كشف الغمة 226- كتاب الصلاة (116) فصل: اقتداء المسافر بالمقيم والمقيم بالمسافر

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 226- كتاب الصلاة (116) فصل: اقتداء المسافر بالمقيم والمقيم بالمسافر

صباح الأحد 8 جمادى الأولى 1446 هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  كان رسول الله يؤم المقيمين وهو مسافر يقصر
  •  أحكام اقتداء المسافر بالمقيم والمقيم بالمسافر
  •  صِفة صلاة النبي في الحج
  •  كم يوم يمتد القصر والجمع للمسافر؟
  •  هل يقطع إقامة المسافر انتقاله لمكان آخر؟
  •  حكم سفر البدو الرُّحَّل
  •  مراعاة مصلحة العامة في الأحكام 
  •  أدب أهل العلم مع المذاهب الأخرى 
  •  القصر مدة لحين قضاء حاجة

نص الدرس مكتوب:

فصل في اقتداء المسافر بالمقيم والمقيم بالمسافر 

"تقدم في باب الإمامة أنه ﷺ كان يؤمُّ بالمقيمين والمسافرين وهو مسافر يقصر ثم يقول: "يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سفر"، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يصلي وراء الإمام أربعًا فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين ويقول: من أدرك ركعتين من صلاة المقيمين فليصل بصلاتهم، صلى عمر -رضي الله عنه- للناس بمكة فلما انصرف قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر. 

وجاء عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يعود عبد الله  بن صفوان فصلى ركعتين ثم انصرف فقام القوم فأتموا؛ ولما سافر رسول الله ﷺ للحج خرج من المدينة فدخل مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى، وكان يقصر مدة إقامته بمكة ثم من خروجه منها إلى أن رجع إلى المدينة.

قال شيخنا -رضي الله عنه-: ولم يبلغنا أنه ﷺ الله زاد على ذلك فنقف على حد ما ورد فمن زاد في الإقامة على أربعة أتم، وكذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم- يقولون: من أجمع الإقامة بموضع لا يتم إلا إن نوى الإقامة أربعًا لحديث: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا"، قالوا: فمن زاد كان بالمقيم أشبه، ولما اتخذ عثمان -رضي الله عنه- الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى بمنى أربعًا، ثم أخذ به الأئمة بعد، وفي رواية: "إنما صلى ﷺ  بمنى أربعًا لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج، وفي رواية: "إنما أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب؛ لأنهم كثروا ذلك العام فصلى بالناس أربعًا ليعلمهم أن الصلاة أربع"، وقيل لابن مسعود -رضي الله عنه-: تعيب على عثمان ثم تصلي أربعًا مثله؟ قال: الخلاف شر لكون عثمان كان لا يقصر وهو أمير الحاج.

ولما خرج ﷺ إلى تبوك غير ناوٍ للإقامة بها قصر عشرين يومًا مدة توقع قضاء حاجته، وكذلك في فتح مكة أقام ثماني عشرة ليلة يقصر؛ لأنه كان يتوقع الفتح كل يوم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: فنحن إذا سافرنا فأقمنا ثماني عشرة ليلة قصرنا وإن زدنا أتممنا، وفي رواية تسع عشرة، وفي أخرى سبع عشرة، وأقام  ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وكان لم يرد الإقامة وإنما حبسه البرد والثلج، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم-: إذا سافروا بتجارة إلى مقصد معلوم ليبيعوها يمكثون يقصرون أربعة أشهر ومنهم من كان يقصر ستة أشهر".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

 الحمد لله مكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان من حوى الحُسْنَ جميعا، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلّى الله وسلم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وأصحابه وتبيعه، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل الدرجات الرفيعة، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعدُ،

يتابع الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر ما ورد في الحديث والأثر من المتعلق بصلاة المسافر، ويذكر في هذا الفصل "اقتداء المسافر بالمقيم والمقيم بالمسافر".

فيقول: "تقدم في باب الإمامة أنه ﷺ كان يؤمُّ بالمقيمين والمسافرين وهو مسافر يقصر ثم يقول: "يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين أخريين فإنا قوم سفر""، أي: مسافرون، "فإنّا قوم سفر" أي: قوم مسافرون، هكذا جاءنا في الأحاديث الصحيحة.

إذًا:-

  • فيمكن أن يصلي المقيم خلف المسافر، فإذا سلّم المسافر في رباعية من ركعتين، يقوم المأموم ويأتي بما بقي عليه من الركعات.
  • وكذلك الكلام في صلاة المسافر خلف المقيم؛ إلا أنّه إذا صلّى خلف مقيم وجب عليه الإتمام، لإتمام إمامه.

 

إذًا يصح اقتداء المسافر بالمقيم:

  • قال الحنفية: 
    • في الوقت، معنى الوقت: يعني إذا كان أداء، أما إذا كان المسافر بيقضي فلا، أو كان الإمام يقضي فلا، ولكن إذا كان يصلون صاحبة الوقت نفسها، فيجوز أن يقتدي المسافر بالمقيم، وحينئذٍ يصير فرضه أربعًا تبعًا للإمام. 
    • أما خارج الوقت فعند الحنفية لا يصح؛ لأن الصلاة خارج الوقت من باب القضاء، وهو خلَف عن الأداء، والأداء لم يتغير، فلا يتغير القضاء بالاقتداء بالمقيم، بل بقيت صلاته عليه ركعتين، والقعدة الأولى عندهم لمن يصلي وهو مسافر، القعدة يعني: بعد الركعتين للتشهد الأول -الجلوس للتشهد- عندهم فرض، وهو بالنسبة للمقيم المُتم إنما هو سنة، فلذلك لم يُجَوزوا اقتداء المسافر بالمقيم خارج الصلاة.
    • وقالوا: أما المقيم فيقتدي بالمسافر سواءً كان المقيم في وقت أدائه أو في قضائه ما يضر، وإن كان المقيم يقضي فإن اقتدى متنفل بمفترض؛ فقالوا: جائز ذلك، ولا يجوز عندهم اقتداء المفترض بالمتنفل.

 

  • كذلك المالكية يقولون
    • يجوز اقتداء المسافر بالمقيم مع الكراهة، وحينئذٍ يلزمه الاتمام كما هو عند الأئمة كلهم، إذا اقتدى المسافر بمقيم لزمه أن يتم، ولا يجوز أن يقصر، هكذا عند الأئمة الأربعة.
    • وإن ذُكِر عن طاؤوس والشعبي: أن المسافر إذا أدرك ركعتين مع الإمام المقيم اجزأت عنه وسلّم.

 

  • ولكن قال الأئمة الأربعة وجماهير أهل الفقه في الدين: إذا صلّى مع المقيم فصلاته أربع، ولا يمكن أن يقصر ويصلي ركعتين.
  • قال الشافعية: ولو في جزء من صلاته بحيث لو أحرم خلف مقيم، فلما أحرم سلّم المقيم من الصلاة وجَبَ عليه أن يتم أربعًا هذا المسافر ولا يجوز له أن يقصر، فمن شروط القصر أن لا يقتدي بمُتِم ولو في جزء من صلاته، ولو لم يدرك إلا التشهد الأخير، ولو لم يدرك إلا أنه كبّر والإمام لم يسلم بعد، فقد ثبت عليه ووجب الإتمام.
  • وهكذا يقول أيضا المالكية: يجوز اقتداء المقيم بالمسافر مع الكراهة، وإذا سلّم المسافر أتمّ المقيم. 
  • أما الشافعية والحنابلة قالوا: اقتداء المسافر بالمقيم جائز ويلزمه الإتمام، كما يجوز اقتداء المقيم بالمسافر، وفرض المقيم الإتمام إذا سلّم يقوم يأتي بعده بالركعتين.

 

قال: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يصلي وراء الإمام أربعًا فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين"، لأنه مسافر والإمام مقيم، "ويقول: من أدرك ركعتين من صلاة المقيمين فليصل بصلاتهم، صلى عمر -رضي الله عنه- للناس بمكة فلما انصرف قال: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر". كما جاء أيضًا عنه ﷺ، وهكذا جاء عن سيدنا عمر بن الخطاب.

 

"وجاء عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يعود عبد الله  بن صفوان فصلى ركعتين ثم انصرف فقام القوم فأتموا"؛ سلّم الإمام من الركعتين لأنه مسافر، والمقيمون أتموا.

"ولما سافر رسول الله ﷺ للحج خرج من المدينة فدخل مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة فأقام بها -أي: بمكة- الرابع والخامس والسادس والسابع"؛ وصلّى ركعتين؛ لكنه الرابع يوم دخوله، فصار ثلاث أيام -الخامس من ذي الحجة والسادس والسابع فقط- والثامن كان يوم خروجه من مكة، خرج من مكة متوجهًا إلى مِنى في طريقه إلى عرفة ﷺ، "وصلّى الصبح في اليوم الثامن" أي: بمكة، "ثم خرج إلى مِنى"، أي: وصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر في منى، ففي فجر يوم التاسع صلى الفجر في مِنى، ثم توجه نحو عرفة ﷺ. قال: "وكان يقصر مدة إقامته بمكة ثم من خروجه منها إلى أن رجع إلى المدينة" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..

 

فمتى يستمر حكم المسافر؟ ومتى ينقطع السفر؟

  • يقول الأئمة الثلاثة: إذا نوى الإقامة أربع أيام فأكثر غير يوم الدخول والخروج فقد انقطع سفره.
  • وقال الحنفية: إن نوى الإقامة خمسة عشر يوما فأكثر انقطع سفره، وما دون ذلك فهو لا يزال مسافرًا. فالمسافر إذا صح سفره يظل على حكم السفر إلى أن ينوي الإقامة، فنية الإقامة أمرٌ لابد منه يقول الحنفية؛ ولو دخل إلى بلد ومكث فيها شهرًا أو أكثر لانتظار قافلة مثلًا أو لحاجة أخرى، يقول: أخرج اليوم أو أخرج غدًا ولم ينوي الإقامة، فإنه لا يصير مقيمًا؛ واستدلوا بما روي عن:
    • سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه قام بقرية من قرى نيسابور شهرين، وكان يقصر الصلاة.
    • وأن ابن عمر أقام بأذربيجان شهرًا كان يقصر الصلاة، فعندهم لابد من نية الإقامة خمسة عشر يومًا فينقطع السفر.
  • وحدّد الشافعية: إذا كان يتوقع السفر في أي يوم بأن لا يزيد على ثمانية عشر يومًا، وهو أكثر ما روي عنه ﷺ أنه كما جاء عن سيدنا عمران بن حصين -رضي الله عنه ونسأل الله له العفو والعافية- سأل أنه غزى مع النبي ﷺ قال: شهدت معه الفتح فأقام بمكة ثمانية عشر يوما لا يصلي إلا ركعتين، فقالوا: إلى ثمانية عشر يومًا إذا كان يتوقع أن يسافر في كل يوم؛ فله أن يمتد القصر والجمع إلى ثمانية عشر يوما. 
  • لكن الحنفية قالوا: أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوم. 
  • يقول المالكية: نية الإقامة أربعة أيام صحاح، يكون فيها عشرين صلاة لأن كل يوم خمس صلوات في أربعة أيام عشرين صلاة، فإذًا لا يحتسب من الأيام يوم الدخول إن دخل بعد طلوع الفجر، ولا يوم الخروج إن خرج في أثناء اليوم، إذًا فلابد من اجتماع الأمرين الأيام الأربعة والعشرين صلاة، يصليها في نفس المكان، وهكذا.

 

متى نية الإقامة؟

  • قالوا: ونية الإقامة إنما تكون في ابتداء السير أو في أثناءه، فإن كانت في ابتداء السير، وكانت المسافة بين النية -نية الإقامة وبين محل الإقامة- مسافة القصر قصرَ الصلاة، حتى يدخل محل الإقامة بالفعل، فإذا طرأ فمن حين نوى أن يقيم يقطع القصر. 
  • قال الشافعية: إذا نوى في أي بقعة من البقاع أن يقيم بها أربعة أيام بلياليها، أي: غير يوم الدخول والخروج فقد انقطع سفره، إذا نوى الإقامة أربعة أيام فأكثر انقطع سفره، بحيث لا يسافر فيها إلى مسافة قصر، نعم أنا بجلس هنا خمسة أيام ستة أيام، لكن بروح القرية الفلانية والمكان الفلاني، المحل اللي نويت الإقامة فيه بينه وبين المحل الثاني مسافة قصر؟ قال: لا، قلنا له: محلك لا تقصر، فإن قال: نعم، في مسافة قصر بيني وبينه، خلاص أنت لست مسافر، فإذا نويت الإقامة بمكان لا ترحل عنه إلى مسافة قصر خلال الأربعة أيام فأنت مقيم ينقطع عنك القصر، لأنه ﷺ رخّص للمهاجرين أن يمكثوا بمكة ثلاثة أيام، فدلّ على أن ما فوق الثلاثة فهو إقامة؛ لأنهم هاجروا من مكة فحرُم عليهم الإقامة بمكة، فرخّص لهم ثلاثة أيام، فمعنى ثلاثة أيام فأقل ليست بإقامة، وما زاد على الثلاثة الأيام فهو إقامة، ولهذا لم يرخص لهم في رابع يوم، فإذا أقام أربعة أيام فقد انقطع السفر، وأما مقامه فكان يتوقع أن يسافر كل يوم لأجل انشغاله بشؤون الجهاد، فلذا امتد منه القصر إلى ثمانية عشر يوم.

 

فإذا كان ينتظر حاجة؟

  • إن كان يعلم أنها لا تنقضي إلا بعد أربع أيام فأكثر انقطع سفره.
  • إن كان يتوقع أنها تنقضي كل يوم فلا يزال في حكم المسافر حتى يصل إلى ثمانية عشر يوما، وهو أكثر عدد في الأيام نُقل عن رسول الله أنه صلى فيه مُقْصرًا للصلوات الرباعية ثمانية عشر يوم، فلم يجاوزُ هذا العدد الوارد.
  • بخلاف الحنفية قالوا: إذا لم ينوِ الإقامة ويتوقع السفر فهو مسافر، وإن جلس شهر أو شهرين.
  • يقول الحنابلة: إذا نوى الإقامة أكثر من عشرين صلاة، يعني: أربع أيام انقطع سفره، أما أقل من أربعة أيام فلا، فقد جاءنا أنه ﷺ قدم مكة صبيحة رابعة، صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، فقد خرج في آخر شهر ذي القعدة ﷺ، واستقبل الهلال في طريقه، وهو في أثناء طريقه ما بين المدينة ومكة استقبلوا هلال ذي الحجة، فرأوا هلال ذي الحجة ليلة الخميس، فأثبت دخول شهر ذي الحجة يوم الخميس، ثم يوم الأحد وصل إلى مكة، في اليوم الرابع من ذي الحجة فلا يحسب هذا اليوم، ثم بقي في مكة الخامس والسادس والسابع ثلاثة أيام دون الأربعة، في اليوم الرابع خرج من مكة إلى مِنى، وأقام بها يومًا ومشى من مِنى إلى عرفة، وهذا نهاية سفره في حجته ﷺ، ثم عاد بعد ذلك من عرفة إلى مِنى ومكة، ولم يجلس بمِنى أربعة أيام بل ثلاثة أيام.

 

أما من يتوقع السفر في أي يوم بكرة أو بعد بكرة أو بكرة وبعد بكرة؟

  • فهذا الذي يستمر قصره إلى ثمانية عشر يوما.
  • قال الحنفية: المدة التي يقيمها المسافر هذه خمسة عشر أيام عندهم ويصير بها مقيم، يشترط أن تقضى في مكان واحد، أو ما يشبه المكان الواحد؛ لأن الإقامة قرار، الانتقال ضد الإقامة.

إذا نوىٰ الإقامة في موضعين؟

  • فإذا نوى -عندهم- عند الحنفية المسافر أن يقيم في بلدة خمسة عشر يوما لكن في موضعين، فإن كان مصر واحد أو قرية واحدة صار مقيمًا، لأنهما متحدان، وإن كان مصرين أو بلدتين، مثل: مكة ومِنى، قالوا: لا، ما يصير بذلك مقيمًا حتى ينوي الخمسة عشر يومًا في مكان واحد؛ في بلدة واحدة.
  • ولم يشترط ذلك الشافعية قالوا: إذا يقيم في هذا المكان لا يخرج عنه إلى مسافة قصر، وإن كان يخرج كل يوم ولكن إلى دون مسافة القصر فهو مقيم، هكذا يقول الشافعية.

أما إذا كان الخروج للسفر فمن غير شك أن هذا سفر جديد.

 

مكان الإقامة لو كان صحراء؟

  • قال الحنفية: ولا بد أن يكون المكان الذي يقيم فيه المسافر صالحًا للإقامة، قالوا موضع اللبث والقرار في العادة أمصار أو قرى، أما في صحراء، قال: نقعد في الصحراء نقضي لنا كم يوم عندهم شهر شهرين، ما يعدّ هذا إقامة عند الحنفية، لأن هذا ما يُعتاد اللبث فيه ولا القرار فيه ولا الاستقرار فيه بخلاف غيرهم.
  • قال كالشافعية: أي محل تقيم فيه حتى وحدك في رأس الجبل، ولا حيث ما كنت إذا أردت الإقامة أربعة أيام انقطع سفرك. 
  • قال الحنفية: لا بد أن يكون المكان الذي يقيم فيه صالح للإقامة، وموضع لبث وقرار مثل مصر وقرية، أما مفازة وإلا جزيرة وإلا سفينة فليست موضع إقامة حتى لو نوى الإقامة في هذا الموضع عشرون يوم لا يعد إقامة عندهم. 
  • إذا توطّن قوم في مفازة، وأقاموا لهم خيام هناك وفساطيط، فهكذا يقول عن أبو يوسف روايتان، لأن موضع الإقامة الآن صار أصبح أشبه بموضع القرار، لكن قالوا المفازة ليست بموضع قرار، وهذا كما يسمونهم البدو الرّحل وغيرهم، يقيمون في محل فينتقلون من محل إلى محل وما يستقرون في مكان واحد، فهو عند غير الحنفية إقامة؛ أما عند الحنفية قالوا هذا ما هو محل استقرارهذا.
  • لا يشترط المالكية ولا الشافعية أن يكون المكان صالحا للإقامة. فلو نوى مسافر يقيم وحده في مكان وحده ما حد عنده وغير صالح للإقامة، صحت نيته وامتنع عليه القصر.
  • وكذلك قولان عند الحنابلة: 
    • ففي قول: لا بد أن يكون المكان محل للاستقرار صالح للإقامة.
    • والقول الثاني كمثل المالكية والشافعية قالوا: ما يشترط  حيث ما نوى الإقامة فقد صحت الإقامة.

 

يقول -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-: "وكذلك كان الصحابة -رضي الله عنهم- يقولون: من أجمع الإقامة بموضع لا يتم إلا إن نوى الإقامة أربعًا لحديث: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا"، قالوا: فمن زاد كان بالمقيم أشبه، ولما اتخذ عثمان -رضي الله عنه- الأموال بالطائف وأراد أن يقيم بها صلى بمنى أربعًا، ثم أخذ به الأئمة بعد، وفي رواية: "إنما صلى ﷺ  بمنى أربعًا لأنه أجمع على الإقامة بعد الحج،" ولكن لم يُقم بعد ذلك بل عاد للمدينة. 

 

وفي رواية: "إنما أتم الصلاة بمنى من أجل الأعراب؛ لأنهم كثروا ذلك العام فصلى بالناس أربعًا ليعلمهم أن الصلاة أربع"، وقيل لابن مسعود -رضي الله عنه-: تعيب على عثمان ثم تصلي أربعًا مثله؟ قال: الخلاف شر لكون عثمان كان لا يقصر وهو أمير الحاج"؛ فما أراد أن يخالفه، يعني: ليس بمذهبي أنا أصلي أربعا في مِنى ولا في عرفة ولا في مزدلفة، ولكن لمّا ترك القصر عثمان وهو أمير الحجاج وأمير المؤمنين في وقته، فأنا تبعته حتى لا أُحدث مخالفة، وفي هذا: أن المجتهدين في فروع الشريعة يقدمون مراعاة المصلحة العامة على ما أدى إليه اجتهادهم، ولا يتعصبون لاجتهادهم، وهذا ابن مسعود اجتهد ورأى أن السنة صلاة ركعتين لا أربع، وأنكر على سيدنا عثمان ليش يصلي أربع في مكة وفي مِنى وفي عرفة ومزدلفة!! قالوا: أنكرت عليه وجئت معه تصلي أربع، قال: لا أحب الخلاف والخلاف شر.

فهكذا تربية رسول الله ﷺ لهم، ويأتي من بعدهم يرى رأيه هو الإمام، وخلاص يقيم الإسلام كله عليه، لا رأي إلا له، إن أحد تبعه وإلا هو وفعله وتركه ولابد الناس كلهم على رأيه، ايش قل الأدب هذا؟ وايش التجري على حكم الله وشريعته، وشريعة رسوله ﷺ، الأمر أوسع من اجتهاد فلان وفلتان، فهكذا -عليهم رضوان الله-.

 

قالوا للحبيب أحمد بن حسن العطاس وهو في طريقه إلى الحج، قوم في بعض القرى في اليمن عندنا حنفية، قدموه إمام صلّى بهم وأسرّ بالبسملة في الفاتحة والسورة، تعجبوا الذين معه، قالوا: يا حبيب كأنه غيرت المذهب؟ قال: لا غيرنا مذهب ولا شي، قال: ليش أسريت؟ قال: أكثر أهل المنطقة حنفية ويصلون خلفنا، وقدمونا أدب واحترام نقوم ما نحترم الاجتهاد للإمام أبو حنيفة ولا مذهبه!! أنا أسريت متعمد من أجل مذهبهم، وهكذا.

 

وهكذا الذين يعرفون مراتب الأحكام في الشريعة، وإنزال كل شيء في منزلته، بل الإمام الشافعي بنفسه قالوا: 

  • أسرّ بالبسملة والقنوت عند قبر أبي حنيفة، لمّا صلّى بجوار قبر أبي حنيفة صلاة الصبح، وسألوه تغيّر اجتهادك؟ قال: لا، لا يزال الدليل عندي قائم على سنيّة الجهر بالبسملة والقنوت، قال: أدب مع هذا الإمام نحن نصلي بجوار قبره، ما هو في حياته إلاعند قبره؛ لأنه توفي في اليوم الذي ولد فيه الشافعي، اليوم الذي ولد فيه الإمام الشافعي توفي الإمام أبو حنيفة -عليه رحمة الله- في عام 150 هجرية، ومع ذلك كان يقول: كل الناس في الفقه عالة على أبي حنيفة.
  • ويقول عن شيخه الإمام مالك: إذا ذكر العلماء فمالك النّجم -عليهم رضوان الله-.

وعلى هذا الحال مضوا، ولا عصبية ولا ترفّع، و إلا تمشي على اجتهادي ولا على غيره ولا شيء من الكلام الفارغ هذا الذي يقوله من لم يعرف الشريعة أصلا، لم يعرف حقها -رضي الله تعالى عنهم-.

 

قال: "ولما خرج ﷺ إلى تبوك غير ناوٍ للإقامة بها قصر عشرين يومًا مدة توقع قضاء حاجته، -كذلك هذا العشرين باعتبار يوم الدخول ويوم الخروج- وكذلك في فتح مكة أقام ثماني عشرة ليلة يقصر ؛ -أي: من غير يوم الدخول والخروج- لأنه كان يتوقع الفتح كل يوم، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: فنحن إذا سافرنا فأقمنا ثماني عشرة ليلة قصرنا وإن زدنا أتممنا، -وهذا مذهب الإمام الشافعي- وفي رواية تسع عشرة، -باعتبار يوم الدخول- وفي أخرى سبع عشرة، وأقام  ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وكان لم يرد الإقامة وإنما حبسه البرد والثلج، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم-: إذا سافروا بتجارة إلى مقصد معلوم ليبيعوها يمكثون يقصرون أربعة أشهر ومنهم من كان يقصر ستة أشهر"، وكان ﷺ يأمر بالإتمام.

 

ارزقنا الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، وادفع البلاء عنا، ويسر حصولنا للمنافع في أعلى مراتب القرب والفهم والفوز والنجاح والسعادة في الدارين، ويفقهنا في الدين، ويعلمنا التأويل وفهم السبيل، ويحفينا فقه الشريعة الغراء، واتباع خير الورى في جميع الأمر سرا وجهرا، وأن يدفع عنا جميع الشرور، ويصلح لنا جميع الأمور، ويرعانا بعين عنايته في جميع الأحوال ويرزقنا القبول والإقبال.

 

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

10 جمادى الأول 1446

تاريخ النشر الميلادي

11 نوفمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام