(536)
(239)
(576)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 227- كتاب الصلاة (117) تابع لصلاة المسافر
صباح الإثنين 9 جمادى الأولى 1446 هـ
فصل في اقتداء المسافر بالمقيم والمقيم بالمسافر
وكان ﷺ يأمر بالإتمام من اجتاز ببلد فتزوّج فيه أو كان له فيه زوجة ويقول: "من تأهل في بلد فليصل صلاة المقيم"، وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا أجمع الرجل أن يقيم ببلد اثنتي عشرة ليلة فليتم الصلاة، وكان هو إذا أجمع الإقامة بموضع أتم الصلاة ولو لم ينو إقامة أربعة، وكان علي -رضي الله عنه-: يقصر حتى يدخل حيطان الكوفة فقالوا له مرة: هذه حيطان الكوفة أتتم الصلاة؟ قال: لا حتى تدخلوها وتدخلوا على أهاليكم ومواشيكم.
وتقدم في باب صلاة المعذور أن أنسًا كان يصلي في السفينة جالسًا إذا كانت سائرة ويصلي قائمًا إذا كانت محبوسة، وكان السلف -رضي الله عنهم-: لا يرون القصر للعاصي بسفره ويقولون قال الله تعالى في أكل الميتة: (فَمَنِ أضطر غَيْرَ بَاغِ وَلَا عَادٍ﴾ [الأنعام: 145]، والله أعلم.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته، وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله خيرة الرحمن من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد فيواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث والأخبار المتعلقة بصلاة المسافر؛ قال: "وكان ﷺ يأمر بالإتمام من اجتاز ببلد فتزوّج فيه أو كان له فيه زوجة" ويقول: "من تأهَّلَ في بلد فليصل صلاة المقيم"، تأهَّلَ أي: اتخذ أهله، أي صار ذلك المكان له موطنًا، وفي هذا بيان أن مرور المسافر بوطنه يقطع سفره، ويصير عند دخوله إلى الوطن مقيمًا، ولو كان ساعة واحدة دخل الوطن الذي هو فيه انقطع سفره وفي هذه الساعة هو مقيم؛ فإذا خرج من الوطن فإن كان بقي من المسافة مرحلتين فأكثر فله القصر وإلا فلا، فينقطع سفر المسافر بدخوله إلى وطنه، الموضع الذي توطنه، وكان فيه بيته ومسكنه والمكان الذي في الأصل لا يظعن عنه، أي: لا يسافر صيفا ولا شتاء إلا لحاجة، إذا وصل إلى الموطن بمجرد دخوله الموطن، يصير مقيما) فيقطع حكم السفر، وهكذا هو عند المذاهب الأربعة.
ولكن إذا مر المسافر في طريقه على قرية أو بلدة له بها أهل وعشيرة، وليست محل استقراره وسكنه:
وأما إن كان بلدة له فيها زوجة أو له بعض أقارب له فيها ساكنين في تلك البلدة وهو مر بهم:
قال: "وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: إذا أجمع الرجل أن يقيم ببلد اثنتي عشرة ليلة فليتم الصلاة"،
وهذا أيضًا مذهب ابن عمر فإن الإقامة إثنى عشر ليلة،
وسمعنا أيضًا عرفنا مذهب الحنفية أن الإقامة خمسة عشر يومًا،
وعلمنا مذهب الأئمة الثلاثة: أن الإقامة تحصل بأربعة أيام،
فإذا نوى الإقامة أربعة أيام صار مقيمًا عند المالكية والشافعية والحنابلة، وإن كان عند الحنفية لا يعد مقيمًا إلا إن نوى الإقامة خمسة عشر يومًا، و بكلام ابن عمر أنه اثنتي عشرة ليلة.
"وكان هو إذا أجمع الإقامة بموضع أتم الصلاة ولو لم ينو إقامة أربعة"، في حق نفسه؛ يعني: يفتي الناس أنه إذا نوى أن يقيم اثنى عشر فأكثر، وإما هو إذا نوى الإقامة أي أيام كانت ولو أقل من ذلك ينقطع عن الرخص.
وتقدم في باب صلاة المعذور أن أنسًا كان يصلي في السفينة جالسًا إذا كانت سائرة ويصلي قائمًا إذا كانت محبوسة، وكان السلف -رضي الله عنهم-: لا يرون القصر للعاصي بسفره ويقولون قال الله تعالى في أكل الميتة: (فَمَنِ أضطر غَيْرَ بَاغِ وَلَا عَادٍ﴾ [الأنعام: 145]، والله أعلم."
ثم أن الذي أيضًا يصلي في السفر في السفينة لا يجوز له أن يصلي الفريضة قاعدًا؛ لا يجوز، وهو قادر على القيام بخلاف النافلة سواء النافلة في السفر يجوز يصليها جالسا يصلي كذلك بالإيماء، أما الفريضة فما دام يتمكن من القيام وأداء الركوع والسجود على وجهيهما فلا يصح أن يصلي قاعدًا، كما يتبادل بعض العوام بينهم البين يقول: صل محلك على الكرسي في طائرة والا نحو كيف صل على الكرسي؟ أنت تستطيع أن تقوم وتستقبل جهة البيت الحرام، وتتم الركوع والسجود ما يجوز في الفريضة هذا أصلًا، إنما يكون هذا في النافلة.
وهكذا يقول الأئمة الثلاثة: أن المستطيع القيام في السفينة لا يجوز أن يصلي الفريضة جالسًا المالكية والشافعية والحنابلة، وأبو يوسف من الحنفية.
ويقول أبو حنيفة: من كان مسافر في السفينة يصح صلاته قاعد لكن بإتمام الركوع والسجود يتم الركوع والسجود.
وتقدمت الإشارة إلى أن الرخص لا تناط بالمعاصي، وأن من كان له نية بالسفر أن يعصي الله امتنعت عنه جميع الرخص المتعلقة بالسفر، هكذا يقول المالكية والشافعية والحنابلة شرط جواز القصر أن لا يكون السفر لمعصية، فالعاصي بسفره كآبق عن سيده أو قاطع طريق أو ذاهب للسرقة أو نحو ذلك لا يقصر الصلاة
.
فإذا قصر هذا العاصي بسفره:
فإذا تاب أثناء السفر خرج والعياذ بالله لمعاصي؛ ولكن في أثناء الطريق ايش هذا الكلام ما ينبغي لنا نحن عبيد الله نمشي في أرضه ونعصيه، أنا تبت إلى الله الآن قصدي بزور فلان أو ابوصل أرحامي أو بأتاجر أو أي شيء من الأعمال المباحة أو المندوبة، وكان أنشأ السفر لقصد معصية، فالآن لما تاب يجوز له أن يقصر وأن يجمع وأولى.
يقول: إن كان من المحل الذي تاب فيه إلى مقصده مسافة قصر نعم، أما إن تاب مع باقي المكان لقصده إلا دون مسافة قصر فهو في سفر قصير فلا رخصة له، إنما الرخصة تكون لمن تاب وقد بقي من محل توبته إلى مقصده مرحلتين فأكثر مسافة قصر نعم،
وقال الحنفية: هذا العاصي بسفره عليه إثمه وذنبه وأما الرخص فله فعلُ الرخص.
"وكان علي -رضي الله عنه-: يقصر حتى يدخل حيطان الكوفة فقالوا له مرة: هذه حيطان الكوفة -يرون حيطان الكوفة هم قريب منها- أتتم الصلاة؟ قال: لا حتى تدخلوها وتدخلوا على أهاليكم ومواشيكم"، ما دمتم خارج خطة البلد فأنتم في السفر حتى تدخلوا إلى خطة البلد.
قال: "وتقدم في باب صلاة المعذور أن أنس كان يصلي في السفينة جالسًا إذا كانت سائرة ويصلي قائمًا إذا كانت محبوسة". أي: واقفة وهذا محمول على أنه إذا كان أثناء سيرها يخاف السقوط بالقيام سواء، وأما ما دام يستطيع القيام والسير مثبت فيجب عليه القيام، فإذا كانت مضطربة لا يستطيع الاستقامة والثبات على القيام فيصلي جالسًا للعذر، كما هو حتى في بيته إذا عجز عن القيام يصلي جالس، "وكان السلف -رضي عنهم-: لا يرون القصر للعاصي بسفره" عرفت أنه مذهب الأئمة الثلاثة: المالكية والشافعية والحنابلة.
"ويقولون قال الله تعالى في أكل الميتة: (فَمَنِ أضطر غَيْرَ بَاغِ وَلَا عَادٍ﴾ [الأنعام: 145]"، وأما صاحب البغي والعدوان فلا سبيل لأخذه الرخص؛ فالرخص لا تناط بالمعاصي.
جعل الله إقاماتنا طاعة وعبادة و أسفارنا طاعة وعبادة، وجعلنا على الطاعة والعبادة في جميع شؤوننا في الغيب والشهادة، ورزقنا الإخلاص لوجهه والصدق معه، والقبول لديه في لطف وعافية، فرج كروب الأمة أجمعين واكشف الغمة عنهم أجمعين، واجعلنا في الهداة المهتدين، وأعاده علينا وعليكم عوائد الإتصال بالصالحين.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
11 جمادى الأول 1446