خَير أُمة، وهو الذي شَرَّفك بِمُحمد، من أنزل القرآن عليه، وهو الذي يُمد في عمرك، حتى تَبلغ مَواسم الخَير في عامك مِثل رَمضان ومَواسم الغَرور من عِنده، أذكره، لا تَغفل عَنه يَمُدَك ويَزيدك إيماناً ويَقين.

(وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ)؛ لا شَك لا رَيب ولا مِرْية حقاً أنهم في الآخرة هم الخاسرون بِسوء المَصير والخُلود في عذاب النَّار. (لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109))؛ هذا الخُسران واقع عَليهم، بسم الله الرحمن الرحيم (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:1-3]؛ هُم الفائِزون وحدَهُم. اللَّهم اجعلنا من الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحات وتَواصوا بالحَق وتَواصوا بالصَبر.

(لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (110)) وقَعت شَدائد، وبداية النُّبوة كانت الأرض في تَعبٍ كَثير، واتِّباعهُ ﷺ كان صعب إلا بالتوفيق، صَعب من حيث المَشاق الحِسية والمادية والجَسدية والاجتماعية؛ إنما فيه الرَوح والرَوَحان للقِلوب "أيرتدُّ أحدٌ عن دينه سَخطةً بَعد اليوم؟"  قال: لا. قال: كذلك الإيمان إذا خالطتْ بَشاشته القُلوب. فَتابَعوا النبي ﷺ وقت شِدة، حتى لما سمع الصَحابة بَعض التابعين يَقول: لوحَضرنا وَقت رَسول الله ماتَركناه يَمشي على أرض لَحملناه، قال له: أقلِلْ من كَلامك، فما أدري لو حَضرتَ زَمانه تكون مع مَنْ؟  لو أنت في زَمانه وما يُدرى إلا مع الفئات الثانية، ما تَبِعْناه بِسُهولة ولا بِيُسر، تَبِعناه بِصَبر وبِمُعاناة قٕوية وبشدة ﷺ. فَرَضي الله عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وحَشرنا الله في زُمرتهم.

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا) مثل سيدنا عَمار وغَيره لاقوا فِتنة وشِدة ثمّ خَلَّصهم الله وفَرُّوا ومِنهم مَجموعات ومِنهم مَجموعة كَتب إليهم بَعض المُؤمنين في المَدينة إلى مَكة بآية (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) [النساء:97]، فَخرجوا من مَكة وتَلقوَهم المُشركين ورَدَّوهُم ونَزلت بعد ذلك آية (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) [العنكبوت:1-3]، فأرسلوها إليهم، كَتبوا بِها إليهم، فَقَرروا أن يَخرُجوا وإن تَعرَّض لهم المُشركون يُقاتلونهم، يَنجو من يَنجو، ويَرحل إلى الله من يرحل ، خرجوا، وتلقاهم جماعة المشركين فتقاتلوا وإياهم، فَقُتل بَعضُهم، ونَجا من نَجا، وفَرُّوا إلى رَسول الله ﷺ. 

وأنزل الله (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)، الله لا إله إلا الله، وحتى تَناولت الآية مَن فُتن وارتد ثم عاد إلى الإسلام وعَاد إلى الهِجرة، يَقول الله: الباب مَفتوح له  سُبحان الكَريم الذي يَقبل التَوبة عن عباده (إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (110))(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111))، اجعلنا اللهم في ذلك اليَوم من السُعداء بِرَحمتك ومَغفِرتك وتَجاوزك وعَفوك وصَفحك ونَيل رِضوانك الأكبر والخُلود في جَنتك مع نَبيك المُطهَّر يا أرحم الراحمين.

وهكذا بتدبرنا للقرآن واجتماعنا على الخَير نَستعد لِرمضان وإهلاله وإقباله بِخَيرات الله ومِنح الله وفُتوحات الله وفَضل الله مَوسم المُؤمنين بالله ﷻ، لا يَمُر عَليهم شَهرٌ خيرٌ لهم مِنهُ بِمَحلوف رَسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.      وللقائمين بِروح الصِيام وبِروح القِيام عَجائب من الملك العلام والذين اغتَرَّوا بِمُجرد الأجسام فَتَجدهم حتى في رَمضان، مُسلسلات شَغالة، ونَظَر إلى صُور خَبيثة في رَمضان، مَقهى انترنت وفيه أنواع من البَلاء في رمضان، وفي رمضان قطيعة لِرَحِم، في رمضان عُقوق لوالدين، في رمضان هؤلاء المَغرورون بالأجسام الذين ظَنوا رَمضان لَعباً وهُزوا، صُورة صِيام، لا والله، إنه حَقائق وإنه روح ومَن لم يَدع قول الزور والعمل به فليس له حَاجة في أن يدع طعامه وشرابه "فإذا كان يَوم صَوم أحَدُكم فلا يَرفُثْ ولا يَصخب ولا يَفسُق فإن قاتله أحد أو سابَّهُ أو شَاتمهُ فَليَقُلْ إنِّي صائمٌ، إنِّي صائمٌ". فهو الشَهر الذي يُتَحفظ فيه ويُراقب عالم السَرائر والخَفايا والضَمائر ﷻ مُراقبة حَسنة؛ لِيؤخَذ رُوح الصِيام ورُوح القِيام فَتُعْمر الدِيار والمَنازل والشَوارع بَأنواع الذِكر والحُضور مع الله تعالى؛ فَتتهَيأ مَواطن المُسلمين وأماكِنهم ودِيارهم وشَوارعهم حتى أسواقهم لِمَلائكة كَثيرين في رَمضان ولِملائكة أكثر وأكثر وأكثر ليلة القَدر. 

وإن الكَثير من المَلائكة لَيُصافحون الكثير من المُؤمنين عِند تَصافح المُؤمنين مع بَعضهم البَعض. وإن جبريل كما جاءنا في الحديث لَيُؤمر بُمُصافحة فلان وفلان وفلان لَيلة القَدر، ويُصافحهم بين الناس ،قال نَبينا "وَمَنْ صَافَحَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَرِقُّ قَلْبُهُ وَتَكْثُرُ دُمُوعُهُ"، يرق قلبه وتكثر دموعه، علامة المُصافحة؛ فَهذه أثر مُصافحة جِبريل، فانظر مُصافحة الأكابر ما تُثمر، وما تَحصل بها؛ فهكذا القُرب من الأصفياء ومِن المُقربين من الله تعالى. وهي لَيالي الفَضل ومَوسم الجود والوَصل والعَطاء الجَزل والفَيض الرباني بلا عَدٍّ ولا حَصرٍ ولا حِساب. شَهر المِنح، شَهر الفَتحن شَهر بَدر، شَهر النور، شَهر الصَفاء، شَهر المُصافاة، شَهر القُرب، شهر الدُنون شهر النَقاء، شهر التَطهيرن شهر التَنوير، شهر المُواصلة من حَضرة الرب الغَفور ﷻ بما لا عَينٌ رَأت ولا أُذن سَمعت ولا خَطر على قَلب بَشر إنها حقائق  "لو يعلمُ العبادُ ما رمضانَ ، لتمنّتْ أمّتي أن يكونَ السنةُ كلها".

الحَمد لله الذي بَلغنا آخر شَعبان ونَسأله أن يُبلغنا رَمضان جَميعا وأن يَجعلنا من الراقين فيه في المراتب الرَفيعة والظَافرين بالعَطايا والمِنن والمَزايا الوَسيعة إنه أكرم الأكرمين. لا تحْرِمنا يا رب، ولا تجعل في ديارنا محرومًا ولا مقطوعًا ولا مبعودًا ولا مطرودًا، هبنا منك جودا وزدنا منك مزيدا، وتولَّنا بما أنت أهله غيبا وشهودا يا حي يا قيوم، نسألك بالقرآن ومن أنزلته عليه أن تجعل رمضان هذا من عامنا هذا من أبرك الرمضانات على أمة نبيك محمد ﷺ وأسعدها وأيمنها افتح فيه أبواب الفرج للمسلمين والغياث للمسلمين والصلاح للمسلمين والجمع لشمل المسلمين ودفع كيد عدوك، جميع اعداء الدين عنا وعن أهل لا إله إلا الله أجمعين آمين.

يا مجيب دعوة الداعين يا من لا يخيِّب رجاء الراجين اجعلنا من أسعد الناس بهذا الشهر، سلِّمنا لرمضان وسلِّم رمضان لنا وسلِّم رمضان منَّا وتسلَّمهُ منا متقبلا يا ذا الجلال والإكرام يا ذا الطَول والإنعام برحمتك يا أرحم الراحمين.

تاريخ النشر الهجري

28 شَعبان 1444

تاريخ النشر الميلادي

20 مارس 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام