كشف الغمة -76- مواصلة شرح باب بيان الأحداث الناقضة للوضوء

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة شرح باب بيان الأحداث الناقضة للوضوء 

 صباح الأحد: 09 ربيع أول 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  أحكام نقض الوضوء للخارج من احد السبيلين
  •  من سبقه الحدث في الصلاة ولم يكن متعمدا
  •  حكم خروج المذي
  •  ما معنى المذي والودي؟ 
  •  هل المني نجس أم طاهر؟
  •  كيف يستنجى من المذي؟
  •  إذا استيقظ الإنسان ووجد أثر المني
  •  هل ينقض الوضوء ما يخرج من غير السبيلين مثل القيء؟
  •  حكم السلس وما يغلب على الإنسان

نص الدرس مكتوب:

"وجاء أعرابي مرة إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله الرجل منا يكون في الصلاة فتكون منه الرويحة ويكون في الماء قلة؟ فقال ﷺ: إذا فسا أحدكم أو قلس في الصلاة فليتوضأ وليعد الصلاة"

 وفي رواية: "إنا نكون بالفلاة ومع أحدنا نطفة من ماء يشربه فيخرج منه الرويحة، فقال رسول الله ﷺ: إنَّ الله لا يستحي من الحق مَن فسا فليتوضأ"

وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا يقبلُ الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ"، فقال له مرة رجل من حضرموت:

ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُساء أو ضراط. قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: وكنا إذا شممنا رائحة حدث ونحن جماعة نتوضأ كلنا سترًا لمن أحدث، ودخل عمر -رضي الله عنه- بيتًا فيه جماعة منهم جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- فوجد عمر ريحًا قال: عزَمت على صاحب هذا الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: أو يتوضأ القوم جميعًا؟ فقال عمر: نعم وأعجبه ذلك.

وكان عطاء -رضي الله عنه- يقول فيمن يخرج من دبره الدود أو من ذكره نحو القملة يعيد الوضوء وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "كنت رجلًا مذاء فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري فاستحييت أن أسأل رسول الله ﷺ لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأل لي رسول الله ﷺ، فقال: یا رسول الله الرجل يدنو من أهله فيخرج منه المذي ماذا يفعل؟ فقال رسول الله ﷺ: إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه وأنثييه بالماء وليتوضأ وضوءه للصلاة".

وفي رواية: "كنت ألقى من المذي شدة وعناء، وكنت أكثر منه الاغتسال فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: إنما يجزيه من ذلك الوضوء، فقيل: یا رسول الله كيف بما يصيب الثوب ؟ فقال: يكفيك أن تأخذ كفًا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب من ثوبك" 

وكان سهل بن سعد الساعدي يقول: "سألت رسول الله ﷺ عما يوجب الغسل وعن الماء الذي يكون بعد الماء؟ فقال: ذلك المذي وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتتوضأ وضوءك للصلاة"

وكان -عمر رضي الله- عنه يقول: إني لأجد المذي يتحدر مني مثل الخزيرة فإذا وجد ذلك أحدكم فليغسل ذكره وليتوضأ وضوءه للصلاة، وسيأتي في الغسل قوله ﷺ: "لو اغتسلتم من المذي لكان أشد عليكم من الحيض"

وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ إذا كان صائماً فقاء يتوضأ . قال معدان -رضي الله عنه-: ورأيت ثوبان في مسجد دمشق ذلك، فسألته عن ذلك فقال: صدقت وأنا صببت له وضوءه.

 وكان ﷺ يقول: "الوضوء من كل دم سائل، ولا وضوء من قطرة أو قطرتين قال شيخنا - رضي الله عنه-: وهذا في غير أصحاب الضرورات بقرينة لقوله ﷺ وفي حديث آخر:" إذا توضأ أحدكم فسال دم الباسور من قرنه إلى قدمه فلا وضوء عليه"

وقد كان زيد بن ثابت -رضي الله عنه- لما كبر سنه يسيل منه البول فكان يداويه ما استطاع فلما غلبه كان يصلي بعدما يتوضأ والبول نازل منه، وكانت الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يصلون وجروحهم تثقب دمًا".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن

 

الحمد لله مُكرمنا بدينه وشرعه، وبيانه على لسان عبده وحبيبه، سيدنا محمّد القدوة في الإتيان بالأمر والامتناع عن منعه، صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته وأهل الاقتداء به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المبشرين به، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث والآثار المتعلقة بنقض الوضوء وبالحدث، فذكر في هذا الحديث "أن أعرابي سأل النبي ﷺ "فقال: الرجل منّا يكون في الصلاة فتكون منه الرويحة ويكون في الماء قلة؟.." في منطقة فيها ماء قليل "فقال: إذا فسا أحدكم أو قلس في الصلاة.." -القلس: ما يخرج من بطنه إلى فمه دون القيء يقال له: قلس- "..فليتوضأ وليعد الصلاة"، وجاء الحديث من دون قوله: "ليعد الصلاة" عند الترمذي والنسائي والسنن الكبرى وابن حبان في صحيحه وأبي داوود، وفي رواية "إنّا نكون بالفلاة ومع أحدنا نطفة من ماء.." -إشارة إلى قلة الماء؛ يُعِدُّهُ للشرب- "فيخرج منه الرويحة، فقال رسول الله ﷺ: إن الله لا يستحي من الحق من فسا فليتوضأ".

ومن هنا جاء الحكم في الخارج من أحد السبيلين:

وأن ما خرج من سبيل البول أو سبيل الغائط ينقض الوضوء، أما إن كان معتادا فبالاتفاق، وإن كان غير معتاد فعلى قول الكثير من أهل العلم أيضًا ينقض الوضوء، وعليه أن يعيد الوضوء.

- قال ابن عباس: إنما الوضوء مما خرج، وإنما الصوم مما دخل، يبطل الصوم مما دخل إلى الجوف وينتقض الوضوء بما خرج

قال الحنفية: فينتقض الوضوء بخروج النجس من الآدمي الحي من السبيلين؛ معتادا كان كالبول والغائط والمني والمذي ودم الحيض والنفاس، أو غير معتاد مثل الدم الاستحاضة فاشترط أن يكون نجس، فإذا كان الخارج نجس بطل الوضوء. قالوا: أو من غير السبيلين كالجرح والقرح والأنف والفم سواء كان الخارج دم أو قيح أو قيء، فعندهم كل هذا ينقض الوضوء.

- لكن المالكية قالوا: ما ينتقض الوضوء إلا بالخارج المعتاد من المخرج المعتاد،  لا ينتقض بحصى ولا دود ولا شيء غير البول والغائط والمذي والمني والودي والريح، سواء كان خروجه باختيار أو بغير اختيار كالسلس؛ فكله هذا الذي ينقض الوضوء، أما الخارج غير المعتاد عندهم كالدود والحصى والدم والقيح ونحوها لا يعتبر حدثا ولو خرج من أحد السبيلين عند المالكية.

الشافعية يقولون: كل خارج من أحد السبيلين كان معتاد أو غير معتاد نجس أو غير نجس ينقض الوضوء، والغريب استثنائهم للمني قالوا: إن المني يُوجب الغسل فلا ينقض الوضوء لو كان خرج له المني وهو متوضيء، ويمثلونه بمن كان نائمًا متمكنًا فاحتلم فخرج المني وهو متوضيء فإنه عندهم لا ينقض الوضوء؛ لأنه أوجب أعظم الأمرين وهو الغسل، فلا يَو أصغرهما

يقول الحنابلةينقض الوضوء الخارج من السبيلين نادر كان أو معتاد، طاهر أو نجس، وخروج النجاسات من بقية البدن يقول: أما الغائط والبول فهذا ناقض بالاتفاق، أما الخارج من غير السبيلين من قيء وقيح ودم ونحوه عند الحنابلة كثير ذلك ينقض وقليله لا يبطل الوضوء.

 

 إذًا فهناك اتفاق على أن الخارج المعتاد من السبيلين كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح ودم الحيض والنفاس بالاتفاق يعتبر حدثًا قَلَّ أو كَثُر وذلك على {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} [سورة النساء الآية 43]. 

قال ﷺ:  "إذا وجَدَ أحَدُكُمْ في بَطْنِهِ شيئًا، فأشْكَلَ عليه أخَرَجَ منه شيءٌ أمْ لا، فلا يَخْرُجَنَّ مِنَ المَسْجِدِ حتَّى يَسْمع صَوْتًا، أوْ يَجِدَ رِيحًا" كما جاء في صحيح مسلم. 

وبقي بعد ذلك أيضًا الخلاف في من سبقه الحدث ولم يكن متعمدًا؛ لكن اتفقوا على أن الصلاة لا تنعقد إذا لم يكن عند الإحرام متطهرًا سواء كان عامدًا أو ساهيًا هذا لا خلاف بينهم. 

كذلك أن الصلاة تبطل إذا أحرم وهو متطهر ولكن أحدث عمدًا في الصلاة فتبطل بالاتفاق، اتفاق جميع الفقهاء لا خلاف في ذلك.

 فإن كان الحدث فاجأه وغلبه من دون أن يتعمده:

  •  فالحنفية يقولون وهو القول القديم للشافعي؛ يقول الحنفية وهي رواية عن الإمام أحمد: إذا سبق منه شيء من هذه الأحداث فطهارته تفسد وصلاته ما تبطل، فيذهب يجدد وضوءه ويبني على ما مضى من صلاته بعد تطهره. واستدلوا بقول: "من أصابَهُ قيءٌ أو رعاف أو قلسٌ أو مذيٌ فلينصرِفْ فليتوضَّأْ ثمَّ ليبنِ على صلاتِهِ وهوَ في ذلكَ لا يتكلَّمُ" فهذا عند الحنفية في من سبقه الحدث.
  • يقول المالكية كذلك كما يقول الشافعية وكما هي الرواية الأصح عن الإمام أحمد بن حنبل: تبطل صلاته ويتوضأ ويلزمه أن يستأنفها ويردها من جديد.  وكما دلت عليه الأحاديث والروايات. 

 

فالذين قالوا بالبناء على ما مضى من الصلاة: 

  • اشترطوا أن يكون السبق بغير قصد منه، أما المتعمد فلا
  • وأن لا يأتي بعد الحدث بفعل منافٍ للصلاة لو لم يكن قد أحدث؛ إلا ما لا بد منه، ما الذي لابد منه؟ الذي لا بد منه هو أفعال منه مشيه إلى محل الوضوء؛ وتناوله للماء وغسله للأعضاء، ويجب عليه تقليل الأفعال وتقريب المكان حسب الإمكان، أقرب مكان يستطيع أن يتوضأ فيه ولا يتكلم، وإن استثنوا ما يحتاج إليه وما يضطر إليه لتحصيل الماء، استثنوا ذلك؛ ومع ذلك لا يتكلم.
  • فإذا تكلم بعد الحدث بلا حاجة أو ضحك أو أحدث حدث آخر عمداً أو أكل أو شرب فما يمكن يبني؛ انتهى بطلت الصلاة؛ ولا يمكن يبني كما هو عند البقية من أهل الاجتهاد -رضي الله تعالى عنهم-.

 

وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ" فقال له مرة رجل من حضرموت: -يقول لأبي هريرة- ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُساء أو ضراط.." -أي: هذا مثاله- ".قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: وكنا إذا شممنا رائحة حدث ونحن جماعة.." -نقوم كلنا نتوضأ- "سترًا لمن أحدث"، "ودخل عمر -رضي الله عنه- بيتًا -لغرفة- فيه جماعة منهم جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- فوجد عمر ريحًا قال: عزَمت على صاحب هذا الريح لما قام فتوضأ-لأنهم يريدون الصلاة-فقال جرير: أو يتوضأ القوم-كلهم- جميعًا-يا أمير المؤمنين؟-قال: نعم" ها صح هذا أحسن! قوموا كلكم فتوضؤوا-وأعجبه ذلك-وأمرهم أن يتوضؤوا.

"وكان عطاء -رضي الله عنه- يقول فيمن يخرج من دبره الدود أو من ذكره نحو القملة يعيد الوضوء"- كما عليه الجمهور سمعت- "وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: كنت رجلًا مذاء.." -أي: كثير خروج المذي، وهو ماء الذي يخرج عند ثوران الشهوة دون المني، "قالفجعلت أغتسل"- كلما أمذى يغتسل- "حتى تشقق ظهري فاستحييت أن أسأل رسول الله ﷺ لمكان ابنته"  -أي: السيدة الزهراء منه لكونه متزوجاً عنده، في حياء الصحابة و أدبهم!- "فأمرت المقداد بن الأسود فسأل لي رسول الله ﷺ، فقال: یا رسول الله الرجل يدنو من أهله فيخرج منه المذي ماذا يفعل؟ فقال رسول الله ﷺ: إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه وأنثييه بالماء وليتوضأ وضوءه للصلاة"، أي: أنه ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل فهو حدث كالبول نجس وينقض الوضوء ولا يوجب الغسل.

وفي رواية: "كنت ألقى من المذي شدة وعناء، وكنت أكثر منه الاغتسال فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال: إنما يجزيه من ذلك الوضوء، فقيل: یا رسول الله كيف بما يصيب الثوب ؟ فقال: يكفيك أن تأخذ كفًا من ماء فتنضح به حيث ترى أنه أصاب من ثوبك" 

 يعني أنه نجاسة تكون حُكمية فبمجرد جري الماء أو عينية فبإزالة لونها وريحها وطعمها. نعم فهذا هو الحكم  فالمذي كغيره مما يخرج من السبيلين. علمنا الذي قال الشافعية إذًا ومن وافقهم: أن كل خارج من القبل والدبر معتادًا أو غير معتاد قليلًا أو كثيرًا نجسًا أو غير ذلك فهو ناقض للوضوء ومبطل، ومنه هذا المذي الذي جاء ذكره في هذا الحديث "وكان -عمر رضي الله- عنه يقول: إني لأجد المذي يتحدر مني مثل الخزيرة فإذا وجد ذلك أحدكم فليغسل ذكره وليتوضأ وضوءه للصلاة، وسيأتي في الغسل قوله ﷺ: "لو اغتسلتم من المذي لكان أشد عليكم من الحيض". فهذا المذي الذي هو: ماء رقيق يخرج عند الملاعبة وعند ثوران الشهوة، ومثله الودي: ماء كدر ثخين يخرج بعقب البول وعند حمل ثقيل، كلاهما ينقض الوضوء ولا يوجب الغسل وهو نجس بخلاف المني فإنه يوجب الغسل ويوقع الحدث الأكبر، والمذي كالودي نجس بالاتفاق، وكذلك المني عند الجمهور أنه نجس

 قال الشافعية: أنه طاهر لأنه يتكون منه الإنسان المكرم الذي قال الله عنه:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [سورة الإسراء الآية 70] ومقتضى الكرامة أن لايكون أصله نجاسة، أن لا يكون منعقد جسده من نجاسة فحكموا بطهارته، قال الحنفية: نجس كغيره من الإئمة ولقد قالوا طهارته إن كان جافًّا فبالحكِّ، وإن كان مبللًا فبالغسل، إذا كان رطبًا فبالغسل وإن كان يابسًا فبالحكِّ يطهرعندهم. سواء. 

فالمذي أيضًا يصح فيه الاستنجاء بالماء أو بالحجر كأي خارج من السبيلين، وفي رواية عند الحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية: أنه لا يجزي فيه الحجر بل لابد فيه من الماء، وهو ناقض للوضوء بالاتفاق، فخروج المذي من الأحداث التي تنقض الطهارة ولا توجب الغسل لما جاء في حديث سيدنا علي وحديث سهل بن حنيف. 

وكذلك إذا استيقظ الإنسان فوجد في ثوبه أو في فراشه أثر المني وجب عليه أن يغتسل، أو أثر المذي وجب عليه أن يتطهر منه ويتوضأ.

والشافعية قالوا: إذا شكَّ هل هو منيٍّ أو مذيٍّ؟ أنه يتخير إن شاء جعله منيٍّ فغسل وإن شاء جعله مذيٍّ فغسل ما أصابه منه.

وذكر لنا حديث أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "كان رسول الله ﷺ إذا كان صائماً فقاء يتوضأ . قال معدان -رضي الله عنه-: ورأيت ثوبان في مسجد دمشق فسألته عن ذلك فقال: صدقت وأنا صببت له وضوءه". وكان ﷺ يقول: "الوضوء من كل دم سائل، ولا وضوء من قطرة أو قطرتين". نعم فما يخرج من غير السبيلين إذا لم يكن نجس لا يعتبر حدث بالاتفاق، وأما إذا كان نجس مثل القيء فقد سمعتَ ما قال الحنفية: أنه ما يخرج من غير السبيلين من النجاسة حدث ينقض الوضوء عندهم بشرط أن يكون سائل، مثل قيء ملأَ الفم أو علقم أو طعام أو ماء؛ بخلاف البلغم فهذا باتفاق ما ينقض وليس بنجس.

 وكذلك يقول الحنابلة: إن كان كثيرًا ينقض الوضوء وإن كان يسيرًا لا ينقض الوضوء-الخارج من غير السبيلين من النجاسة- أما قول المالكية والشافعية: أن الخارج من غير السبيلين لا يعتبر حدثًا ولا ناقضًا للوضوء أصلًا؛ لكن يقولون أيضا المالكية والشافعية: ما خرج من ثقبها تحت المعدة وقد انسد مخرجه ينقض الوضوء. 

فعرفتَ من ذلك القيء: ما يخرج من الطعام بعد استقراره في المعدة، وكذلك القلس: ما يخرج من الحلق. 

ويقول المالكية والشافعية كما سمعتَ: أن القيء لا ينقض الوضوء، 

قال الحنفية: القيء ينقض الوضوء متى ما كان ملء الفم، فإذا كان لا ينطبق عليه الفم إلا بتكلف فهو ملء الفم ينقض الوضوء، فإن لم يملأ الفم لا ينقض الوضوء، يقولون: لأن ما لا يملأ الفم هذا من أعلى المعدة فما ينقضه كما لا ينقض البلغم، 

ويقول الحنابلة أيضًا: ينقض الوضوء إن فَحُش في نفس كل أحد بحسب اعتباره وإن قَلَّ فلا ينقض الوضوء، "وكان ﷺ يقول: "الوضوء من كل دم سائل، ولا وضوء من قطرة أو قطرتين قال شيخنا - رضي الله عنه-: وهذا في غير أصحاب الضرورات بقرينة لقوله ﷺ وفي حديث آخر:" إذا توضأ أحدكم فسال دم الباسور من قرنه إلى قدمه فلا وضوء عليه" لأنه معذور للضرورة.

 وذكر بعد ذلك هذا السلس: هو ما يغلب على الإنسان من غير اختياره، فذكر عن سيدنا زيد بن ثابت -رضي الله عنه- "لما كبر سنه يسيل منه البول فكان يداويه ما استطاع فلما غلبه-زاد السلس عليه- كان يصلي بعدما يتوضأ والبول نازل منه"ولايبالي به "وكانت الصحابة رضي الله عنهم أجمعين يصلون وجروحهم تثقب دمًا"

رزقنا الله كمال الطهارة في الظاهر والباطن والاقتداء بسيد المرسلين بالأقوال والأفعال والحركات والسكنات ودَفَعَ الأفات عنا وعن أمته ووفر حظنا وإياهم من ذكرى ميلاده؛ ومن عنايته ورعايته وإمداده وأسعدنا بإسعاده وتولانا به في الغيب والشهادة وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين أهل اليقين والتمكين في لطف وعافية.

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

10 ربيع الأول 1445

تاريخ النشر الميلادي

24 سبتمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام