(228)
(574)
(536)
(311)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة النحل من قوله تعالى:
(ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ (27) ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (28) فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَلَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرٗاۗ لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۚ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞۚ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ (30) جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ لَهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَۚ كَذَٰلِكَ يَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلۡمُتَّقِينَ (31) ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (32) هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ (34))
ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية
الحمد لله الملك الحق مُكرِمنا بإنزالِ الكتاب على قلب عبدهِ الأصدق، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه ومن بولائهِ ومحبته تحقق وعلى آبائهِ وإخوانهِ من الأنبياءِ والمرسلين سادات من بَرَاهم الله وخلق وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقرَّبين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد..
فإننا في نعمة تأمُّلنا لخطاب ربنا وآيات كتاب ربنا وتعليم ربنا وهداية إلهنا جلّ جلاله وتبيينهِ لنا، مررنا على آياتٍ من سورة النحل وانتهينا إلى قول مولانا جلّ جلاله وتعالى في عُلاه: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ)، بعد أن ذكرَ لنا سبحانه وتعالى شان الذين مكروا على مدى القرون وكذَّبَ الرُسَل من كل ناصحٍ وصادقٍ ومأمون وعملوا على مضَّادةِ الأنبياء والمرسلين ومخالفتهم. (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّعَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) ثم المصير المستقْبِلُ لنا ولهم وللأوَّلين والآخرِين يكون جزاء هذا الصنف. (ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَٰٓقُّونَ فِيهِمۡ) وتقابلون المؤمنين بالرد عليهم، والفرح بمن تدَّعون من شركاء وليس مع الله شريك.
(قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ (27))؛ إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين هذا هو المآلُ والمصيرُ والمستقبلُ لكل من أصرَّ على الكفرِ وقد بلغتْهُ دعوة الله فأبى، فويلٌ لهم وما أسوأَ مستقبلهم، وأوجب الله علينا رحمةً أن ننذرهم ذلك وأن نعمل على إنقاذهم ما استطعنا، وإن كانوا يعملون على ما يوجب هلاكَنا وهلاك من يطيعهم من نشر الفساد ونشرِ الذنوب والمعاصي ونشر الكفر والإلحاد إلى غير ذلك. فإننا مامورون من قِبلَ الخالق أن نسعى لهدايتهم لما ينقذهم من سوء المآب وسوء الحساب وشدة المآل والعقبى، قال تعالى في وصف أولئك ممن خُتِم له بخاتمة السوء (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ)، (تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ)؛ تقْبضُ أرواحهم، وهم سيدنا عزرائيل ومَن معه من الموظفين في قبض الأرواح من الملائكة الكرام(تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ)، (حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) [الأنعام:61]؛ أن ينتزعون روحه من على الجسد بأمر الله تبارك وتعالى.
(ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡ) أي خُتِم لهم بخاتمة السوء نعوذ بالله من سوء الخاتمة نسأل الله كمال حسن الخاتمة وأن يأذن لنا بأحسن ختام عند نزول الحِمام.
يقول (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ)، ماأحد منهم يتأبَّى ولا يقول يا ملائكة لا تقبضوا روحي الآن، ياملائكة أخروني إلى بكرة أو يا ملائكة انتظروا إلى الشهر الآتي، وبمجرد ما تُقبْض الروح ويعاين الغيب تجده مستسلم مؤمن مصدِّق، ما عاد ينفع الإيمان ولا التصديق (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) [غافر:85].
(فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ)؛ استسلَموا كما خرجوا إلى الدنيا من دون اختيارهم وبأمر ربهم،
(فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ) وكُوِّنوا أجِنَّة في البطون وخرجوا إلى الدنيا من دون اختيار أحد منهم مستسلمين فكذلك تقبض أرواحهم ويخرجون من الدنيا كما دخلوا إليها مستسلمين على رغم أنوفهم لا يملك أحد أن يتأخر ولا أن يُبدل ولا أن يُغيِّر ولا أن يقدم ولا أن يؤخر،(فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ).
ورجعوا يقولون (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭ)، وهم يقفون مواقف غريبة في القيامة فمنها مواقف يكذبون فيها، عسى أن ينفعهم الكذب ولن ينفع الكذب أحد ولكن كانوا في الدنيا بخداعهم لكثير من بني آدم يستعملون الكذب فينجون في بعض المواقف أو في بعض الحالات، وإن كان المآل حتى في الدنيا تعب عليهم إلا أنهم كثير من المواقف رأوا أنفسهم أنهم بالكذب حققوا مرادهم أو أدركوا شيئا مما تشتهي نفوسهم ولا يلبث إلا قليلا وإذا به تخرَّب عليهم وجاءهم بلاء، ولكن هكذا هم ألِفوا أنهم مع ذلك يستمرُّون في الكذب ثانية وثالثة، فصاروا أيضا بهذه الطبيعة في الآخرة يريدون يقولون يمكن نكذب على الملائكة وتمشي المسألة ! (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭ).
(مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭ) ما ينفع! قال (يوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّه أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [ المجادلة:18]، ويقول سبحانه وتعالى في مواقف في القيامة ( وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) [ الأنعام:130] وهكذا يعملون. (فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭ)، (مَا كُنَّا) يقولون (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭ)؛ فتقول لهم الملائكة (بَلَىٰ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) تريدون أن تخفوا الألاعيب على من؟ ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18]، ( وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ۖ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ ) [فصلت:23،24]؛ (بَلَىٰ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) نسيتم ما فعلتم بفلان وآل فلان؟ نسيتم ما خططتم في المكان الفلاني وما نفَّذتم من أعمالكم في يوم كذا وكذا ، أنسيتم؟
تقولون: (مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۭ) ما هذه المخازي التي جرت منكم؟ قالوا: (بَلَىٰ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَا) فمنهم من يدخلُ الباب الأول وهم عصاة؛ الموحدين الذين مات أحدهم وفي قلبه إيمان هناك، ومنهم يدخلُ الباب الثاني ولا يخرج، ومنهم الباب الثالث ومنهم الرابع ومنهم الخامس وإلى الدرك السابع من النار والعياذ بالله تبارك الله؛ هو الهاوية والطبقات الست؛ هذه للنار لا يخرج أربابُها أبدا. وإنما الطبقة الأولى طبقة جهنم؛ التي أدنى عذابٍ فيها أن يُلبس نعلين المعذَّب بالنار يفورُ لهما دماغه، يحسب أنه أشدُّ النار عذاب وما هو إلا أخفهم وأدناهم عذاب، هذه التي يخرج أصحابها من الموحدين ممن مات وفي قلبه إيمان ويخرج ولو مثقال ذرة فيخرجون من النار برحمة الله ويدخلون الجنة برحمته سبحانه وتعالى. أما هؤلاء (فَٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَا) لا خروج لهم (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة :167]، اللهم أجرنا من النار.(فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) هذا مأواهم هذا مرجعهم هذا مستقبلهم هذا موطنهم هذا مستقرهم.
(فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)؛ الذين تكبروا على الله الذي خلقهم وعلى رسله وعلى الحق الذي جاءهم بشهواتهم بآفاتهم بقدراتهم بأسلحتهم بحضارتهم بشيء مما عندهم، (فلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)، ومقابل هذا الصنف؛ الصنف الآخر الموفق، اللهم اجعلنا من الموفقين والهداة المهتدين وألْحِقنا بعبادك المتقين يا رب العالمين يقول جل جلاله: (وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ) فتنزهوا عن الشرك وعن الكفر وعن التكذيب بالله وآياته وما بعث به رسله. (وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرٗا.. (30)) أُولئك كانوا إذا قال لهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۙ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)) يقول الكفار. وهؤلاء (وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرٗا) أنزل خيرا وهكذا مشاعر المؤمنين والكافرين أمام إنزال الله تبارك وتعالى.
أما المنافقون والكافرون فما جاء أساطير الأولين ما يخضعون ولا يستسلمون ولا يؤمنون بالتنزيل والعياذ بالله تبارك وتعالى، ولا عندهم ألَّا أنهم هم الفاعلون أو شيء مما عاينوا من الأسباب، ظنُّوا أنها الفعَّالة ونسوا أن وراءهم ووراء تكوينهم وأفعالهم وإراداتهم قوة خالقة مدبِّرة مكوِّنة (مَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:29] جلَّ جلاله، (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ) [الأنعام : 112] ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن.
(وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡ) هؤلاء يقولون (خَيۡرٗا) ويقولون أنزل ربنا خَيۡرٗا، وهؤلاء يستشعرون الخير في كل ما أنزل الله أوحاك إلى أنبياء ورسله، بل كل ما أنزل الله تبارك وتعالى من أقضية وأقدار يطالعون فيها خيرا يطالعون فيها حكمةَ حكيمٌ عظيم؛ لهم نصيبٌ من تقديره وتكوينه يعود عليهم بالفضل منه لأنه سبحانه وتعالى رحمهم ويلطفُ بهم، فلهم خيرٌ في كل ما نازلَهم وأمْرُ المؤمن كله خير "إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ"؛ فأمره كله خير؛ وهم يشاهدون الخير في كل ما أنزل الله من الأحكام والآيات والسور، وما أنزل من الأقضية والأقدار قلوبهم مطمئنة بهذا الإله ويقولون ما أنزل ربنا خيرا، لم ينزل إلا خيرا وكل ما أنزل ربنا خيرا (وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمۡۚ قَالُواْ خَيۡرٗا).
ومن جملة ما وقع في الدنيا من هذا، أن الكفار كانوا يترقبون من يأتِ إلى مكة يسأل عن رسول الله في المواسم وغيرها، وتبعث القبائل من مواطنهم من يسأل ما خبر هذا المُبعث؟ فكانوا يتلقونهم عند المداخل الكفار ويقولون لهم أساطير الأولين، وهذا ماجاء بشيء، وهذا كذا وهذا كذا فإذا سألوهم، (مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۙ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)). وفرَّق الحق بين جواب هؤلاء وبين جواب المؤمنين يقولون خيرا، فنصب خيرا وهناك أساطير الأولين، استئناف كلام جديد؛ لأن الذين اتقوا وآمنوا وصل كلامهم بماذا أنزل ربكم؟ قالوا خيرا أنزل خيرا. فهو متفق مع الكلام والإيمان بالتنزيل، أما هؤلاء (مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ)؟ عدلوا عن الإنزال كله وقالوا هو (أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ).
(أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) يعني هذا الشيء أساطير الأولين ما هناك إنزال أصلا، فرَّق بين جواب هؤلاء وهؤلاء، رفعَ ذاك ونصبَ هذا، فصَلَ ذاك عن السؤال، فكانوا يتلقونهم عند مدخل مكة، فيقول أحدهم أنا ما قمت بحق قومي إن لم أدخل وأنظر هذا الرجل بنفسي، فيدخلون ويجدون أصحابه ويقولون استفسروا عنه، ويقولون جاء بالحق وإذا صدق جاء بالخير، فهؤلاء يقولون كذا وهؤلاء يقولون كذا والأمر عامٌّ، فإنَّ أهل القلوب الكافرة والمريضة استشعارهم عما أنزل الله تكذيب بذلك وإعراض وأساطير الأولين يقولون (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الفرقان:5]، (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان : 6]، (أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ) جلَّ جلاله وتعالى في علاه وكم أنبأكم هذا الإنزال عن أشياء في نفوسكم تحوكُ، حدثكم بها محمد وعن أشياء كانت من قبل فأخبركم عنها وعن أشياء تكون من بعد الإنزال ومنها ما قد عاينتم ومنه ماهو مُقْبِل (أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) جلّ جلاله وتعالى في علاه، يقولون (خَيۡرٗا) قالوا (خَيۡرٗاۗ) فهذه شؤون المؤمنين مع إنزال الربِّ الرحمن الرحيم جلّ جلاله (خَيۡرٗا) الله أكبر.
يقول الله تعالى هذا هو الإحسان الذي ارتضيتُ من عبادي، إقرارهم بتنزيلي وأن الخير فيما أنزلته إحسانٌ وماذا لهم إذن يارب. قال (لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞ)، ( لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞ) أَحۡسَنُواْ في هذه الدنيا ما يتعلق الجار والمجرور، بقوله (أَحۡسَنُواْ) يعني أحسنوا في هذه الحياة الدنيا؛ لهم الحسنة في الدنيا والآخرة. إما أن يتعلق الجار والمجرور بقوله (حَسَنَةٞ) يعني ( لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۚ وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ) حسنات أكبر وأعظم، الله أكبر. اللهم اجعلنا من المحسنين والحقنا بهم للذين أحسنوا في هذه الدنيا (لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞ) ،(حَسَنَةٞ) ألطافٌ من الله، معارفٌ بالله، قربٌ من الله، كسبٌ للدرجات العُلا، هذا كله في الدنيا يتم، الله. كل هذا يتم في الدنيا فانظر الدنيا مع ما فيها من الشر والكفر والبلاء والفتنة تحولت لهؤلاء مكاسب ومراتب ومواهب وعطايا ومنح ومعارف ولطائف وجود من جود الله لهؤلاء الأتقياء الأخيار، اللهم الحقنا بهم وكلهم يعيشون في دنيا واحدة، هذا وهذا، ولكن فرق بينهم هذا وهذا، هذا بلاء عليه وفتنة وخزي وكسب دركات في النار وعذاب شديد وهون وخزي وهذا رفعة وقرب ودرجة ومعرفة ولطف وتأييد وتسديد ونصر،الله أكبر.
(لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَة) ويُيسِّر الله سبحانه وتعالى له صلاح أهل ويُيسِّر له أولاد يصلحهم، (حَسَنَة) في الدنيا معجلة ويعاديه من يعاديه ويصبر وينصره الله وتكون العاقبة له، (حَسَنَة)؛ لهم حسنة في الدنيا، وكثير من الذين كانوا يؤذونهم أويسبونهم بين إثنين، إما تُعجّل لهم عقوبة وتحل بهم المثُلات، وإما يتوب الله عليهم ويرجعون يمدحون ويحترمون بدل ماكانوا يسبون ويذمون ويصيرون يمدحون ويحترمون.
(حَسَنَة)؛ (لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۚ) لايخرج المؤمن من الدنيا إلا وقد امتلأت أذناه من الثناء، يُثْنى عليه، سبحان الله؛ تسخير من الله تبارك وتعالى لهم أنواع من الحسنات أعظمها معارفهم بالله ودرجات قربهم منه، تتثبتْ لهم في الدنيا وتتحقق لهم وهم في الدنيا (لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞ) وعافية حَسَنَة، ورزق حلال حَسَنَة، وطمأنينة وسكينة حَسَنَة، ما شاء الله وتيسير أسباب العبادة وتوفيق لها حَسَنَة، ودفع الأنواع من الشرور والبلايا والآفات والمفاسد، تجد الواحد منهم يعيش في الدنيا قد حامت حوله كذا كذا بليّة صرفها الله، يقول (ياايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ) [المائدة:11]، هو بتدبيره تجد الواحد منهم لا عنده استتباع ولااستخبار ولااستنباء ولا عنده إعداد ولا عنده حراسة ويقوم بكيده ويتوجه وبعدها يخفش(يضعف) ويجي ثاني ويخفش ويجي ثالث ويخفش. (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ)، (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ) [المائدة:11] هو. قال، لم أترككم لهم أنا بنفسي تصرّفت (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ) بعدين أنتم إلزموا شغلكم واتقوا الله، (وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [ المائدة:11]، (ياايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ) [المائدة:11] (فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، إمشوا في الطريق بس وروحوا، أنا معكم (ولَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَإِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَونَ ) والله معكم ولن يترككم أعمالكم (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:139].
(لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞ) وأجور، وكمْ من واحد ينفع الله به وكم من واحد يهدي الله به العباد. (لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞ) وفوق هذا كله (وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡر)؛ أمان من العذاب، رُجحان للميزان، ستر للقبائح والمعايب، ثبات على الصراط عند المرور، دخول الجنة، رضوان أكبر، نظر إلى وجه الله الكريم، مرافقة محمد والنبيين والصديقين، ياسلام. (وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞ) وإيش! ونعيم دائم "أنْ تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبَدًا"، أنْ تَصِحُّوا ولا تمرضوا أبَدًا، "أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَدًا"، "أنْ تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبَدًا"، ( وَلَدَارُ ٱلۡأٓخِرَةِ خَيۡرٞۚ وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ (31))؛ المراد به الجنة التي ينتقلون إليها،
وقال بعضهم (وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ) يعني الدار الآخرة وهم يحلُّون في الجنة.
وقال بعضهم (وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينِ) قال هذه الدار التي احسنوا فيها ولهم فيها حسنة، نِعم الدار لهم، يعني هم الذين حازوا خير الدنيا والشرف في الدنيا والفضل الذي في الدنيا.،كلَّهُ معهم
(وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ) نعم المال الصالح للرجل الصالح يعني ما دامهم متقين فنعم الدار لهم، هم في الدنيا على خير وهم في الآخرة أعظم، هم في الدنيا على حُسن وهم في الآخرة أحسن، هم في الدنيا على جمال وهم في الآخرة أجمل (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ) [ال عمران: 198]،
ولكن حقائق الفضل في الدنيا من حقيقة جمال من حقيقة طمأنينة من حقيقة سعادة من حقيقة شرف من حقيقة كرامة من حقيقة فضل من حقيقة ارتقاء معهم هؤلاء ، الأنبياء وأتباعهم ماحد غيرهم هم معهم هؤلاء.الله أكبر.
(وَلَنِعۡمَ دَارُ ٱلۡمُتَّقِينَ (31) جَنَّٰتُ عَدۡنٖ)؛ بساتين وأشجار. (عَدۡنٖ)؛ إقامة يعني، ليس هناك موت وليس هناك انتقال عنها، على طول الأبد، (جَنَّٰتُ عَدۡنٖ) أي خلودٍ وأبد. (جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا) برحمة الله وفضلهِ (تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ) وهم في أبنية مرتفعة ومن تحتها تجري الأنهار المتدفقة، يقول سبحانه وتعالى في تلك الأنهار (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ) [محمد:15]، عجيب تجد عند كل واحد كلمة تجمع المفاسد للمقابل المسمى له في الدنيا، في أنهار من ماء، ماهي مشاكل الماء في الدنيا؟ مشاكل الماء أُسُنهُ وتغيرّه والمواد فيه التي تزيد فيها كذا وكذا ، قال لك لا (غَيْرِ آسِنٍ) ليس فيه من هذ،ا (وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ ) ماهي مشاكل اللبن في الدنيا؟ يتغير وهنا قال لم يتغير طعمه، (وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ) ماهي مشاكل الخمر في الدنيا؟ لا يوجد لذة إلا للمفعول الذي فيه ويُنزَفون عنه وتروح عقولهم ويجي لهم صداع بسببه، قال لك (وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ) ما فيها شي مما عندكم . قال الله والعسل؟ إيش مشكلة العسل؟ غش . قال (وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى) لا إله إلا الله. (وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ) قال انظر الى هذا المستقبل العجيب (كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) هل يستوون؟! إجعلنا من أهل جنتك يا رب.
قال (جَنَّٰتُ عَدۡنٖ يَدۡخُلُونَهَا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ لَهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ) قالوا هذا أعظم من قولهم (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) [الزخرف:71]، ما يشاءون اللي تشتهي الأنفس وإللي تلذ الأعين وبقية أنواع المشتهيات والمطلوبات والرغبات كلها (لَهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَۚ) ما هذا المُلك والعظمة هذه؟ (كَذَٰلِكَ يَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلۡمُتَّقِينَ (31))؛ هذا جزاء تقواهم في العمر القصير، في الحياة القصيرة إتقوني وخافوا مني وقاموا بأمري وتركوا شهواتهم من أجلي، أعطيهم هذا الجزاء الكبير، أنا الذي إذا رضيت عن حد أعطيته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. أنا الذي أُحسن المجازاة والمكافأة. يصبرون قليل يصدقون معي في عمر قصير؛ أعطيهم ما لا يدخل في حصر ولاحساب (لَهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَۚ كَذَٰلِكَ يَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلۡمُتَّقِينَ (31)) هذا الذي لا يمكن أن يحققه أحد في عالم الدنيا (لَهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ) إيش ما يشاءون في الدنيا؟. ولكن هم في الجنة لهم فيها ما يشاءون، لا يخطر على بالهم شيء يرغبونه إلا تحقق لهم مع خطورهِ ،سبحان الله، فلا تصدر لهم مشيئة إلا لشيء حسن يُخْلق بخلْق الخطورة على بالهم مباشرة.الله أكبر. سبحان الله.
يقول (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ)؛ يعني العبرة بالموت، العبرة بالخاتمة (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ)؛ يعني قد يكون أحد يلتصق بالمتقين أويشابهم ينقلب بعدين يقول ما شي، (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبين) يستمرون على التقوى والطيبة إلى عند الموت، يموتون على حسن الخاتمة، ياالله بحسن الخاتمة. (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ)؛ تقبض أرواحهم الملائكة (طَيِّبِينَ) حالة كونهم طيبين، لا شرك ولا كفر ولا إلحاد ولا سوء أدب مع الله تبارك وتعالى.
(تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ) جاءنا في الروايات؛ في عند البغوي وعند غيره، يقول محمد بن كعب القرظي يقول: أنه عندما تُفاض روح المؤمن أو عند قبضها، قال يقابله الملك، يقول له: الله ييُقرئك السلام، يقول: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرؤك السلام ونزلت إليه (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ)، يا ما أحسنها من ساعة للمؤمنين، لهذا قال بعض العارفين عندما نازله الموت قال "حبيبٌ جاء على فاقة، لا أفلح من ندِم". وكم من الموفقين الى الخير تجد الاتسامة ترتسم على شفاههم عند الموت؛ وجد السلام، بعضهم من الذين كان يغسله الحبيب مشهور عليه رحمة الله وقال أضع يدي على فمه، يلفت النظر، قوية الإبتسامة، ميت قوي الإبتسامة؛ فرحان يُحصِّل سلام يحصِّل بشرى يحِّصل..الله الله الله الله يحب لقاء الله، يحب الله لقاءه. فعند الغرغرة يُجيه الملك يقول له: يا ولي الله عليك السلام مني الله يقرؤك السلام، كيف ما بيطير من الفرح؟ كيف مابيفرح؟ كيف ما بيبتسم؟! يا أهل لا إله إلا الله. هم الطيبين يقولون (سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (32)) بما رحمكم الله ووفقكم للعمل الصالح في الدنيا أتمَّ نعمته عليكم ورحمته فأدخلكم جنته (ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ).
يقول الله في هؤلاء الكفار (هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَ) إيش ينتظر من يعيش معنا اليوم على ظهر الأرض؟ من جميع من يعيش معنا، ماذا ينتظرون ؟ والله ماشي غير هذا إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمرُ ربك؛ ينزل الموت؛ تُصيبهم حوادث وزلازل أو يموت أحدهم موتتهُ بأي سبب أو يرون الملائكة والملائكة ينظرون إليهم، تأتيهم بماذا الملائكة؟ مثل الذي أتت به من قبلهم، والملائكة ما أتت كمثلهم أعداد كبيرة هنا وهناك، إيش جاءت به الملائكة ؟ جاءت لهؤلاء بالرجفة وجاءت لهؤلاء بالصيحة وجات مثلهم انتهوا، وهم إيش ينتظرون غير هذا؟ (فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ) [الأعراف:71]. المؤمن ينتظر رحمة الله عفو الله موت على حسن الخاتمة أو شهادة في سبيل الله أو لطف من ألطاف الله ورجْعة إلى الله تعالى يرضى بها عنه ويدخله في دائرة صحيحة هذا اللي ينتظر المؤمن.
وماذا ينتظر الكافر؟ وماذا ينتظر المنافق؟ هذا الذي تعلَّق به وتولّع به يُخرِج منه قهراً شيء غير هذا هو الذي المقبل عليه، ضرورةً بيقين (هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ يَأۡتِيَ أَمۡرُ رَبِّكَ) بموت أحدهم أو بقيام الساعة أو بحصول حادثة لأحدهم إلى غير ذلك؛ (كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ) في تولِّيهم وتكبرهم وغطرستهم. (وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ) فالمُلكُ ملكهُ والخلق خلقهُ وحاشاه من الظلم، (وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ (33)) ظلموا؛ (فَأَصَابَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا عَمِلُوا) أصابهم سيئات ما عملوا، (وَحَاقَ بِهِم) يعني أحاطَ؛ أحاطةً مضبطةً محكمة، (وَحَاقَ بِهِم)، (بلى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُه) [ البقرة: 81] يا لطيف. إذا جاء حَوْق السيئة (فَأَصَابَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ (34))،كانوا يستخفون بعذاب الله ويستخفُّون بما تنذرهم به الرسل والصالحين فيقولون أساطير الأولين إلى غير ذلك. (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ (34))، (وَحَاقَ بِهِم) وأدركوا أن الأمر على حقيقته (فَأَصَابَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ (34)) والعياذ بالله تبارك وتعالى.
ثم ذكر لنا سبحانه احتجاجاتهم التي لا حجة لهم فيها، ورزقنا الله حسن التدبر حسن التأمل حسن التفهم حسن الوعي للخطاب، يا رب إنها تعيهُ أذن الواعية فاجعل آذاننا تعي منك التذكرة يا رب، وألحقنا بأهل الآذان الواعية والقلوب الصافية الصاغية، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثبتنا على الحق فيما نقول وفيما نفعل وفيما نعتقد واختم لنا بأكمل حسنى وأنت راضٍ عنا في خير ولطف وعافية.
الفاتحة
اللهم صلّ وسلّم و بارك عليه وعلى آله
26 ربيع الثاني 1444