درس السيرة النبوية - رُسُل رسول الله ﷺ: حريث بن زيد - 4 - واثلة بن الأسقع - 1

للاستماع إلى الدرس

من دروس السيرة النبوية التي يلقيها العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ، ضمن دروس الدورة التعليمية الحادية والثلاثين بدار المصطفى بتريم للدراسات الإسلامية، رُسُل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مواصلة الحديث عن الصحابي حُرَيث بن زيد - 4 - واثلة بن الأسقع - 1 - 

عصر يوم الجمعة: 23 محرم 1447هـ

ملخص من الدرس:

الصحابي حريث بن زيد الخير – من رُسل رسول الله ﷺ:

  • - شهد حروب الردة مع خالد بن الوليد رضي الله عنه، وكان له بلاء حسن.
  • - شهد معركة القادسية، وقُتل في مبارزة في إحدى المعارك.

الصحابي واثلة بن الأسقع – من رُسل رسول الله ﷺ:

  • - أسلم في المدينة قبيل غزوة تبوك، وبايع النبي ﷺ بيعة "الهجرة الباتّة"، وهاجر إلى المدينة واستقر فيها.
  • - شارك في غزوة دومة الجندل، وساهم في حمل الرسائل مع خالد بن الوليد. 
  • - من أهل الصُّفَّة، كانوا لا يجدون ثوبًا كاملاً، ويقتاتون على ما يُهدى لهم.
  • كانت له مواقف مع النبي ﷺ في إفطار رمضان، ومعجزة تكثير الطعام على يد النبي ﷺ، شبع منه أربعون رجلًا وبقي الطعام كما هو.
  • كانت له محبة عظيمة للنبي ﷺ، وإصرار على الجهاد في سبيل الله، رغم فقره وحداثة إسلامه.

 

نص الدرس مكتوب:

 

وفاة الصحابي حريث بن زيد الخير :

وفي تأملنا لأحوال بعض رُسُل رسول الله ﷺ ومن أرسلهم في مهمات تتعلق بهذا الدين وهذه الرسالة وهذا المنهاج وهذا الوحي وهذه الشريعة، وكان من أواخر من ذكرنا: حُرَيث بن زيد الخير عليهم رحمة الله تبارك وتعالى.

وقد عاش بعد النبي ﷺ وشهد قتال الردة مع خالد بن الوليد، وكان له في قتال أهل الردة بلاءٌ حسن. وكان يقول أبياتاً:

ألا أبلغ بني أسد جميعاً وهذا الحيّ من غطفان قيلِ

بأن طُليحة الكذّاب أضحى عدوَّ الله حاد عن السبيلِ

وشهد القادسية كما ذكر عددٌ من أهل السِّيَر، وهكذا حتى تُوفي عليه رحمة الله تعالى ورضوانه، وقيل أن عُبيد الله بن الحر الجعفي قتله في قتاله مبارزةً في حرب كانت بينهم.

واثلة بن الأسقع: قصة إسلامه

مِن رُسل رسول الله ﷺ نذكر بعد حريث بن زيد: سيدنا واثلة بن الأسقع، واثلة بن الأسقع عليه رضوان الله، مع أنه من الذين أسلموا متأخرين في عام تبوك وكان من حوالي المدينة، ولكن كان من رُسُل رسول الله ﷺ.

سيدنا واثلة بن الأسقع بن عبد العُزّى بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث، يُقال له أبو الأسقع وأبو قرصافة. هذا إسلامه: قدم على النبي ﷺ من نواحي المدينة، كان ينزل ناحيةً من نواحي المدينة، فجاء وصلّى الصبح مع النبي ﷺ.

يقول: خرجتُ من أهلي أريد الإسلام، فقدمتُ على رسول الله ﷺ وهو في الصلاة، فصففتُ في آخر الصفوف، صليت بصلاتهم - كما يعملون - وكان رسول الله ﷺ إذا صلّى الصبح وانصرف تصفّح وجوه القوم ينظر إليهم، قال: فلما دنا من واثلة أنكره، قال: من أنت؟ أخبره. قال: ما جاء بك؟ قال: جئت أبايع، قال رسول الله ﷺ: على ما أحببت وما كرهت؟ قال: نعم، قال رسول الله: فيما أطقت، قال: نعم. فأسلم وبايعه.

واثلة في صفوف المصلين وحوار النبي ﷺ معه

جاء في الأخبار التي ذكرها أبو عاصم في الآحاد والمثاني في قصته هذه: لما قدم وأدرك صلاة الصبح مع النبي ﷺ، يقول: "فجعل رسول الله ﷺ لا يرى جالساً إلا دنا إليه فيسأله: هل لك من حاجة؟ قال: بدأ بالصف الأول ثم الثاني حتى دنا إليّ. قال: ألك من حاجة؟ قلت: نعم يا رسول الله ﷺ. قلت: الإسلام. قال: هو خيرٌ لك. قال: أفتهاجر؟ قلت: نعم. قال: هجرة البادية أم هجرة الباتّة؟ قلت: أيهما أفضل؟ قال: هجرة الباتّة".

وهجرة الباتّة أن تثبُت مع رسول الله ﷺ، وتخرج من قريتك وبلادك وتتركها وتجلس مع النبي ﷺ، تثبت مع رسول الله ﷺ، وهجرة البادية أن ترجع إلى أهلك وعليك بالسمع والطاعة في عُسرك ويُسرك ومَكرهك ومَنشطك وأَثَرة عليك.

قال: "فبسطت يدي، بايعه بيعة الباتة. قال: فبايعته فاستثنى لي حين لم أستثنِ لنفسي، قال لي: فيما استطعت.. لما عاهدته على السمع والطاعة، قال: فيما استطعت، ولكنني أقول: فيما استطعت". رحمةً منه ﷺ.

قال: "وكان النبي ﷺ يتجهّز يومئذٍ إلى تبوك". يعني متوجّه إلى آخر غزوة غزاها عليه الصلاة والسلام، غزوة تبوك.

جاء عند الحاكم في المستدرك عن سيدنا واثلة بن الأسقع هذا قال: "لما أسلمتُ، أتيت النبي ﷺ قال: اذهب فاغتسل بماء وسِدر، وألقِ عنك شَعر الكُفر"، قال: "ومسح رسول الله ﷺ على رأسي".

موقف والد واثلة وعمّه وإسلام أخته

يقول ابن سعد: فخرج واثلة إلى أهله في نواحي المدينة، فلقيه أباه الأسقع، فلما رأى حاله عرف أن الرجال ليس على ذاك الحال، قال: "قد فعلتها؟" قال واثلة: "نعم". قال: "والله لا أكلّمك أبداً".

فأتى عمّه، وهم الذين ظهروا إلى الشمس، يقول له واثلة: "فسلّمتُ عليه بتسليم الإسلام". قال: قد فعلتها؟ - لم يقل أنعم صباحاً، قال سلامٌ عليكم.. قال: "نعم". قال: "صَبَوت؟" قال واثلة: "بل أسلمت". فلامه لائمة يسيرة أيسر من لائمة أبيه، قال: "لم يكن ينبغي لك أن تسبقنا بأمر". فحدّثه بالإسلام كذا وكذا وكذا.

وأخته - أخت واثلة - كانت في الخيمة تسمع من البيت. قال: فخرجت، قالت: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". تعجب وهي تسّلم! قال: "أنى لكِ هذا يا أخية؟" - ما هذا الخبر؟ قالت: "سمعت كلامك وكلام عمّك"، أنت تقول كذا وكذا، ففهمت الإسلام وأعجبني.

قال واثلة: "لقد أراد الله بكِ خيراً يا أخيّة، جهّزي أخاكِ جهاز غازٍ، فإن رسول الله ﷺ على جناح سفر". سأذهب ألحقه أمشي معه، قال فأعطته مُدّاً من دقيق، عجنت دقيق في الدلو، أعطته تمراً، أخذه، هذا الزاد الذي معهم، ورحل، جاء للمدينة ووجد النبي ﷺ قد توجّه، وبقي غبرات من الناس وهم على شُخوص مسافرين.

واثلة يبحث عمن يحمله للجهاد 

فجعل واثلة ينادي بسوق بني قينقاع: "من يحملني وله سهمي؟ من يحملني؟" - أريد أحد يحملني ويوصلني، والذي أحصل عليه أعطيه، يوصلني مع رسول الله وأجاهد مع النبي وأقاتل مع النبي.. الله! مع أنه حديث عهد بالإسلام، لكن هذه المحبة والشوق اعتلج بقلبه.

وقال: "وكنت رجلاً لا رِجلة بي" - ما عندي قدرة ولا طاقة ولا شيء يحملني - قال: "فدعاني كعب بن عُجرة رضي الله عنه، قال: أنا أحملك عُقبةً بالليل وعُقبةً بالنهار" - يعني نتعاقب أن وإياك على الجمل - "ويدك اسوة يدي وسهمك لي"، قال واثلة: نعم، بسم الله، خرجوا.

قال واثلة، كان يذكر القصة يقول: "جزاه الله خيراً، قد كان يحملني عُقبتي ويزيدني، وآكل معه ويرفع لي". يترك لي زائد، كان خير صاحب، رضي الله عنه، هذا سيدنا كعب بن عُجرة. قال: "كان خير صاحب، زادني حملاناً على ما شارطته"، زاد يعطيني من حقّه النوبة، "وخصّني بطعام سوى ما أطعم معه". آكل أنا وإياه ويترك زائد يعطيني وقت ثانٍ، أنا آكل أكثر منه، ولكنها تربية محمد ﷺ.

واثلة في غزوة دومة الجندل

قال واثلة: "حتى إذا بعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد - كما تقدّم معنا - إلى أُكيدر بن عبد الملك الكندي بدومة الجندل، خرج كعب بن عُجرة في جيش خالد وخرجت معه". قال: "فأصبنا فيئاً كثيراً" - هذه تقدّم ذكرها، وفيها قتلوا أخاه وجاءوا بأُكيدر لعند النبي وصالحه النبي-

قال: "أصبنا فيئاً كثيراً فقسمه خالد بيننا، أصابني ست قلائص" - ست من الإبل، جمال، شيء كبير - "وأقبلت أسوقها حتى جئت بها خيمة كعب بن عُجرة، فقلت: اخرج رحمك الله فانظر إلى قلائصك فاقبضها" ، خذ حقك لأن أنا سهمي لك وهذه حقك، ما هذه الطمأنينة وهو قد أسلم قريباً، وقد صار زاهد في الدنيا ولا عاد مبالٍ، المهم يجاهد مع النبي، وأي شيء خذه، ما أريد شيئاً.

نُبل كعب بن عُجرة وإيثاره

وكعب بن عُجرة رجل من صالحي الصحابة. قال له، قال: "خرج فقعد على حقيبة من حقائب إبله، ثم قال: سُقهن مدبرات، قال: سُقهن مقبلات، قال: ما أرى قلائصك إلا كراما". قلت له: "إنما هي غنيمتك التي شرطت لك" ، هذه حقّك، قال: "فنظر إليّ وتبسّم، ثم قال: بارك الله لك فيها، ما حملتك وأنا أريد وأنا آخذ منك شيئاً"، أنا أبحث للأجر، أريد أجد مثل ثوابك، إنما حملتك لله، خذ قلائصك يا ابن أخي، فغير سهمك أردنا" ، قصدنا شيئاً آخر غير السهم، بغينا ثواباً، بغينا مكانةً، بغينا رضا من الرحمن رب العرش، بغينا قُربةً من محمد ﷺ وصِلة، هذا الذي أردته، أنا اختبرت صدقك، حصلتك ما شاء الله، قلت لك سهمك لي، وقلت نعم، ولا أريد شيئاً منك، سهمك لك وقلائصك لك، ولا أنا أردنا سهمك، نحن نريد شيء ثاني، تربية العدناني ﷺ!

واثلة من رُسل النبي ﷺ

يقول: ذكر ابن سعد والصالحي الشامي عند ذكر واثلة أنه بعثه ﷺ مع خالد بن الوليد إلى أكيدر، فعدّوه في الرُسل، في صحبة سيدنا خالد، فعدّوه من جملة رُسل رسول الله ﷺ في عدد من كتب السيرة هكذا.

واثلة من أصحاب الصُّفَّة

ورجع إلى المدينة، بقي مَحَلُّه في المدينة وما ذهب إلى بلاده، قعد مع أهل الصُّفَّة، ما عنده شيء ولا معه كسب ولا له أهل في المدينة، قعد مع أهل الصُّفَّة.

عليه رضوان الله تبارك وتعالى، قال: "كُنتُ من أصحاب الصُّفَّة، وما منا إنسان يجد ثوباً كاملاً" ، كلنا أصحاب الصُّفَّة قاعدين، ولا واحد له ثوب كامل، إما إزار وإلا رداء قصير، وما شيء ثوب كامل للواحد منّا، وقاعدين لنُصرة الله ولرسوله. وعليهم رضوان الله. يقول: "قد جعل الغبار والعرق في جلودنا طُرُقاً". لا إله إلا الله!

قال: "كان يأتينا ﷺ أحياناً إلى الصُّفَّة ويمرّ علينا. ويقول: مرّ يوماً في صُفَّة المهاجرين، فسأله إنسان: أي آية في القرآن أعظم؟ قال له ﷺ: (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)". وهكذا قضى أيامه في الصُّفَّة.

 الإفطار في رمضان لأهل الصُّفَّة

يقول ابن عساكر والبيهقي في دلائل النبوة، قال: "كنت من أصحاب الصُّفَّة، حضر رمضان، ونحن في أهل الصفّة، كنّا إذا أفطرنا أتى كل رجل منا رجلاً من أهل الصُّفَّة فأخذه فانطلق به". حتى يجيء واحد من الصحابة المقيمين في المدينة من الأنصار والمهاجرين، يأخذ واحد من أهل الصُّفَّة يعشّيه عنده،  وإلى عشاء اليوم الثاني، في محله! 

قال: "وكان رجل من الأنصار لا يزال يأتيني"، يأخذني في كل ليلة، قال: "يأخذ بيدي ويد صاحبي إلى منزله، وأنه احتبس عنّا ليلة من الليالي لم يأتِنا، واصلنا. ثم أتت علينا ليلة لم يأتِنا أحد، أصبحنا صياماً" وما عندهم شيء طعام أكلوه في الليل، كيف هؤلاء أهل نُصرة الحق ورسوله!

معجزة إطعام أهل الصُّفَّة

قال: "ثم أتت علينا القائلة فلم يأتِ لنا أحد. فقلت لصاحبي: إن أصبحنا غداً صياماً هلكنا، الآن بلغ بنا الجوع مبلغه، تعال أنا وإياك، نذهب إلى عند النبي ﷺ،  يمكن أن نجد عنده طعاماً، تعال إلى بيت النبي،" انطلق بنا إلى رسول الله عسى أن نُصيب عنده طعاماً".

"فأتينا رسول الله، دخلنا عليه وذكرنا له حاجتنا. قال: فبعث رسول الله إلى نسائه، امرأة امرأة، كل ذلك تقول: والله ما أمسى عندنا طعام يا رسول الله، إلى آخر حُجرة من حُجَره بعث، رجعوا بالخبر نفسه: ما أمسى عندنا شيء.."، هكذا عاش نبينا! 

"لما رجع الخبر من آخر حُجرة قالوا: ما أمسى عندنا طعام يا رسول الله، قال: فرفع يديه وقال: اللهم إنّا نسألك من فضلك ورحمتك، إنّا إليك راغبون، اللهم إنّا نسألك من فضلك ورحمتك، فإنهما بيدك لا يملكهما أحد غيرك".

يقول واثلة: "ما أرجع ﷺ يديه إلا ورجل من الأنصار يدقّ الباب.. إذ عنده قَصعة كبيرة فيها ثريد ولحم، وشاة مَصليّة ورُغُف، فقال رسول الله ﷺ: "هذا فضل الله قد أتاكم، وأنا أرجو أن الله قد أوجب لكم رحمته، إنّا سألنا الله من فضله ورحمته، فهذا فضله، وقد ادّخر  لنا عندنا رحمته"، قال أنا سألت لكم فضله ورحمته، هذا فضله جاءكم، والرحمة مذخورة لكم.

عيشة كريمة! عيشة كريمة حصّلوها! بصدقهم مع الله، كم نتائج مثل هذا الدعاء ومثل تلك الليلة وهم يتنعّمون به من ليلة أن آووا إلى قبورهم إلى الساعة هذه التي نتكلّم عنهم فيها إلى يوم القيامة، ويبقى خيرها مُخبّأ بعد ذلك، فأحسن عيشة عيشتهم، عليهم رضوان الله. لا إله إلا الله!

 تكثير الطعام بيد النبي لأهل الصُّفَّة

يقول أيضاً سيدنا واثلة هذا يحكي قصصه مع الحبيب ﷺ، يقول: "كنتُ من أصحاب الصُّفَّة، فشكا أصحابي الجوع. قالوا: كنت أحدث القوم سِنّاً. قالوا: يا واثلة، اذهب إلى رسول الله ﷺ فاستطعم لنا". انظر لنا طعام.

قال: "فأتيت رسول الله ﷺ، فقلت: يا رسول الله، إن أصحابي يشكون الجوع. فقال رسول الله ﷺ: يا عائشة، هل عندك من شيء؟ قالت: يا رسول الله، ما عندي إلا فتات خبز وشيء من لبن". قليل فتات، كسر صغيرة من خبز، فتات، وشيء من لبن. قال: هاتيه. قالت: فجاءت بجراب، فدعا رسول الله ﷺ بصَحفة، قال: "ففتّ الكسرة - الفتات حق الخبز - فتّاً رقيقاً، ثم صبَّ عليها اللبن"، قال: "ثم حمله بيديه حتى جعله كالثريد، ثم جعل يصلح الثريد بيديه وهو يَربو حتى امتلأت الصَّحفة"كان قليل، كان في جذر الصَّحفة وكبر وامتلأت الصَّحفة.

قال: "يا واثلة!" قلت: "لبّيك يا رسول الله". قال: "اذهب فجئ بعشرة من أصحابك أنت عاشرهم". يعني تسعة وأنت العاشر. قال: "فذهبت فجئت بعشرة من أصحابي أنا عاشرهم. فقال: اجلسوا، كلوا باسم الله، خذوا من حواليها ولا تأخذوا من أعلاها، فإن البركة تنحدر من أعلاها"، وهذه سنة فط الأكل من القصعة والطعام أن يأكلوا من الأطراف، وتنزل البركة.

قال: "فأكلوا حتى شبعوا، ثم قاموا وفي الصَّحفة مثل ما كان فيها".. يعني أنا شبعت وتسعة الذين معي وقُمنا، نظرت إلى الصَّحفة وهي مثل أن جلسنا عليها، هذه هي مثل ما كان فيها! قال: ثم جعل يصلحها بيده، أثر  الطعام حقنا رتّبه، قال: وهي تَربو حتى امتلأت.

قال: "يا واثلة، اذهب فجئ بعشرة من أصحابك". هات عشرة آخرين. قال: "اجلسوا". فجلسوا وأكلوا حتى شبعوا ثم قاموا.

قال: "واثلة، اذهب فجئ بعشرة من أصحابك". ذهبت وجئت بعشرة، ففعلوا مثل ذلك.

قال: "هل بقي أحد؟" قلت: "نعم، عشرة". بقي عشرة. تلك الليلة كانوا حدود الأربعين. قال: "بقي عشرة". قال: "اذهب فجئ بهم". فذهبت وجئت بهم. قال: "اجلسوا". فجلسوا فأكلوا حتى شبعوا ثم قاموا، وبقي في الصَّحفة مثل ما كان.

ثم قال: "يا واثلة، اذهب بهذا لعائشة". رُدّها لها، حصّلته أكثر مما أعطَته، مُسقّى بيده الشريفة ﷺ، فخير عيش عيشهم! من طعم مثل الطعام هذا! أيّ يد سقّته لهم؟ أيّ يد أصلحته لهم؟ اليد التي طلعت فوق سدرة المنتهى وتأخّر جبريل، وعَلَت على عرش الرحمن جل جلاله. هذه اليد هي بنفسها سَقّت لهم هذا، فأيّ طعام طعموه؟ عليهم رضوان الله تبارك وتعالى. وما أثره في أجسادهم وفي أرواحهم!

 الأكل مع مغفور له

وإذا كان الشيخ فضل بن عبد الله يروي أثراً يقول: "من أكل مع مغفور غُفر له"، إذا أكل مع مغفور يُغفر له بالأكل، وهذا من؟وماذا بيده! فلهذا خصوصية الصحابة، سرّ الصُّحبة للحبيب ﷺ، فازوا بها واختارهم الله.

ما أحد يقدر يجعل وقت وجوده في الدنيا الوقت الفلاني والوقت الفلاني، رتّبها لهم سبحانه وتعالى، جاء بهم في وقت نبيه عليه الصلاة والسلام في الوقت، واخترتهم في سابق الاقتدار أنهم من أصحاب نبيّك، فهم السادة الأخيار.

الله يربطنا بهذا الحبيب، يُطعمنا من طعامه، ويسقينا من شرابه، ويربطنا بجنابه، ويُثبّتنا على دربه وصوابه، ويُثبتنا في أحبابه، ويحشرنا في زُمرته، ويُدخلنا في دائرته، وهو راض عنّا، ويُصلح به أحوالنا وأحوال أمّته في المشارق والمغارب، ويدفع جميع المصائب والنوائب.

بسرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، الفاتحة.

 

تاريخ النشر الهجري

03 صفَر 1447

تاريخ النشر الميلادي

28 يوليو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام