تفسير سورة (ق) ، من قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ .. }، الآية: 38

درس الفجر الرمضاني 1444هـ.jpeg
للاستماع إلى الدرس

الدرس العاشر من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة (ق)، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1444هـ ، تفسير قوله تعالى:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}

نص الدرس مكتوب:

 

الحمد لله مكرمنا بالوحي والتنزيل، والبيان على لسان خير مبيّن ومعلم وهاد ودليل، من دلنا على سواء السبيل عبده المجتبى محمد أكرم الخلائق، وأحمدهم في الأفعال وأصدقهم في القيل. 

أدم اللهم صلواتك على عبدك المختار سيدنا محمد وعلى آله وصحبه خير جيل، وعلى من والاهم فيك واتبعهم بإحسان من غير تحريف ولا تغيير ولا تبديل، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل مراتب التشريف الأعلى منك والتكريم والتبجيل، والذين كتبت لهم على من سواهم من براياك التقديم والتفضيل، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،،  فإننا في نعمة تبين ما أوحى الله، وبلغه مصطفاه لنكون على صلة بإلهنا وبينة واضحة من أمرنا. قد تأملنا في معاني سورة ق حتى وصلنا في أواخرها إلى قول إلهنا الخلاق الولي الكاف جل جلاله، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)}.  يذكر الحق جل جلاله تفرده بخلق السماوات والأرض، ويأتي بلفظ -لقد- للتأكيد  {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } السموات السبع والأرض، {وَمَا بَيْنَهُمَا} ما فيهما وما بينهما خلقه سبحانه وتعالى {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي في مدة مقدارها ستة أيام من أيام الأسبوع، وذلك لما أحب أن يعلم عباده التأني، وهو الذي يقدر جل جلاله أن ينشئها ويكونها في لمحة عين، كما يعيدها سبحانه وتعالى، كما يفنيها عند النفخ في الصور في لحظات وكذلك يعيدها بالنفخة الثانية في لحظات، وهو القادر على أن يبتدئ خلقها كذلك في لحظات، ولكنه أحب أن يعلم عباده التأني والتدرج في الأمور؛ لأن ذلك الأولى والأليق بهم في شؤونهم وأحوالهم وأنهم عند استعجالهم إما أن يتكلفوا ما لا يطيقون فيسقطون ويغرقون، وإما أن تختلط عليهم الأمور فلا يتقنون، وأما غير ذلك من الآفات في الاستعجال والمبادأة بالشيء قبل وقته وأوانه. فجعل سبحانه التقدير والتوقيت وجعل التطور، كما أنه يقدر أن يخلق الإنسان في بطن أمه في لحظة واحدة، فجعله نطفة أربعين يوم ثم علقة أربعين يوم ثم مضغة أربعين يوم ثم يجعله عظاما ثم يكسو عظاما لحما تعليما لنا؛ لأن نأخذ الأمور بالتدريج والترتيب فذلك اللائق بالعبيد، وهذا فضل الله على خلقه جل جلاله وتعالى في علاه. ليكونوا على بصيرة وعلى بينة، وعلى تخلق بأخلاق الحق ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}، وفي هذا أيضا أدلة واضحة على البعث، وبرهان على الإحياء بعد إماتتكم وإرجاعكم، وحشركم نحن الذين خلقنا هذه السماوات والأرض، أفيعجزنا إعادة هؤلاء الناس؟ الذين يعيشون على ظهر الأرض قال سبحانه وتعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر:57] .

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}، إن صفاتكم التي جعلتها منوطة بخلقيتكم وضعفكم وعجزكم القدرة والإلوهية منزهة عنها ومبرأة منها فهو الذي لا يناله عي ولا تعب ولا لغوب بشيء {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}،  يرد على المتجرئين المفترين من يهود، ويقولون إن الله تعالى خلق السماوات والأرض، في الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة ستة أيام وأنه استراح يوم السبت تعب ..! يعني يقيسون بأحد منهم وبشيء من عوارض الحوادث التي تعرض لهم في ضعفهم وعجزهم أستغفر الله العظيم،  {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [النحل: 40].  فكل ما أراده في اليوم الأول أو اليوم الثاني في كل ساعة من ساعات التكوين يقول له كن فيكون، بحاشا أن ينازله شيء من حوادث الكائنات والمخلوقات، فهو الذي ليس كمثله شيء، وهو المخالف لجميع الحادثات والكائنات، ومن الحوادث والكائنات التخيلات والخواطر وما يرد على البال كلها من جملة الكائنات الحادثات المخلوقات لا يماثلها ولا تماثله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، جل جلاله.

فرد على هؤلاء اليهود الذين جاءوا بجراءتهم أمام زين الوجود، وقالوا متى خلق الله وفي أي الأيام خلق الله الخلق! فذكر لهم خلق الأرض في الأربعة الأيام، وخلق السماوات في يومين، وفي تعليم مع تعليمه لنا التأني أيضا تعليم لنا أن قدرته البالغة لا تحتاج إلى وقت فإن السماوات أكبر من الأرض بأضعاف مضاعفة، والأرض في أربعة والسماوات في يومين لو كان بمقاييس الخلق الأكبر والأكثر يحتاج وقت أكثر لا يحتاج شيء وقت عند الله ولكنه رتب هذا على هذا النحو في مقارنة الوقت تعليماً لعباده، وخلق الأكبر الأعظم في يومين، وخلق الأصغر ما تساوي الأرض وما فيها عند واحدة من السماوات وقد خلق السماوات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها وخلق الأرض سبحانه وتعالى في يومين وما عليها من تكميل تكوينها وقتها في يومين آخرين فكانت أربعة أيام. كما قال سبحانه وتعالى في بيان هذه الحقيقة يقول جل جلاله وتعالى في علاه: خلق الأرض، يقول سبحانه وتعالى يقول خلق الأرض، الله الله الله الله الله،  يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ } [فصلت :9-10]. فيومين لجرم الأرض، ويومين جعلها الله تبارك وتعالى للرواس الجبال من فوقها والبركة، وتقدير الأقوات فيها فكملت {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ}. خلق السموات في يومين. 

{وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}، هذه شؤونكم يا خلقي يا عبادي يا من خلقتكم من طين ومن نطف تتعبون إذا اتحركتم إذا عملتم! أما الربوبية والألوهية فحاشاها أن يصيبها شيء من هذه العوارض وهذه الحوادث. {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}،  فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر لهم خلق السماوات في أربعة أيام، وذكر الأيام وخلق السماوات في يومين، وذكر اليومين. قالوا صدقت إن أكملت، إيش أكملت؟! ثم استراح يوم السبت -أعوذ بالله من غضب الله- وأنزل الله {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}. هذا شؤونكم يا خلق يا مكونين يا مبتدئين من طين ونطف، تتعبون هذا لا يليق بإلوهية ولا بربوبية قال سبحانه وتعالى: { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ }، وقال لنبيه: {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ} إن يشق عليك أقوالهم في التكذيب وأعظم ما يشق عليك أن يتكلمون على عظمة ربك هذا يشق عليك { فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ }. 

{فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ} من تكذيب هؤلاء اليهود وهؤلاء المشركين الذي عندك والكفار ويقولون ساحر، ويقولون مجنون، ويقولون على القرآن سحر، ويقولون على ربك ما يقولون {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ} ويبين الحق تعالى أن المسلك الهدى والصواب والحق في الحياة؛ أن يتعرض الإنسان لأنواع من الأذى والمشقات، ولم يخلوا عنها أصفى أصفيائه من أنبيائه ورسله، إذا فالطريق في مقابلة هذا الصبر الجميل؟ {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ} مع الصبر اشتغال بالمهمة الكبيرة، والبد الذي لابد لك منه وهو صلتك بالله بالصلاة والتسبيح، {فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} دم على أسرار صيلتك بنا وارتباطك بعظمتنا وقربك من حضرتنا وفنائك فينا وبقائك بنا فدم على ذلك، فهذا هو الطريق الحق وهذا هو الطريق الصواب أن تصبر على ما ينالك من أنواع الأذى والمشقات، وتستمسك بحبل الله في الإستقامة على الطاعات والقربات ففي طيها وضمنها ما يحصل به التفريج للقربات والدفع للآفات ويثبت لك الثواب الجزيل، ونيل الدرجات عند الله جل جلاله بصبرك مع هذا الثبات على الطاعات.

 {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} نزه وقدس ربك حامدا له {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} ووزع أوقاتك في اليوم والليلة على أنواع هذه الصلة بنا واشتغل بها وهذا شغلك، ولا يشغلونك بما يقولون وما يدعون وما يجترئون وما يفترون لا تشتغل به، بيّن ووضح واقم الدليل وشغلك بنا اشتغل بنا سبح كما قال في الآية: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر :97-99 ].

 فهذا شغلك وهذه مهمتك لا يأخذونك عنها ولا يشغلونك بإطروحاتهم وكل ساعة أنواع أهل الضلال والزيغ والكفر، كلما طرحوا شبهة وتبينت حقيقته، و جاءوا بالثانية وجاءوا بالثالثة. {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُون* لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُون} [الحجر :14]، {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [ الأنعام: 111]، فاللهم أهدنا فيمن هديت، فإنما على الأنبياء وأتباعهم أن يبينوا ويوضحوا ويتوسلوا بالوسائل الطيبة، والأساليب الحسنة للبيان وهداية العباد.

والأمر من قبل للهاديين وللمهديين له سبحانه وتعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء فنسأل الله أن يثبتنا على الهداية وعلى الحق وعلى الهدى وعلى النور، وعلى الاستقامة على منهج عبده وحبيبه بدر البدور صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ويشرح لنا بذلك الصدور، ويصلح جميع الأمور.

{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ *وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ }، يشير إلى الذكر وإلى الصلوات، فالإشارة إلى الصلوات قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل الغروب صلاة الظهر والعصر، ومن الليل فسبحه صلاة المغرب والعشاء، {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} القيام بالليل في آخر الليل، وأدبار السجود أيضا صلاة المغرب؛ لأنها تأتي بعد سجود الشمس لبارئها جل جلاله وتعالى في علاه، في عند غروبها، وقبل الغروب {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}. يقول جل جلاله:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} قبل طلوع الشمس فالوقت قبل طلوع الشمس من الفجر إلى أن تطلع الشمس شريف، وجميل وحسن لقوة الصلة بالحق جل جلاله، ففيه صلاة الفجر التي قال عنها،  {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]. 

يقول جل جلاله وتعالى: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا خ} [الإسراء : 79]،  قرآن الفجر المشهود ثم ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس، لهذا وعدنا على عمارة هذا الوقت؛ إذا صلينا الفجر في جماعة وعمرنا ما بعد صلاة الفجر إلى أن تطلع الشمس بالذكر للرحمن جل جلاله وتعالى في علاه، ثم صلينا ركعتين أو أربعا أن يكتب الرحمن لنا ثواب حجة وعمرة تامة تامة تامة بشهادة صاحب الرسالة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الحمد لله على ذلك نحن ومن يشاركنا على ظهر الأرض، وإن كانوا قليلا بالنسبة لعموم الأمة في أيام رمضان نصلي الصبح بجماعة، ونجلس في أذكارنا وتذكرنا حتى تطلع الشمس، ويصلي المصلي منا ركعتين أو أربعا فينصرف بحجة وعمرة تامة تامة تامة حجة في رمضان وعمرة في رمضان نعمة من الكريم المنان،

اللهم اقبلنا وزدنا من ثوابك ونوالك ما أنت أهله يا ولي الإحسان يا كريم يا منان، يقول قبل طلوع الشمس وقبل الغروب كذلك ساعة شريفة كان الصحابة والتابعون حريصين على هذه الساعة قبل غروب الشمس تجدهم في أماكن الصلوات، قبل أن تغرب الشمس يستغفرون ويجتهدون في التضرع، حتى يؤذن المغرب تغرب الشمس ويؤذن المغرب فهي ساعة شريفة عظيمة، وعمارتها من أسباب الإعانة على قيام الليل والتهجد في الليل الاستغفار قبل غروب الشمس، كذلك في السحر يقول سبحانه وتعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوب وَمِنَ اللَّيْلِ}.

خذ لك ساعات من الليل تسبح فيها الرحمن يقول: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} أدبار السجود إذًا بعد الصلوات يشتغل بالتسبيح، ويشتغل بالتحميد أدبار السجود مِنْ هُمْ من قال: فيه إشارة أيضًا إلى النوافل و الرواتب بعد الصلوات إذا أكملت السجود في الصلاة المفروضة؛ فصل النافلة بعدها صل البعدية فيما عدا الفجر والعصر، فلهما سنة قبلية وليست لهما سنة بعدية يقول: وأدبار السجود {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}. 

جاء أيضًا في المعنى الثاني: أن معنى أكثر التسبيح بعد إكمال أي صلاة إذا خرجت من أي صلاة وسجود سبح، أدبار السجود: بعد الفراغ من الصلاة سبح بحمد ربك؛ ولذا دلنا صلى الله عليه وسلم على أن نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر ثلاثا وثلاثين، ونكمل المئة بقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ويحيي ويميت وهوعلى كل شيء قدير؛ وأن هذا ينال به أصحابه مراتب المتصدقين بالأموال والمكثرين من أفعال الطاعات التي تنال بالمال والقدرة عليه، لأن جماعة من فقراء الصحابة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: ذهب أهل الدثور بالأجور، ويقولوا: إنه سبقنا وتقدم علينا أرباب الأموال وما ذاكم؟ قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ويحجون بها ويخرجون إلى الجهاد ونحن ما عندنا شيء ما نقدر على ذلك، فماذا يريدون؟ هل يريدون ثورة على الأغنياء يعني؟ أم يريدون الأجر والثواب؟ كيف سبقونا في الثواب؟! لا حسد على المال الذي هم بأيديهم ولا ليأخذون أموالهم؛ لكن يزيدون علينا في الدرجات في الآخرة؟! قالَ: ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه كُتِبَ لكم من الأجر مثل أجرهم، تلحقون به من قبلكم ولا يلحقون به من بعدكم، قالوا بلى: فعلمهم هذا التسبيح بعد الصلاة..، وعَلِمَ بعض الأثرياء والتجار بما عَلَّمهم فصاروا يسبحون، فرجعوا إلى رسول الله وقالوا: يا رسول الله: عملوا نفس العمل الذي عملنا؟! قال: { ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } [الجمعة : 4]  

فكان المعنى ما خُصَ به هؤلاء الأغنياء الصالحين من التصدق وكثرة العبادة فضل عليهم من الله. والمعنى الثاني: أنتم بهذا العمل تنالون الثواب مثل ثوابهم وإن عملوا بمثل عملكم هذا فضل الله؛ لأنكم لكم نية أن تتصدقوا وأن تنفقوا لكن ما في قدرتكم شيء، هذا فضل الله يؤتيه من يشاء؟ سبحوا فقط ولكم الثواب كامل ولا يزيدون عليكم بل أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام.

يقول: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ}، أمر الله عبده المصطفى بالإستماع ولا شك أن ما أسمع الله حبيبه أمرٌ واسع لمْ يُسْمِعه غيره، وقد خصه بما خصه فسمعتَ ما لا يُستطاعُ سماعه، وعقلت ما عنه الورى قد ناموا، واستمع ولكن لكل رتبة في السمع، فأولها أن تصغي إلى خطاب الله ورسوله وتؤمن بذلك وتصدق فإذا آمنت وصدقت استمعت إليه معظما مجلا ناويا العمل، والتطبيق لما تسمع وترتقي في مراقي السمع. {فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18]، ويتسع لك السمع شيئا فشيئ، وترتقي في مراقيها الرفيعة حتى تصل للرتبة التي قدرها الله تبارك وتعالى لك، لكن سماع محمد أعظم سماع فأسمعه ما لم يسمع سواه.

قال: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} سيدنا إسرافيل عليه السلام، يأمره الله أن ينادي جميع العظام، وجميع ما تفرق من الأجسام، أن تجتمع كما كانت وينفخ في الصور فتذهب إليها أرواحها ويقومون بأمر الله تبارك وتعالى. {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} إسرافيل عليه السلام بالنفخة الثانية في الصور أو النفخة الأولى {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} إذا نفخ النفخة الأولى، وصعق من في السماوات والأرض ثم مات هو فيمن يموت، ثم أحياه الله قبل أن يحيي الباقين من الموتى، ثم يقول: له نادي فينزل إلى بيت أو عند صخرة في بيت المقدس وينادي الشعور المتمزقة والعظام النخرة عودي كما كنت بأمر الله تبارك وتعالى، للجزاء والحساب، فتعود الأجساد كلها كما كانت. 

ثم يأمره بالنفخة الثانية {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ} النفخة الثانية في الصور بالحق الأمر اللازم الثابت وتيقن ما أخبرناهم به على ألسن رسلنا من البعث والنشور والجزاء والحساب، فتأت الصيحة بالحق الأمر الثابت اللازم واليقين على ما بلغنا الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} خروج الناس من قبورهم وأجداثهم أي قبورهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر فيخرجون.  قال تعالى:{ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}، {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} حد مع شرك في إحيائنا وإماتتنا للخلق، ومرجع الجميع إلينا {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2] ، والمرجع لـ {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} واجمعوا قواتكم ومن معكم ممن تدّعون لهم القوة فاخلقوا ذبابا لن تستطيعوا ولن تقدروا {...إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ…} [الحج: 73]، قل: يا من افتخرت بالكمبيوتر وطيب! نقول: دعنا..أنا أريدك تخلق لي فقط بعوضة واحدة أو ذبابة ما أريد كمبيوتر، أريد بعوضة فقط؛ لأجل أعرف قدرتك أنت متطور متقدم! فقط اترك هذا الجهاز تبعك، وأخلق لي ذبابة، اصنع أنت متقدم! حرك التكنولوجيا كلها هاتوا ذبابة؟!!! ولا يقدرون ولا يستطيعون، الله الذي يحيي واحد اسمه الله.

واغتر الناس بأسباب الموت فظنوها تُمِيت بذاتها وبنفسها، ولا والله.. لا يميت إلا هو، لا تُمِيت ذبابة ولا بعوضة ولا حشرة ولا سمكة ولا طائر ولا إنسي ولا جني ولا ملك إلا بإماتته هو -جل جلاله-، وقد جعل الله الأمثلة لذلك، جعل لنا من أسباب الموت احتراق جسد الإنسان بالنار، ومكث إبراهيم أسبوعا أو أربعين يوما وسط النار الملتهبة فلم يمت، بل لم يحترق، بل لم يحترق قميصه! وكان يصلي، وكان يأتيه جبريل بالأكل من الجنة، وكان يأكل، وكان يرتاح، ولما سئل آخر عمره عن أحسن أيام مرّت به في الدنيا؟ قال: أيام كنت في نار النمرود تلك أحسن الأيام؛ لأنه انقطع عن الخلائق كلها، وكان في وسط النار وحده مع ربه -جل جلاله- مرتاح، فكانت أحسن أيام مرت به، {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} [الصافات:98]، {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:70]، إذًا لا يميت غيره -جل جلاله-.

ولما كان المفتون بالأسباب النمرود ظنّ أن الإحياء والإماتة بالتسبب أو عمل سبب في قتل أحد، وما درى أنه لا يستطيع يقتل أحد إلا أن يأذن الأحد، قال له إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت! كيف تحيي وتميت؟! جاب اثنين قال: اقتلوا هذا، اتركوا هذا، شوف هذا أحييته، وهذا أمته، أحييته أنت خلقته أنت! تسببت في قتل هذا والله أماته، وجعل هذا التصرف والحركة سببًا لأخذ روحه من عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، الله جعل ذلك فظن أنه هو الذي أمات، والله ما يحيي ولا يميت إلا الحي الذي لا يموت، هو الذي يحيي ويميت وحده -جل جلاله-.

واغتر الناس بالأسباب فظنوا أنها فعالة بنفسها، أو بإراداتهم وما هي إلا تحت إرادة قوي قادر، ما أعطاهم من المشيئة تحت قهره ومشيئته، {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] -جل جلاله وتعالى في علاه-.

وهكذا يقول سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} هذه الحقيقة، ما هذا الإلحاد؟! ما هذا الكفر؟! ما هذا المشي وراء الكفر ووراء الفسق؟! ما هذا التعظيم للمخلوقين أمثالكم؟! {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ} المرجع إلينا، والظالمون بأصنافهم عند الموت يعاينون الملائكة ويذهب عنهم الوهم والخيال، ويعلمون صدق الرسل، وتبسط إليهم الملائكة، تضربهم أخرجوا {...وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ…} [الأعراف:93-94]، كل واحد وحده،  {... كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ ۚ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنُكُمْ..} [الأعراف:94]، وفي القراءة الأخرى {...لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94) إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ..} [الأعراف:94-95]، خلقي أمامكم وإيجادي أمامكم وآياتي أمامكم ما هذا؟! ما هذا التعامي؟! فوالله {لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:149] ، {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:17]، وما كان لأحد حق أن يكفر، ولا أن يتطاول على هذا المكوّن البارئ المنشئ الفاطر الموجد القوي المتين، لكن غرورهم وكبرياءهم ومرجعهم إليه ويذيقهم ما كانوا يعملون.

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ..} تنشق ويخرجون من بطنها {سِرَاعًا} وهم مسرعين، وأول من يسرع المؤمنون وأولهم الأنبياء، وروى الإمام الحاكم عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبو بكر وعمر ثم يُحشر أهل البقيع يقومون معي المقبرة الذي بجنبه ثم أنتظر أهل مكة يمشي بهم إلى المحشر" -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، فالمؤمنون بمكة والمدينة مِن أول مَن يحشر ويمضون خلف رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا} أي: مسرعين، {مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ..} [القمر:8]، {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ۚ ذَٰلِكَ حَشْرٌ} جمع وإعادة وإحياء {عَلَيْنَا يَسِيرٌ}، تقول: {ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} رجع بعيد، على من؟ أنتم الذين ما تخلقون ذبابة هذا صحيح .. بعيد عليكم أنتم، لكن الذي كوّنكم والذي خلقكم أول مرة كيف؟! {ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} سهل هيّن الله أكبر {..وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ…} [النحل:77] أي: بل هو أقرب. 

{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ۚ ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}. يقول ربنا: {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} وما دمت مستندًا إلينا وقائمًا بأمرنا فلا يزعجك شيء من شؤونهم، ولا أقوالهم ولا أفعالهم، {فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [يس:76]، الله أكبر، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ…} [النساء:45]، يقول الحق، اصدقوا معي وقوموا بأمري، ما يهمكم شأن الأعداء مهما كان عندهم ومهما تجمعوا ومهما خططوا، إذا هم بايعادونكم وأنتم معي، أنا معكم، {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء:45]، اللهم ارزقنا نصرتك، وانصرنا على الحق والهدى.

يقول: {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} فلا تحزن لما يقولون، ولا تكترث بما يقولون، ولا يزعجك ما يقولون، نحن أعلم بهم وبأقوالهم وبمراداتهم وبنفسياتهم، ونواصيهم بأيدينا، ولهذا لما تجمّعوا من أجل قتله -صلى الله عليه وسلم- واتفقوا على أن يوزعوا دمه في القبائل، ويختاروا عشرة من شبانهم من عشرة قبائل من قريش، يضربوه ضربة رجل واحد، فيتوزع دمه في القبائل، فلا يستطيع بنو هاشم ومعهم بنو المطلب أن يقاتلوا عشر قبائل ثانية، يقولون: هاتوا الدية نعطيهم دية وتخلصنا من محمد، ورتبوا ونزل جبريل يخبر بما قرروا، {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُاللَّهُ ۖ وَااللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، ما قال له اخرج اخرج بسرعة قبل ما يأتوا الشباب؛ بل قال: دعهم يصلحوا الخطة كاملة إلى نهايتها ونُخْرِجَك من بينهم والله! بت في مكانك هم يأتون بكرة، ما قال له جبريل خلاص الآن أخرج، ما زالوا يجهزون أنفسهم، أخرج أنت قبل ما يتجهزون؛ بل قال له: اتركهم يتجهزون التجهيز كامل ويكملوا التجهيز و نخرجك من بينهم الله أكبر! ترى القدرة! ترى العظمة! ابقى في بيتك، حتى تأتي الساعة التي يأمرك الحق بالخروج فيها فاخرج، ولن تأتي الساعة؛ إلا بعد أن يكملوا تجهيزاتهم، ويحضروا الشبان بسيوفهم المسنونة حوالي بيتك بعدها تخرج، كان يخرج قبل ما يأتون .. اتركهم {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، فحصلت العجائب وسط البيت، ويأتي سيدنا علي ويدخل عنده، يقول: تعال هذه أمانة آل فلان، وهذه أمانة آل فلان، وهذا ما اندفع تأخر بعدي أدِّها إلى أهلها ثم الحق بي، مرحبا، يا رسول الله وصلوا الجماعة وعشرة شبان وبالسيوف منتظرين خروجك، قال: لا عليك، هذا فراشي تعمي عليهم كأني أنا، تغطىَ ببردي هذا، أعطاه البرد أخضر حضرمي، قال: خذ هذا البرد، الذي كان يتغطى به -صلى الله عليه وسلم- تغطى به ونم في فراشي، لبيك يا رسول الله، يقولوا: الوقت تأخر تُرَى هل هو موجود في البيت؟ لتكملوا الخطة، انظروا شق الباب، فيشاهدوا البُرْد مُغَطِي على سيدنا علي، هذا هو نايم وسط البيت موجود.. كونوا جاهزين يخرج وضربة واحدة..، جاء الوحي من الله لحبيبه أخرج، والجماعة تحت البيت، وخرج بخطاه الثابتة ويقينه التام وقلبه المطمئن وجأشه الساكن وصدره المشروح وفتحَ الباب، ولحظة فَتْح الباب ألقى الله النوم على العشرة الشبان كلهم كلهم، ما هذه القوة ذي؟! أتى لهم دبابات؟! أتى لهم بأسلحة؟! ولا أنزل ملك ولا سلط عليهم، أن يناموا فقط ناموا..!! فتحَ الباب وخرج ينظر إليهم فإذا هم نيام، رؤوسهم محناة على صدورهم .. وهو يقرأ {يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ…وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} [يس:1-9]، وبعدين خلاص فرصة ما داموا ناموا امشي بسرعة، يمد إلى الأرض يُحَمل التراب يضع فوق رأس هذا، وفوق رأس هذا، يدور على العشرة كلهم، الله أكبر! لو كان في العالم الحسي الإنسان يقول: بتعرض نفسك للخطر الآن !! بتحط التراب فوق رأسهم ينتبه من النوم يقوم، طيب ما انتبه الأول، الثاني الثالث.. بتمر على العشرة كلهم، حط التراب فوق رؤوسهم، مَرَّ واحد أعرابي هناك يتعجب والنبي -صلى الله عليه وسلم- يضع التراب على رؤوس هؤلاء.. وهم تحت بيته قاعدين نيام ومشى!! ونومة .. إلى أن طلعت الشمس، وذهب إلى عند بيت سيدنا أبو بكر وخرج له سيدنا أبو بكر، وأول ما خرج مع سيدنا أبو بكر لقي  أبا جهل، قال: يا رسول الله هذا أبو جهل، قال: إنه يراك ولا يراني فإن كلمك فكلمه، قال: يا أبا بكر أين صاحبك؟ قال: أين صاحبي تسألني عن صاحبي أنا؟! وجنبه النبي وهذا ما يشوف! زمجر ومشى..،  كان يرى أبو بكر ولا يراه،  ما هذه العظمة هذه؟!

وراحوا بطريقهم إلى الغار وكم مدة أخذها حتى وصل إلى الغار -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وعندئذ استيقظ الشبان قالوا: ها ها .. وكل واحد يقول للثاني: ها ها أين محمد؟؟ .. يرون من شق الباب سيدنا علي ها ها إلا فزع ما خرج إنَّه موجود، رموه بالحجارة، تحرك سيدنا علي، قالوا: ما هذه حركة محمد؟!  محمد ما يتحرك، ماشي إلا جاوزوا الحدود عندهم، واقتحموا الباب، هم ما اقتحموا من البداية من أجل العرف السائد والإنساني، ما ندخل وسط البيت،  يتركه يخرج نقتله خارج، ما ندخل وسط البيت لا، وعاده قانون وعرف، اقتحموا دخلوا رفعوا.. قالوا: علي ها ها .. أنت علي! أين محمد؟! قال: ما أدري أين محمد؟!

وشاع أن محمد خرج، وجاء الأعرابي ذا عند الشبان يقول لهم: ما لكم نايمين تحت البيت؟ قالوا: كنا ننتظر محمد، قال: محمد! محمد أنا رأيته يحط التراب في رؤوسكم، كل واحد يشوف رأسه فيه تراب تراب تراب موجود حط التراب فوق رؤوسكم وأنتم نيام ومشى..، شاع الخبر، وغضبوا المشركين وغضبت الدولة وغضبوا رجالها ووزرائها ورؤسائها..ووراءه تابعوا .. مَنْ يأتي لنا بمحمد؟ أو خبر عن محمد؟ أو صاحبه؟ وصاحبه أبو بكر؟ .. مائة ناقة مائة من الإبل، الله! انظر القدرة ما يقدرون يميتون أحد ولا يحيونه! {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا} [آل عمران:145].

وصلوا إلى عند الغار، ما هو في اليوم الأول، في اليوم الثاني، وصلوا إلى عند الغار الذي فيه النبي وأبو بكر غار ثور، أرأيت هذه الخطة إلى أين تصل!؟ وفي النهاية تذهب ..، مشوا فاتت عليهم الخطط الأولى، هم في الخطط الثانية الآن بحثنا، راحوا إلى الاتجاه إذًا المعاكس لطريق المدينة، وهو الذي اختاره -صلى الله عليه وسلم- ؛ ليعمي عليهم، والاتجاه بالعكس اتجاه المدينة بالناحية الثانية إلى جهة الشام، راحوا يبحثون.. وجاؤوا بالقافة يتبعون الآثار، وأكبر قائف عندهم يقول لهم: انظروا مشوا من هنا، ومشوا في الطريق نفسها التي مشى فيها النبي وأبو بكر حتى وصل إلى عند الجبل، جبل ثور .. ينظر هنا وهنا، ويشم .. ما توصل لشيء، يقول لهم: انقطع أثرهم هنا، يقولوا له: كيف انقطع أثرهم؟ أين ذهبوا؟ قال: ما أدري نزلوا الأرض وصعدوا السماء! قالوا: ماذا نزلوا الأرض؟!  ما هذا الكلام حقك أنت مجنون؟! اذهب.. كيف نزلوا الأرض؟! أو صعدوا السماء؟! يقول: انقطع أثرهم هنا، الخطط كلها جاءوا بها وكلها فشلت! وطلعوا بعد ذلك بأنفسهم الجبل، قالوا: يمكن طلعوا في هذا الجبل، خاصة يوم وصلهم القائف لعند الجبل، طلعوا في الجبل، وطلعوا في الجبل هنا ووصلوا لعند نفس الغار الذي فيه النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، والغار نازل في الأرض، فسيدنا أبو بكر يشوفهم ويسمع كلامهم دمعت عيناه، قال: ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: القوم لو نظر أحدهم موضع قدمه لرآنا، فإنْ أهْلَكْ أنا فإنما أنا ابن أبي قحافة؛ ولكن أنت يا رسول الله أنت تهلك الأمة، قال: يا أبو بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! لا تحزن إن الله معنا، الله أكبر! في نفس الوقت الذي وصلوا، أمرَ اللهُ العنكبوت ونسجت على فم الغار، وسيدنا أبو بكر خائف على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقلق، وواحد منهم حضره البول، جلس يبول إلى جهة الغار كشف نفسه. يقول له -صلى الله عليه وسلم-: لو كان يرانا  لن يكشف نفسه أمَامنا.. انظر ما يروننا، وبعد ذلك قال أحدهم: ربما أنهم دخلوا في هذا الغار، عنده واحد من كبار الزعماء قال: ما هذا يا مجنون ما تنظر العنكبوت؟! لو دخلوا لأزالوا العنكبوت، هذا عنكبوت أقدم من ميلاد محمد، دخل الغار، اذهب من هُنا اذهب ..

ما هذه العظمة؟! وصلوا لعند الغار، ويقول بعضهم: ربما هم وسط هذا الغار، ويأتي الزعيم الكبير حقهم يقول: يا مجنون اذهب كيف الغار هذا عنكبوت أقدم..؟ اذهب لايفوتكم امشوا،  وإذا بالكل في خدمة رسول الله، في عين عدائهم له، لأنه مع الرب ولا تحزن إن الله معنا، {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].

يقول: {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ}  ما أنت عليهم بجبار، متسلط، متسيطر، بالقوة تهديهم، وبالقوة تدخلهم الإسلام، ليس هذا شأن الأنبياء، البيان والرحمة والشفقة والهداية من عنده هو، يهدي من يشاء،{مَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ}، فقل لمدعي التقدم والتطور وإلى اليوم كثير من أفكارهم وقوانينهم يُلْزِمونَ بها الخلق إلزاما، ويقولون للناس: خذوا حريتكم من نظام الله ذا، والأوامر حق الدين أبعدوه؛ لكن أوامرهم هم، وقوانينهم بالقوة! هذا نظام! لا بد تخضع له، أين الحرية؟! الحرية إلعب على أمر الله ودين الله فقط، خرب نظام الخالق الذي خلقك، هذه حريتك فقط؟ أما ما نضع نحن من أنظمة لا حرية ..لا إله إلا الله؛ لكن الأنبياء ما يفعلون هكذا، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ* لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21-22].

كان عند سيدنا عمر واحد من المماليك يقول له: أسلم، أُوَلِكَ على شيء من الشؤون يقول: لا ، فيقول: لا أكره في الدين سيدنا عمر، يقول: لا أكره في الدين لست عليهم بمسيطر {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ }؛ لكن مهمتك فذكر بالقرآن من يخاف، كل من يخاف سوء العاقبة والمصير ذكره، والذي آمن بالوعيد فهو الذي يسمع تذكيرك وينتفع به، وكل من عنده عقل يخاف سوء العاقبة سيصغي إليك، وذكر الكل؛ ولكن يهد الله من يشاء، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} ما وعدت به من كفر من العذاب والعقاب والنار، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد، آمنا بك يا رب وبوعدك ووعيدك، فاجعلنا من المتذكرين بالقرآن، والراقين بالقرآن والمرفوعين بالقرآن، إنك ترفع بهذا الكتاب أقوامًا وتضع آخرين، فلا تجعل في جمعنا ولا في من يسمعنا ولا في ديارهم ولا في أهلهم وأولادهم إلا من ترفعه بالقرآن، ارفعنا بالقرآن انفعنا بالقرآن، اجعلنا من المتذكرين بالقرآن، اجعلنا ممن يخاف الوعيد ويرجو الوعد المجيد ويتبع عبدك خير العبيد مستقيما على منهجه الرشيد؛ حتى نلقاك يا حميد يا مجيد وتدخلنا الجنة وننال الحسنى والمزيد بفضلك يا مبدئ يا معيد يا فعال لما يثبت قلوبنا، ثبت أفئدتنا على ما تحبه منا وترضى به منا، وعلى كمال اليقين وعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين والحقنا بخواص المتقين في عافية برحمتك يا أرحم الراحمين.

وبسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي اللهم صلِّ وسلِّم وبارَك عليه وعلى آله وصحابه

 الفاتحة.

تاريخ النشر الهجري

11 رَمضان 1444

تاريخ النشر الميلادي

01 أبريل 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام