تفسير سورة المعارج -5- من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24))

تفسير سورة المعارج، من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } الآية: 24
للاستماع إلى الدرس

تفسير الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ لسورة المعارج، من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ }، الآية: 24

نص الدرس مكتوب:

﷽ 

(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ (35) فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43))

الحمد لله مُكرِمنا بالتوفيق للإصغاء إلى آياته واستماع تعليماته وبياناته ودلالاته، فيما أرسل به إلينا خير بريّاته، عبده المُصطفى محمد من ختم الله بهِ نُبوّته ورِسالاته و (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام:124]، فَصَلِّ اللهم وبارك وكرّم على عبدك المُجتبى المُصطفى سيدنا محمد، الذي وَهبْتَهُ مِنك الكمال الإنساني في ذاته وأفعالِه وأخلاقِه وصِفاته، وعلى آله الأطهار وصحبِهِ الأخيار ومن سار في سبيله مُقتديًا به ومُتّّبعًا له في مقاصِدِه ونيّاتِه، وأقوالِه وأفعالِه وخِلالِه ونُعوته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم أجمعين، وعلى ملائكتك المُقرّبين، وعلى جميع عبادك الصّالِحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد،،،

فإننا نَتبيّنُ ونَستهْدي أحوال هذا الإنسان، لننظر في شُؤوننا فكلّ مِنّا إنسان، فردٌ من هذا الإنسان، ونحن نَتبيّنُ ونَستهْدي أحوال وشؤون وصِفات هذا الإنسان، مِن بَيَانات ودلالات ربّ الإنسان، وخالِق الإنسان، ومُنشئ الإنسان، ومُكوّن الإنسان؛ وهو الله الرحمن، فلا يُمكن أن يُحَدِّثنا عن الإنسان؛ أعلم ولا أحكم ولا أعظم من خالِق الإنسان.

ومِن العجب أن يَتطاول الإنسان ويريد أن يكون هو الأعرف بشيء من شؤونه ممّن خلقه وبدأه -جلّ جلاله- وذلك عَين الغيّ وعين الضلال وعين الخَبال والبُعد عن العقل: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14].

مَن الذي يدّعي أنّ الأجهزة أعرف بنفسِها من صُنّاعِها؟ 

نقول له: أنت مجنون! كيف جهاز يعرف نفسه؟ قال: أجهزة ذكية، جاءت عاقلة، ذكية أو فكيّة أو عكيّة، كما كانت الذي كَوّنها أعلم بها وبشؤونها وأحوالها وأحْجامها ومبادئها وأصُولها وأسَاسها؛ وكذلك الإنسان الله أعلم به، الله أعلم بأحوالِه وشؤونه وبدايته ونهايته وما يُصلِحُه وما لا يُصلِحُه، فنحن نَسْتقري خبر هذا الإنسان ونَتبيّن ونَسْتهدي بِبَيان الحق -تبارك وتعالى- الذي خلق الإنسان.

(إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)) صاحِب الجزع وصاحِب الطّمع وصاحِب البُخل وصاحِب الضّجر وصاحب التّعالي والتّطاول على ما ليس له

(إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا) -هؤلاء الذين اسْتثنوا- (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22))، حقّقنا الله وإيّاكم بحقائق الصلاة وحقّق بها أهلينا وأولادِنا وذرّيّاتِنا وقَراباتِنا يا أكرم الأكرمين، واجعلنا وإياكم وإياهم من (الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)).

(الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) وأخذنا معاني الدّيموميّة لهذه الصّلاة في إقامتها وفي المحافظة عليها، والتي سَيخْتم الله بالأوصاف بها، (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)) -سيقول آخر الأوصاف- ابتدأ بالصلاة وختم بالصلاة؛ إشارةً إلى ارتِباط كلّ تلك الأوصاف بهذا المعنى: 

  • الصلاة علامة الإيمان. 
  • الصلاة مُهذِّبةُ الإنسان. 
  • الصلاة مُطهِّرة عن الأدران. 
  • الصلاة نّاهية عن الفحشاء والمُنكر والعِصيان. 
  • الصلاة مُطَيّبَةٌ للخِلال والأوصاف لهذا الإنسان. 

فالأمر دائرٌ على الصلاة، أوّلها الصلاة وآخرها الصلاة، (إِلَّا الْمُصَلِّينَ)، وآخر شيء: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)). 

يقول جلّ جلاله: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)) -جعلنا الله من المُصدّقين الموقِنين بذلك اليوم-، فإنّ مَن أُكرِم باليقين بذلك اليوم، تهاوت أمامه جميع شؤون الإغْواءات بأصنافِها وأشكالِها المُختلِفة من إبليس وجنْده أجمعين، ومن نفسِه الأمّارة. إذا كان يوم الدّين أمام عينه مُنتصِبًا؛ فَعُدَّه مُصيبًا طيّبًا، يتلقّى غَيثا هَنيئا مَريْعا صَيّبا، والحقُّ يقول للخاسِرين في ذلك اليوم ويَذكُر خسارتهم: 

  • بما نسوا لقاء يومِهم هذا، (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ) [السجدة:14]، كما نسيتُم لقاءَ يومِكم هذا. 
  • وقال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص:26]، (بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ). 
  • النّسيان ليوم الحساب سبب كُلّ انحِراف، سبب كُلّ انجِراف وراء الشّرّ، سبب كل التّأخّر عن الخير، نسيان يوم الدين. 

قال الله فالخُلاصة من أصفياءٍ من الأنبياء: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ) [ص:46-47]. 

(وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)) يوم الجزاء، يوم الحساب -الدّين- (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)) وهذه ضرورة من ضرورات المعرِفة بالله، نتيجة من نتائج المعرِفة بالله، فإنه من عَرَفَ الله أَيْقن أنَّه جدير أنْ لا يغترّ بهِ الصِّدِّيقون ولا يَيأس منه المُجرمون، لماذا؟ لأنه الله، لأنه الله: (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج:16]؛ يُسعد ولا يُبالي ويُشقى ولا يُبالي، ومن كان هذا وصْفُه؛ ما الذي معك منه؟ ما الذي تقدر؟ الهيبة له والجلال له والعظم له والرّجاء فيه -سبحانه وتعالى- الله ولا إله إلا الله! وهو القائل: 

  • "يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا". 
  • "إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي". 
  • (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [المائدة:17].

هذا إله -جلّ جلاله وتعالى في علاه- يَغفر ولا يُبالي، يُعذِّب ولا يبالي، يُقرِّب ولا يبالي، يُبعِد ولا يبالي، سبحانه عز وجلّ: (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)؛ ولذا قال: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)؛ يُشير أنّ أوصافه هكذا: (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج:12-16]، من كان وصْفُه هكذا: 

  • بَطشُه شديد. 
  • ونَعيمُه عظيم كبير جميل حميد. 

هكذا يكون، لابد أن يكون كذلك؛ لأنه الله -تعالى في علاه-. 

(إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28))

  • وكل من أمّن نفسه من عذاب الله بالظُّنون، فله عذاب الهون.
  • وكل من خاف من عذابِه أمّنه يوم يبعثون -جلّ جلاله-. 

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)) لا يَغلِبهم هوى ولا تَغلِبُهم شهوة، يُسَيطرون على الشّهوات، التّي هي أسْلِحة إبليس وجُنْدِه: 

  • في إضاعة الخَلق، في هلاك النّاس. 
  • في إبعادِهم عن الرّبّ، في تهيئتهم لجهنّم والنّار. 
  • في إيقاعِهم في الفضيحة، وظُهور القبائح -الشّهوات- 

وبواسِطة الشهوات يلعبون على العقول والقلوب لعِباً: 

  • فمن مَلك شهواتِه فهو الُحّر القويُّ الكريم الذي لا يَقدِر عدوَّه أن يُغريه أو أن يُغويه أو أن يَلعب به. 
  • وذكر الحق -سبحانه وتعالى- أعتى الشهوات على الإنسان: لِسانِه وفَرجُه. فمن كان حافظاً للفرْج، ضابِطاً للقول واللّسان: 
    • فاعلم أنه إنسان مِن آل الإيمان، يَصلُح لقُرب الرحمن ومُجاورة سيّد الأكوان. 
    • "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ". 

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)) وأخبر أنه لا طريق لإباحةِ هذه الشّهوة أو حِلِّها إلا عن طريق النِّكاح أو مِلْك اليمين -وانتهت المسألة-. 

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ)

  • مِن كُلّ مَن يُغوى ويَقبل الإغوِاء. 
  • ومِن كُلِّ مَن يُثار فيَستجِيب للإثارة. 
  • ومِن كُلِّ مَن يُخدَع فَيَقبل الخَدِيعة. 

(فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31))

  • الذين تَعدَّوا طَورهم وحُدودهم، خَرَجوا عن طَرِيقهم، وتَجاوزُوا وَاجِبهم، وخَالفوا مُهِمَّتَهُم. 
  • (فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) هذا وصف الجبّار لهم، ولا يكون لهم إلا وصْفُه -جلّ جلاله وتعالى في علاه-.

قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)) عندَهم اهتِمام واعتناء ورعاية بالعُهود والأمانات: 

  • ما ائْتُمِنوا عليه؛ من سِرٍّ، من مالٍ، من عِرْضٍ، من خبرٍ، من مُهمةٍ؛ يُؤدّون الأمانة فيها، يُرعَوْن حق الأمانة: 
    • لا يفشون سرّ، ولا يَهتِكون الأعراض، ولا يَلهفون الأموال. 
    • ولا يَضُرّون أماناتهم محفوظة، مراعين للأمانة. 
  • وإذا عَاهدوا عهداً لم يَنقُضوا عهودهم ولم يَفجِروا فيها: 
    • و"آيَة الْمُنَافِق: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ ‏‏أَخْلَفَ ‏‏وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذا خَاصَمَ فَجَر وإذَا عَاهَدَ غَدَر".
    • هذه أوصاف أهلِ النّفاق الذين يَبغضهم الخلّاق ولهم مسكن في دار البقاء؛ هو الدّرك الأسفل من النّار: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرَكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)، وفي قراءة: (فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء:145]-أعوذ بالله من غضب الله-. 
    • هذا وصفهم: إذا عَاهدوا غَدروا وإذا وعدوا أخلَفوا، إذا حدّثوا كذّبوا، وإذا ائتمِنوا خانوا.

لكن المؤمنون، لا؛ (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)) وكانوا يقولون في هذه الأمانة: إذا حدّثك إنسان بحديث وهو يَلتفِت فهو سِرّ، أمانة بينك وبينه لا تتكلّم به: 

  • لأنه ما تلفّت إلا وهو لا يُريد أحد أن يَسمع فلا تُحدِّث به، يكفي ائتِمانه عليك أنّ هذا سرّ. 
  • مُجرَّد تلفُّته يزلّ على عدم إرادته أن يسمع أحد؛ هذا يكفيك، أمانة. 

فأين هذا عند أهل البلبلة وأهل اللّقلقة؟ 

  • لا يقدِر أن يكتُم سرّ ولا يقوم على أمر. 
  • وقد يَزيد من عِنْدِه ما ليس بواقع. 

-أعوذ بالله من غضب الله- افتراء، هذا ما تهذّب! هذا ما تأدّب! هذا ما تحقّق بالإيمان! فليُنقِذ نفسُه قبل الوفاة وإلّا فالأمور خطيرة عليه

  • وأُنزِلت الآيات هذه من أجل ماذا؟ وتعيش عُمْرك غافِل عنها و لاهي، وتُريد لك في القيامة نجاة بعد ذلك! وتُريد..! 
  • لماذا أُنزلت الآيات إذًا؟! تُهمِلها وتغفل عنها ولا تجلس مجالسها، ثم تقول: ما علِمت؟ ما عرفت؟ وتريد الجنة! وتُريد المكارِم! 
  • هي لُعبة؟! هذا كلام الفعّال لِمَا يُريد، هذا كلام المُبدئ المُعيد، ليس لعب، ولا نَزَل إلّا لتتدبّره وتعمل به.

(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)) شديدي الرّعاية، يؤدّون الأمانات، ولا يخونون العهود، قال سيدنا عمر للحبيب ﷺ بَعد أَنْ خاضَ بعضُ الأشقياء مِن يهود ومِنَ المُنافقين، بعد غزوة أُحُد وتكلّموا على النّبيّ وقالوا وقالوا؛ لهذا وقعت بهم الهزيمة، ولو كان النّبيّ صِدق، ولو كان رسول من الله.. و كلام منهم كثير، وحُفِظ عَن عدد من بعض اليهود والمنافقين، قال: يا رسول الله ائذن لي فلان وفلان من هؤلاء اليهود، ائذن لي أقتُله، "لإنّ بيني وبينهم عهد" -بيني وبينهم عهد، بيني وبينهم عهد- عَاهدتهم، بيني وبينهم عهد، الله!، ومن أوفى بعهده من الله ومن رسوله؟! قال: ففلان وفلان من المنافقين تكلّموا -قالوا عليك كذا- قال: إنهم يقولون: "لا إله إلا الله"، قال: لا شهادة لهم؛ لا يَقولونها من قلوبهم، قال: "إنّ الله لم يَأمُرني أَنْ أُفتِّش على قلوب الناس"؛ ام يرضَ ﷺ.

