تفسير سورة الملك -7- من قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ..(23))

تفسير سورة الملك، من قوله تعالى:  {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ..}، الآية:23
للاستماع إلى الدرس

تفسير الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الملك، من قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (23)).

نص الدرس مكتوب:

( قُلۡ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنشَأَكُمۡ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ (23) قُلۡ هُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (25))

الحمد لله مولانا الكريم العظيم الرؤوف الرحيم، ذي الفضل العظيم يُعطي مَن يشاء الحظ العظيم، لا إله إلاَّ هو وحده لا شريك له يهدي مَن يشاءُ إلى صراط مستقيم، أرسل إلينا ختمًا للنبيين والمرسلين عبده الأمين، وحبيبه المصطفى المجتبى ذي القدر المكين، صلى الله وسلم وبارك وكرم في كل وقت وآن وحال وحين، عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه الغرِّ الميامين، وعلى مَن سار في سبيلهم مِن المقتدين المهتدين المحبين الصادقين إلى يوم الدين، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم أجمعين، وعلى ملائكة الله المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وبعد،،،

فإننا في توالي مَنِّ الله وفضله علينا، نواصل التأمل في آياته وتعليماته وأخباره وخطابه الذي خطبنا وبلغنا الخطاب على لسان سيد الأحباب عالي الجناب، ونحن في الشهر الأكرم نتلقّى معاني هذا الخطاب والله يجعل لقلوبنا وعيًا لأسراره، وفهمًا لإشارته ومعانيه، وعملًا بمقتضاه وقيامًا بحق ما فيه. 

انتهينا إلى أواخر سورة المُلك ومررنا على قول الحق جلَّ جلاله: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23))، فعجبًا لكل عقل على ظهر الأرض مِن بني آدم والجن معهم، يرى نفسه مخلوقًا كائنًا موجودًا ثم لا يفكر مَن خلَقهُ، ولا يدري مَن أوجده: (نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) [الحشر:19] -والعياذ بالله تبارك وتعالى- ويمشي في الحياة كأنه خلق نفسه، كأن أمه أو أبوه هم خلقوه، كأن حزبه خلقه، كأن حكومته خلقته، فقط يمشي. 

أول ما ينبغي لك عندما تُميز وتعقل، تقول كيف جئت؟ مِن أين جئت؟ وتجد أمثالك على ظهر الأرض لا يبقون، فتقول إلى أين نسير؟ فمن لا يفكر في هذا، أيّ عقل عنده؟! تفرح من أجل جوّال أو طائرة بدون طيار، وهو لا يدري من أين خُلق؟!  ومَن الذي خلقه؟ ولا أين مرجعه؟ ماذا يفيده هذا؟ ماذا ينفعه هذا؟ ولا عقل عنده!.

قال: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ) -أوجدكم، كوَّنكم، خلقكم- (هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ (23)) تستعملونها في مراداتكم وشهواتكم، وكسْب دنياكم والتطاول على بعضكم البعض والفخر لبعضكم البعض، ومَن الذي جاء بها لكم؟ وماهو أصلها؟ وأين مصدرها؟ سمع .. أبصار .. أفئدة؛ قِوام الإنسان، خصائص الإنسان، مِن أين جاءت؟ كيف استعملتموها؟ ما علمتم مِن أين جاءت؟ ولماذا جاءت؟ ولماذا أعطاكم إياها؟ تجدونها جاهزة، وتمشون على كيفكم.

(هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23))، ما أقل شكركم، وأكثركم لا يشكرون الله، (قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ)، ولا تقومون بحق الشكر، والشاكرون هم الرابحون: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [ابراهيم:7]، 

  • وأوّل الشكر أن تدرك النعمة، وتعرف المُنعم، وتُعظّم المُنعم، وتُعظّم النعمة، إذ أنها جاءت مِن العظيم. 
  • ثم تستعملها فيما أحب هذا المنعم. 

هذا الشكر، تستشعر مِنّته عليك، تستشعر فضله عليك، تستشعر جوده عليك، ولكنهم يستعملون ما آتاهم في أنفسهم، وما خلق لهم في الأرض ويُنكرونه!! (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا) [النحل:83]، يُنكرون أصلها من أين جاءت! ويعرفون أنه عندهم فكر، عندهم عقل، عندهم سمع، عندهم بصر، عندهم حركة، عندهم ترتيب؛ تمام، من أين؟ لا تُنكر معطيها، هل تملك خزانة، أنت خلقتَ نفسك فيها؟! وخلقت لك السمع والبصر؟! هل هناك دولة؟! هيئة؟! مؤسسة خلقت لك هذا؟!  من أين؟! بالله عليك، قل لي من أين؟ وأنت تمشي حياتك كلها هكذا لا تعرف ولا تدري! ما أجهلك! وتستعملها هكذا ولا تدري مَن الذي أعطاك إياها؟ !ولِمَ أعطاك إياها؟. 

 لو مخلوق مثلك أعطاك أي شيء لتستعمله في أمر معين فقمت عكست واستعملته في شيء يكرهه ذاك؛ فإنك ستتعرض لغضبه، وبعد ذلك المُعطَى الأهم لك؛ سمع وبصر وفؤاد، مِن أين؟ لم يعطِك مليون دولار ولا أعطاك سيارات، أعطاك سمع وبصر وفؤاد، مِن أين؟ وتستعملها على كيفك؟! لو أعطاك شخص سيارة وقمت تستعملها في صدم ابنه أو في دقّ داره، سترى الجواب كيف يقع لك! هذا ليس سيارة؛ هذا أصلك وذاتك، سمعك وبصرك وفؤادك، من أين؟ لماذا أعطاك إياها؟ تقوم تعصيه بها وتخالفه وتُكذّب رُسله؟! يا هذا أين العقل؟!.

قل لهم، يا حبيبي يا محمد، قل لهم: حرّكوا عقولكم، قل لهم أحسنوا استعمال ما أتاكم مولاكم، أحسنوا النظر، أحسنوا السمع، أحسنوا الوعي: 

  • أعطاكم أسماع ما سمعتم دعوته، ولا خطابه؛ تصاممتم عنه. 
  • وأبصار ما أبصرتم الحق ولا الدلائل ولا المعجزات ولا الحجج والبراهين 
  • وأفئدة ما وعيتم بها ماذا قال لكم الرسول، ولا تأملتم في واقعكم، ولا راجعتم أنفسكم.

الأسماع والأبصار والأفئدة من عنده، وكلها صرفتموها إلى مُضاداته وإلى ما يخالفه.

(هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23))، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. قال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13]، ولكن القليل هؤلاء هم الأجلَّاء، هم الفضلاء، هم الأعلون، هم المعظمون، هم الفائزون، هم المُنَعَّمون بالنعيم الأكبر.

 وأول مَن يدخل الجنة يوم القيامة الحمَّادون، الحمَّادون أهل مظهر الشكر، يحمدون الله، وفي أوصاف أخيار هذه الأمة في الكتب السابقة -في التوراة والإنجيل أنزلها الله- في هذه الأمة حمادون؛

  • يحمدون الله على كل شدة ورخاء، فألْحق بهم؛ لأنه في كل زمان هم موجودين في أمة محمد -الحمد لله- ما دام القرآن موجود فهؤلاء موجودين. 
  • حمّادون لربهم على كل شدة ورخاء، إلْحق بهم فإن أهل الشكاوي كثير، وأهل التبرّم كثير، وأهل الجزع كثير. 
  • إِلْحق بهم ستجدهم في وقتك، ناس حمّادون لله، حمّادون لربهم على كل شدة ورخاء؛ في الرخاء وفي الشدة يحمدون الله تعالى. 

نحن نتعجب في حُسن التربية عند المتقدمين، ما أدركنا في صغرنا صغير ولا كبير مِن أهل البلد تسأله عن حاله، وإن كان في أشد التعب وأشد المرض وأشد الهمّ، إلاَّ يبدأك ويقول: الحمد لله، نحمده نشكره، نسمع العوام: نحمده ونشكره، وإذا تكلم يقول لي: مِن عند ربك كله زين، الذي مِن عند ربك كله زين، نسمعهم يقولون هكذا، ربوهم على الحمد، ربوهم على الشكر؛ جالَسوا العلماء، جالَسوا أهل الخير، فصاروا بهذا المذهب، وكذلك الصُلَحاء في الشرق والغرب تسمع منهم هذه المعاني وهذه الألفاظ 

لكن الغافل مِن المؤمنين يشبه الذي لا يؤمن، لمّا تسأله، يأتي بكلام يشبه كلام الذي لم يؤمن أصلًا! -لا إله إلاَّ الله- فأين الإيمان؟.

(قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ..(24)): 

  • (ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) استخرجكم منها مِن بداية أبيكم آدم، كوَّن الجسد مِن طين. 
  • (ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) حوّلكم مِن نطف إلى علق إلى مضغ، عظام ولحم ونفخ فيكم الروح.
  •  (ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) مِن طفولة إلى شباب، إلى شيخوخة. 
  • (ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ)، فرّقكم، وزّعكم في الأرض -الله أكبر- أصناف .. أشكال .. لغات .. آراء .. اتجاهات على اختلافتهم، فرَّقكم في الأرض -الله أكبر-.

وكان لا يوجد إلا حفنة  تراب ولا يوجد أي آدمي، ونشرهم في الأرض، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) [النساء:1]، يعني كثير كثير-سبحان الله-

وهؤلاء الكثير متفرقين في الأزمنة ومتفرقين في الأمكنة، مِن عهد آدم إلى أن تقوم الساعة قال: هؤلاء المتفرقين كلهم سأجمعهم (ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ..(24))، بعد التفرُّق أجمعكم، بدأتُكم مِن نفس واحدة، فرّقتكم أصناف، قبائل، أمم طوائف، اتجاهات، أشكال، ألوان، لغات، شرق، غرب، وسأردّكم وسأجمعكم.

هذا الذي بث هذا كله، ما الذي تستغربه عقولكم في أن يردكم أو يجمعكم؟! أصلًا كنتم لا شيء و ذرأكم ونشركم، بعد ذلك تقولون كيف يرجعنا؟! كيف بدأكم؟! كيف جاء بكم؟ كيف نشركم في الأرض؟ ما مِن غرابة في أنه يرجعكم؟!.

(ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ)، ذَرَأَكُمْ: فرّقكم هنا وهنا وهنا، ذرأكم في الأرض وماذا بعد ذلك؟ (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24))، كما أوجدتكم سأجمعكم، ما الذي فيها؟! مَن يقدر يستغرب هذا وهو يملك عقل؟!  البدء والتكوين أصعب، أما إنه يُرجعكم مرة ثانية ويجمعكم أسهل، في البداية قد خلق وأوجد فهو يرجِع، ما الذي يمنعه أن يرجِّع -جلَّ جلاله وتعالى-؟ّ!  قال سبحانه وتعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [الأنبياء:104]. 

(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24))، فرقكم في الأزمنة والأمكنة وبعد ذلك يجمعكم كلكم في زمن واحد، في مكان واحد، أما الأرض بهيئتها هذه، لو اجتمع بنو آدم -مِن أيام آدم إلى اليوم- لن تَسَعهم الأرض، ومازال باقي معنا قليل إلى يوم القيامة، لن تَسَعهم الأرض. 

ولما رأتهم الملائكة في عالم الذّر، عندما أخرجهم مِن ظهر آدم؛ قالوا؛ ربنا أين تسكن هؤلاء؟ قال: في الأرض، قالوا: أتَسَعهم، قال: إني جاعل لهم موتًا، لا أجمعهم في وقت واحد، مفرقين كل ساعة جيل بعد جيل، طائفة بعد طائفة، قالوا: والموت بينهم هكذا أمامهم! فكيف يهنأ لهم العيش؟! وهذا يرى أخاه يموت، أمه تموت، أباه يموت، عمه يموت، خاله يموت، صديقه يموت، ولده يموت، ابنه ميت، أبوه ميت، وهو ميت بعد ذلك، كيف بعد ذلك يطيب لهم العيش؟.قال: إني جاعل لهم أملا، قال: أضع لهم أمل في قلوبهم، وأدعهم يعيشون. 

فإذا أراد جمعهم يوم تبدل الأرض غير الأرض، (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ) [الانشقاق:3-4]، لا يوجد شيء يابس وبحر أو جبل، تمتدّ وهي أرض واحدة، (فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا) [طه:106-107]، ويجمعهم فيها -سبحانه-. 

خلق الأرض، ثم يقولون: كيف يمدها؟! كيف يوسّعها؟! قل لي: كيف خلقها؟ أمّا بعد ما يخلقها بهذه الكيفية، ماذا يبقى؟ يقدر يزيِّد،  ينقَّص، يحذِّف -الله أكبر لا إله إلاَّ هو- (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24))

قال الحق تعالى: عندما تُعرض الدلائل الواضحة القطعية على الناس ويجيء بكلام حجة؛ فما معهم إلاَّ أنهم يرجعون إلى نفسياتهم ويرددون كلمات مثل متى؟ .. متى؟ .. متى؟ (مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ)؟ وكل الأمم يقولون والأجيال المختلفة، كلهم يقولون؛ متى يكون هذا؟ (مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ)؟ (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25)) يقولون لمن؟ -للنبي والمؤمنين- لماذا؟ لأن المؤمنين يُبلّغون خبر النبي ﷺ ويتولّون ما دعا إليه وجاء به، فكلهم مشتركون في الأمر، يقولون لهم: (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) لماذا؟ لأن المؤمنين اشتركوا مع  نبيهم في أمر الدعوة وبلّغوا الخلق، فقالوا: (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)؛ لأنهم هم بلّغوا أنكم ستعودون، ستحشرون، وأن المستمر والمتمادي على الكفر والعصيان يُعذب في الدنيا ثم في الآخرة، وهم يقولون: (مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25)): 

  • يقول الحق: قل لهم المهم أن الوعد قائم وكائن وواقع. 
  • أما تحديد الوقت ليس من مسؤولية النبوة والرسالة، ليس من مسؤولية البلاغ، وليس مسؤولية الدعوة. 

تعيين وتحديد الوقت؛ ليس من عمل النبوة، وليس من عمل الدعوة، ولا من عمل الإنذار، أنا بلغتكم عن الرب، أنا متيقن وقوعه، لكن متى يقع هذا هو الذي يحدده، أنت متى خُلقت؟ ومَن اختار لك وقت خلقك هذا؟ هيا قل لي؟! وقت تكوينك وخلقك من الذي اختاره لك، أهلك أو أسرتك أو قبيلتك أو دولتك؟ لا أحد اختار. 

أمر الوقت بيده هو الذي يخلق هذا وإليه المرجع، لا تقول لي متى، متى؟! بكرة، بعد بكرة، بعد قليل، بعد كثير، (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) [الأنبياء:109-111]. وقت سيأتي، المهم أن تعلموا أن الأمر واقع فانتبهوا لأنفسكم. 

أما متى؟ .. متى؟ ماذا يفيدكم هذا؟ تريدون أن تتخلصوا منه؟ لن يخلصكم السؤال "متى" ولا يخلصكم تعرفوا متى؟ 

  • بعد ذلك (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) قال الله؛ لو عمَّرناك ألف سنة وبعدها أعدناك إلى نفس العذاب، ما الفائدة من الألف سنة؟ ( وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ) [البقرة:96]، اتركه يعمر
  • (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء:205-207]، ما الذي أفادهم مِن التمتع في هذه السنوات إذا كان المصير هو هذا؟ إذا كان الغاية والنهاية هي هذه، ماذا يفيد التمتع أو طول العمر؟!.

(مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25))، قال الله: يا حبيبي خاطب العقول هذه؛ 

  • قل لهم: تنوّروا وارجعوا إلى وعيكم 
  • قل لهم: العلم بالوقت عند المؤقّت الفاعل؛ أنا مُرسَل منه؛ لأبلغكم أن الأمر كائن فقط، هذا مهمتي.

 (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ ..(26)) بالتعيين، بتحديد الوقت، كما رفع العِلم -سبحانه وتعالى- في خلقه عن الساعة، يعني عن تحديد وقتها، هو الذي يعلم: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا) [الإنشقاق:42]،، ما سألوك عن الساعة، ماذا يكون فيها، وكيف حالنا؟ ستجيب على سؤالهم، هذه مهمتك في الرسالة، لا (أَيَّانَ مُرْسَاهَا)، متى ستقوم؟ هل هذا سؤال إنسان جاد مُنصِف منتبه لنفسه؟! تقوم اليوم، بكرة، بعد بكرة، بعد مئة سنة، بعد ألف سنة، بعد ألفين سنة، تقوم ما تقوم، المهم أنت كيف حالك عندها؟ وكيف شأنك إذا جاءت؟ المهم تهتم بهذا؛ 

  • إسأل النبي قل له: ما الذي ينجيني عندما تقوم الساعة؟ وكيف يكون حالي إن عملت كذا أو كذا؟ سيجيب على سؤالك، لا تقول: (أَيَّانَ مُرْسَاهَا  ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الأعراف:187].
  • وهكذا يقول سبحانه وتعالى: (فَأَمَّا مَن طَغَىٰ * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ * يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا) -قل لهم: في اليوم الذي تأتي فيه كما عيَّنه هو ورتبه وقدره سبحانه وحدده- (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) [الإنشقاق:37-46]، كل الأعمار الطويلة والأعمار القصيرة، إذا جاء الوقت كأنها فقط عشية أو ضحاها، وكل شيء انتهى -الله أكبر- (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا). 
  • قال سبحانه وتعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ۖ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) [طه:105-108]. 
  • يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا * كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ ۚ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ ۖ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا) -الذين عاشوا سبعمائة سنة، وأربعمائة سنة، وخمسمائة سنة، وألف سنة، وألف ومائتين سنة، يقولون: ما كأننا قعدنا في الدنيا إلاَّ عشرة- (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا) [طه:98-104].

(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً) [الإنشقاق:46]، يا قوم نوح، ياقوم إدريس، ياقوم الذي تعمَّرتم آلاف السنين، كم جلستم في الدنيا؟ يقولون: عشية أو ضحاها، يوم فقط، انتهى كل شيء؛ 

هذه المشكلة التي عندهم، مصيبتهم أنهم أُعطوا عقول ليفقهوا بها، لكنهم صرفوها وحرّفوها لشهواتهم وأهوائهم، وتعاموا وتصامموا عن نداء خالقهم، وبالذي جاءوا به الرسل إليهم، ثم كلٌّ يعقل، بعد ذلك كلٌ يؤمن، يقول سبحانه وتعالى: (فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) [غافر:85]، ظهرت القوة والشدة، وبعد ذلك الإيمان لن ينفع. 

يقول: (فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ) [غافر:83]، علم ماذا؟ علم المادّيات، هذه المصنوعات التي كلها مِن خلق الله، وما علموا مَن خلَقهم؟ ولا مَن خلق هذه المواد لهم؟ انحصروا فيها، قال: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) -جاء العذاب لهم- (قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ) [غافر:83-84]، الآن!! وكم له الرسول هذا يدعوكم ويناديكم؟ وانتم تضحكون عليه، وتستهزئون به، وتردّون كلامه، وتضربون بعض الرسل، وتقتلون بعض الرسل، (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [غافر:84]، يعني كل الخيالات تلك باطلة، لا نفعتنا مادة، ولا نفعتنا أموال، ولا نفعتنا سلطة، ولا نفعنا شيء، قال سبحانه وتعالى: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) [غافر:84-85]، لو آمنتم -وأنتم في الدنيا- سينفعكم الإيمان أما الآن لن ينفع، في الآخرة لا أحد كافر؛ كلهم مؤمنين، هم كافرون باعتبار أيام الدنيا فقط عذّبوهم بذلك، أما في الآخرة مَن يُكذّب؟ كلنا نعرف أن الله وحده، (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:52] صلوات الله وسلم. 

رزقنا محبَّتهم وتعظيمهم والمشي على طريقتهم، رسل الله وأنبياءه، هل أحد يبعدهم مِن قلبه ويحل واحد كافر، قالوا له أنه مفكر، أو قالوا له أنه مخترع، ويضعه في قلبه ويخرِج أنبياء الله ورسله؟!! ياهذا، اعقل.. اعقل مَن الذي خلقك، هل هو هذا الذي أعجبك زخرف القول الذي ينشره؟! أو الذي أرسل لك آدم، وإدريس، ونوح، وموسى، وصالح، وإبراهيم، وعيسى، وختمهم بمحمد نبيك ﷺ؛ هؤلاء الذين أرسلهم ربي، هؤلاء الأعلى، هؤلاء الأجل، اللهم أرزقنا متابعتهم ومحبتهم واحشرنا في زمرتهم.

يقول: (وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ)  -عن الله، بأمر الله، أبلغكم حقائق ستصيرون إليها، يُحدّثكم عنها خالقكم- (مُّبِينٌ (26)) موضح، (مُّبِيِّنٌ) بائنة أمارات نبوءتي وعلائم رسالاتي: (أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الشعراء:197]، تحدثوا عني واسمي وصفتي مِن قبل ما أُخلق، في عالم الدنيا وهم يتحدثون عني، والكتب تتحدث عني، أنا نذير مبين، واضح، بيّن النذارة، بيّن الدلالة، بيّن الإبلاغ والإنباء، بيّن النبوة والرسالة بالمعجزات والآيات والدلالات. 

(وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (26)) -ثم يستمرون هكذا- (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ..(27)) رأوا العذاب زلفة، (زُلْفَةً) الزلفة القريب، رأوه قريبا، معاينة، قريب، واقع بهم، (وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ) [الأعراف:171]، (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا) [الكهف:53]، -ظنوا: معناها أيقنوا- (فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا) [الكهف:53]، بداية في الدنيا ينالهم شدائد وعذاب، تُسَاء وجوههم في الدنيا وكما حصل لهم في يوم بدر، وكما حصل لهم يوم السالفة بدأ الريح يهب عليهم، بدأ يتصاكّ بعضهم في بعض.  

(سِيئَتْ وُجُوهُ) دخلوا وسط البحر-يصعدون وينزلون- اكفهرَّت وجوههم،(رَأَوْهُ زُلْفَةً)، وهكذا الأمم التي أهلكهم الله -سبحانه وتعالى- مِن قبل. 

(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ..(27))، سيئت (سِيئَتْ) ظهر عليها السوء، أي سوء؟! إثنين: 

  1. سوء: الاستياء منهم والخوف وذلك واحد، 
  2. سوء: أثر كفرهم وغيّهم وطغيانهم، حتى في القيامة يظهر تمامًا؛ 
    • (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) [يونس:27] -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
    • (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) [القيامة:24-25]، أي تُوقن أن يفعل بها فاقرة يعني عذاب شديد هائل فاقرة. 
    • (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) [عبس:40-42]. 

وهل قصَّر الأنبياء والرسل؟ وَهل بَخِل اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْبَلَاغِ وَالْبَيَانِ؟، ولكن أصرُّوا: (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ(20))، (بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21))، (عُتُوٍّ) ميل إلى الباطل وتمسّك به -والعياذ بالله تعالى- (وَنُفُورٍ)، ابتعاد عن الحق.

قال: (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) -مُعَايَنَةً قِرِيبًا تَيَقَّنُوه- (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ..(27)) -الله- ظهر عليها السوء، استيائها هي، مِن شدة ما ترقُب أمامها أنها تقع فيه، وظهر عليها أثر ذنوبها وكفرها ومعاصيها -الله أكبر!-، 

  • (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [يونس:26] -اللهم اجعلنا منهم-. 
  • (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۖ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا) [يونس:27]، (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) -الله- (وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ)، كل المتكبرين على ظهر الأرض الذين ما آمنوا بالله ورسوله سيصِلون لهذا المصير؛ هذا مستقبلهم. 

نحن نقول لهم: إن كنتم حريصين على الناس في ضمان مستقبلهم وهذا هو مستقبلكم الأكبر؛ نحن حريصين أنكم تنجون بأنفسكم ولا نملك لنا ولا لكم شيء مع الله، لكن رَسم الله لنا طريق النجاح في ذلك اليوم؛ باتباع أنبيائه: 

  • فخيرٌ لكم أن تؤمنوا بمحمد وأن تتبعوه. 
  • خيرٌ لكم في شرق الأرض وغربها، ومِن كل صغير وكبير مِن الكفار من تبلغه هذه الدعوة. 
  • خيرٌ لك أن تؤمن قبل سوء المصير، فهو مقبل عليك لا محالة -لا إله إلاَّ الله-. 

(سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ) -قالت لهم الملائكة- (هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ (27))، هذا الذي كنتم به تدّعون، (تَدَّعُونَ) معاني فيها:

  • تدَّعون، كان فيكم الذي يقول: (إِن كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال:32].
  • ويقولون لقومهم: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [هود:32]، هذا الذي يقول هذا هو.
  • (هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ (27))، تستعجلون، وتدعون على أنفسكم به.
  • (تَدَّعُونَ) افتعال مِن الدعاء، أو مِن الدعوة. 
  • (تَدَّعُونَ) تستهزون استهزاء واستخفاف، تقولون متى هذا الوعد؟ كيف يكون؟ (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ) [الواقعة:47-48]. 
  • هذا الذي تدعون به، وكنتم تنكرونه، وكنتم تطلبونه، وكنتم تنكرونه، يقولُ لكم عنه (ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة:20]، والذي كنتم به تكذبون -لا إله إلا الله-.

(هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ (27))، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ * يَوْمَ يُدَعُّونَ) (إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَٰذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَٰذَا)، هل هو هذا سحر الذي كنت تقوله على أنبيائنا أنهم سحرة؟!  (أَفَسِحْرٌ هَٰذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ) -ما عقلتم؟ ما فهمتم؟! ما وعيتم؟! ما أدركتم؟! هيا انظروا هذا الذي قاله الأنبياء: (أَفَسِحْرٌ هَٰذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الطور:7-16]، ما كنتم تعملون؛ هذا جزاؤكم: (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُواوَقِيلَ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ (27)). 

رزقنا الله كمال الإيمان واليقين، كمال المتابعة لحبيبه الأمين، كمال الاقتداء به في شأن وحال وحين، وحشرنا في زمرته، وأسعدنا بمرافقته، وأوردنا على حوضه المورود، وأظلنا بظل  لوائه المعقود، وأدخلنا معه جنات الخلود؛ (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) -يا رب معه، يا رب معه، يا رب معه، بحقه عليك ومكانته ومحبتك له، ومحبتي لك اجعلنا معه- (رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8]، وثبّتنا على الاتباع، وارفعنا أحسن الارتفاع، وادفع عنا جميع الآفات وبلّغنا جميع الأمنيات.

 بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه، 

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

27 رَمضان 1440

تاريخ النشر الميلادي

01 يونيو 2019

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام