(536)
(239)
(576)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 228- كتاب الصلاة (118) الجمع بين الصلاتين
صباح الثلاثاء 10 جمادى الأولى 1446 هـ
باب الجمع بين الصلاتين
"قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب، وتارة يصلي معه العصر ثم يسير، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب، وكان ﷺ يؤخر المغرب إذا جدّ به السير.
وجمع ﷺ مرة بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا سفر"، وفي رواية ولا مطر فقيل لابن عمر: ما أراد النبي ﷺ بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته، ولم يبلغ ذلك بعض الصحابة فقال: لا يجوز الجمع إلا لعذر من مطر أو خوف أو مرض كما في المستحاضة، حتى كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: من جمع في الحضر بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من الكبائر، وأما الجمع بالمطر فقد فعله الصحابة كثيرًا، وكان عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن عمر يفعلونه ويقولون: من السنة إذا كان يومًا مطير أن يُجْمع بين المغرب والعشاء وبين الظهر والعصر.
وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصا في ثوبه فيبسطه فقال ﷺ: "ما أحسن هذا"، وكان ﷺ يجمع بأذان وإقامتين من غير تطوع بينهما ولا قبلهما، وكان عمر وابن مسعود -رضي الله عنهما- يصليان في السفر قبل المكتوبة وبعدها.
وتقدّم في باب المواقيت أنه ﷺ كان إذا جمع بين صلاتين وحضر الطعام يتعشى ثم يصلي الثانية، وكان عمر يقول: "صحبت النبي ﷺ فلم أره يتطوع في السفر"، وقد قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ الله) [الأحزاب:21]. ولو كنت متطوّعًا لأتممت صلاتي، وكان البراء -رضي الله عنه- يقول: "صحبت النبي ﷺ الله في السفر ثماني عشرة ليلة فما رأيته ترك ركعتين إذا زاغت الشمس، وكثيرًا ما كان يصلي في السفر ركعتين بعد الظهر"، قال شيخنا -رضي الله عنه-: فثبت من مجموع ذلك أنه ﷺ كان يتنفل تارة ويترك أخرى تخفيفًا على أمته."
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالشريعة، وبيان أحكامها الشريفة الوسيعة، على لسان عبده المصطفى محمد ذي المراتب الرفيعة، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى من اقتدى به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل المنن العظيمة الوسيعة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد؛ فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- ما ورد في الجمع بين الصلاتين في السفر، والمراد:
وهذا الجمع من أجل السفر قال به:
يقول ابن عمر: "كان رسول الله ﷺ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخِّرَ الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب، وتارة يصلي معه العصر ثم يسير -أي: يقدم-، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب، وكان ﷺ يؤخر المغرب إذا جدّ به السير". أي: كان في أثناء المشي فهذا الذي هو قول عند الحنابلة وهو معتمد المالكية أنه: إن كان يُجِدُّ به السير يقدم أو يؤخر، وأمَّا إن لم يُجِدُّ به السير فلا جمع عندهم.
وقال: "وجمع ﷺ مرة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة -المنورة- من غير خوف ولا سفر"، وفي رواية ولا مطر فقيل لابن عمر: ما أراد النبي ﷺ بذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته".
فهنا تأتي بعد ذلك أسباب غير أسباب السفر، وغير أسباب النسك على من يقول إن الجمع بعرفة ومزدلفة لأجل النسك:
في مرض قول جليٌّ وقوي *** اختاره حمدٌ ويحيى النووي
من أصحاب الشافعي حمد ويحيى النووي اختاروا هذا القول بجواز الجمع للمسافر.
ولكن يخصص المالكية في جواز الجمع بالمرض التقديم مثل الشافعية في المطر، يقولون: تقديم فقط لا تأخيرًا.
أما الحنابلة وقول حمد ويحيى النووي من الشافعية: يجوز لأجل المرض التقديم أو التأخير، فيرونه مخير بين التقديم والتأخير ويستوي الأمران؛
يقول الإمام النووي: هذا الوجه -يعني الجمع لأجل المرض- قوي جدًّا وعليه أيضًا القاضي حسين من الشافعية يقول: يجوز الجمع بعذر المرض تقديمًا وتأخيرًا والأولى أن يفعل أرفقهما به.
ومعتمد الشافعية كالحنفية: لا يجوز الجمع من أجل المرض.
قال: "ولم يبلغ ذلك بعض الصحابة فقال: لا يجوز الجمع إلا لعذر من مطر أو خوف أو مرض كما في المستحاضة، حتى كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: من جمع في الحضر بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من الكبائر".
هكذا يقول الشافعية أن تقديم الصلاة على وقتها وتأخيرها عن وقتها بغير عذر من الكبائر، ولكن هذا من الأعذار وحملوا رواية "من غير خوف ولا مطر" على المرض، و"من غير مرض ولا سفر" حملوها على المطر -أنه كان هناك مطر-.
قال: "وأما الجمع بالمطر فقد فعله الصحابة كثيرًا، وكان عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن وابن عمر يفعلونه ويقولون: من السنة إذا كان يومًا مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء وبين الظهر والعصر". أي: جمع تقديم.
"وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصا في ثوبه فيبسطه فقال ﷺ: ما أحسن هذا، وكان ﷺ يجمع بأذان وإقامتين من غير تطوع بينهما ولا قبلهما، وكان عمر وابن مسعود -رضي الله عنهما- يصليان في السفر قبل المكتوبة وبعدها".
فالمطر إذا كان مُبللاً للثياب يبلل أعلى الثوب وأسفله يكون عذرًا، ولكن جمع تقديم فقط لا تأخير، والرخصة هذه خاصة بالمصلى لمن يصلي جماعة في مكان معين، أما واحد في بيته بيقدم من أجل المطر، جالس في بيتك! أقعد محلك انتظر حتى يأتي الوقت وصلِّ كل صلاة في وقتها، ولكن لأجل مشقة هؤلاء للعودة للجماعة، وهذا هو القول عند الحنابلة وفي قول عندهم أن الرخصة عامة إذا نزلت المطر.
ويقول: "وتقدّم في باب المواقيت أنه ﷺ كان إذا جمع بين صلاتين وحضر الطعام يتعشى ثم يصلي الثانية، وكان عمر يقول: "صحبت النبي ﷺ فلم أره يتطوع في السفر"، وقد قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَسْوَةٌ حَسَنَةٌ الله) [الأحزاب:21]. ولو كنت متطوّعًا لأتممت صلاتي -أي: بدل ما أصلي ركعتين-، وكان البراء -رضي الله عنه- يقول: "صحبت النبي ﷺ الله في السفر ثماني عشرة ليلة فما رأيته ترك ركعتين إذا زاغت الشمس -وقت الزوال-، وكثيرًا ما كان يصلي في السفر ركعتين بعد الظهر".
قالوا: والمُثبِت مُقدَّم على النافي فأرجحوا رواية الذي أثبتَ صلاته النافلة ﷺ في السفر، وقد جاء من حرصه على النافلة: "أنه يصلي حتى وهو يمشي على راحلته حيث ما توجهت به" ﷺ.
يقول: "قال شيخنا -رضي الله عنه-: فثبت من مجموع ذلك أنه كان يتنفل تارة ويترك أخرى تخفيفًا على أمته" أي: إذا كان مسافرًا.
رزقنا الله تعظيم الشريعة والعمل بها على الأوجه الطيبة الوسيعة، ونَظَمَنا في سلك المحبوبين والعباد المقربين أرباب التمكين، ووقانا الأسوأ والأدوى في السر والنجوى من حيث أحاط بها علمه جلَّ وعلا، وألحَقَنا بخيار الملأ، وجَعَلَنا من أهل الإنابة إليه وأهلٌ لِحُسن التذلل بين يديه وأهل القبول لديه، وأن يصلح شؤوننا وشؤون المسلمين، ويعجل بتفريج كروب الأمة، ويرد كيد الكفار في نحورهم، ويدفع عنا جميع شرورهم، ويختم لنا بأكمل حسنى وهو راضٍ عنا.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الفاتحة
11 جمادى الأول 1446