(228)
(574)
(536)
(311)
تفسير فضيلة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة إبراهيم، من قوله تعالى:
(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ (26) يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَۚ وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ (27) ۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ كُفۡرٗا وَأَحَلُّواْ قَوۡمَهُمۡ دَارَ ٱلۡبَوَارِ (28))
ضمن جلسات الإثنين الأسبوعية بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية
الحمد لله مكرمنا بالرسالة وختْمِها، وبيان الحقيقة على لسان عبده وحبيبه محمد، نور الحقيقة وعلْمها، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه، وعلى آله وأصحابه وأهل ولائه واتباعه والاقتداء به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل قُرب الله من أحبابه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
أما بعد،،
فإننا في نعمة تأملنا لكلام ربنا وتفهّمنا لخطابه، وما أوحاه على قلب سيد أحبابه؛ مررْنا على قول الله تبارك وتعالى: (أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ (24) تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ وَيَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ (26))، وعلِمْنا أن شجرة الإيمان في القلب أغلى الشجرات، وأنها إذا رسختْ في قلب المؤمن؛ صارت كالشجرة الطيبة التي (أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا) مُعْتلٍ مترفّع في السماء. (تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا) -فوائدها وثمراتها- (كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَا ..(25))، ثم إن أعلى ما ينطق به المؤمن بالله جل جلاله ويقول له من الكلمات؛ كلمة لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، فهي خير كلمة وأطيب كلمة وأعلى كلمة وأشرف كلمة. ثبتنا الله عليها، وجعلنا من خواص أهلها عنده إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
قال نبينا المصطفى محمد: "أفضل ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه"، أفضل ما قال زين الخِلال خاتم الأنْباء والإرسال، وأفضل ما قال النبيون من قبله؛ فما أعظمها من كلمة، عظيم شأنها، مشيَّد بنيانها، تترتب عليها حقائق الإسلام والإيمان والإحسان والمعرفة الخاصة، والمحبة الخالصة وجميع مقامات القرب من الله، والرضى من الله والرضى عن الله، والمحبة من الله والمحبة لله. فيارب ثبتنا على الحق والهدى و يارب ثبتنا على لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، وحققنا بحقائق لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه؛ فهي المطهِّرة للعقول، والمطهرة للقلوب، والمطهرة للأرواح من كل ما يعلق بها من الخيالات، والأوهام، والضلالات والظُلُمات والآفات بأنواعها.
وأخبث الكلمات، كلمة إنكار الإله، وكلمة إثبات الشريك مع الله؛ فهذه أخبث الكلمات على ظهر الأرض، أخبث الكلمات الصادرة من لسان إنسي أو جني، هذه الكلمات الخبيثة، كلمات الكفر، الجحود، كلمات الشرك لا تصدر من شيء من الجمادات ولا من النباتات ولا من الحيوانات؛
فكلها منزهة عن أن تصدر منها الكلمة الخبيثة، لكن تصدر من بعض الإنس والجن هذه الكلمات الخبيثة؛ ولذلك هم أضل من الأنعام؛ فالأنعام لا تصدر منهم هذه الكلمة الخبيثة، والأنعام مسبِّحة بحمد ربها، الإبل والبقر والغنم وبقية الحيوانات والكائنات. لكن هؤلاء المكلَّفين من الإنس والجن بشططهم، بزيغهم، بافترائهم، بطغيانهم؛ ينطقون بهذا الكلام الخبيث و يتفوَّهون به، أخبثُ الكلمات.
فالكلمة الطيبة التي هي متصلة بشجرة الإيمان وخير الكلمات قول: 'لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه'، (كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ (24) تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَا ..(25))، وما اتصل بلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه من الكلمات التي هُذِبت واختيرت على أساس لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه. من الكلمات التي فيها ذكر الحق، أو ذكر رسوله أو ذكر الدار الآخرة أو فيها إدخال السرور على قلب المؤمن بالحق وبالصدق، هذه الكلمات طيبة؛
هكذا الطيبون والأنبياء، والصالحون تصدر منهم الكلمات الطيبات؛ لذا أكبر عنوان على باطن الإنسان وجَنانه، لسانه، وكل من يصدر منه الكلمات النابية والسب والشتم والذم لخلق الله تعالى؛ فاعلم أن في باطنه خباثة، وفي باطنه ظُلمة وفي باطنه سوء.
وكلُّ إناءٍ بما فيهِ ينضحُ، كل إناء ينضح بما فيه، فهذا النضح من قلب الإنسان على لسانه؛ ينضح بما في قلبه. وهكذا -الله، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه- :
فلتتعوَّد على الكلمة الطيبة، ولتكثر من أطيب الكلمات؛ من 'لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه' متأملا لمعناها:
وكلَّه في معنى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه. اللهم حققنا بحقائقها، واجعلنا عندك من خواص أهلها الذين قال عنهم نبينا: "ليس على أهل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه في قبورهم ولا يوم بعثهم ونشورهم"، "ليس عليهم في قبورهم ولا يوم بعثهم ونشورهم وحشة"، ليس عليهم وحشة، ليس عليهم وحشة القبور، ولا وحشة يوم البعث والنشور؛ وقد استأنسوا بلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه. ولذا جاءنا عن:
إذًا فانتبه من الكلمات واختر الكلمات الطيبات، واعلم أن الكلمات الخبيثة لا قرار لها ولا عاقبة لها، ولا نهاية حسنة لها، وإنها إذا صدرت من المؤمن فندم عليها، لا يستطيع أن يردها؛ سوى أن يتدارك الأمر بالاستغفار والإكثار من الكلمات الطيبة مقابلها حتى تذهب شرها عنه بقدر ما أذن الله له؛
(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ..(26))، والشجرة خبيثة، ومع خُبْثها ونتانة ريحها وخبث طعم ثمرها مع ذلك، (ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ)، فكذلك شؤون الكفر، وإن زمجر أهله في الأوقات المختلفة؛ فإن الحق يخزيهم في الدنيا، ثم الخزي والسوء يوم القيامة على من تعلق بكلمة الخباثة بالكفر، و نطق بالكفر، وتحدث بالكفر؛ وهم -والعياذ بالله- أهل سوء المصير ولا قرار لهم. فإذاً كلماتهم كلها وإن زخرفت لا تثمر لهم؛ شرفاً ولا كرامةً ولا عزاً ولا أنساً ولا راحةً ولا نعيماً ولا خيراً؛ سوى أن يزدادوا بها بعداً، وطرداً، وغضباً، ولعنةً، وعذاباً -والعياذ بالله- تعالى.
(مَا لَهَا مِن قَرَارٖ ..(26))، لكن كلمة لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه؛ نطقنا بها ونطق بها الملائكة ونطق بها النبيون والصالحون، ثابتة على قوائم العرش؛ الحكم في القيامة يرجع إليها، أهلها هم السعداء، ومُنكرها هم الأشقياء، أهلها أهل الجنة ، والمكذبون بها والناكثون لعهدها؛ أهل النار، ما أعظم قرارها! ويروى: "أن أبواب الجنة مكتوب على كل باب لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه محمد رسول الله"؛ فهذا الذي يستقر، وهذا الذي يدوم خيره، وهذا الذي ينعم أصحابه نعيم الأبد. نِعم القول ونِعم الاستقرار.
الشعارات والكلمات التي يرددونها هي كلها شعارات كفر، لكن أعجب فيها! يناقض بعضها بعض، وينسخ بعضها بعض، ويبعد بعضها بعض، كلما ظهرت طائفة من الكفار أقاموا لهم بشعارات؛ جاءوا بكلمات ويجيء الذين من بعدهم يُنكرها و يُغيِّرها ويُبدِّلها، ويجيء بغيرها، هكذا يتناقضون في أمورهم، وهي كلها كفر، لكن كلمة لاَإِلَهَ إِلاَّ اللَّه -الله الله- من عهد آدم، إلى نبينا محمد، إلى المؤمنين في وقتنا، إلى أن ينزل عيسى ابن مريم، إلى آخر مؤمن وهي معظمة، ثم في القيامة مرفوعة. الله أكبر!
وكلٌ يتمنى أنه من أهلها، وسيد أهلها محمد ﷺ، خير من نطق بها من الخلق أجمعين، قال الحق له في القرآن: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19]. إذًا فجميع شعارات الكفر من إلحاد وشرك وتكذيب بآيات الله. (كَلِمَةٍ خَبِيثَةٖ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجۡتُثَّتۡ مِن فَوۡقِ ٱلۡأَرۡضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٖ (26))، ليست الغاية لها ولا النهاية لها، ولا العاقبة لها ولا النصر لها، إن قالتها دول أو شعوب؛ صغارٌ أو كبار قليلُ أو كثير، لا قرار لها، ولا لهم ولا غاية ولا عاقبة، وإنما الشأن شأن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، اللهم حققنا بحقائقها. فأكثر منها مستحضراً لمعناها، حتى تسري أنوارها إلى قلبك، ومن قلبك إلى جسمك، وأعضائك، بل إلى دمك وعظامك وشعرك، فإن شَّأنها شَأن، وعظمتها عند الله كبيرة.
حتى جاءنا في حديثٍ: "أن رجلًا أذنب ذنوبًا كثيرة، سُطِّرت عليه في تسعةٌ وتسعون سِجلًّا , كلُّ سِجِلٍّ مدَّ البصرِ، ثم تداركه الله بتوبة وموت على لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه"، فمات على لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، فإذا جاء بصحائفه، تسع وتسعون سجلاً، كل سِجِلٍّ منها على مدّ البصر ذنوب، فوضعت في كفةِ السيئات، ما عنده حسنة، يلتفت يمنة ويسرة، فيُنادى من قِبل الحق: "إن عندك لنا وديعة، يقول: يا رب ما الوديعة؟ فتخرج له بطاقة صغيرة في حجمها مكتوب فيها لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، يقول: يا رب، وما تكون هذه البطاقة عند هذه الصحائف؟ يقول: إنك لا تُظلَم، فتوضع لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه في كفة الحسنات، فترجح فتطيش تلك السجلات كلها. قال ﷺ: "و ليس يثقل على اسم الله شيء"، لا شيء يرجح بإسم الله، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، فيغفر الله له بلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، لمّا وفقّه للتوبة، والموت على لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه. اللهم حققّنا بحقائق لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه؛
فيا رب ثبتنا على الحق والهدى** و يا رب اقبضنا على خير ملَّةِ
(يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ .. (27))،
كلمة الحق لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه وما تفرَّع عنها، وترجمتها في المعاني الطيبة البديعة الوسِيعة، يثبتهم على ذلك سبحانه وتعالى.
يثبت المؤمن، بهذا القول الثابت قول لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه، وما تفرع عنه، ومن جملةِ ما تفرع عنه:
وهكذا (يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ .. (27))، إذا سُئلوا في القبور قالوا: الله ربنا، وقالوا: محمد رسول الله، آمنا به وصدقناه، وشّهدنا أن ما جاء به هو الحق، الحق فيما جاء به سيد الخلق ﷺ.والإسلام ديننا والمؤمنون إخواننا، (يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ .. (27))، كذلك في يوم القيامة.
وكان من القول الثابت، ما ذكر الله لنا عن سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ) [المائدة:116]، فثبته الله بالقول الثابت، قال سيدنا عيسى:
ونتيجة هذا القول الثابت؛ يقول الله له: (قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة:119]، اللهم اجعلنا من الصادقين وثبتنا بالقول الثابت.
وأعلم:
إذًا فلسانك لسانك، انتبه منها!! واحفظها واطلب الثبات بثباتها على قول الحق، وقول الصدق، القول الذي ينفع العباد وترجمة لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه.
(وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَ ..(27))، الذين ظلموا أنفسهم، فلا يثّبتون ويُضلون، وقبل ذلك وبعد ذلك، قبل الإيمان وقبل الظلم، (وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ (27))، فكم من واحد ظاهر بالإيمان فيقلبه، ويحشره من الظلمة، وكم من واحد ظاهره ظلم أو عامل بالظلم، فيفيق من غفلته و يتوب الله عليه فينقله إلى المثّبتين ويثّبته، (وَيَفۡعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ (27))؛ إذًا فالخوف منه، والرجاء فيه، لا في أعمالنا ولا في إيماننا، لكن فيه هو، يَقبل العمل ويثبت الإيمان، ويتوفانا عليه، وأما من دونه هو!! إيمانك يروح! عملك يروح! ويبطل، ولعاد معك شيء، لكن هو إذا ثبتك. ماهو الخوف؟ فالخوف منه، إذا رمى بعبده -والعياذ بالله- وخذله إلى كفرٍ أو فسوقٍ أو عصيانٍ وقبضه على حال سيئة، فالخوف منه. وإذا شاء تاب على الظالم، والفاسق والكافر، وأحسن خاتمته فالمخوُف هو، والمرجو هو؛
فأقم السبب، ولا ترجو إلا هو ولا تخاف إلا هو، وقال: في الرجاء والخوف:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا) مشركو مكة (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)) نعمة الله محمد، أرسله إليهم بالهدى ودين الحق، بدلوا نعمة الله كفرا، كذبوا به وسموه الساحر والمجنون والكذاب. (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)، بالتكذيب بالمختار، دار البوار؛ الهلاك العظيم الأبدي؛ (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)). والعياذ بالله تعالى، اللهم أجرنا من النار.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ..(30))، أندادًا أمثال وشركاء، وليس له مثيل ولا نظير ولا شريك. (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار(30))، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار. هذه الحقائق أيها المؤمنون، فاغنموا أيامكم ولياليكم بالقول الطيب، ومن خير الكلام الطيب كلام ربكم سبحانه وتعالى.
لما مرﷺ على بعض أصحابه، وإذا هو يقرأ آيات من هذه السورة ويتأملها، وبعد ذلك ينتقل الى آيات من السورة الثانية ويتأملها، ثم ينتقل الى آيات من السورة الثالثة، قال: "ما تصنع؟ قال: "أَخْلِطُ الطِّيبَ بِالطِّيبِ"، قال:"أَخْلِطُ الطِّيبَ بِالطِّيبِ"، يقول: كلام ربي، كل ساعة أقرأ شيء من الآيات و أتأملها وأقرأها؛ فأثنى عليه ﷺ، فهكذا عِشْ على القول الثابت، والكلام الطيب، قال تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) [غافر:10]، الْكَلامُ الطَّيِّبُ؛ إذا خرج من قلب المؤمن يصعد إلى الرحمن (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [غافر:10]، (والْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
الله يقبلنا، ويقبل بوجهه علينا، ويصلح شأننا كله، ويصلح ألسِنة المسلمين، وقلوب المسلمين، وما من يوم يصبح على بني آدم إلا والأعضاء كلها تنادي وتخاطب اللسان ، تقول: "أيها الإنسان اتقِ اللهَ فينا؛ فإنما نحن بك؛ فإن استقمت استقمْنا وإنِ اعوججتَ اعوججنا".
اللهم قَّوم ألسنتنا وألسنة الناطقين بلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه في المشارق والمغارب، على ما هو الحق والهدى والصواب والخير والنور. و أعذْنا اللهم من كلمات الخباثة وكلمات السوء وكلمات المنكر وكلمات الزور. واجعل ألسنتنا تابعة للسان حبيبك المصطفى محمد ﷺ في كل قول نقوله ولفظ نتلفظ به، وكلام نتكلم به ظاهراً وباطناً، ووفر حظّنا من لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه وأسرارها وأشْرِق على قلوبنا سَواطع أنوارها واجعلنا من خواص أهلها برحمتك يا أرحم الراحمين.
بسر الفاتحة
اللهم صلِّ عليه وعلى آله محمد وصحبه وسلم
الفاتحة
18 شَعبان 1443