تفسير سورة الكهف -10- من قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ..} الآية (47) إلى الآية (51)

للاستماع إلى الدرس

تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الكهف:  

وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) 
مساء الإثنين 25 ذي الحجة 1445 هـ

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مُكرمنا بقرآنه ووحيه وتنزيله، وحُسن بيانه على لسان عبده وحبيبه ورسوله سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه- وعلى آله وأصحابه، ومن سار في دربه على الاقتداء به، وعلى آبائه وإخوانه من النبيين والمرسلين، وآلهم وصحبهم وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.

وبعد،،،

فإننا في نعمةٍ تأمُل كلامنا لمولانا وخالقنا وتعليمه إيانا وإرشاده إلينا، انتهينا في سورة الكهف إلى قوله -جلّ جلاله-: (وَيَوْمَ تُسَيَّرُ الْجِبَالَ(47)) كما هي في قراءة أبي عمرو وابن عامر وابن كثير، وقراءة غيرهم: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ)، (وَيَوْمَ تُسَيَّرُ الْجِبَالُ)، (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ). واذكر لهم -يا نبينا- يوم مرجعهم ومآلهم بعد انقضاء هذه الحياة الدنيا وفنائها وزوالها وانتهاء وقتها وأيامها بحكمة الله تبارك وتعالى، وما يجري فيها من أيام خلْقها، ثم بالنسبة لنا من أيام خلْق أبينا آدم إلى وقت النفخة الأولى في الصور انتهى كل شيء، كل ما كان يُسمى على ظهر هذه الأرض مُلكًا، وما يُسمى رئاسة، وما يُسمى مالًا، وما يُسمى قتالًا وحربًا، وما يُسمى كلامًا إلى غير ذلك، انتهى، انتهى منه كل شيء، وما بقي إلا جزاء ما كانوا عملوه.

  • وتبدلت الأرض غير الأرض، ومن تبديل الأرض ما يحصل من تسيير الجبال 

  • ومن تسجيرالبحار؛ (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) [التكوير:6]. 

  • قال تعالى: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ(47)) تُنقل من أماكنها برياح القدرة الربانية، من قِبل من صنعها وخلقها. (وَيَوْمَ تُسَيَّرُ الْجِبَالَ(47))، 

  • وقال في القراءة الثانية: (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ(47)) نُنقلها عن أماكنها، فهذا بداية ما يحصل من التغيير للجبال -تسييرها-: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) [التكوير:3]. 

 وبعد تسييرها تُقلع، تُقلع من أصولها الكامنة تحت الأرض، فإنه ما من جبلٍ إلا وتحت الأرض مثله، فتُقلع كلها، ثم تُدكّ بالأرض، قال تعالى: (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً* فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ) [الحاقة:15،14]، سبحان المُكوّن القادر الجبار الأعلى، ماذا عند بني آدم مما يُخوفون به أو يتخوفونه من أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة النووية، والقنابل الذرية؟! تقليع الجبال من أصولها وتسييرها سيراً، (وَيَوۡمَ نُسَيِّرُ ٱلۡجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47))، يقولُ: وانشقاق السماء، وتسجير البحار. الأمر أكبر من كل ما يُتصور، سبحان القوي القادر.

 (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ(47)) ثُمَّ بَعْدَ أَنْ تُدَكَّ بِالْأَرْضِ، تَتَطَايَرُ كَأَنَّهَا عِهْنٌ مَّنْفُوشٌ، صُوفٌ نُفِشَ وَفُرِّقَتْ أجزاءهُ، يَقُولُ: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ) [القارعة:5]، ثُمَّ تَنْتَهِي إِلَى النَّسْفِ النِّهَائِيِّ فَلَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ.

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعٗا صَفۡصَفٗا * لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه: 105-107]،

قَالَ: (وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً (47))، عِنْدَ حُدُوثِ هَذِهِ التَّغيّيرَاتِ الْكَبِيرَةِ فِي هَذِهِ الْكَائِنَاتِ، (وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً (47)). ظَاهِرَةً مُسْتَوِيَةً، لَا جَبَلَ وَلَا غَارَ وَلَا حُفْرَةَ وَلَا شَجَرَةَ وَلَا جِدَارَ وَلَا خَيْمَةَ بَارِزَةً، مَا عَادَتْ هُنَاكَ شَيْءٌ، انْتَهَى كُلُّ شَيْءٍ.

(وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ ..(47)) -جمعناهم- (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ) [الأنبياء:104]، (قُلۡ إِنَّ ٱلۡأَوَّلِينَ وَٱلۡأٓخِرِينَ * لَمَجۡمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ ) [ الواقعة :49-50 ]

 (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47))، من الَّذِي يَقُولُ لَنْ أَرْجِعَ؟، هَلِ اسْتَأْذَنَكَ الْقَادِرُ الْقَوِيُّ عِنْدَ خَلْقِكَ حَتَّى خُلقتَ؟! فَهَلْ يَحْتَاجُ اسْتِئْذَانَكَ لِإِرْجَاعِكَ؟ حين يَرْجِعُك؟! (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ [ الأنبياء: 104]

 (قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ * قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ) [ يس:78-79] -جَلَّ جَلَالُهُ-، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، (فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47))، فما أحد  يقول لَن أَرْجِع لَن أُحْشَر، أَنْتَ جِئْتَ إِلَى الْعَالَمِ هَذَا الْفَانِي مِنْ دُونِ اخْتِيَارِكَ أَصْلًا، وَسَتُعَادُ مِنْ دُونِ اخْتِيَارِكَ أَصْلًا، وستُعاد من دون إختيارك أصًلا ، أَو أَحَدٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُتَطَوِّرِينَ، اخْتَارَ أَنْ يَجِيءَ؟! وَاخْتَارَ أَنْ يُولَدَ فِي يَوْمِ كَذَا ويكون من صلب فلان وأمه فلانة؟ هل يوجد أحد منهم هذا -العبقري الكبير- ولا عنده شيء مسكين، نطفة وعلقة ومضغة بتقديرٍ من فوق، فالكل تحت قهره، وإن تكبروا، وإن تجبروا، وإن تصوروا، تحت القهر، تحت التسيير -سبحان القهار-، وعند القيامة يُنادي: 

  • (لمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ..) [غاف:16]؟ تعالوا يا جماعة، تعالوا يا رؤساء، تعالوا يا أُمم، تعالوا! هل عاد أحد منهم ملك؟! 

  • (لمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ..) [غافر:16]؟ العالم صامت، الناس قد صعقوا 

يقول الجبار(لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر:16]؛ الذي قهر عباده بالموت.

قال تعالى: (وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)) وَلَا نَفْس وَاحِدَة؛ لأنه لا نسيان ولا ذهول، ولا أحد يقدر يخرج عن القدرة؛ خالِقهم يردهم كما جمعهم، الله. (فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47))، الكلّ موجودين -الله- بأصنافهم.

(وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا(48)) جاء يوم العرض، جاء يوم الجزاء، جاء يوم الحساب، (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47))، (وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ * لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلۡيَوۡمَ حَدِيدٞ) [ ق:21-22]، (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [ يس: 52]  -تَقُولُ الْمَلَائِكَةُ-. 

(وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا(48)) أي مُرتبين زُمَرًا .. زُمَرًا، صُفوفًا .. صُفوفًا، كما قال: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [الفجر: 22] ، أي مُرتب مكان حشْر كل واحد، على هيئاتهم في الحشر: 

  • فمنهم من يُحشر مُكرّمًا، ويؤتى لهم كالجِمال يركبون عليها، وتَطير بهم إلى منازلهم في تحت ظل العرش، فهؤلاء من أوائل من يُحشر.

  • ومنهم من يُحشرون الاثنين والثلاثة والعشرة على جمَل.

  • ومنهم من يُحشرون تَقودهم النار، وتَسوقهم النار من ورائهم، وتَجمعهم من هنا ومن هنا إلى أماكنهم، وعلى أصناف.

  • ومنهم تتبدّى لهم أعمالهم السيئة، فتقول لهم: هيا احملوني، يقولون: من أنتَ؟ ما نعرفك! لماذا لا تعرفني؟! أنا كَذْبتك الفلانية، أنا زِنْيتك الفلانية، أنا شرابك الخمر الفلاني، أنا غيبتك الفلانية، أما تعرفني؟! فاحملني اليوم! قال: أنا ما أعرف، أين أذهب، وأنا تعبان؟ ،- لا إله إلا الله- (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) [طه:111]

(يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [الأنعام:31]. وبدل ما يُحمَل ولكن: يُحَمَّل؛ هو أعمى في ظُلمة، وتسوقهم الملائكة إلى أماكنهم، فما أعظم يوم الحشر.

ثم هو يوم عرض، يُستعرض فيه، أنت قد تتصور شيء من هيبة عرض مخلوق على مخلوق؛ واحد يُجيء به مُكبّل ومُقيَّد وأمام المحكمة، ماهذا؟ ما يساوي شيء! هؤلاء مخاليق على جبّار؟ ما العرض هذا؟ ما العرض هذا؟ وكيف يكون؟ -لا إله إلا الله-.

(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا* يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا * يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا* وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَيِّ ٱلۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمٗا) [ طه:111-108].

والله إن هذا اليوم مُقبل علينا وآتٍ لا شك فيه، والحال هناك مختلف جدًا، -فيا رباه حشرًا مع أنبيائك، حشرًا مع أصفيائِك، حشرًا مع أوليائك، لا تُخلِّف أحدًا مِنّا عن ركب حبيبك، بمحبتك له ومحبته لك ومنزلته، فإنا نُلح عليك ونسألك (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) [الإنسان:10].

ذكِّرهم بهذا اليوم، (وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا(48)) وكل واحد منهم يُخاطبه الجبار -جل جلاله-؛ وليقُم فلان بن فلان للعرض على الله، وليقُم فلان بن فلان للعرض على الله؛ وكل هذا في وقت يسير، يجمعهم -جلّ جلاله-، وكلٌ يُخاطبه ربه؛ أتذكر يوم كذا؟ في مكان كذا، يوم قلت كذا، يوم فعلت كذا.

-لا إله إلا الله-، ويا ستار استرنا بسِترِك الجميل وعاملنا بفضلك الجزيل-، قال: (لَّقَدْ جِئْتُمُونَا(48)) يقول الحق تعالى، وعلى ألْسُنِ الملائكة لأنواع الكفار الذين ينكرون البعث، وينكرون الحشر، وينكرون الرجوع إلى الرب، وينكرون يوم القيامة. 

  • (لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ( 48 )) حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا بُهمًا.

  • (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا(48) ) زعمتم أننا لن نجمعكم في مكان واحد في وقت أعددناه! من أين جئتم بهذا الزعم؟! أتعجِّزوننا في قدرتنا وإرادتنا؟ (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا(48)) الموعد الآن وصل، انظروا! (هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) [المطففين:17] -لا إله إلا الله-.

قال تعالى: (وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ..(48)) حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا،  قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله النساء مختلطات بالرجال؟ إننا نستحي، قال: الأمر أكبر من أن يشغلهم ذلك! أو أن ينظر بعضهم إلى بعض من شدة الهول في القيامة، ما أحد عنده فراغ أن ينظر لأحد، ينظر أين مخرجه، أين منزله، وماذا سيحكم فيه، الأمرٌ شنيع شديد.

-لا إله إلا الله- . قال: (لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ ..(48)) وادعيتم، وكذبتم، وتشدَّقتم (أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا (48)) فهذا الموعد قد جاء، (هذا هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52] صلوات الله وسلامه عليهم، فذاك اليوم يوم النبيين، ويوم أتباعهم، يوم يُكرمون، يوم يُبجلون، يوم يُعظمون -الله الله الله-

 (بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا(48)) وإذا رأوا النار قالوا: (هَٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحۡرٌ هَٰذَآ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ * ٱصۡلَوۡهَا فَٱصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ) [الطور:14-16].

يقول تعالى: ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ..(49)) 

  • نُشرت الصحف (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) [الإسراء:13]، 

  • (ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ) [الإسراء:14] ما كان مُسجل من جميع ما نقول، ونفعل، 

  • (وَكُلُّ شَيۡءٖ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٖ وَكَبِيرٖ مُّسۡتَطَرٌ) [القمر :53 ،52] .

  • ويقول سبحانه وتعالى: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ ق:18]، (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) [الرعد :11].

يقول: ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ..(49))؛ فمن مستلِمِ كتابه بيمينه -من أمامه- ومن مستلم كتابه بشماله، -من وراء ظهره-.

(فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ (49)) أنواع المجرمين: منهم المتكبرون في زماننا، والذين مضوا، ومن يأتِ على الإجرام من بعدنا، كلهم (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ (49)) ؛ مُشفِقين من عَذابِ رَبهم، والخِزي أمامَ الخَلْق والفَضيحة وما يَحلُّ عَليّهم،  والكَلام الذي كانوا يَقولونه كُله، أصبح كَذِب، و الدَّعاوي التي كانوا يَدَّعون بها، والزَّمجَرَة التي كانوا يُزَمجِرون بها في الدُّنيا؛ أذلّاء.

(فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا …(49))  ما عاد لَهُم شَيء يَرجِعون إليه إلا الهَلَكَة، يَدعون على أَنفُسِهم بالهَلاك، (يَٰوَيۡلَتَنَا …(49)):يا هَلاكَنا.

(مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ…(49)) ماهذا السِجِل هذا؟! الكَلِمات كُلَّها، النَّظَرَات كُلَّها! حَرَكات الإِصبع! حَرَكات الكَف، حَرَكات السّاعِد، حَرَكات الرِّجل، حَرَكات الفَخذ، حركات البَطن، حركات العَين؛ الكَلِمات كُلَّها، والدَّخَلات، والقَومات، والقَعدات، والنَّومات، والجَّلَسات، ومَد اليَد ورَدها، وأَخذ الأمر وَرَدّه، ورَفع اللقمة وطَرْحها، كُلّه كُلّه كُلّه مَوجود، كُلّه كُلّه كُلّه ( مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ…(49)) مَن ظَلَم، ومَن كَذَب، ومَن سَرَق، ومَن قَتَل، ومَن آذى غيره، ومَن اغتابَ، ومن ... (وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا(49))  إنما يُجازيهم بأعمالِهم، "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَه".

(فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا(49)) -جَلَّ جَلَالُهُ-  ما يُعَذِّب أحدا إلا بِعَمَلِه، وإلا بِنِّياته، وإلا بِكَسبه، ولايُعَذب إلا مَن بَلَغَتهُم الرسالة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ) [الإسراء: 15] يقول:(وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا(49)).

وقد سافر سيدنا جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- وبَلَغَهُ حديث سَمِعَهُ من النبي، عبد الله بن أُنيس؛ عبد الله بن أُنيس كان في الشام أو في مصر وسيدنا جابر في المدينة- سمع منهم الحديث عن الجَزاء والقِصاص في القيامة.

قال: فاشتريت ناقة وسافرتُ، من أجل يُريد يَسمَع الحَديث مِن الذي سَمِعَهُ مِنَ النَّبي مُباشرةً، بِمَسيرة شَهر يُسافِر، مِن أَجل سَماع هذا الحديث؛ فلو جِئنا من أي مَسافة لِنَستَمع هذه الآيات وهذه الدروس، هل هذا؟ هل هذا الأمر يَستَحِق ذلك؟! أو لا يَستَحِق؟! حَديث يُريد أن يَسمَعهُ مِن الذي سَمِعَهُ من النَّبي مُباشرة، سمعه من الآخرين، لم يَسمَعهُ من النبي، قد مات الذي سَمِعهُ من النبي، باقي هذا عبد الله بن أنيس هو سَمِعَهُ منه مُباشرة، يُسافر من أجل هذا، ومسيرة شهر، حتى لما وصل، قالوا له: جابر. قال: بن عبد الله؟! الصحابيّ هذا جاء؟، قالوا: نعم، خَرَج مُستَعجل ، قال: فاعتنقني واعتنقته، قال:إنما جِئُتكَ من أجلِ حديثٍ، سمِعتُ أنك سَمِعتَهُ من رسول اللهﷺ في الجَزاء يوم القيامة؟ قال: نعم، سمِعتُ رسول اللهﷺ يقول: "إذا كان يوم القيامة حُشِرَ العباد حُفاةً، عُراةً، غُرْلًا، بُهْمًا"

قال: وما بُهْمًا؟ قال: لا، ليس معهم شيء،" فَيَجمَعهم في مكانٍ واحد يَنفُذهُم البَصَر ويُناديهم فَيَسمَعهُ من قَرُب كما يَسمَعهُ من بَعُد، ويقول: أنا الله المَلِك، أنا الله الديَّان، لا ينبغي لأحدٍ من أهل الجنة أن يَدخُلَ الجنة وعِندَهُ مَظلَمَةٌ لأحدٍ من أهل النار، حتى لَطْمة فما فَوقَها حتى آخذها منه، حتى أقتص منه، حتى أقضيها منه، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل النار أن يدخل النار وعنده حقٌ أو مَظلمةٌ لأحدٍ من أهل الجَّنة حتى آخُذها منه حتى اقتَصها منه، حتى اقضيها منه،  قلنا: يا رسول الله، كيف ونحن حُفاة عُراة غُرْلا بُهما، ما عندنا شيء؟ قال: بالحسنات والسيئات"؛ قال : جزاك الله خيرًا، أنا راجع، قال: أنا جئت من أجل هذا الحديث؛ مَسيرَة شَهر مَضى، وَرَجَع مَسيرَة شَهر إلى المدينة المنورة -جابر بن عبد الله- مُعَظِّمًا لِحَديث المُصطفى -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه  وسلم؛ فما أسعَدَنا بِكَلام الله وكَلام رَسوله.

 يقول: فهذا شَأنُ البَعث والحَشر: الجَمع بعد النَّشر من القُبور، فالنَّشر: خُروجُ النّاس من قُبورِهم، والحَشر:جَمعُهم في الأماكن، -لا إله إلا الله-.

يقول وذَكِّرهم:(وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِ.. (50)) قال: ارجعوا إلى بِداية الخَلق والتَّكوين، وخَلَقنا أباكم آدم، وأمرنا المَلائِكة أن يَسجُدوا له تَكريمًا (وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ (50)) تَكريمًا وتَحيةً وإجلالًا،(فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ (50)) وهَلَكَ الجِنُ وبَقي هو،لأنه في مَظهر الإيمان والعِبادة، ورُفِعَ مع المَلائكة يعبدُ الله، وعَبَدَ الله ألف سنة، وألفين، ثلاثة آلاف، أربعة آلاف، سبعة آلاف سنة.

كم عمري؟ وعمركم؟ وعمر أبوك؟ وجَدّي؟ وجدك؟ عمر الأمة كلها ، وأعمار الأمم كلها، وأعمار من قبلنا؛ مُدَة عبادته، حتى ما من مَوضِع شبر في السَّماء الأولى: السماء الدُّنيا، إلا وله فيها سَجدة؛ لكن في قَلبه مَرَض؛ الكِبر، فَحَبَط العَمل كُله -أعوذ بالله من الكِبر وشُؤمه- ، اللهم انظر إلينا فلا تدع في قلب أحد منا ذرةً من كِبرٍ إلا نَزَعتَها وأخرَجتها، وصفِّيت قلوبنا يا مُصَفِّي القلوب -يا الله-.

وكيف حُبط هذا العمل؟! سبعة آلاف سنة عبادة؟ ولاعاد بقي إلا لَعنة إلى يوم الدين، -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، أمر خطير!

وياوَيل من يَقتَدي بِإبليس ويَتَكَبر ويَجحَد ويَتعالى على أمر الواحد الأحد، (إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓ(50))  خَرَجَ عن طاعة الله، يقول الله:هذا فَسَق عن أَمر الله احتقارًا لأبيكم آدم، قال: (ءَأَسۡجُدُ لِمَنۡ خَلَقۡتَ طِينٗا) [الإسراء:61]  (أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ) [الأعراف:12] ( لَمۡ أَكُن لِّأَسۡجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقۡتَهُۥ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ) [الحجر:33] احتقر أباكم، فَطَرَدناه، واليوم تَتَّولونه بدلًا مني!،تَنسون خالِقكم المُنعِم عليكم! وتُطيعون عَدُوكم هذا الذي احتقركم!، ومن أجلكم وكرامة آدم أبيكم عندنا طردناه! والآن تتخذونه هو الولي ! وتطيعون وسوَسته وكلامه!

(فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦٓ(50)) (أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ ) فكان أبًا للجنّ كآدم أبٍ للإنس، فهو بالنسبة للجنّ كآدم بالنسبة للإنس؛ خلق الله له زوجة بعد أن طرده، وجاء النَسل منهم (أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ(50)) (إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ) [الأعراف:27].

 يقول تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ(50)) فجميع المَوجودين مَعنا على ظهر الأرض من الكفار والفُسّاقِ اتَخَذوا عَدُوهم وليًا من دون الله -تبارك و تعالى- وجَحَدوا خالقهم، المُنعِم عليهم، ورازقهم، ومن بِيده أمرهم، وإليه المَرجِع والمآب -جلّ جلاله-.

 (أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا(50))  هذا مَسلَك خِسة ودَناءه ووَقاحة! تجيء للذي خَلَقَك ورَزَقَك وكَوَّن سَمعَك وبَصَرَك تَجحَدُ به! وتُسَخِّر طاقتك لِعَدوّك وعدوّه، الذي فَسَقَ عن أمر ربه باحتقارك واحتقار أبيك من قبل، ثمّ الآن تَتبعه وتنسى ربّك ورسله وأنبيائه الذين أرسلهم إليك.

(بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا(50))استبدلتم مَن؟ بِمَن؟ فماذا سَيَصنع بِكُم وماذا سَيَفعَل بِكُم إذا رَجَعتُم إلينا وإذا حَكَمنا عَليكم؟ وقال الشيطان لما قُضي الأمر: (إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ ) [ابراهيم:22] هذه خُطبَة إبليس في أحزابه يوم القيامة، (إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ) [فاطر:6]، بعد ذلك هذه آخر خِطبة يَخطُب لهم في القِيامة لإنهم كُلُهم يَحتَجّون عليه ويقولون: يا ربّنا عدوّك، هذا إبليس هو الذي أغوانا، ها؟! ولولاه لَكُنا اتبعنا رُسُلك وآمنّا بك! أنت رَبُنا وإلٰهُنا ولكنّ هذا أغوانا فَخُذ حَقَنا من إبليس؛ فَيُؤتى بإبليس ،ويُنصَب كُرسيّ بين الجَنّة والنّار، كُرسيّ من نار، يقعد عليه.

أنظر الى أحزابه! المُلحدين والمفسدين والمعاندين ،المجرمين؛ الأصناف كلّهم الذين كان يُغويهم والذين كانوا جنودًا له ، يقولون: هذا يا ربّ، هذا يا ربّ، هذا الّذي أغوانا يقول: اسكتوا اسكتوا، اسمعوا (وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ) [ابراهيم:22]: انتهى (إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ) [ابراهيم:22]  أنزل كُتُب، جاء لكم برسل، وقال لكم: (فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ) [الزلزلة:7] كلام حقّ صحيح، (وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ) [ابراهيم:22] انا قلتُ لكم: أنتم المتقدّمون، أنتم متطوّرون، أنتم أحسن، أنتم أعظم من هؤلاء، من هؤلاء؟! ومشيتوا وَرائي! مَن قال لكم؟ (وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ) [ابراهيم:22] (يَعِدُهُمۡ وَيُمَنِّيهِمۡۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء:120]  (كَمَثَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ إِذۡ قَالَ لِلۡإِنسَٰنِ ٱكۡفُرۡ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّنكَ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ * فَكَانَ عَٰقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ خَٰلِدَيۡنِ فِيهَاۚ)[الحشر:16-17] (وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ) [ابراهيم:22] أنا بالقوة أخذتكم؟(وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ …) [ابراهيم:22] فبأي شيء تَحتَجون؟! (فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ) [ابراهيم:22] لن أنفعكم ولن تنفعوني، لن أنقذكم ولن تنقذونا، الحكم من فوق وخلاص، معي معي في النار، داخل إلى الجحيم أنا وإياكم، حيات وعقارب وتعالوا تعالوا إلى هناك.

اسكتوا ساكتين (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ) [ابراهيم:22]، هل أنا جئتُ بالحَبل في رَقَبة أحد منكم؟ وإلا حَمَلت سيف فوق أحد منكم؟ وسوستُ لكم فتبعتونا خلاص، فأنتم تعالوا معي للنار، انتهى لايوجد كلام ثاني (مَّآ أَنَا۠ بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ)  [ابراهيم:22] عندما يقرأ الآية ابن عباس يقول ضَحِك عليهم في الدُّنيا ويَضحَك عليهم في القيامة، ما معه شيء أصلا.

الرب هو الله، الخالق هو الله، القدير هو الله، الذي بيده مَلكوت كل شيء هو الله، كيف ننسى الله؟ كيف نَعصي الله؟ كيف نَخرُج عن أمر الله؟ من أجل من؟ وهذا ماذا سيعمل لنا؟ هو ولا غيره؟- لا إله إلا الله-.

قال: (أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّ بِئۡسَ لِلظَّٰلِمِينَ بَدَلٗا (50) ) قال الله: (مَّآ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ (51))، ما أحضَرتهم لما خَلَقت السماوات والأرض، أنا الذي كَوّنت، أنا الذي أوجدت (مَّآ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ … (51) ) ولا أحد منهم خُلِق باختياره، أنا أوجدتهم بقدرتي وإرادتي، وبعد ذلك تجعلون منهم أولياء من دوني وتتبعونهم وتَنقادون لهم! (مَّآ أَشۡهَدتُّهُمۡ خَلۡقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَا خَلۡقَ أَنفُسِهِمۡ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلۡمُضِلِّينَ عَضُدٗا (51) ).

 فيا ربِّ نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك، نسألك أن نوالي من والاك، وأن نعادي من عاداك، نحب بحبك الناس، ونُعادي بعداوتك، من خالَفك من خلقك.

نسألك في ذلك اليوم جمعاً مع سيد القوم، وظلاً في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، ودخولاً تحت لواء الحمد.

ووروداً على الحوض المورود، ووروداً على الحوض المورود، وسِتراً جميلاً، ورحمةً، وعفواً، ومغفرةً، يا خير الغافرين.

ومروراً على الصراط في زمرة حبيبك ودخولاً إلى الجنة، اللهم أكرمنا بذلك، واسَلُك بنا أشرف المسالك، وادفع عنا الآفات والمهالك، برحمتك يا أرحم الراحمين

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

28 ذو الحِجّة 1445

تاريخ النشر الميلادي

03 يوليو 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام