درس السيرة النبوية - رُسُل رسول الله ﷺ: واثلة بن الأسقع - 4 - قيس بن نمط الهمداني
للاستماع إلى الدرس
Audio Stream
Audio Stream
من دروس السيرة النبوية التي يلقيها العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية والثلاثين بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، رُسُل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مواصلة الحديث عن الصحابي واثلة بن الأسقع - 4 - ثم الصحابي قيس بن نمط الهمداني
عصر يوم الخميس: 6 صفر 1447هـ
ملخص من الدرس:
الصحابي واثلة بن الأسقع - جهاده وأخباره بعد النبي ﷺ:
دوره في فتح دمشق:
- شارك مع خالد بن الوليد في فتح دمشق، وأظهر شجاعة نادرة عندما هاجم جيش الروم وحده.
- قتل ثلاثة من قادة الروم بمفرده، مما أدى لانسحابهم.
صفاته وأخلاقه:
- كان يحب إيصال الصدقة بنفسه للفقراء، ليحصل على ثواب كل خطوة يمشيها.
- نصح جاره الذي أراد بيع ناقة معيبة، وأخبر المشتري بعيوبها، قائلاً: سمعت النبي ﷺ يقول: "لا يحل لأحد بيع شيء إلا بيّن ما فيه".
وفاته رضي الله عنه:
- توفي في الشام (دمشق أو بيت المقدس) سنة 85هـ عن عمر يناهز 98 سنة.
- عند احتضاره أخذ بيد ابنته خُصيلة يعدّ على أصابعها العشرة قائلاً: "يا بُنيّة اصبري"، كما فعل معه النبي ﷺ.
الصحابي قيس بن نمط الهمداني:
- أسلم قديماً وحمل كتاب النبي ﷺ إلى قومه همدان في اليمن.
- سماه النبي ﷺ "الوفي" لوفائه بوعده.
- أسلمت همدان كلها في يوم واحد على يد علي بن أبي طالب، فسجد النبي ﷺ شكراً وقال: "السلام على همدان".
نص الدرس مكتوب:
رُسُل رسول الله ﷺ: واثلة بن الأسقع وقيس بن نَمِط الهمداني
واثلة بن الأسقع وفتح دمشق
ثم إننا قرأنا في أخبار رُسُل رسول الله ﷺ، انتهينا إلى بعض أخبار سيدنا واثلة بن الأسقع رضي الله تبارك وتعالى عنه.
ومِما جاء من خبره أنه لما نزل سيدنا خالد بن الوليد إلى الشام من أجل فتح دمشق، وكان سيدنا واثلة - كما تقدّم معنا - بعد وفاة النبي ﷺ خرج إلى الشام.
فلما جاء سيدنا خالد بن الوليد، يقول واثلة: "ركبتُ فرسي ثم أقبلتُ حتى انتهيت إلى باب الجابية" - وهو أحد أبواب دمشق - "فخرجت خيلٌ عظيمة، فأمهلتها".. تركهم يخرجون من المقاتلين، "حتى إذا كانت بيني وبين دير ابن أبي أوفى، حملتُ عليهم من خلفهم وكبَّرت"، فظنّوا أنهم قد أُحيطَ بمدينتهم، من ورائهم التكبير وظنّوا أن المسلمين قد دخلوا، فانصرفوا راجعين.
شجاعة واثلة في المعركة
"وشددتُ على عظيمهم" - أكبرهم وكان هو الخليفة للأمير - "فدعسته بالرمح فوقع، وضربت بيدي إلى بِرْذونه - الذي كان يركب عليه - فأخذتُ بلجامه" ركب على اللجام ومشى، من شجاعته عليه الرضوان.
قال: فلما رأوني وحدي، قالوا هذا واحد! "أقبلوا عليّ، فالتفتُّ فإذا رجل قد ندر من بين أيديهم - تقدَّم إليّ - فرميته بالعِنان على قربوس السرج، ثم عطفتُ عليه فدعستهُ بالرمح فقتلته، وعُدت إلى البِرْذون" يمشي.. قال: واتّبَعوني! ثم كذلك حتى أتى الثاني وقتله، والثالث! فلما رأوا ما أصنع انطلقوا راجعين"، كل من تقدَّم إليه قُتِل، فتركوه.
قال: "وأقبلتُ حتى أتيتُ الصُّفَّر ثم أتيت خالد بن الوليد، وإذا عنده عظيم الروم" - كان موجوداً، وهو قد قتل نائبه الذي كان على البِرْذون،"فذكرتُ له ما صنعت".
الصُّلح وبيع السرج
عنده عظيم الروم كان قد خرج إليه يلتمس لأهل المدينة - أهل دمشق - لأجل يتصالح أو ينظر ما الأمر هو وسيدنا خالد، فقال له خالد لعظيم الروم: "هل علمتَ أن الله قد قَتل فلاناً؟" - الخليفة لديك، هذا النائب.
قال بالرومية: مافانوس!.. يعني معاذ الله! فأقبل واثلة بالبِرْذون، يعرف بِرْذون خليفته، النائب، فلما نظر إليه عظيم الروم عرفه، قتلوه وهذا حقّه.
قال له: أتبيعني السرج؟ أريد السرج.. قال له: نعم، قال: لك عشرة آلاف، سأعطيك عشرة آلاف بالسرج، قال خالد: يا واثلة، بِعْه، قال واثلة: بِعْه أنت، أنت أمير الجيش، ليس أنا، قال واثلة: وسلَّمَ إليّ سَلَبه كله ولم يأخذ منه شيئاً، لأن من قتل قتيلاً فله سَلَبه، في الحديث، في الجهاد.
قال أبو عُبيد: "كان يقول: أرى في هذا الحديث المراوضة في طلب الأمان ولم يستحكم، وقد صار آخر أمرها إلى الصُّلح"، رأى أن النائب قد قُتِل فتصالح مع سيدنا خالد بن الوليد ودخلوا البلد بلا مزيد قتال بسبب شجاعة سيدنا واثلة بن الأسقع عليه الرضوان.
واثلة يُخرج الصدقة بنفسه
وكان يُحسِن إخراج الصدقة، يحبّ بنفسه أن يوصلها إلى الفقراء وإلى المحتاجين.
حتى يقول عامر الليثي: كنّا عند واثلة بن الأسقع فأتاه سائل، قال: أخذ كِسرة جعل عليها نقداً - فلوساً - حتى وضعها في يده وخرج بها وسلّمها، قال: قلت له: يا أبا الأسقع، أما كان في أهلك من يكفيك هذا؟ قال: بلى، لكنه من قام بشيء إلى مسكين بصدقة حُطَّت عنه بكل خطوة خطيئة، فإذا وضعها في يده حُطّت عنه بكل خطوة عشر خطيئات.. قال أنا قد تعلّمت من النبي ﷺ في خلال الأيام التي قضيتها معه مكارم، ومنها المباشرة للصدقة للمسكين.. الله أكبر!
واثلة ينصح في البيع والشراء
وكان حاملاً الآداب التي أخذها من رسول الله ﷺ والنُّصح للأمّة والمسلمين، كان له جار عنده ناقة وفيها بعض عيوب وأراد أن يبيعها.
يقول هذا أبو سُباع: "اشتريت ناقة من قُرب دار واثلة بن الأسقع. قال: فلما خرجت بها، أحسّ أنني اشتريت ناقة من جاره وخرج.. قال: أدركني واثلة بن الأسقع وهو يجرّ إزاره - يجري وراءه - قال: يا عبد الله! اشتريت؟ قلت: نعم، قال: هل بيَّن لك ما فيها؟ - في الناقة فيها بعض عيوب - قلت: ما فيها؟ قال: إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال: فأردتَ بها سفراً أو أردتَ بها لحماً؟ - تريد تذبحها أو تريد تسافر عليها؟ - قلت: أردت عليها الحج، قال: بخُفّها النَّقَب، - هناك جرح في خُفّها، ستنقطع في الطريق، ستؤذيك، لن تمشي سواء.
قال صاحبها يقول لسيدنا واثلة: "أصلحك الله! ما تريد بهذا إلا أن تُفسد عليّ مالي؟" يقول قد بعنا على الرجل اتركه يأخذها.. قال سيدنا واثلة: "إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: لا يحلُّ لأحد يبيع شيئاً إلا بيَّن ما فيه، ولا يحلُّ لمن يعلم ذلك إلا بيّنه"، وأنا أعلم، لا أتركك تغشّ مسلماً وأنت جاري هنا جنبي، تغشّ أحداً من المسلمين؟ لا! لابدّ أن ننصح المؤمنين ونُنفِّذ تعاليم خاتم النبيين ﷺ.
هل رأيتَ كيف استفاد مِن هذا التهذيب! كل التهذيب في خلال أيام لقي فيها رسول الله ﷺ، وجلس معه من غزوة تبوك - آخر غزوة للنبي ﷺ - إلى وفاته، ولكن اشتحن بنور التزكية والذوق والفهم عن الله ورسوله، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
واثلة في آخر عمره
حتى كان مولاه هذا معروف يقول: "رأيتهُ في الكِبَر يرتعِش، وكان يمسح رأسي يقول: يا معروف، أخشى عليك الكِبَر"، فعلمتُ أن الله أنطقه بها وأنه سيطول عمري، وطال عمره، حتى وصل الكِبَر الذي كان يقوله له سيدنا واثلة.
وفاة واثلة بن الأسقع
حتى جاءت الوفاة لسيدنا واثلة وهو في الشام، قيل في دمشق وقيل في القدس، كان في بيت المقدس، كان في القدس وتُوفي، وعنده ابنته اسمها خُصَيلة، فأخذ بيدها وأخذ يعُدّ على أصابعها: "يا بُنيّ، اصبري"، وفي رواية: "عليكِ بالصبر"، والثانية والثالثة حتى أكمل الخمس، قال: هاتي اليد الثانية، أكملها: "يا بُنيّ، اصبري عليكِ بالصبر. يا بُنيّ، اصبري عليكِ بالصبر. يا بُنيّ.."، أكملها.
فكانوا يسألونها، يقول الأوزاعي، يسأل خُصَيلة هذه بنت واثلة بن الأسقع، يقول: "ما سمعتِ أباكِ يقول لما حضرته الوفاة؟" قالت: دعاني، أخذ بيدي، قال: يا بُنيّ، اصبري عليكِ بالصبر، حتى كمّل أصابعي الخمس. قال: هاتي اليد الثانية، وعدّدها: يا بُنيّ، اصبري. كمّل.. قال: ادنِ منّي، يدك الأخرى، فعل مثل ذلك، قال: جمع يديّ جميعاً وقال: يا خُصَيلة، فعلت بكِ كما فعل بي النبي، وقلت لكِ كما قال لي النبي".
وكأنهُ لما أدرك من قوّة محبّته وتعلّقه به، ودنا أجله ﷺ، مسك يده وقال له كذا كذا قبل وفاته.. فرجع عملها هو مع ابنته لما أحسّ بالوفاة، النبي عدّدها في أصابعه يُسَكِّن عليه ألّا يجزع ولا يتبرّم ولا يجضر! فما كان أشقّ عليهم من فراق نبيّهم ﷺ!
أثر فراق النبي ﷺ على الصحابة
لذا قالوا كان من أقوى أسباب موت سيدنا أبي بكر الصديق سببان: سبب في سُمٌّ ناوله إياه بعضهم في يوم، دسّوه له في طعام قبل سنة، الثاني: جاء الكَمَد على فراق رسول الله ﷺ فأثّر فيه، فمات لذلك شهيداً بالسُّمّ وبالكمد على فراق رسول الله ﷺ.
فكان تعمّر سيدنا واثلة بن الأسقع هذا، فكانت وفاته سنة خمسة وثمانين من الهجرة وهو ابن ثمانية وتسعين سنة، قريب المائة، وقيل وصل المائة وجاوزها، عليه رضوان الله تبارك وتعالى.
قيس بن نَمِط الهمداني
وهكذا من رُسل سيدنا رسول الله ﷺ: قيس بن نَمط بن قيس الهمداني، هذا من نواحي صنعاء، قيس بن نَمِط بن قيس بن مالك بن سعد الهمداني الأرحبي، أسلم قديماً وحمل كتاب رسول الله ﷺ.
يذكر الصالحي في كتاب السيرة "سُبُل الهُدى والرشاد" يقول: "خرج حاجّاً في الجاهلية، فوافق النبي ﷺ وهو يدعو للإسلام فأسلم، والنبي يقول له: هل عند قومك مِن مَنَعة؟ قال: يا رسول الله، نحن أمنع العرب، وقد خلَّفتُ في الحيّ فارساً مُطاعاً يُكنّى أبا زيد، قيس بن عمرو، فاكتب إليه حتى أُوافيك به"، اكتب، عسى الله يهديهم للإسلام، وإذا أجابوا دعوتك سينصرونك ويقومون معك.
كتاب النبي ﷺ إلى قوم قيس
فكتب إليه، أتى قيس بن نَمط هذا بكتاب النبي ﷺ إلى أبي زيد، فأسلم وأسلم بعض قومه آل أرحب، وأراد أن يلحَق بالنبي ﷺ ويُخبره أن القوم تهيّأوا لنُصرته، ولكن أسلم منهم أفراد، فخلال ثلاثة أعوام قد أقبل الأنصار من المدينة وأسلموا وهاجر إليهم ﷺ، فوصل، وجد النبي قد هاجر إلى المدينة.
فمضى قيس بن نَمط إلى المدينة وخلّف أصحابه بمكة، فلما نظر إليه النبي ﷺ قال: "وفّى الرجل!" لأنه حمل كتابي إلى قومه، وفّى الرجل وأخبر بقومه، وكان يُسمّيه "الوفيّ" بعد ذلك، ولكن سبقوا الأوس والخزرج إلى النُّصرة، فكان لهم الشرف، فكتب له كتاباً في قطعة أديم.
وفد همدان إلى النبي ﷺ
ثم إن أيضاً في قصة إسلامهم جاءت رواية أصحّ أخرى: وقد وفد مع قوم همدان إلى النبي في آخر حياته.. الله أكبر! معه مئة وعشرين راكباً، وفد همدان، بعد إسلامهم هذا، ولقوا رسول الله ﷺ مرجعه من تبوك، وعليهم مُقطَّعات الحبرات والعمائم العَدَنية، برحال الْمَيْس على النوق المهرية والأرحبية.
ورجل آخر يرتجزون ويقول أحدهما:
"همدان خيرٌ سوقة وأقيال
ليس لها في العالمين أمثالْ
محلّها الهضب ومنها الأبطالْ
لها إطاباتٌ بها وآكالْ"
خطبة مالك بن نَمط أمام النبي ﷺ
"إليك جاوزْن سواد الريفِ، في هبوات الصيف والخريف، مُخطّمات بحبال الليفِ".
قام مالك بن نَمط بين يدي رسول الله، قال: "يا رسول الله، نصيّة همدان من كل حاضر وباد، أتوك على قُلُص نواج، متّصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذهم في الله لومة لائم، من مِخلاف خارف ويام وشاكر، أهل السَّوْد والقوْد" - يعني الإبل والخيل - "أجابوا دعوة الرسول وفارقوا الآلهات والأنصاب، عهدهم لا يُنقض، ما أقامت لَعْلَع، وما جرى اليَعْفور بصَلَع، يَريش الله في الدنيا ويبري، ولا يبري يَعوق ولا يَريش".
وكتب النبي ﷺ لهم كتاباً.
إسلام همدان على يد سيدنا علي
وجاء أيضاً في السيرة الحلبية وفي نفسه كتاب سُبُل الهُدى والرشاد، ما جاء بإسناد صحيح: أن النبي ﷺ بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى همدان في اليمن يدعوهم إلى الإسلام، وأقام ستة أشهر يدعوهم للإسلام، قبل ما أجابوا، ثم النبي ﷺ أمره يرجع، بعث سيدنا عليّاً وأمر خالداً بالرجوع إلى المدينة، وأن من كان مع خالد: إن شاء بقي مع عليّ، وإن شاء رجع مع خالد إلى المدينة.
فلما دنا من القوم خرجوا إليه، فصفّ عليٌّ كرّم الله وجهه أصحابه صفّاً واحداً، ثم تقدّم بين أيديهم وقرأ عليهم كتاب رسول الله ﷺ، فبمُجرّد ما قرأ عليهم الكتاب، في يوم واحد أسلموا كلّهم! قبيلة كاملة دخلت الإسلام، فأسلموا جميعاً على يد سيدنا علي.
فكتب بذلك للنبي ﷺ، فلما وصل كتاب سيدنا علي إلى النبي وأن القبيلة كلّهم أسلموا دفعة واحدة، قال: خرّ ﷺ ساجداً، سجد شكراً لله، ثم رفع رأسه وقال: "السلام على همدان، السلام على همدان" الله أكبر!
دعوة لنكون رُسُلاً لرسول الله ﷺ
فهؤلاء من رُسل سيدنا رسول الله ﷺ، ولنكُن رُسُل رسول الله إلى أنفسنا وإلى صفاتنا وإلى أحوالنا: نقَوِّمها برسالة سيدنا رسول الله، ولنكُن رُسُل رسول الله إلى أهلينا وإلى أولادنا، ونوصل إليهم تعاليمه وهديه وسُنّته وما أمر به، وننهاهم عمّا نهى عنه.
فلنكن رُسُل رسول الله في مجتمعاتنا ومحيطنا، حتى يقبلنا الله تعالى ويُدخلنا في دائرته، وهو القائل: "بلِّغوا عنّي ولو آية"، "وإنما بُعثتُ معلّماً" يقول صلى الله عليه وسلم.
الدعاء
رزقنا الله حياة القلوب والدين، ومتابعة النبي الأمين، والنُصرة له ظاهراً وباطناً، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
والحمد لله رب العالمين.
تاريخ النشر الهجري
10 رَجب 1447
تاريخ النشر الميلادي
30 ديسمبر 2025
مشاركة
اضافة إلى المفضلة
كتابة فائدة متعلقة بالمادة
الأقسام
(43)
(163)
(613)
(6)
(384)
(32)
(535)
(56)
(71)
(20)
(27)
(6)
(13)
(1)
(339)
(4)
(8)
(26)
(12)
(379)
(15)
(86)
(48)
(2)
(24)
(394)