(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة شرح باب بيان الأحداث الناقضة للوضوء
صباح الإثنين: 10 ربيع أول 1445هـ
"ولما طُعِنَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يصلي وجرحه يتفجر دمًا.
وقال عطاء وطاوس وأهل الحجاز: ليس في الدم وضوء، وكان ابن عمر يعصر البثرة فيخرج منه الدم فيصلي ولا يتوضأ، وقال جابر -رضي الله عنه-: "خرجنا مع رسول الله ﷺ في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فحلف أن لا أنتهي حتى أريق دمًا من أصحاب محمد، فخرج يتبع أثر النبي ﷺ فنزل النبي ﷺ منزلًا، فقال: من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال: كونا بفم الشِعب، فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي فأتى الرجل، فلما رأى شخصه عرف أنه رميةً للقوم فرماه بسهم فوضعه فيه ونزعه، حتى رماه بثلاثة أسهم ثم ركع وسجد ثم أنبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، فلما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله هلّا أنبهتني أول ما رمى؟ قال: "كنت في سورة أقرؤوها فلم أحب أقطعها" .
وكان الحسن يقول: من أخذ من شعره وأظفاره أو خلع خفيه لا وضوء عليه، وكان أنس -رضي الله عنه يقول: أمر رسول الله ﷺ بالوضوء من القهقهة حين ضحك القوم من وقوع شخص في حفرة وهم في الصلاة وقال: "من ضحك فليعد الوضوء والصلاة".
وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: من مسَّ إبطه أو نقى أنفه أو مسَّ أنثييه فليتوضأ، وكان علي -رضي الله عنه- إذا مس صليبًا على نصراني يذهب يتوضأ من مسّه ويقول إنه رجس، وكثيرًا ما كان -رضي الله عنه- يتوضأ من مسّ الأبرص واليهودي، وكان عمر -رضي الله عنه- يتوضأ من الرعاف والحجامة والفصد، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: من احتجم ليس عليه إلا غسل محاجمه.
وكان جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- يقول: من ضحك في الصلاة فليُعد الصلاة لا الوضوء.
قال: وإنما أمر أصحابه ﷺ بالوضوء لكونهم ضحكوا خلفه، وليس ذلك الحكم لغيره من الخلفاء، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: من فسّر القرآن برأيه وهو على وضوء فليتوضأ، وكان يقول أيضًا: من تجشأ فملأ فمه فليعد الوضوء، وكان ابن أبي أوفى يبصق الدم فيمضي في صلاته، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بدينه وأحكامه وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفيَّته من خلقه سيدنا محمدٍ صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل ولائه ومحبته والإقتداء به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،
فيواصل سيدنا الإمام الشعراني -عليه رحمة الله- وذكر الأحاديث المتعلقة بنواقض الوضوء، وذكر لنا أنه من الصحابة من يصلون وجروحهم تثقب دمًا، وذكر في آخر حياة سيدنا عمر بن الخطاب أنه "لما طعن كان يصلي وجرحه يتفجر دمًا" عليه رضوان الله.
"وذكر عن عطاوة أوس وأهل الحجاز -قولهم-: ليس في الدم وضوء" وأن ابن عمر كان يعصر البثرة فيخرج منه الدم فيصلي ولا يتوضأ،
وذكر بعد ذلك حديث رمي بعض الكفار لبعض سادتنا الصحابة وهو يصلي وسال منه الدم واستمر في صلاته، وذلك ما كان من سيدنا عباد بن بشر وأسيد بن حضير، عباد بن بشر ومعه واحد من المهاجرين لما رجعوا في الطريق من بعض الغزوات وكان من جملة السبايا امرأة رجل من المشركين، وحلف أنه لا يرجع حتى يصيب المسلمين ويقتل فيهم، ومشى فنزل النبي ﷺ في بقعة "وقال: من يكلؤنا الليلة؟" وقال سيدنا عباد بن بشر والمهاجر معه: نحن يا رسول الله، فقال: قوما فكونا على رأس هذا الجبل، كان عندهم جبل صغير قال قوموا عليه وترقبوا من يجيء إلينا، فلما طلعا الجبل قال أحدهما للآخر تكفيني أول ليل أو آخر الليل؛ واحد منا في أول ليل يبقى مستيقظ منتبه والثاني يقومه في آخر الليل، فقال سيدنا عباد: أنا أكفيك أول الليل؛ وأنت نم ثم أوقظُك في النصف الثاني وتحرس، فجاء وصل المشرك ورآه قائم عرف أنه حارس للقوم؛ أنه مراقب يرقب الخبر، فأخرج السهم ورماه فأصابه في غير مقتل ونزعه واستمر في صلاته وهو يُشاهد أنه يصلي والدم يسيل منه، فرماه الثانية ونزعه ورماه، وثالث سهم فنزعه ورمى السهم واستمر في صلاته، فوصل أثر الدم إلى عند النائم فاستيقظ وإذا بالدم يذهب، ولما قام عرف ذاك الكافر "أنهم نذروا به هرب.."، وقام ذا يشوف الأسهم ثلاثة والدم يسيل وذا يصلي وكمل الصلاة، قال: لماذا على أول سهم يرميك لم توقظني؟ قال: كنت أقرأ سورة الكهف فكرهت أن أقطعها -رضي الله تعالى عنهم-، هكذا لياليهم وهكذا حراستهم وهكذا جهادهم صلى الله على مربيهم ومعلمهم، وصلى الله على جميع آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
فهذه الأحاديث تتعلق بما كان من سلس بول أو كان من دم، وجاء في رواية الدارقطني وابن أبي شيبة يقول: "كان زيد بن ثابت كان سلس من البول وكان يداوي فلما غلبه منه.." -وكما تقدم معنا- فلما غلبه وأرسله كان يصلي وهو يخرج منه، وجاء عن قتادة في رواية الدارقطني أيضًا وعبد الرزاق يقول: إذا رعف الإنسان، يقول سيدنا قتادة: فلم يبلع فإنه يسدُّ منخره ويصلي، من خاف أن يدخل جوفه فليصلي وإن سال فإن عمر قد صلى وجرحه يثْعَبُ -أي:يتفجر- دما.
فخروج الدم برعاف وغيره هل ينقض الوضوء؟
وما جاء أيضًا في هذا الحديث الذي ذكره عن قوله ﷺ: "من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجلان المهاجري وأنصاري.." وذكر استمرار الأنصاري في صلاته والدم يسيل منه.
وحديث ابن ماجه بسند ضعيف "من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضى ثم ليبني على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم" إلى غير ذلك من الوجوه التي استدلوا بها.
كذلك حكم السلس:
والسلس في اللغة معناه: السهولة والليونة والانقياد والاسترسال وعدم الاستمساك
والمراد عند الفقهاء: استرسال الخارج بدون اختيار؛ سواء استرسال بول أو مذي أو مني أو ودي أو غائط أو أي شيء يخرج من السبيلين يسترسل عليه بدون اختياره هذا يقال له سلس، وقد يطلق السلس على الخارج، فهو حدث دائم صاحبه معذور.
فيستمر حكم الوضوء عند الحنفية ما دام وقت الصلاة التي توضأ لها باقي، ولو يصلي فريضة ثانية وثالثة ما دام وقت الفريضة التي توضأ لها باقي،، فخرج وقت الفريضة لا بد من تجديد الوضوء.
فإذًا يبقى عند الحنفية وقت الوضوء ما دام الوقت باقيًا لأجل عذره وبشرط أن لا يطرأ عليه حدث آخر غير السيلان هذا الذي يقوم السيلان منه؛ أما إذا انضاف للسيلان شيء آخر من غير السلس فعليه أن يتوضأ.
فإذا لازم السلس عندهم أكثر الوقت يسن الوضوء عندهم، يسن أن يتوضأ لأجل الصلاة إذا يندب إذا لازم السلس أكثر الزمن وأكثر من نصفه. ولهم كلام عن اعتبار هذه الملازمة وأما إذا استمر فلا ينقض السلس عندهم.
ثم يقول الشافعية على من كان سلِسًا:ً
أمّا إذا كان يزول يقول الشافعية:
فإذا كان مستمر فهذا حكمه، فلا يكون أيضًا الوضوء إلا بعد دخول الوقت عند الشافعية وكذلك عند الحنابلة؛ ولا يجزي أن يتوضأ قبل دخول الوقت.
وفي ما يخرج من غير السبيلين؛ أما إذا لم يكن نجسًًا؛ كمثل: الريق والبلغم وما إلى ذلك لا يعتبر حدثًا باتفاق الفقهاء كلهم. ولكن إذا كان نجس مثل الدم:
وأمَّا الدم نفسه أكثر الفقهاء يقولون: بالعفو عن يسيره…
ما هو اليسير من الدم؟ لهم فيها اجتهاد وكلام عن اليسير، وهل يُغتفر مُطلقًا؟ أو اغتفاره مقصور على الصلاة فما يقطعها لأجله؛ أو ما قبل الصلاة يؤمر بغسله؟
قال الشافعية: اليسير الذي هو أقل من مقدار درهم البغل معفوٌا عنه قبل الصلاة، وفي أثناء الصلاة، وبعد الصلاة.
وقال الحنابلة: في العفو عن يسير الدم بأن يكون من حيوان طاهر حيًا أدميًا كان وغيره مأكول كالبقر، أو غير مأكول كذلك بشرط أن يكون طاهر لا نجس، والكلب والبغل ما يُعفى؛ وحتى عند الشافعية: ما يُعفى عن قليل الدم من الكلب؛ ولكن الدم من الحيوان الطاهر. والحنابلة يقولون: الكلب والبغل والحمار لا يُعفى عن شيء مما ذُكِر منه.
وقال بالعفو الشافعية:
وعلمت أنه إذا كان من جرح الإنسان نفسه؛ من دون تسبب منه فإنه: يُعفى عن قليله وكثيره؛ بشرط أن يكون متصلًا؛ فإذا انتقل إلى محل آخر فالمُنتَقِل ما يُعفى منه إلا عن القليل.
ثم ذكر لنا عن "الحسن" وإذا أُطلق أُريد به -الحسن البصري-
"يقول: من أخذ من شعره وأظفاره أو خلع خفيه لا وضوء عليه" ولكن إذا كان ماسحًا على الخفين فيجب عليه أن يغسل قدميه إذا خلع الخفين.
"وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: أمر رسول الله ﷺ بالوضوء من القهقهة حين ضحك القوم من وقوع شخص في حفرة وهم في الصلاة وقال: "من ضحك فليعد الوضوء والصلاة""
وما معنى قول الحسن من أخذ من شعره وأظفاره أو خلع خفيه لا وضُوء عليه؟ يعني: توضأ أولًا؛ بعد ما توضأ قص الأظافر، قص الشعر، في كله تجدد في محل ما وصله الماء لمّا توضأ، قد مضى الوضُوء.
وهكذا يقول الأئمة: لا يلزم غسل ما ظهر بعد أن كمّل وضوءه، ولا يعيد الوضوء، وتكمل وضُوء.
أما لو ظهر قبل ما يتوضأ يجب عليه أن يغسله، وأما بعدما يتوضأ الفرض انتقل ورفع الحدث ارتفع. عليه أكثر أهل العلم.
وفي قول عند المالكية: أنه إذا ظهر شيء من بشرة الوجه؛ بعد غسل شعره يجب غسلها؛ قاسوا على ظهور قدم الماسح على الخُف اذا ظهر عليه يغسله، ولكنه قول عندهم والمعتمد كغيرهم من الأئمة أنه: ما يضر ظهور شيء بعد انتهاء الحدث؛ بعد رفع الحدث؛ بعد الحكم برفع الحدث، إذا طرأ الحدث ثاني مرة عليه يجب أن يغسل هذا الذي ظهر، ولذلك إذا خرجت رجلاه أو أحدهما بنزع الخف أو بتخرُّق قدميه؛ يجب عليه غسل قدميه جميعا.
فإذا كان خرج الخفان وهو على وضوء:
ولكن الأئمة الثلاثة قالوا: ما دام ظهر الخُفان والمماس عليهما وظهر القدمان بإخراج أحد الخفين أو كليهما؛ فعليه غسل القدمين فقط.
قال الحنابلة: عليه أن يعيد الوضوء من أوله؛ قالوا: لأن المسح أُقيم مقام الغسل، فإذا زال المسح بطلت الطهارة، في القدمين فتبطل في جميع الأعضاء لماذا؟ لأن: الطهارة لم تتبعض عندهم يقولوا هكذا.
وكذلك شأن القهقهة في الصلاة:
الأئمة الثلاثة المالكية، والشافعية، والحنابلة: لا يعتبرون القهقهة مُبطلة للوضوء؛ فلا ينتقض الوضُوء بالقهقهة في الصلاة، ولا خارج الصلاة. لا فرق في ذلك.
قال الحنفية: القهقهة في الصلاة إذا حدثت من: مُسلم بالغ يقظان في صلاة كاملة ذات ركوع وسجود، فهو حدث ينقض الوضُوء.
وأوردوا حديث: "من ضحك في الصلاة قهقهةً فليعد الوضوء والصلاة"، وفي سنده مقال.
والقهقهة: ما يكون مسموع لمن بجنبه.
قال في قول أيضًا عند الحنفية: أن الوضوء يجب على المُقهقه زجرًا له وعقوبة ليس لبطلان الوضُوء، لكن يُقهقه في الصلاة هذا قليل أدب؛ يجب عليه أن يُعيد الوضوء، والقول المعتمد: أن يبطل الوضوء بالقهقهة في الصلاة.
يقولوا: أمر رسول الله ﷺ: بالوضُوء من القهقهة حين ضحك القوم من وقوع شخص في حفرة وهم في الصلاة وقال: "من ضحك فليعد الوضوء والصلاة". والله أعلم.
رزقنا الله الاستقامة وطهرنا تطهيرا، وجعلنا من التوابين المتطهرين من عباده الصالحين، ووقانا الأسوأ والأدواء وكل بلوى في السر والنجوى، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين من عباده أهل وداده، ختم لنا بأكمل حسنى وهو راضي عنا في لطف وعافية
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
11 ربيع الأول 1445