كشف الغمة -48- باب الاستنجاء وبيان آداب دخول الخلاء والخروج منه

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الاستنجاء وبيان آداب دخول الخلاء والخروج منه

 صباح الثلاثاء: 14 محرم 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  حكم الاستنجاء من الريح
  •  الأماكن التي يكره فيها قضاء الحاجة
  •  حكم قضاء الحاجة في الماء الراكد والجاري
  •  حرمة قضاء الحاجة في المساجد والأماكن المشرفة
  •  النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة

  • ما حكم الاستنجاء باليمين؟

نص الدرس مكتوب:

 "وكان ﷺ ينهى عن البول والتغوط في الموارد وأبواب المساجد وفي الهواء وقارعة الطريق والظل والجحر والبالوعة وتحت الميزاب، فقيل لقتادة : ما يكره من البول في الجُحْر؟ فقال: كان يقول إنها مساكن الجن . 

وكان ﷺ يقول : "من سلّ سخيمته في طريق من طرق المسلمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" ، وكان ﷺ يقول: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم أو الجاري، ثم يغتسل فيه أو يتوضأ فإن عامة الوسواس منه".  

وكان يقول: من توضأ في موضع بوله فأصابه الوسواس فلا يلومن إلا نفسه"، وكان لرسول الله ﷺ قدح من عيدان يبول فيه من الليل ويضعه تحت سريره فإذا قام من الليل للتهجد يصبه، ويقول: "لا ينقع بول في طشت فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه بول منتقع".

وكان ﷺ ينهى عن استقبال القبلة أو استدبارها بالفرج لبول أو غائط ويقول: "شرقوا أو غربوا ". قال أبو أيوب الأنصاري : "فلما قدمنا الشام وجدنا مراحيض قد بنيت قِبَلَ الكعبة فكنا ننحرف ونستغفر الله عز وجل"، وفي رواية كان رسول الله ﷺ يقول : "إنمت أنا لكم بمنزلة الوالد أعلِّمُكم فإذا جاء أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستطب بيمينه".

وكان ﷺ يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة، وكان يقول: "من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كتب له حسنة ومحي عنه سيئة"، وكان ﷺ ينهى عن استقبال بيت المقدس ببول أو غائط، وكان ابن عمر إذا أراد قضاء الحاجة ينيخ راحلته مستقبل القبلة ثم يجلس يبول إليها ويقول : إنما نهي عن ذلك في الفضاء من غير سترة. فأما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس.

وكان جابر رضي الله عنه يقول: "رأيت رسول الله ﷺ قبل أن يقبض بعام يبول مستقبل القبلة"، وكان ابن عمر يقول : ارتقيت فوق بيت حفصة لحاجتي فرأيت رسول الله  ﷺ يقضي حاجته مستقبل الشأم مستدبر الكعبة، وفي رواية "فرأيته مستقبلاً بيت المقدس لحاجته جالساً على لبنيتن".

وكانت عائشة تقول: "لما بلغ رسول الله ﷺ كراهة الناس لاستقبال القبلة بفروجهم قال: أو قد فعلوها حولوا بمقعدتي نحو القبلة" ، وذلك كله خوفاً أن يضيق على أمته ، وكان الشعبي يقول : إنما نهى عن ذلك بالفضاء؛ لأن لله تعالى ملائكة يصلون فلا يستقبلهم أحد ببول أو غائط، وأما الكنيف فإنما هي بيت صغير لا قبلة فيه، وسيأتي في باب الغسل أنه لم يبلغنا عن رسول الله ﷺ شيء في كراهة استقبال القبلة حال الجماع، والله أعلم.

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات)

 

الحمد لله مُكرمنا بشريعتة وبيانها على لسان خيرة بريته عبده وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه ، وعلى آله وصحبه وأهل متابعته ومودته ، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وواصل الشيخ الشعراني عليه رحمة الله تبارك وتعالى ذكرَ على الأحاديث المتعلقة بقضاء الحاجة وآدابها، وقد مرَّ معنا قوله: "من استنجى من الريح فليس منا".

 فبذلك قال الأئمة: لا استنجاء مِن الرِّيح؛ لأنه إنما يكون استنجاء من نجاسة ولا نجاسة، فقال الحنفية: إن ذلك بدعة، وقال المالكية والشافعية: هو مكروه، وكذلك قال الحنابلة: لا استنجاء من خروج الريح. 

وقد جاء هذا النهي الذي سمعناه، ثم إنه ذكر لنا في هذه الأحاديث الأماكن والمواضع التي يُكرَه قضاء الحاجة فيها، فذكر لنا "أنه ﷺ ينهى عن البول والتغوط في الموارد، وأبواب المساجد وفي الهواء وقارعة الطريق والظل والجحر والبالوعة وتحت الميزاب، فقيل لقتادة : ما يكره من البول في الجحر؟ فقال: كان يقول إنها مساكن الجن"، وذكر حديث:"من سلَّ سخيمته في طريقٍ" يعني: ألقى وسخه "في طريق من طرق المسلمين، فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ"،  لأنه يؤذي المارينَ في هذا الطريق. وهكذا جاء الحديث عند الحاكم والطبراني والبيهقي: «من سلَّ سخيمتَه في طريقٍ من طرقِ المسلمين ، فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعينَ»،.

 فتبين أنها أماكن يُكره فيها قضاء الحاجة أو يُحرم: 

  • فمنها طريق الناس التي يمرون فيها. 
  • ومنها مورد الماء اللي ترِدُ عليه الحيوانات وتشرب. 
  • ومنها الظل الذي يُنتفع به فيجلسون الناس فيه مستظلين من ظل الشمس؛ سواءً كان ظل حائط -جدارٍ- أو ظل شجرة أو غير ذلك. 

وهكذا قال ﷺ فيما جاء في صحيح مسلم : "اتَّقوا اللَّعَّانيْن، قالوا: وما اللَّاعنانِ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ: الَّذي يتخلَّى في طريقِ النَّاسِ أو ظلِّهِم". معنى اللَّعَّانين:  المكان الذي إذا قضيت حاجتك فيه تعرضت للعنِ من المارين في الطريق أو المستظلين بالظل في ذلك المكان، فاذا رأوا الأوساخ لعنوا من وضعها، كما أنه جاء في الخبر :"اتَّقوا الملاعنَ .."، وهكذا المحل الذي يجلس الناس فيه ايضًا في القمر ليلًا فهو مثل الظلم نهارًا، في النهار يحتاجون للظل من الشمس وفي القمر يحبون الجلوس في ضوء القمر في الليل، فكذلك المحل الذي يجلس فيه الناس لأجل ضوء القمر، أو كان في زمن الشتاء -متشمس- يحبون يجلسون في الشمس فيه؛ لما تطلع الشمس ولما تغرب يستدفئون بها من البرد؛ فكذلك القصدُ ما كان مرتفقًا للناس ومحل مَرْفَق لهم يحتاجون إليه. قال بعض أهل العلم: إلا أن يكون في جلوسهم وحديثهم غيبة ونميمة أو شيء من المنكرات، فلا بأس أن يفرقهم من هذا المكان ويُصعب عليهم الجلوس؛ لأنه يعلم أنهم يجتمعون على سوء وعلى شر. 

وقال بعض فقهاء المالكية كما قال بعض الشافعية: أن قضاء الحاجة في المورد والطريق والظل وما أُلحق به حرام، وقال في المعتمد عند الشافعية: أن النهي للكَرَاهة، كذلك تحت الشجر المُثْمِر وإن لم يكن وقت الثمرة، وإن لم يكن في أواني الثمرة فيُكره أن يقضي حاجته، وفي أوانِ الثمر أشد كراهة. وهكذا: 

  • كره الحنفية والشافعية والحنابلة قضاء الحاجة تحت الشجر المثمر. 
  • و الرواية الأخرى عند الإمام أحمد أنه حرام
  • وقال قيَّدَ الحنفية والحنابلة الكراهة بأيام الثمر -وقت الثمر- وألحقوا بما قبله بقليل بحيث لا يَأْمَن زوال النجاسة بمطر أو سقي أو هكذا. وعند الحنفية أيضًا نحو جفاف في الأرض من البول ونحوه يطهر المكان؛ فقيدوه بذلك، وكره الحنفية ذلك في الزرع أيضا. 
  • قال الشافعية: لألّا تعافه الأنفس؛ لأن تنجس الثمر غير متيّقَن ولكن تعافه النفس إذا كان بجانب النجاسة، تعافه النفس أكله وتناوله؛ فلهذا كان مكروهًا ولا فرق عند الشافعية بين وقت الثمر وغير وقت الثمر. 
  • قيّد الحنفية والمالكية بوقت الثمر أو قريب منه، حيث لا يَأْمَن أن تأتي الثمرة والنجاسة لم تزُلْ بعد، ومعنى أن الشجرة غير المثمرة لا يكره البول تحتها، وفي الحديث "كانَ أحَبَّ ما اسْتَتَرَ به رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِحَاجَتِهِ، هَدَفٌ، أوْ حَائِشُ نَخْلٍ"، وهكذا جاء في صحيح مسلم. 

كذلك مما جاءنا في الروايات قضاء الحاجة في الماء

  • قال الشافعية: إن كان ذلك الماء قليل فهو حرام؛ لأنه ينجسه، وإن كان كثيرًا جاريًا هذا فيه خلاف، وإن كان رَاكِداً فكذلك ولو كان كثيرًا. 
  • وقال الحنفية: هذه الكراهة تحريمية؛ لأنه قال سيدنا جابر: "نهى رسول الله ﷺ أن يُبَالَ في الماءِ الرَّاكدِ". والحديث الآخر: "لا يَبُولَنَّ أحَدُكم في الماء الدَّائِم الذي لا يجْرِي، ثمَّ يَغتَسِل فيه" في الصحيحين. إذا كان الماء جاريًا صارت الكراهة تنزيهية؛ "نهى الرسول ﷺ أن يُبَالَ في الماءِ الجاري"، فيما أورده الهيثمي في كتاب"مجمع الزوائد". الماء الجاري لأنه يقذِّرُه وربما يؤدي إلى تنجيسه، أنا القليل الراكد فيحرم؛ لأنه يُصيِّرُهُ نجسا. 
  • وقال القاضي عياض من المالكية يقول:إن هذا النهي جاء نهي كراهة وإرشاد، وفي القليل أشد؛ لأنه يفسده وإذا تغير تنجّس باتفاق الأئمة. 
  • يقول الشافعية والحنابلة: يكره البول في الماء الراكد قليلا كان أو كثيرا؛ لما جاء من النص في الحديث. 
  • والجاري يقول الشافعية: إن كان قليلا كرِه وإن كان كثيرًا لم يكره، والنووي قال: فيه نظر، وأما الماء القليل فيحرم؛ لأنه ينجسه. 
  • فرّقَ الحنابلة في الماء: بين التبول والتغوط فقالوا: في التبول مكروه والثاني حرام، وكذلك في مكان الوضوء ومكان الغُسسل لا ينبغي أن يبول؛ لأنه يُكره أن يبول الإنسان في موضع يتوضأ هو أو غيره في ذلك الموضع أو يغتسل فيه، لما جاء ان النبي ﷺ : "نَهَى أن يمتَشِطَ أحدُنا كلَّ يومٍ ، أو يبولَ في مُغتَسلِهِ"، فإذا قضى حاجته في مكان يكون وضوءه في مكان آخر؛ "وأن عامة الوسواس منه"، أن يبول في مكان ويتوضأ في نفس ذلك المكان. بل قالوا: ينبغي إذا قضى حاجته في مكان أن يستنجي في غيره؛ لأنه أيضا يورث الوسوسة. ولكن "قال بعض الصحابة لما وردوا إلى الشام: وجدنا فيها مراحيض" يجرون عليها الماء؛ فرآى بعض أهل العلم أنه إذا كان قد جرى عليها الماء وذهب أثر النجاسة؛ فلا كراهة في الاستنجاء في ذلك المكان، لكن الاستنجاء فوق النجاسة نفسها مكروه، أما في الأماكن المشرفة كالمساجد فذلك حرام بالإتفاق، ولو كان قال إلا في إناء؛ وفي إناء ولا في غير إناء هواء المسجد محترم، ولا يجوز إدخال النجاسة إلى المسجد، فكيف بإحداثها في المسجد؟ قال ﷺ : "إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ"، كما قال للذي بال في المسجدﷺ، قال: "إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ"؛ هذه أعمال المسجد؛ الله الله. 

فالراجحُ عند الأئمة الأربعة: ولو كان البول في قارورة أو عينان ما يصل منه إلى المسجد شيء فهو حرام، وكذلك في الثقب او الجُحر والسَّرَب، يكره التبول في ثقب أو سَرّب، السَّرَب: ما كان مستطيل، والثقب ما استدار:

  • كلهم الائمة الاربعة يقولون: هذا مكروه. قال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ: "نَهَى رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ"، هكذا في رواية ابو دوود. 
  • يقول البجيرمي من الشافعية يقول : أنه يظهر تحريمه إذا كان يغلب على ظنه أنّ به حيوانا محترمًا يتأذى بها أو يهلك -بيقتلها مسكينة، يصل عليها سيول من هذا البول فيغرقها مسكينة-، قال قد يكون في الثقب حيوان صغير فيُؤذيه أو كبير يخرج يُؤذيك؛ فلهذا يكره ذلك. ولو كان ثقب بالوعة مكروه كذلك. 

وأما البول في البيت ونحوه، في نحو الإناء فلا بأس به،  تقول عائشة : النبي ﷺ " أوصى إلى عليٍّ ، لقد دعا بالطَّستِ ليبولَ فيها " ، وفي حديث أيضًا أميمة بنت رقيقة : "كانَ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قدَحٌ من عيدانٍ تحتَ سريرِه يبولُ فيهِ من الليل ويضعه تحت سريرهِ.."، ذلك أنه لم يكونوا يُعدوا أماكن للخلاء وسط البيوت، وقال الحنابلة: إنه بلا حاجة مكروه. فإن كانت حاجة كان مريض؛ مثل حديث أميمة بنت رقيقة ونحوه؛ أنه لا يكرهوقال المالكية: الكراهة مخصوصة بالآنية النفيسة للسَّرَف، قالوا: ويحرم في آنية الذهب والفضة لأنه يحرم اتخاذها واستعمالها هذا معلوم. 

ثم ذكر لنا بعد هذا أحاديث استقبال القبلة أو استدبارها؛ تعظيمًا لحرمة القبلة.،ويقول بالنسبة لأهل المدينة: "شرقوا أو غربوا"، أي: استقبلوا الشرق أو الغرب؛ لأن قبلتهم جهة الجنوب، الشرق والغرب انحراف عن القبلة،  "يقول سيدنا ابو يوب الانصاري: فلما قَدِمْنا الشَّامَ وَجَدْنا مَراحيضَ قد بُنيَتْ قِبَلَ الكعبة، فكُنَّا نَنحَرِفُ ونَستَغفِرُ اللهَ"، وذكر حديث: "إنَّما أنا لكم بمَنزِلةِ الوالِدِ، أُعلِّمُكم، فإذا جاء أحَدُكمُ الغائِطَ فلا يَستَقبِلِ القِبلةَ ولا يَستَدبِرْها، ولا يَستَطِبْ بيَمينِه"؛ يعني: لا يستنجي باليمنى فذلك مكروه، نهى عن استقبال القبلة واستدبارها، وأكثر أهل العلم أن ذلك لا يجوز إذا كان من غير ساتر، أما عند وجود الساتر والمكان المعد لذلك فلا يحرُم واختلفوا في الكراهة. قال الرسول ﷺ: "إذا أتَيتُمُ الغائِطَ فلا تَستَقبِلوا القِبلةَ بغائِطٍ ولا بَولٍ -ولا تستدبروها-، ولكنْ شَرِّقوا أو غَرِّبوا"، "إذا جلس أحدُكم على حاجتِه ، فلا يستقبلِ القِبلةَ ولا يستدبرها".

  • فإذا كان في الصحراء وبلا حائل فهو حرام.
  • إذا كان في البنيان أو بينه وبين القبلة ساتر فقولان
  1. قول: لا يجوز أيضًا وهذا قول الحنفية -في الصحيح عندهم- أخذوا بعمومة حديث النهي. 
  2. وقال الجمهور: يجوز استقبال أو استدبار في البنيان كما رويَ عن العباس وابن عمر وغيرهم، كذلك مالك والشافعي يقولون بذلك، وعن عائشة روت عن الرسول الله ﷺ ذكر لها: "أن قومًا يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة" أي: في الأماكن المعدة لذلك ومع وجود الساتر، فما أحب رسول الله ﷺ أن يبالغوا في ذلك خشية أن يُفرض عليهم، فقال: "أراهم قد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدتي القبلة"، يعني: في المكان بينه وبين القبلة ساتر. "وكان ابن عمر يُنيخ راحلته مستقبل القبلة ويجلس يبولُ إليها ويقول: إنَّما نُهِيَ -عن هذا- في الفضاءِ من غير سترة. أمَّا إذا كان بينك وبين القِبْلَةِ شيٌء يستُرُكَ فلا بأسَ". 

وفي رواية عن أبي حنيفة: أنه يجوز الاستدبار في البنيان والكعبة والفضاء جميعا، غير الاستقبال، والجمهور على أنه لا فرق بين الاستقبال والاستدبار. ثم قال الشافعية: إذا أراد في الصحراء أن يقضي حاجته ولا يعرف أين القبلة؛ فعليه أن يجتهد قبل أن يقضي حاجته، حتى ينحرف عن جهة القبلة باجتهاده، وهكذا فأحب المحتاطون حتى في وضع كراسيهم  لقضاء الحاجة في البيوت يحرفوها عن القبلة ويجعلوها عن يمينهم أو عن يسارهم. 

واستقبال بيت المقدس:

قيل: إنه مكروه كما يقول الشافعية، والرواية عن الإمام أحمد بن حنبل، هذا الصحيح المشهور في مذهب الشافعية.

وقال المالكية: لا حرام ولا مكروه؛ وهذا أيضًا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل أو المذهب عنده بالنسبة لبيت المقدس.

 وكذلك الشمس والقمر: 

  • يقول الحنفية والشافعية والحنابلة: يُكره استقبال الشمس والقمر بالبول أو الغائط؛ لأنهما من آيات الله الباهرة. 
  • يقول المالكية: يجوز استقبالهما؛ يعني مع كونه خلاف الأوْلى؛ هذا في الشمس والقمر في الاستقبال، أما استدبارهما فما فيه شيء عند الجمهور، استدبار الشمس أو القمر بخلاف القبلة استقبالها واستدبارها سواء، لما تقدم معنا في رواية عن أبي حنيفة في التفريق بين الاستقبال والاستدبار وأما المعتمد من المذهب الأربعة؛ أنه لا يوجد فرق بالنسبة القبلة. أما بالنسبة للشمس والقمر فالاستقبال فقط هو المنهي عنه دون الاستدبار. 
  • وعند ابن عابدين من الحنفية أيضًا مقابل الرواية الأخرى عن أحمد في الاستدبار قال: يكره ايضًا الاستدبار حتى في الشمس والقمر، يُكره أيضا استدبارهما كما يكره استقبالهما. وقال من آداب الاستنجاء أيضا : أن لا يكون للقبلة، لا يستقبلها ولا يستدبرها في الاستنجاء؛ فذلك مكروه. وقال بعض الائمة من الشافعية وغيرهم: أنه لا يكره.

كذلك لا يكون الاستنجاء إلا باليد اليسرى،، في حديث الصحيحين يقول ﷺ : "إذَا بال أحدكم فلا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بيَمِينِهِ، وإذَا أتَى الخَلَاءَ فلا يَتَمَسَّحْ بيَمِينِهِ" وهذا مكروه، قال الحنفية: كراهة تحريم، وقال غيرهم: كراهة تنزيه؛ إلا لمعذور كمقطوع اليد اليسرى ونحوها، أو في وقت جراحتها ونحو ذلك. وهكذا يذكر لنا بعد ذلك الأمر بالثلاثة أحجار، والله علم. 

رزقنا الله الاستقامة والنقاء والطهارة، والاتباع لحبيبه ﷺ في جميع الشؤون في الظهور والبطون، واثبتنا في ديوان من يهدون بالحق وبه يعدلون،  ووقانا الآفات والأسواء، وأصلح لنا السر والنجوى، وأدخلنا في دوائر أهل التقوى، ودفع عنا وعن الامة كل أذية ومحنة وبلوى، وعاملنا بما هو أهله في كل شأن، وبلَّغنا المراد في السر والإعلان، وختم لنا باكمل الحسنى وهو راضٍ عنا. 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

15 مُحرَّم 1445

تاريخ النشر الميلادي

01 أغسطس 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام