(608)
(379)
(535)
تفسير الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ لسورة المعارج، من قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً }، الآية: 19
﷽
(إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28))
الحمدلله مُكرمنا بعزيز الآيات وشريف الخطاب وصلى الله وسلّم وبارك وكرّم على عبده المصطفى سيّد الأحباب، سيّدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه خير آل وخير أصحاب، وعلى من سار في سبيلهم وإلى الله أناب، على مدى الأزمان إلى يوم المآب، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات أهل الإقتراب، وعلى آلهم وصحبهم أجمعين وملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، يا أكرم مَن لبَّى النّداء وللدّعاء أجاب.
وبعد،،،
فإنّنا في تأمُّلنا لكلام ربِّنا في الشّهر الذي أُنزِل فيه القرآن، مررنا على معاني تتعلّق بأوائل سورة المعارج، حتى انتهينا إلى قوله جلّ جلاله: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ (35)).
يُبيِّن الحقّ -جلّ جلاله- تكْوين هذا الإنسان وتركيبته بحُكم ما تنطبِع نفسُه عليه:
لكن يُمكن أن يتزكّى ويتطهّر عن ذميم تلك الصّفات ويتحلّى بمُقابِلها من الصّفات الحميدات، ولكن ذلك إنّما يكون للمؤمنين الذين:
فهم أُناسٌ لا ككلّ النّاس، وهم بشر لا كبقيّة البشر.
فالذي يغلُب على طِباع البشر ممّا يَحتكّون به في شؤون هذه الحياة الدّنيا؛ الهَلع؛ ولمّا كان ذاك هو الغالِب والمستشري في عامّة البيئات الإنسانية وأكثر المُجتمعات البشرية، قال تعالى:
يقول: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)) كلّما نزلت به شِدّةٌ، مُصيبةٌ، تعبٌ، مرضٌ، حادثةٌ، حربٌ؛ أي نوع من أنواع الشّدائد والأذى؛ فهو عند ذلك هو الجَزوع الذي يضجْر ويجزع ويتبرَّم ويقول: ما هذه الحياة؟ ما لهذه الدّنيا؟ كيف الأمر هكذا؟!
(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا):
وكل ذلك باطِل وضلال وخيال؛ فيشتدّ جزعه:
(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20))، فتجِدهم على مراتِب في الجزع وفي ثوران الجَزع:
(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ) نالَته: قُوّة، قُدْرة، حِكْمة، مال، عافية، أي شيء من أنواع الخير، هو (مَنُوعًا (21))، مَنوع لا يَصرِفُها في محلِّها، لا يَنْفع بها الخلق، لا يُعطيها أو ينفع أو يفيد بها أهل الحاجة إليها؛ فهو منوعٌ، إذا مَسّه الخير لا يُحب أن يفيد الناس؛ لا برأي ولا بِعقل ولا بِعلم؛ إلّا ما كان بمُقابِلٍ يراه وحظٍّ يعود عليه، فقط! فهو عَبد الحُظوظ والشّهوات، وعَبد النّفس والهوى، اسْتُعبِد لها -والعياذ بالله تبارك وتعالى- فاتَّخذ إلهه هواه.
(إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)):
(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21))، ويقول: هذا لي، وهذا لأهلي وولدي، وهذا لجماعتي، وهذا لأهل بلدي؛ اِنْفَعْ، أفِد، اِفْتَح المجال! لا! وعلى ضوء ذلك أُقيمَ بين النّاس كثير من هذه القوانين الغريبة الوضيعة في الاستفادة والانتِفاع بتجارة، بل بتملُّك أي شيء من شؤون الأموال، ويقول: بِطاقتك، جِنسيّتك وبَلدتُك، ومن أين؟! وكان الناس يعيشون من دون هذا.
وجاءت شريعة الله -تبارك وتعالى- والمشركون حوله ﷺ ينتفِعون بأنواع المنافع:
وفيهم من يَستأجِر كُبارَ كُبار الصّحابة على حفر بِئرٍِ أوعلى نزح ماء من بِئرٍِ أوعلى شيء من الأعمال الأخرى:
فما هُناك في منهج النبيّين ومنهج أتباعِهم منعًا للخير، ولا لِمَا جعل الله النّاس شُركاء فيه في هذا العالم. ولكن أهل التقدّم يقولون غير هذا: هات جنسية، هات ترخيص، هات فيزا، هات، من أين جئت؟ هؤلاء أهل التّقدم! ضيّقوا الخِناق وبعد ذلك: (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21))، هذا لي وهذا لأهل بلادي وهذا لآل جِنسيّتي وهذا لآل قَبيلتي وذا لآل كذا!
أمّا الانتِفاع الطّيب المشروع بوجهه، فلماذا المنع؟!
والعجيب في العبرة بمسلك النبوّة؛ حتى أنه بعد إجلاء اليهود من المدينة، ضلّ يهودٌ في المدينة ممّن لم يقف في صفّ القِتال ولا في صفّ النِّزاع ولا ذاك، بقي يهودٌ في المدينة! لكن الذين كانوا مع قومِهم في المُعاندة والمُضادّة، هؤلاء خرجوا.. فبقي يهود في المدينة، وتوفيَ ودِرعه مرهونة عند يهوديٍّ في آصعٍ من شعير، أخذها لأجل النّفقة -صلى الله عليه وسلم وعلى آله- ورهن دِرعه، انظُر منهج النُبوّة وعَظمته وسِعته؛ فمن الذي جاء للنّاس بالضّيق؟ ومن الذي جاء للناس بال؟ أصحاب الهلع، أصحاب الهلع، والعجيب أنهم يتبخترون بِهلعِهم! وهو عيب وعار، لكِنّهم يفتخِرون بالعيب، يا آدمي! فهم على هذا الحال.
(إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21))؛ قال الله: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22))، الله! أهل هذه الأعمال، أهل هذه الصفات، يخرِجون من ذميم الطّبع البشري، وشرّ الطّبع البشري، وسوء الطّبع البشري إلى الزّكاة التي يُزكّيهم بها عن الله الأنبياء والمرسلون -الله أكبر!- (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) [الجمعة:2]، "إنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخلَاقِ".
يقول: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21))؛ وهذه الطّبيعة المُستحكمة يَخرُجُ عنها الذين تزكَّوْا:
لكن الذي يُصلّي الصلاة بلا حُضور، بِلا خُشوع، بلا إقبال، بلا تدبُّر، لا يظهر عليه أثر تزكية؛ ولذا قرنَ بقوله: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) وصفًا مُتّصِل بالصّلاة في قوله: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)) الدّائمون على صلاتِهم، كيف دائمون؟! كل عمرهم، كل وقتهم يُصلّون؟! ليس المقصود كل الوقت وهم يُصلّون، و ليس لهم شُغل إلا الصلاة، لا ليس هذا، كيف على صلاتهم دائمون؟!
حتى أنّ الصِّفات السّت التي يتمّ بها الخشوع، قال الإمام الغزالي: "إنّها عند الصّادقين العارفين مُلازِمة لهم خارج الصلاة، كما هي في الصّلاة"، ما هي؟
ستة: حضور قلب، تَدبُّر معنى، تعظيم، هَيبة، رَجاء، حياء؛ إذا اجتمعت هذه السّتة الأوصاف فأنت خاشِع؛ هذه هي حقيقة الخشوع: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2]؛ فإذا تَحَقَّقتَ بها امتَدَّت أثارُها إلى خارِج الصلاة، وإذا بأثَرها يمتد في باقي حياتك؛ فأنْتَ دائم الصّلاة.
ولهذا لمَّا قال الإمام أبو الحسن الشاذلي -عليه رحمة الله- وقد حَضَرَ مجلساً مع بعض كُبار العلماء في مصر لمّا قَدِم إلى مصر، وتكلّموا وكان الإمام ساكِت بينهم يَسْمَع، ثم قالوا: أنت أبوالحسن لم تكلّم بشيء! قال: ماذا أقول؟ أنتم علماء الإسلام وعلماء البلد وعلماء الزّمن، قالوا: تَكَلَّم مَعَنا بشيء، قال: صلّيتم؟ قالوا: تقول للعلماء صلّيتم؟! كيف صلّيتم؟! قال: إنّما عَنِيتُ الصّلاة الدّائمة، أما سَمِعتُم قول الله؟ (الَّذِينَ هُمَْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)) وديموميّة الصّلاة في شؤون قلب الإنسان وحاله مع القضاء والقدر وأخذ يتكلّم ... صَاح العزّ بن عبد السلام وقام يُنادي: تعالوا أيها الناس اسمعوا هذا الكلام حديث عهد بربّه، هذا الكلام العجيب الذي يَنزِل مِنَ الفَتح الرَّباني! وأَخَذ يَشرح معنى: (الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ).
وأولئك علامَتهُم في ديموميَّتِهُم للصَّلاة عِشْقُهُم لِهذه الصَّلَوات، يقول سَيّدُهُم فيها: "وجُعِلَت قُرَّة عَينِي في الصّلاة"، وإذا صَلّى عشرين وَدّ أنّها ثلاثين، وَدّ أنّها أربعين، لو كان ستكون ثلاثين أربعين أحسن؛ ما يودّ أنّها تنتهي.
وهكذا كُلّما جاء وقت صلاة؛ فهو مُشتاق، وكان ﷺ إذا حَزبْهُ أمرٌ، قام إلى الصلاة وكان يقول لسيدنا بلال: "أرِحْنا بها يا بلالُ"، "وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ"، (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23))، اللهم حققّنا بحقائق الصلاة، واجعلنا منَ الذين هم على صلاتهم دائمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
(فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) فأقلُّهُ: ما فَرَض اللهُ مِنَ الزّكاة، وما تَعلَّقَ بعد ذلك مِنَ الحُقوق، ثم بعد ذلك هم درجات:
وهكذا كنّا نَسمع العوامَ في أمثالهم -وما أحسن أمثلة العوامَ الذين شرِبوا من مَشارِب الخَواصّ- ويقولون: "ما حد في الكون يَعطي حد، إلَّا يا عبدي أَعطِ عبدي":
(وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25))، وركيزةٌ تُقيمُ هذهِ الصفات: (وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)):
(وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27)) قال الله: عن سادتنا الملائكة والمخلوقين من النّور المعصومين العُبَّادِ لله تعالى
ومَن عَرَفَ الله كيف لا يُشفِق؟! من عَرَفَ الله كيف لا يَخافُه؟! مَن عَرَف الله كيف لا يَهابُه؟! ولا يوجد أَهْيَب منهُ، ولا شيء يَقدر يأثِّر عليك ولا يَضُرُّك إلَّا بأمره، كيف لا يُهاب؟! وهؤلاء عَرفوا الله -جلّ جلاله- (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء:26-28]؛ هذا وصف الملائكة، وأنت الذي تَعصي، لا تَخشى؟! لقلّة معرفتك به! وعظمته وجلاله..
في رابع يوم من رمضان، في دمع؟ أو ما في دمع! في خشية أو ما في خشية! كل ليلة كان يبكي ﷺ، أصحابه تعلمّوا منه ذلك.
قال: (وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)) يعني:
معصية يجب يتنزّه عنها، ويبتعِد منها، فهم من أطْهر النّاس عنها، لا إله إلا الله.
(إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ)، اللهم أجِرنا مِن عذابِك، اللهم أجِرنا من عذابِك، في الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين، في الدنيا ويوم تبعث عبادك أجِرنا من عذابك، (وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)) -إلى آخر هذه الصفات التي يأتي تأمُّلها مَعَنا إن شاء الله تعالى- فهؤلاء من جُملة البَشَر لا جزع ولا منِع، ليس عِندهم هلع؛ عِندهم وَرع، عندهم وَلع، عندهم رِفعة، عِندهم كَرامة، عِندهم رَحمة، عِندهم خَيرات خالصة؛ الطَّبع البشري قد تَخَلَّوا عنه، عن شَرِّه كُلِّه، تَخَلَّوا عن جميع شَرّ الطبع.
وهكذا كما يقول لنا -سبحانه وتعالى- في بيان هذه الحقيقة، يقول على هذا الإنسان: (وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ۗ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) [هود:8-11]:
(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)، من هم هؤلاء؟
(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)، غيرهم (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ۚ إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [هود:9-11]، لا عِندَهُم جَزع ولا عندهم يأس ولا عندهم كُفران ولا عندهم تبختُر ولا عِندهم تفاخُر ولا عِندهم تكبُّر ولا يقولون: هذا لي ولا هذا من عندي؛ بل يقولون: "اللهم ما أَصْبَحَ بي من نعمةٍ، أو بأَحَدٍ من خلقِك، فمِنك وحدَك، لا شريكَ لك، فلك الحمدُ، ولك الشكرُ على ذلك".
بل في وَصْفِهِم وقد تمكّن لمن منهم يَحمُدون الله تعالى على كل شدة ورخاء:
وهو الذي يَستَحِقُّ الحمد، والحمَّادون أول من يدخُل الجنّة يوم القيامة، ولواء الحمد يَحمِلُه سيّد الحمَّادين، "ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ"، الله يربِطنا به.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادتِكَ، واجعلنا ممّن تُخلِّيهم عن شرور الطَّبع، وتُحَلِّيهم بنور الشّرع، وترفعهم مراتب القُرب خيرَ رَفْع، يا مجيب الدّعوات ياقاضيَ الحاجات.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي محمد
اللَّهم صل عليه وعلى آله وصحبه،
الفاتحة
04 رَمضان 1440