والحق يقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) -تقع المشقّة عليكم ومشاكل- (وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً) [الحجرات:7-8]، حتى خَانُوهُم العُهُود -هؤلاء اليهود- وجاء وقتُ خيانتِهم وقابَلَهُم بما يستحِقّون -صلى الله عليه وعلى آله و صحبه و سلّم- و إلّا ما جاء من قِبَلِه إخلافٌ ولا إِضَاعةٌ لِلأَمَانَةِ وَلَا نَقضٌ لِلعَهدِ الذي عَاهد عليه ﷺ. 

(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32))، ثُمَّ ذَكَرَ خَصْلةً فيما يَدور في واقِع الناس وحياة الناس أنه بِحِكمَتِهِ يُظهرعلى بعض الخلْق بعض الوقائِع والحوادث، ولا يَعلمها ولا يَراها ولا يطّلع عليها كثير من الناس، فالذين اطّلعوا عليها في كل ما يترتّب عليه حقوق للآخرين وقضاء وحُكم: 

  • يجب عليهم أن يَحمِلوا الشّهادة ويَتحَمّلوها على وجهها ويَأدّوها كما هي. 
  • ولا يجوز لهم أَن يَكتمُوها، ولا يجوز لهم أن يزيدوا فيها كلمة ولا أنْ يَنقُصوا.

(وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)) وفي قراءة: (وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَتِهِمْ قَائِمُونَ):

  • قال تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة:283]: 
    • إذا بَقيتم مع نفسيّاتُكُم التي تَحابي هذا وتخاف من هذا وترجو هذا، وتَكتمون الشّهادات؛ قلوبكم آثمة.
    • ومن كان قلبه آثم، فما بالك بجسده؟! هذا رأس الإثم، إذا صار القلب نفسه آثم، الجسد كله عاصي، كُله مأثوم
  • فقال: أدّوا الشهادة على وجهها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا) -فاحِكم بالصدق وقل الحقّ- (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء:135]: 
    • المُحاسِب من وَرائكم هو خبير بعملكم، ستقفون بين يديه ويجازيكم، لا يفوت شيء. 
    • إنما يَستعجل من يخاف الفوات؛ وهذا لايفوت عليه شيء، سترجِعون إليه وسيُحاسِبكم، فأدّوا الشّهادة على وجهها.

ولذا إذا وقف أمام قاضٍ أو حاكم يَشهد، زاد في الشهادة كلمة أو نقص ممّا يُغيِّر المُراد، لم يَنزِع من مكانه ولم يرفع رجله إلا وقد حلّ عليه سخط الله -غضِب الله قبل أن يرفع رجله من المكان- إذا زيّد في الشهادة كلمة أو نقّص، الله! .. الله!، "على مثلِها فاشهدْ" أمر واضِح، بَيِّن: 

  • فلا يجوز له أن يَزيد ولا أن يَشهد زور. 
  • ولا يجوز له أن يَكتُم شهادة رآها. 

والشّهادة بِعينِه يترتّب على كتمها؛ إضاعة حق مُسلِم أو قتِل مُسلِم أو مُسلِم أو حبِس مُسلِم بغير حق وهكذا. 

(وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)) يُحسِنون القيامة على الشهادة ويَحكُون بالصدق والحقّ؛ أمّا ما لا يَترتّب عليه إضرار ولا يَترتّب عليه حُكم ولا يَترتّب عليه أخذ حقّ الغير ولا يَترتّب عليه حبِس ولا غير ذلك؛ فما عليهم من شيء، بل كلّ ما لا يَعنيهم كأنّهم لم يَسمعوه ولم يَروه خيرٌ لهم، فهو نِظام مُتكامِل في مَنْهج الله -تبارك وتعالى- تَصلُح به حياة النّاس على ظهر الأرض.

(وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)) بدأ بالصلاة وختم بالصلاة؛ لأن المُدّائمون على الصلاة والمُحافظون عليها ستكون فيهم جميع هذه الأوصاف؛ حافِظ عليها، حافِظ على الأدب فيها، حافِظ على الحُضور فيها، حافِظ على أثرها فيك؛ فإن لكل صلاة أثر؛ فحافِظ على أثرها فيك ونَمّي هذا الأثر:

  • صلاة بعد صلاة.
  • مَرقاه بعد مَرقاه.
  • وقُرب بعد قُرب.
  • ومَعرفة زيادة إلى مَعرفة.
  • وانجلاء للبصيرة إلى انجلاء. 

الصلاة حافظ عليها. 

(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَٰئِكَ) أهل هذه الأوصاف -مهما كانت شاقّة أو ثقيلة على النّفس- فإذا أقامها الإنسان، ذاقَ حلاوتَها هنا وله فوق ذلك؛ 

  • (أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ (35)) مِنْ قِبَل أي دولة؟ مِنْ قِبَل أيّ حُكومة؟! أيّ دولة أيّ حُكومة! أكبر من ذلك، أعظم من ذلك! مِنْ قِبَل ربّ السماوات والأرض. 
  • (أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ) يُكرِمهم، يَرفعهم، يُعلِيهم، يُوَسِّع فَضْلُه عليهم؛ أَبى أن تعلم نفس ما أَخفى لهم ولو كانت أنفس الملائكة؛ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ، (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17]. 

هذه نتيجة الصِّفات الصّالِحة، هذه عاقِبة هذه الصّفات الحسنة الطّيبة، بماذا يُغوونكم ويُغرُونكم على شيء من قبيح الصّفات، يُعطونَكُم إيّاه؟ وإلى كم يبقى؟ لكن هذا جزاء أهل هذه الصّفات التي اتصفوا بها الصّفات الصّالحة.

(أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ (35))؛ يقول الله: هذا حُكْمي وهذا بَياني لخلق الإنسان؛ فهؤلاء العابِثون بأفكارِهم من أمثال جماعة من الكفّار يأتون حول النبي ﷺ بَعضُهُم عن يمينُه وبَعضُهُم عن شمالُه، كل أثنين أو ثلاثة مع بعضهم؛ يَتغامزون ويَستهزئون به لمّا يتكلّم عليه الصلاة والسلام. يقول الله: أمثال هؤلاء خَلقتُهُم من العدم، وأَسْبَغت عليهم نِعم، وأرسلت لهم رسولي وأنزلت إليهم كتبي، ويلعبون هذا اللعب وبعد ذلك يُريدون الجنّة مني،  ما هذا التفكير؟!  ما هذا المنطِق؟!  ما هذا العقل؟!. 

  • (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)) رافعين أبصارهم، مادّين أعناقهم؛ ينظرون لك ويَستهزؤون بَينهم البَين بِك؟! 
  • (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)) يعني فِرَق، فِرَق، فِرَق، جماعات، اثنين ثلاثة، اثنين ثلاثة، اثنين ثلاثة مع بعضهم.

يقول الحق: (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38))؟ قال: الذي يُكذّب بِنَبِيِّ ويستهزئ به ويريد أن نُدخله الجنّة! هذا إنسان فيه عقل هذا؟! فيه إدراك؟! يقول بعضهم لبعض: إن كان يدخلها هؤلاء الجنّة كما يقول لهم محمد فنحن ندخُلها قبلهم، كيف يعني؟! يعني كيف؟! هل أنت الذي خلقتها؟! أَو أنت الذي تحكم فيها؟! نِسي نفسه، نسي حالته، نسي تكوينه، نسي وجوده؛ وهذا منطِق الكفّارإلى وقتنا هذا، بلا عقل، لا يعقلون!. 

يقول: (كَلَّا) -تلعب هذا اللّعب ثم تدخل جنّتي، أنت مجنون أنت؟! لك حُكم؟! لك أمر؟!- (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ (39)) فكّر في نفسك من أين جئت؟ تكوينك -هذا الجسد الذي أنت عليه وما تغمز وما تلمز وما تتحرك-  من أين جاء؟ من نطفة! هيه! هيه يا مخلوق من نطفة! عِيب عليك؛ هل ستتحكّم في الجنّة أو دخولها -ستدخُلها قبل ذا أو بعد ذا-؟! أنت من أين جئت؟ وكيف خُلقت؟ 

  • ارجع إلى رؤية خَلقَك وبِداية تَكوينك؛ (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ) -نطفة، علقة، مُضغة، عِظام- (فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا) [المؤمنون:14]. 
  • يراجع نفسه ويترك هذا الاستهزاء، ويترك هذا الكلام الفارِغ (كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ).

 يَحلِف الربّ -جلّ جلاله- بعظَمته بجَلاله: (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)) جئنا بهم من ذريّة قوم آخرين كانوا قبلهم، وسَهُل علينا نُبعِّدهم ونجيء بغيرهم، ما لهؤلاء لا يعقلون؟! ما لهؤلاء لا يُفكِّرون؟! ويَرون أنفَسهم يَعجزون عن أشياء كثيرة في حياتهم، ويموت ولد أحدهم وأبو أحدهم وأخو أحدهم، لا يَقدِر يدفع عنه الموت: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ) [الواقعة:83-85].

تقدِر تُثبت لي خبر أنّ الإنسان في تقدُّمه وتطوُّره في عالم التّكنولوجيا ودعوى الوصول إلى القمر وغير ذلك في هذا الزمان أنه لا أحد يموت صغيرا؟! أو عند هؤلاء لا توجد أمراض خطيرة! 

الواقع خِلاف ذلك كُلُّه: أطفالهم يموتون، شبابهم يموتون، أليس الإنسان تقدّم وتّطور؟! ما باله على هذا الحال الذي كان قديما قبل التّطور والتّقدم؟! منهم من يموت في عشر سنين، ومنهم في عشرين، ومنهم في خمسين، منهم في ثلاثين، والآن نفس الحال، أليس قد تطوّرنا! نعم تطوّرنا، وبعد ذلك ماذا حصل؟ لا قدرنا نتحكّم في بدايتنا ولا لنا حُكم في نهايتنا، جلّ الله! جلً الله! مُقدِّر الآجال والأرزاق! 

"وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ" من يتحكّم؟ لا إله إلا الله! مادام بِيئَات مُتقدّمة لايوجد أطفال يموتون أبداً، ولا شباب يموتون، ولا أمراض خطيرة؛ أخطر الأمراض هناك حيث التّقدُّم الكبير؛ البُلدان الفقيرة مسكينة لا يأتيها المرض إلا من عندهم، الأول هناك وبعد ذلك يأتي لهم، لا يعرفون أيدز ولا سرطان،  أولا يجيء عند أولئك ثم يجيء عندمه، يعدونهم -سبحان الله- العَظمة للعَظيم، الإنسان في غرور كبير.

(فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)) لا أحد يَسبِقُنا، لا أحد يُعجِزُنا، لا أحد يَمنعُنا، لا أحد يَأمرُنا، لا أحد يَفرِض شئ علينا، لا أحد يُطاوِلنا؛ (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)؛ فخُذ المسْلك الذي ارتَضَيتُه من أحبابي وسط هذا الاختِبار الذي اختبَرتُ به عِبادي وسَيّرتُهم فيما أشاء (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا)، (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) ليس معهم إلّا خوض ولعِب (حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)) وهناك الجَمع بينك وبينهم: 

  • (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء:227]. 
  • (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان:27].

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ) -جمع الجَدث وهو القبر- (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ) قال: كما أخْرجتُكُم من أرحام الأمهات، أُخرّجكم من الأجداث وما عَودتُكم أصعب عليّ من بداياتِكم (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا) -مُطيعين إلى الدّاعي- (كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)).

هذه أواخر السورة يأتي تأمُّلها معنا إن شاء الله، ونفعنا الله بآياته، نفعنا بكلماته ورفعنا بها؛ فإن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويَضَعُ آخرين؛ فاجعلنا ممّن ترفعهم بالقرآن؛ ومن رفعته فلا خافِض له، ومن خفضته فلا رافِع له؛ فالأمر أمرُك، والمُلك مُلكك، والحُكم حُكمك، والدُّنيا لك، والبرزخ لك، والآخرة لك، والجنّة مُلكُك، والنار مُلكُك، وأهل السّماء مُلكك، وأهل الأرض مُلكُك؛ وأنت مَلك السّماوات والأرض، وأنت قيّوم السّماوات والأرض ومن فيهن، وأنت الذي بيدك الأمر كلّه، لا إله إلا أنت! أسعِدنا يا مُسعد السّعداء، وارفعنا إلى أعلى مراتب الهُدى، واجعلنا مِمّن بنبيّك اقتَدَى، ونجِّنا من كلّ زَيْغٍ ورَدى، وتوّلنا بما تولّيت به الصّالحين، أهل اليقين والتّمكين، المُفلحين برحمتك يا أرحم الراحمين. 

 و بسرِ الفاتحة 

وإلى حضرةِ النَّبي محمد

صل عليه وعلى آله وصحبه و سلم

تاريخ النشر الهجري

06 رَمضان 1440

تاريخ النشر الميلادي

11 مايو 2019

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام