(228)
(574)
(536)
(311)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة النحل من قوله تعالى:
{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖ نَّحۡنُ وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ فَهَلۡ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ (35) وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ (36) إِن تَحۡرِصۡ عَلَىٰ هُدَىٰهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَن يُضِلُّۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ (37) وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخۡتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ كَانُواْ كَٰذِبِينَ (39) إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (40)}
ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية
الحمدُ لله، مُكرمُنا بأنوارِ الوَحي، والتَنزيل على لِسان عبده الهادي إلى أقومِ سبيل، سيدنا مُحمد صلى الله وسلم وبارك وكَرِم عَليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن والاه وتابَعه، في المَقصدِ والنية والفِعل والقيل وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصَحبهم وتابعيهم وعلى الملٱئكة المُقَرَبين، وعلى جَميع عِباد اللهِ الصالحين، وعَلينا مَعَهُم وفيهم، إنه أَكرم الأَكرَمين وأرحمُ الراحمين.
أما بعدُ،،
فإننا في نِعمَة تَأمُلنا لكلامِ رَبِنا سُبحانهُ وتعالى وتَدَبُرِنا لآياته، وتَعليماته، وبَيِّناته، وما أَوحاهُ إلى نبينا خاتم رِسالاته ﷺ. مَرَرنا على قوله تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34))، فهل ينتظر؟ يَنظُرُونَ بمعنى يَنتَظِرونَ (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ) إما بِقَبض أرواحِهم، أو بِشَيء من العذاب الذي ينزِلُ بِهم، (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) مِن عَذابٍ يستأصِلُهم، أَو أَن تَقومَ الساعة.
هل في مَقدور مَن يَعيش مَعنا على ظَهر الأَرض أن لا يَجعَل هذا مُستقبِله ولا هذا أَمامه؟! أَنه لا يموت ولا تقوم الساعة ؟! هَل في قُدرة أَحدٍ مِنهم أن يُبعدَ هذا من أمامه؟ هوَ الذي كان أمامَ مَن قَبلهم من مختلف الطوائف شُعوبًا ودول، أفرادًا وجماعات؛ عاشوا مُدَدهم المؤقتة ليس أمامهم إلا أن يأتيهم المَوت، أو تأتيهم الساعة، أو تأتي كارثة من الكوارث. فَمن ذا على ظَهرِ الأرض يستطيعُ أن يبعدَ هذا الأمرَ الأمامي المُستَقبِلي للناس؟ يقول: لا، أنا يستقبلنا أمر ثاني، ما أنتظر هذا. كَم قد مَضى أمثالك ونُظرائك؛ فما استقبلوا إلا هذا، فَهل تَستَطيعوا أن تُغَيِّروا هذه الحَقيقة ؟! هل تَستَطيعُ أن تَخرج عَن هذا الأمر المَحكوم بِه عَليك؟! وإذا كُنتُم لا تَستَطيعون الخُروج عَليه فَمن الذي حَكم؟ فَلِم تَنسون الذي حَكم؟ ولِماذا تَعصون الذي حَكم بِهذا الأمر عَليكم؟ كُل الذينَ مَضوا قَبلكم ما كان أمامهم إلا هذا، وكلٌ مِنهم انتهى أمرهُ وفِكرُه وزَمجَرته ودَعواه بِنُزول الموت به أو بِحِلول العَذاب الذي عَمَّ جَماعةً مِنهم والقيامة مُقبلة على الجميع.
فهل بِحَضارَتِكُم بِتَطوركم تُبعِدون هذا الأمر المُستقبلي الأمامي أمامَكم؟! وتَقولون: لا، نحن ما نَنتَظِر كَمِثل الذين انتظروا من قَبلنا، نَحنُ قَد تَطَورنا؛ فلا موت يجي لنا، لا موت! لا يوجد موت! لأني جدًا مُتَطور، تَحتَ أَمري مُستَشفَيات ضَخمة هائلة بِأحدَث ما يَكون، كيف أَموت؟! ما يمكن أموت؛ هذا غير ممكن -الله- ؛ يا خاضع لهذا الواقع مَن الذي أَوقع بِك الواقع؟! من الذي أوقع بِك هذا الواقع؟! -الله الله الله- ما أَغفَلهُم! ما أَجهَلَهُم! ما أقل عُقولهم! وإذا كان هذا هو الأمر المُنتَظِر لنا؛ فَحسنٌ منا أن نعرفَ من الذي رَتبهُ هكذا؟ وَكيف نُلاقيه؟ وما حِكمَتُه في خَلقِنا؟ ثـم لا يَكون لنا إلا أن تَأتينا المَلائِكة أو يأتي أمرهُ ﷻ.
(وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ .. (33))، (كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ .. (33))؛ طائفة بعد طائفة. (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۖ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) [محمد:10]، (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر:43]. يَقول: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ): ولكن أَرسل إليهم الرُسل وأَنزلَ عَليهم الكُتب؛ لِيَغنَموا هذا العُمر ولِيُحسِنوا تَنظيم المَسار في الحَياة؛ لِما يَضمَن لَهُم حُسنُ المَصير والمآب وحُسن العَيش في البَرزخ وحُسن الحال في القِيامة وحُسن الإستِقرار في الجَّنة، فَرفضوا كُل ذلك وأنكَروا؛ مِنهُم مَن أنكر البِعثة، وكل ما أمامه يَدُل على أن هذا المُكَوِّن لا يَصُعب عليه أن يَبعث ولا يستَحيل عليه أن يُوجِد فَقد أَوجد وكم أَوجد!.
يَقول: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .. (33))، فَهؤلاء -جاؤوا من بَعدهم- يَظلِمون أنفُسَهم بالبَغي والعِدوان وتَكذيب الدَلائل الواضِحة والبَراهين وإنكار الرُسل وما جاؤوا به عن الله تعالى. (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا .. (34))، نازَلهم قَبيح مَصير مُخالفة الأنبياء ومعاداتِهم والخُروج عن طاعتِهم؛ (وَحَاقَ بِهِم ): أحاط َمن كُل جانب؛ (مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ): من العَذاب ويَسخَرون به؛ مما يقول الأنبياء والمرسلون -صَلوات الله وسلامه عليهم- (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)).
(وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35))؛ (كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ .. (33))؛ نَفس المَنطِق ونَفس الكَلام ونَفس طَريقة التَفكير، مِنهم مَن يُريد أن يَحتَج لِنفسِه بالقَضاء والقَدَر ويَقول أن الله -تَبَارك وتَعالى- لِمَن كان مِن الكفار يُؤمن بالله إيمانًا عامًا وإن كان مشركًا به أو مُكذبًا بما أوجب عليه الإيمان به؛ فهو كافر ومع ذلك يَحتج ويقول: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ..(35))، إذَا، فعبادتنا لهذه الأصنام والآلهة من دُونه، لو لم يُريدهُ منا ما كان، فَهو -إذَا- يرِيده، فَنَحنُ على حَق في عِبادة هذه الأصنام.
(لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ)؛ مِثل: البَحيرَة والسائِبة والحام والوصيلة التّي جَعلوها وحَرَّموها مِن دون ما حرَّم الله سُبحانه وتَعالى؛ ولن نستقيمَ إلا على تَحريم ما حَرَّمَ هو وتَحليل ما أَحلَّ هو، كما قال المؤمن لرسول اللهﷺ-مِن الأعراب- : "أرأيتَ يا رسول الله إن أَقمتُ الصلاةَ وآتيتُ الزكاةَ وأَحْلَلْتُ الحَلالَ، وحَرَّمْتُ الحَرامَ، أأَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قال رسول الله ﷺ: نعم"، أحلَلتُ الحَلالَ وحَرمتُ الحَرام؛ يعني: أعترفتُ بِعُبودِيَتي لله وجَعّلتُ الأمر في التَحليلِ والتَحريم لإلهٰي، الذي خَلقني ولا أحلُ ما حَرم ولا أُحَرِمُ ما أَحل ﷻ؛ وهذا المَطلوب مِن العِباد. زاحموا الجَبار الأَعلى، يُريدون أن يَضعوا قَوانين مُقابل نِظامه، مُقابل مِنهاجه، مُقابل دينه، مُقابل شَريعَته؛ مِن عِندهم هُم، يناوِئون بها شَرعَ الجَبار الذي خَلَقَهُم وخَلَقَ كُل شَيء وهو أعلم بِخلقه ﷻ.
(وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ..(35)) وقالوا مِثلَ هذا القَول؛ أشرَكوا وقالوا: لو شاء الله ما فَعلنا، ومع ذلك كُله (وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)).
(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35))؛ يعني: لا يَنفعكم احتِجاجاتُكم هذه. أحَدُِكم لا يَقبَل أن يَقول لَهُ أحد: إسمع خُذْها لَطمة، لا تؤاخذني؛ ليش لا تُؤاخذني؟! قال: لو ما شاء الله، أنا لا ألطُمكَ ولن ألطمكَ، ولو ما شاء الله تلطمني؛ تلطمني! طيب، وأنا بألطمك لطمة أخرى مثلها؛ وإذًا ما يُقبل هذا القول ولا يُحتَج ُ بِه؛ فَهو باطل؛ لله أن يَقضي على خَلقه ما شاء وليس للخَلق إلا ما حَكَم عَليهم وقَضاه ﷻ، فما آتاهم وأودَعَهُم من اختيار وإرادة مُحاسَبون مَسئولون عَليه. إن أرادوا وأختاروا غَير ما شَرع لَهم؛ فَعَليهم العِقاب ويَستَحِقونَ العَذاب. ولا يُمكن لأحد أن يُبطل ذلك، ولا أن يَتملَّص من هذه الحَقيقة.
(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)؛ البَين الواضح؛ أن يَذكروا لهم حِكمة خَلق الله لَهم وإيجادهم، وما آتاهم من قُدرات، وما آتاهم من إرادات واختيارات، وأنه يَجب عليهم بما مُكنوا في هذه الإرادة والإختياربِعُقولهم وأسماعِهم وأبصارهم أن لا يَصرَفوها إلا على مُقتضى شَرع رَبهم الذي خلقهم جل جلاله؛ فَعلى الرُسل أن يُبلغوا ذلك وأن يُبَينوا هذه الحَقيقة، ومن كَذَّبَهُم فسوء المصير مُنتَظره وله سُوء العذاب، وله سُوء المآب، وله أيضًا في الدنيا؛ أن لا ينعم بطمأنينة ولا راحة.
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) [طه:124]؛ كلما قَضى شَهوة من الشَهوات؛ إزدادَ ما فيه من المُضايقات والكُدورات والتكدُرات، ويصِّلح ثانية والتعب يزداد فيه ولا يجد مَخرجًا من هذا. وهكذا حتى يُريدون أن يَفِرُّوا من الواقع الصَعب الذي يَعيشون فيه وهم أثرياء. ويَأتون بأي شَيء من أنواع المُلهيات والمُغنيات ويفعلون أي شَيء من أنواع المُحرّمات ويَأتون بعد ذلك ماعاد شي إلا مُخدِرات ومُسكرات! ولا يوجد حل ولا يزال البلاء فيهم، والضيق فيهم والهمّ فيهم. لا فائدة من هذا كله حتى وصلوا للإنتحار! وانتحروا!. وأنت والشَهوات التي من أجلها عاديتَ أمر الخالق للأرض والسماوات وخَرجتَ عن مَنهج الرُسل؛ الآن تخلِّص نَفسك منها بالموت؟! لو مُتَّ وأَنت مُقتَدٍ بالرُسول ومُتبِّع لأمره لَدَخلت جَنته. فما الذي الذي أوقعك؟! (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)).
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا)؛ يقول الله تعالى: (وَإِن مِّن أُمَّةٍ إِلَّا خَلَى فِيهَا نَدِيرٌ) [الرعد:7]، والأمَم السابقة بَعثَ الله فيهم الرُسل. (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ماالطاغوت؟ عبادة غير الله، كائنًا ما كان؛ هذا الطاغوت؛ تَحريم ما أحلَّ الله، تَحليل ما حرَّم الله، تكذيب الأنبياء والرسول؛ كله طاغوت. كُل حُكم بَغَير ما أنزل الحَق؛ فهو الطاغوت. وكل داعٍ إلى المُضي على أي نظام مُخالف للنظام الذي خَلق؛ فهو طاغوت. و(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ .. ) [البقرة:257]، فهذا الذي طَغى وبالغ في الطغيان فَهو طاغوت، يدل الناس على مُخالفة أمر رَبِهم والخُروج عن شَريعَة إلههم؛ بما يُحَسن لهم ويُزين من زُخرف القَول الغَرور .
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ ..(36)) -اللهم اهدنا فيمن هَديت- واهتدى من أولاد آدم لصلبه ثُمَ من الأحفاد، ثُم مَن أرسل الله إليهم سبحانه وتعالى إدريس، ثم ممن أرسل الله إليهم نوح وما آمن معه إلا قَليل، ثُم ممن أرسل الله إليهم هود وأهلك الآخرين بريحٍ صَرصرٍ عاتية وهم الكَثرة الكاثرة، ثم من أرسل الله إليهم صالح منهم من هدى الله ونَجَوا وبقي الكافرون بِصَيحة أُخذوا وانتهوا، ثم من أرسل الله إليهم رسلا بينهم وبين إبراهيم ثم من أرسل الله إليهم إبراهيم، والكل؛ (فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ..(36)) والعياذ بالله تبارك وتعالى. وكَذلك نَعيش في زَماننا ومِن قَبل زَماننا وبَعد إرسال نَبينا مُحمد إلى جَميع هذه الأمة منهم من هدى الله، -اللّهم اجعلنا منهم واهدنا بِهُداك وزدنا هداية يا رب-، (وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ)؛ فَرَفض وبَقي في الكُفر أو ارتد بَعد الإيمان والعياذ بالله تَبارك وتَعالى.
(وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ) فما هو في واقع البشر غيرُ هذا؛ رُسل يُرسلون من قِبَل الفاطر الذي فطر. ومن الناس من يؤمن بِهم ومنهم من يَصد ويُكَذب ويُعاند. ثم كانت النهايات أن يَنصر الله الأنبياء ومن مَعهم ويُديم من خَيرهم، ويبُقي من آثارِهِم إلى وقت وحين؛ حتى يُجَدد ذلك بُبعثة نبي آخر إلى أن جَاء خَتم النبوة بسيدنا محمد ﷺ. فَكانَ في الأُمة أيضا من قَرنٍ بَعد قَرن وَرثتهُ والخُلفاء عَنه يُجَددون للناس دينهم و(يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (93)).
فيقول (فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)) من بداية ما بُعث نبينا :
الذين كَذبوه بِمَكة ما كان مَصيرُهم ؟
والذين كَذبوه من يَهود ما كان مَصيرُهم؟
والذين كَذبوه من المُلوك الذين راسلهم في الأرض ما كان مصيرهم؟
الذين آمَنُوا بِهِ -الراعيل الأول من صُحابتة- ما كان مصيرهم؟ لانت لَهم الأرض وعلى شَرفهم وعِزَتِهم في الشَرق والغَرب لم يَحصل ذلك لهم -عليهم رضوان الله-.
فالتابِعون وتابعي التابعين إلى أن يَبقَ بَيننا إلى هذا اليوم هذا القرآن الكريم وهذه المَجالس له، وهذه المَجامع من أجله؛ هذا الذي فعل الله بأتباع النبي والذين كَذَّبُوه وعانَدوه في عَصر التابعين أين هم؟ هُم أصناف مُصنَّفة والذين كَذَّبوه وعاندوه ﷺ في عهد تابعي التابعين ماكان مصيرهم؟ ياجماعة اعقلوا، إلى القَرن الماضي الذي مَضى الذين عادوا النُبوة وكَذَّبوا بِرَسول الله ﷺ، وحاولوا بِشتى الوَسائل أن يُخمدوا نورالله، وأن يطفئوا نورالله، وأن يُنقِصوا قَدر المُصطفى ﷺ من قُلوب العِباد، ماذا فعل الله بِهم؟! ومَن بقي اليوم منهم.
وانتم المَوجودين، هل تريدون سُنة، غير هذة السُنة؛ والله ما لكم إلا هي، ولن تَرِدوا إلا لِنَفس المَورِد. وسَيبقى أتباعه مَنصورون وسَيَصِلون ويُدينُهم إلى كُل بَيت مِن بُيوت الأرضِ في شَرقِها وغَربها بِوَعد مِن خالق الأرض رَب ُالمَشارق والمَغارب ﷻ؛ و(اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [آل عمران:9]. (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. لك الحمد صُنت وجوهنا عن السجود إلا لك فَصُن أدياننا عن الخَدش فيها بُكل مُخالفة ومَعصية، وصُن يا رب وجوهنا وصُن أيدينا عن أن تَمتد إلى غَيرك وعن الحاجة إلا إليك.
(فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ) والذين هدى الله من أتباع المُصطفى على مدى الزَمان نقول: ماذا بَقي عِندكم يا مُختلف فئات الأرض، يا مختلف أهل المَناهج والمَبادئ والاتِجاهات في الأرض؟ ما بَقي عِندكم من أخبار من مَضى من ٱبائِكُم وأجدادِكُم وأئمة فِكرِكُم ومَنهَجِكُم؟ اعرِضوها! ولِنَعرض عَليكم ما بقي من آثار أتباع هذا المُصطفى من آبائِنا ومن عُلمائنا ومن رِجال سَندنا، ولنُقارن بين هؤلاء وهؤلاء في حَياتهم أو ما بَقي إلى يومنا هذا، هاتوا ما عندكم، قولوا لنا؛ ابحثوا هاتوا ما عِندَكُم؛ وجدنا بَعض الدُول التي يَعدونها مُتَقدمة مُفتَخِرين بِشيء من التُراث، ماهو التُراث!! ظُلم وسَفك دِماء مِن ٱبائِهم واجدادِهم وهذا بَيته، وهذا المنْزل الذي كان يَعيش فيه، تركوه تراث، هذا تراثكم! هذا تاريخكم! .. هاتوا تاريخهم وقارِنوا بين أتباع محمد على مدى القُرون إلى اليوم. ما تاريخكم؟ وما تاريخهم ؟ .. إن دخلوا بُلداناً كيف كانوا فيها! وما عَمِلوا بها وبأهلها! وأنتم إن دَخلتم بُلداناً ماذا عملتم بها؟ وماذاعملتم بأهلها؟ ما تاريخ دُولكم القديمة والحديثة؟ إعرِضوه! وهاتوا نقارن بينه وبين تاريخ النبوة وأتباعها؛ لتَعرفوا مَن الضَّال مِن المجرم؟ مَن المُبتزّ مِن المعتدي؟ مَن الظالم؟ هاتوا! وقارنوا!.
(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)) لكن لِرَبِّنا ورَبِكُم حِكمة؛ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ويُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وقد آمنَّا به وتَعَبَّدنا أن نَتمنى الخير للجميع، فنحن نتمناه للجميع ونوقن أن له حِكمة، لن يؤمن الجميع، ولكن يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ويُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ؛ (إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ) ما يَقدِر أحد يهدي من أضل الله ﷻ -وتعالى في علاه- فَتغلَّبتْ عليه شَهوته وهَواه ونَفسه، وعَدوِّه إبليس يَسوقه حَيث يَشاء. ربي إنَ الهُدى هُداك، وآياتك نور تَهدي بِها من تَشاء فَاهدِنا فيمن هَديت.
(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) مَضى مُكَذِبون مُتَعَددون ومُتَنوعون في كل دَولة من الدُول القائمة اليوم ما يُسمونها بالكُبرى وما يُسمونها بالصُغرى وما يُسمونها بالمُتَطورة المُتقدمة وما يُسمونها بالنامية، مَضى مُكَذبين بهذا الرَسول وما جاء به أصناف ومنهم من أظهر العَداوة؛ قولوا لنا: بالله، كيف كان مصيرهم؟ قولوا: كيف كان مصيرهم؟ وما هي نهاياتهم؟ وما الأفكار التي كان يروجون لها ؟.
وما بين غرائب وعجائب بعض المتكررات التي تُكرر من وقت إلى آخر(قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) [البقرة:118]. ومن جُزئيات في ماكان يَدَّعون إليه، مَجَّتها البَشرية؛ لم تعد تَقبلها أصلاً، لكن هاتوا واحدة من دعوات خاتم النبوة دعا إليها مايقبلها العقل السليم اليوم. إيش هو هذا؟!، كل خَصلة دعا إليها، كل عقل سليم يقول: هذا خير، هذا هدى؛ هذا نور؛ البر، أم التواضع، أم الزهد، أم الذكر للرب، أم الإنصاف، أم نصرة المظلوم، كلٌ أتى بها محمد الدعوات، إيش منها يسقط! إيش منها يمجُّه صاحب عقل وقلب سليم! ولا شيء. كل ما جاء بهِ، هو الذي يَحتاج الناس إليه، وهو الذي يُصلح الناس؛ لكن أفكاركم أنتم بأنفُسكم؛ قد رَددتم منها واحدا بعد الثاني، و واحدا بعد الثاني؛ ومع ذلك لا تَزالون في الغي! ولا تَزالون في الاستكبار! ولا تَزالون في التَطاول والتَجبر؟!
لكن (إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ (37)) لماذا؟ لإنك مُكلَّف من قِبَلِنا بالحرص على هداية الخَلق كُله، فَقُم بِحَق هذه العُبودية لنا، واعلم حِكمَتنا الخَفية في أننا؛ ذرأنا كثيرا من الجِن والإنس لِجَهنم (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ) [الأعراف:179]. والدلائل واضحة والبَراهين صَريحة لكن لَهُم قُلوب لا يفقَهون بها ولهم عُيون لا يُبصرون بها ولهم آذان يَسمعون بها .قال سبحانه وتعالى في بيانِ هذه الحقيقة يقول جل جلاله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)؛ هؤلاء في قِمة الظُلم (مَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) [الكهف:57]. يَقول بعض بعض أهل التفسير أنه عزم ﷺ على التوجه إلى الله برفع الأكنَّةِ و الوقْر من الآذان فقال الله لحكمته البالغة : (وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) [الكهف:57] لا إله إلا الله (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ) [الكهف:58] فادعُ إليه، يهدي من يشاء ويتدارك من يشاء (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) [فاطر:8].
يقول: (إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ) وفي قراءة بعض القرّاء وفي قراءة الأكثر (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُهْدِي مَن يُضِلُّ)، يقول: لايمكن أن يُهدى أحد كتب الله له الضلالة ولو اجتمع أهل الأرض كلهم على هدايته لن يهتدِ إلا أن يشاء الله (ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) [يونس:100]. فلك الحمد يامن وهبتَ لنا الإسلام والإيمان فثبتنا عليه وزدنا منه.
يقول: وبعد ذلك يتجرأون ويقولون (وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ) هكذا إيمانهم، فيقولون: (لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ)، (لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ) لماذا يَقولون؟ وإنت ستذهب قبلي و ستأكلك الأرض؛ تمام. أنت مثلك! مثل واحد يقول ما يمكن نُطفة تتحول إنسان! أنت كما هذا!! مثله بالضبط، لماذا لا يمكن؟! مَذرة كما هذه! أين العَظم فيها؟! وأين الشَعَر فيها؟! واين الرأس فيها؟! هل تؤمن أنها تتحول إنسان ؟ ثم بعد أن يغيب في التراب، ليش مايرجع ثاني مرة؟! الذي خلقك من نطفة، ماهو قادر؟ (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مثلهم ) [يس:81].
(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رميم * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مرة) [يس:79-78]. هي أول مَرة جاءت من مخزنك؟ وإلا من عند أبيك ؟ وإلّا من أين جاءت ؟ من دولتك جاءت عظام الخلق؟! من أين جاءت؟ فالذي أتى بها أول مرة، ماعاد يقدر؟ ليش؟! ليش؟! بأي حجة ماعاد يقدر يعيدها؟. ليش!! بأي حجة؟! بأي منطق؟! قل لي: بالله عليك، قل: لي، قل لي: يا آدمي، ليش يقدر مرة واحدة؟ وما يقدر ثاني مرة؟ ليش؟! أين الدليل؟ الدليل؛ الطغيان، الدَليل بَغي وعدوان، أين الدليل؟ أين الدليل؟! والله ماعندهم دليل! الدليل قائم على أن الذي فَطر وخَلق يُعيد ويُبدي هذا دليل مَنطقي وعَقل وأنت إيش عندك من دليل؟ ويقوم يُقسم يمين: لا يبعث الله من يموت (وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا * فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ) [مريم:66-68].
(وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) جاء كما ورد عندنا في الحديث "أن بعض المسلمين له دين عند بعض المشركين وراح وتكلم معه، كان فيما كلَّمه أنه يقول له: والذي أرجوه عند بعثي .. قال أنت تؤمن أن الناس يبعثون؟ قال: أنا أُقسمُ وأقسمَ أيمان (لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوت)، (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا) هذا الذي كَوَّنَكُم -سبحانه- مِن لا شَيء ثُمَّ مِن النُطَف؛ قادر على أن يُعيدَكُم وَقد وَعد أن يُعيدَكُم، فكيف لا يقدر؟ من أين تأتي بالكلام هذا؟! والمَنطِق حقك! إيش مصدره؟ شي عقل عندك؟ ايش مصدره؟ خلقك من لا شيء! ألا يقدر أن يُعيدك ؟! كيف ما يقدر؟! (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ) [الأنبياء:104]؛ (بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا)؛ حققه حقًا وجعله حقًا، (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الواقعة:49-50]؛ (وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (38)).
هذه الحقائق مُتجاهلين مُتغافلين مُتصاممين مُتعامين؛ لهفًا وراء الشَهوات العاجلة، فكأنهم عبيدٌ لها؛ فانحطوا في إنسانيتهم وٱدميتهم، فما أخسَّ مستواهم، لكن من عَقل وأدرَك أن له إله -عَز وَجل- خَلقه لحكمة عظيمة، ماهو يَشبع شهوات في أتعاب ويظلم من يظلم ويروح وانتهت المسألة! هذا مُكُور الليل في النهار والنهار في الليل أكبر من أن يجعل المسألة هكذا لعب. (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ *لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ) [الواقعة:51-52].
وسيحاسب كل واحد على ما فَعل، هذا مُقتضى بديع الحِكمة في الخَلق والإيجاد، مبُدع الكون، هذه قُوة ما هي مُنحطة إلى هذا المستوى، تَخلق ناس يَظلم بَعضهم البَعض؟ يَروحون وما عاد شي كلام؟ ايش ماعاد شي كلام؟!! والكلام على كل صغيرة وكبيرة حتى على قَضيب من أرآك تَأخُذه من غير حَق و ترجعه للناس ويَأخذون مُقابل ذلك مِنك؛ لأن الخالق حَكيم. انظر!! (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُبِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) [الرحمن:5-6]. هذا يترك بني آدم هكذا؟ همَل لعب؟ (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115]؛ أبدًا أي منطق يقول هذه القُوة بهذه الحِكمة التي حَيرت عَقل كُل عاقل!! ما تُجازي ولا تُحاسب! وتَترك من ظَلم يَظلم! كيف هذا؟! هذا ما يمكن يَتفق مع العَقل؛ لكنهم لا يَعْقِلُونَ.
يقول:(وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ)؛ يَجمعهم ويُعيدهُم، (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ)؛ ويدركون الحقيقة؛ (إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124))؛ (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)) في ادعاءاتهم كُلها، وفي نَظرياتهم كُلها، التي خَالفوا فيها ما بُعث به الرسل؛ كاذبين ويَتضح الأمر للكل، بعد ذلك، رأسهم يَقول لأتباعه: أَنَا كَذِبُت عَلَيْكُمْ لِيَشْ تتْبَعُونَا ؟!! رأسهم الشيطان (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ …) [إبراهيم:22]؛ أنا كذاب (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي …) [إبراهيم:22]؛ ذا الحين بتحتجون عليّ ؟! دَفنتم عُقولكم! دَفنتم أفكاركم! أسماعكم وأبصاركم! و اتبعتونا وكَذَّبتم الرسل الذين أتوا من عند ربكم!؟ اليوم بتحتجون عليّ؟! أنتم جنيتم على انفسكم. يقول: (إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ…) [إبراهيم:22]، اليوم في الورطة كُلنا، لن أنفعكم ولن تنفعونا، الكلام هذا كله كذب، (...وعِدهمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [الإسراء:64]، (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ…) [النساء:120]، وماشي! راحت كلها؛ لا شيء، ذهبت كل الوعود.
(لِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39))؛ دُعاة السُفور والإنحلال دُعاة الفَواحش والشُذود الذي سموه كَذب بمِثلية، ما هي مِثلية هذه خَساسة سَقاطة، دُعاة هؤلاء يَعلموا أنهم كانوا كاذبين،\ الكُل يَعلم أنهم كذابين؛ ما فيهم خير ولا معهم للناس خير؛ دُعاة شر وفساد. (وَلِيَعْلَمْ الَّذِينَ كَفُرُوا أَنْهُمْ كَانُوا كَاذِبِيِّينَ) فمن الذي صدق؟! (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52]، هُمُ هَؤلاء الصَّادِقِينَ! وأصدَقُهم مُحمد، كلهم صادقون صلوات الله وسلامه عليه وعليه مجمعين -الله أكبر- وتَظهر الحَقيقة للكُل؛ يَقول الحق سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ ..(40)) آما ترون أمامكم هذا الخلق وهذا الإيجاد والتكوين بأي قُوة! وبأي قُدرة! (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن ..(40)) يعني: نَخلق الأشياء ونَفنيها ونُقَيمها ونَتَصرف فيها بمجرد إرادتنا، إرادة فقط، عَبَّر عنها بِقَولة (كُن) بمجرد ما أريد الشيء يكون كما أريد. فهل فيكم أحد كذلك؟ وهذه إرادتي في وجودكم ووجود كل ما حواليكم (هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) [لقمان:11].
يقول (إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) ومن كان كذلك كيف؟ كيف يعجز عن إعادتكم بعد موتكم؟ وهو الذي يميتكم، وعامّتكم ما يموت باختياره؛ ويموت رغمًا، كما ولد رغمًا يموت رغمًا عنه، ويرجع رغمًا، ماحد طلب اختيارك اصلًا في بداية تكوينك! حتى تقول ما برجع إلا باختياري! ليس لك اختيار أصلًا، متى كان لك اختيار في بدايتك بالله عليك؟ وبعدين في عودتك لك اختيار! أنت مجنون ولا عاقل؟! أنت جئت من دون اختيار! هَيا قل لي: أنت اخترت لونك؟ أنت اخترت جسمك؟ أنت اخترت بلادك؟ أنت اخترت أبوك أمك؟ أنظر! ولا لك شيء من الإختيار، وذا الحين بتتحكم في الآخرة! وتقول: لابد باختياري؟ من بدايتك مالك اختيار ونهايتك كذلك! لا إله إلا الله، سبحان المختار (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ…) [القصص:68].، (لله الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) [الأعراف:54].
الحمد لله على نعمة الإيمان ثبتنا الله وإياكم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين
رب اِحينا شاكرين *** وتوفنـــــا مســــلمين
نبعث من الآمنين *** في زمـــرة السابقين
بجاه طه الرسول *** جُـــد ربنـــا بالقبول
وهب لنا كل سول *** ربِ استجب لي آمين
يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين *** يا أرحم الراحمين فــرج على المسلمين
وثبتهم على الهدى والدين والحق الذي بعثت به خاتم النبيين، ورد عنا كيد أهل الضلال والمكر والكفر والزيغ والفسوق من إبليس الرجيم وأعوانه من شياطين الإنس والجن أجمعين، يا قوي يا متين اكفِ شر الظالمين و أصلح شؤوننا والمؤمنين أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
آمين
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى ٱله
03 جمادى الأول 1444