كشف الغمة 327- كتاب الصيام (04) فصل في النية ومن يجب عليه الصوم

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 327- كتاب الصيام (04) فصل في النية ومن يجب عليه الصوم

صباح الأحد 26 ذو الحجة 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  كيفية الصوم في بلد طوال يومها نهار أو ليل وأوقات الصلوات فيها
  •  هل تشترط النية من قبل الفجر؟
  •  ما هو المقصود من النية في العبادة؟
  •  تأخير النية في صوم النفل إلى الزوال
  •  هل تجزئ نية بغير جزم (قول إذا كان رمضان)
  •  حكم تعيين نية الصوم (فرض أو نفل)
  •  توضيح أحكام تبييت النية من الليل
  •  هل أجر الصوم يبدأ من وقت النية؟
  •  هل تجب نية صوم رمضان كل ليلة؟
  •  متى يبدأ الأطفال الصوم ؟
  •  هل يعيد صوم رمضان كاملا من بلغ أو أسلم أثناء الشهر؟
  •  حكم صوم من بلغ أو أسلم أثناء النهار وهل يجب القضاء

 

نص الدرس مكتوب:

فصل في النية ومن يجب عليه الصوم

"قال ابن عباس: كان رسول الله ﷺ يقول: "إن الله تعالى لم يكتب علينا صيام الليل فمن صام تعنَّى ولا أجر له". وكان ﷺ يأمرنا بالنية في رمضان قبل الفجر ويقول: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له"، وفي رواية: "من لم يجمع الصوم قبل الفجر فلا صيام له". قال شيخنا -رضي الله عنه-: وشذ من قال بوجوب النية من صلاة العشاء؛ لأن موضع النية في جميع أبواب العبادات إنما هو عند الشروع في العمل فتأمل، وكان ﷺ يرخص في تأخير النية عن الفجر في صوم التطوّع ما لم تزل الشمس، وكثيراً ما كان ﷺ يدخل بيته فيسألهم هل عندكم شيء نتغذى به فإن قالوا نعم أكل وإن قالوا لا قال فإني إذًا صائم. وكان حذيفة -رضي الله عنه- إذا بدا له صوم النفل بعدما زالت الشمس صام، وكذلك عبد الله بن مسعود، وكان يقول: أحدكم بالخيار ما لم يأكل أو يشرب، وسيأتي في باب صوم التطوع جواز الخروج منه بأكل أو جماع وغيرهما. 

قال ابن عباس: كان الناس أوّل فرض رمضان إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى الليلة القابلة فاختان رجل نفسه فجامع امرأته بعد العشاء ولم يفطر فذكر ذلك للنبي ﷺ فنزلت آية: (أُحِلَّ لَكُمۡ لَیۡلَةَ ٱلصِّیَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَاۤىِٕكُمۡۚ) إلى قوله (مِنَ الْفَجْرِ) [البقرة: 187] والرفث هنا الجماع. وكان ﷺ يأمر الصبيان بالصيام حين يطيقون الصوم سواء الفرض والنفل، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: إذا قوى الصبي على صيام ثلاثة أيام متتابعة تأكد في حقه الصوم، وكان ﷺ يرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة فيأمر المنادي فيقول: ألا من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتم بقية يومه. قال ابن عباس -رضي الله عنهما- فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّمُ صبياننا الصغار ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم من الجوع اعطيناه إليه حتى يجيء الإفطار. 

وكان عمر -رضي الله عنه- يضرب بالدرة من يراه يأكل من الصبيان ويقول لأمه: ويلك صبياننا صيام، وكان ﷺ إذا بلغ أحد من الصبيان في أثناء الشهر أو أسلم أحد من الرجال فيه لا يأمره بإعادة ما مضى من الشهر. قال أبو هريرة ولما قدم وفد ثقيف على رسول الله ﷺ في رمضان ضرب عليهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر فقط، وكان ﷺ يأمر من أسلم في يوم بإتمامه وقضاء يوم آخر بعد تمام الشهر، والله -سبحانه وتعالى- أعلم".

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن. 

 

الحمد لله مكرمِنا بشريعته وبيانِها على لسان عبده وحبيبه وصفوتِه وخيرِ بريته، سيّدنا محمّد صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه في كل لمحة ونفس وحين، وعلى آله وصحابته وعلى أهل ولايته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرةِ الرحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباده الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

ويُواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تعالى- ذكر الأخبار المتعلقة بالصوم، ويذكر في هذا الفصل ما يتعلق بالنية ومن يجب عليه الصوم؟

 

ويقول: قال ابن عباس: كان رسول الله ﷺ يقول: "إن الله تعالى لم يكتب علينا صيام الليل فمن صام تعنَّى ولا أجر له".

بمعنى: 

  • أن الصوم إنما يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فالإمساك بنية الصوم لا يجوز للمسلم إلا في هذا الوقت. 
  • فلا يجوز أن يمسك عن المفطرات في وقت آخر بنية الصوم، فإنه لا يصح الصوم بالليل. 
  • وإذا واصل الليل والنهار وقع في مكروه أو حرام، فنهى  عن الوصال. 

قالوا: إنك تواصل، قال: "إني لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ومعلوم قال سبحانه وتعالى: ﴿..وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ..﴾ [البقرة: 187]، وذلك بغروب الشمس.


وبذلك يُعلم أن كل بقعة من بقاع الأرض فيها مسلمون فالصوم الواجب عليهم؛ وكذلك المندوب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس. 

  • فإذا استقر في خلال الأربع والعشرين ساعة طلوعٌ للفجر وغروبٌ للشمس فذاك واجبهم، سواء طال النهار أو قصر، سواء كان استغرق بضع ساعات أو استغرق العشرين ساعة ونحو هذا، هو يومهم، وهذا هو صومهم. 
  • فإذا جاوز ذلك بأن كانت تستمر الشمس عندهم أكثر من أربع وعشرين ساعة، ويستمر الليل كذلك أكثر من أربع وعشرين ساعة، فينظرون إلى أقرب بلدة أو أقرب بقعة في الأرض لهم فيها ليل ونهار، فيكونون عليها، وهو في ضمن معنى: "فاقدروا له".

وأما إن كان في خلال الأربع والعشرين ساعة يتم طلوعٌ للفجر وغروبٌ للشمس، فهذا الحكم يلزمهم. 

 

فإذا قالوا إنه قد يصادف رمضان أحياناً أيامٌ يطول النهار حتى لا يكون لنا من الليل إلا ثلاث ساعات أو أربع ساعات؟

  • فذلك واجبكم. 
  • فمن عجز منكم؛ فيجوز له أن يُفطِر ويقضي أياماً أخر، وينتظر الأيام فإنه يعتدل ويقصر ويصير بالعكس بعد ذلك النهار قصير، فليقضِ من عجز، فليقضِ في الأيام القصيرة. 

 

فلا وقت للصوم إلا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس:

  • فأي بقعة في الأرض يتم فيها طلوع الفجر وغروب الشمس في خلال الأربع وعشرين ساعة، فهذا يوقت الصوم. 
  • وما خرج عن ذلك فيُقدَّر له قدره باعتبار أقرب بقعة لهم يتم فيها الغروب وطلوع الفجر في خلال الأربع والعشرين ساعة. 
  • وعلى ذلك أيضاً تترتب لهم أوقات الصلاة، فإذا كان يستمر عندهم الشمس أياماً أو يستمر الليل أياماً؟ فلا يمكن أن يبقوا أياماً على خمس صلوات، ولكن في مقدار كل يوم بأقرب بقعة يكون فيها في خلال الأربع والعشرين ساعة ليل ونهار، فعلى ضوء ذلك يصلون صلواتهم. ويُرجع ذلك إلى ما قال  عندما ذكر أن أيام الدجال يكون يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كأسبوع، قال الصحابة: "هل يجزي فيه صلاة يومنا؟" أو كما قال، قال: "لا، فاقدروا له قدره". ما يجزي الصلاة في مدة سنة أن يصلي خمس صلوات، ما يتأتّى، ولكن فاقدروا له وهكذا.

 

هذا وقت الصوم؛ ويلزم فيه النية. 

قال: "وكان ﷺ يأمرنا بالنية في رمضان" وعليه الأئمةُ الأربعةُ؛ إلا زُفَرَ عند الحنفية فإنه لا يشترط النية. "وكان ﷺ يأمرنا بالنية في رمضان قبل الفجر ويقول: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له""، فالفرض لابد أن تكون النية قبل طلوع الفجر. وفي رواية: "من لم يجمع الصوم قبل الفجر فلا صيام له".


"قال شيخنا -رضي الله عنه-: وشذ من قال بوجوب النية من صلاة العشاء؛ لأن موضع النية في جميع أبواب العبادات إنما هو عند الشروع في العمل فتأمل"، ولكن في الصوم تتقدم قبل الشروع، فلا يجوز أن يقارن النية بطلوع الفجر؛ ولكن قبل طلوع الفجر ينويه؛ كما يجوز أن تتقدم النية في الزكاة أيضاً لأجل الحاجة، فبداية إخراج الزكاة عند مناولتها ليد المحتاج وليد من هو أهل للزكاة، ولكن النية يمكن أن تتقدم قبل ذلك، فيعزل شيئاً من المال وينويه زكاة ثم يعطيه للمساكين ولو بعد ساعات من النية.

 

فالنية:

  • التي يعبر عنها الشافعية يقولون: قصد الشيء مقترنٌ بفعلهِ. 
    • النية لغةً: القصد. 
    • وشرعاً: قصد الشيء مقترناً بفعلهِ. 
  • ويعبر عنها الحنفية بأنها: قصد الطاعة والتقرب لله تعالى في إيجاد الفعل. يقولون عن النية إنها قصد الطاعة والتقرب لله تعالى في إيجاد الفعل، أي: في إيقاعه وإقامته، يقصد به وجه الله. 
  • كما يعرفها أيضاً المالكية بأنها: قصد الإنسان بقلبه ما يريد بفعله. 
  • وهكذا يقول الحنابلة عن النية بأنها: عزمُ القلبِ على فعل العبادة تقرباً إلى الله. 

فهذه التعريفات عند الأئمة عن معنى النية، والنية لازمة في الصوم لما قرأنا في الأحاديث، ولعموم قوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله: "إنما الأعمال بالنيات". وقوله: "لا عمل لمن لا نية له". 

 

ثم إنه يجب صوم رمضان بشروط.

 

قال: "وكان ﷺ يرخص في تأخير النية عن الفجر في صوم التطوّع ما لم تزل الشمس"، إلى ما قبل الزوال أخذًا من قوله: "هل عندكم من غداء؟" والغداء: أصله عند العرب ما يُتناول قبل الزوال. كان يرجع بعد طلوع الشمس -من صلاته الضحى- إلى البيت فيقول: "هل عندكم من غداء؟" فإن قالوا: نعم، قال: "إني مفطر". وإن قالوا: لا شيء، قال: "إني إذًا صائم"، فينوي النية؛ فأَخذَ من هذا أهل الفقه جوازُ تأخير النية في صوم النفل -في صوم النفل إذا لم يتناول مفطراً.

فيجوز أن ينوي في أثناء النهار قبل الزوال؛ فإذا زالت الشمس فقد مضى أكثر النهار، فلا معنى للنية بعد ذلك.

ولابد في النية من الجزم. ولهذا يقول لو نوى ليلة الشك -ليلة الثلاثين من شعبان- صيام غدٍ إن كان من رمضان؛ ما يجزئه -ولا يصير صائماً- لأنه ما فيه جزم، وما أدراك هل هو من رمضان؟ لا بد من الجزم.

 

يقول الشافعية والحنابلة: 

  • إذا قال إن كان غدًا من رمضان فهو فرضي، وإلا فهو نفل أو فأنا مفطر، قالوا: لم يصح صومه إذا ثبت أنه من رمضان لعدم جزمه بالنية.
  • بخلاف إذا قال ليلة الثلاثين من رمضان: "إن كان غدًا من رمضان فهو فرضي"، قيل له: الأصل بقاء رمضان، أنت في رمضان أصلاً، فهو بنى على أصل صحيح، فنيَّتُهُ صحيحة، لأن الأصل بقاء الشهر حتى يثبت خلاف ذلك بواسطة الرؤية.

 

ولابد أيضًا من التعيين في الصوم؛ إن كان صوم رمضان، أو صوم قضاء، أو صوم كفارة، أو صوم عن نذر، أو صوم عاشوراء، أو صوم يوم تاسوعاء، أو صوم الإثنين، أو صوم الخميس، أو صوم ست من شوال، لا بد من تعيين النية. فلا يكفي مجرد أن ينوي صوم غدٍ؛ ولكن إذا كان في رمضان، ينوي صوم غدٍ عن  أداء فرض رمضان هذه السنة، فهذا كمال النية، لأن الصوم عبادة مضافة إلى وقت، يجبُ التعيينُ في نياتها، كمثل الصلوات الخمس.


يقول الحنفية الصيام قسمان: 

  • قسم لا يُشترط فيه التعيين، وهو رمضان؛ وهو مُعيَّن من أصله من عند ربه ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]. وهو أداء رمضان ينوي صوم غدٍ وانتهى؛ وهو أصلا رمضان، هو فرض. فلا يلزم عندهم التعيين، ولا يُشترط في أداء رمضان. وكذلك النذر المعين زمانه، إذا قال: نذر أن يصوم يوم كذا وكذا من شهر كذا، أو يصوم شهر كذا، فيكفي أن ينوي صوم غدٍ وخلص، وما عاد يحتاج عندهم إلى التعيين -الحنفيةُ- بل يصح عندهم الصوم بمطلق نية الصوم. وهكذا فيقولون: صار رمضان معياراً له، وهو مضيق لا يسع غيرُه، ما يمكن أن يصوم شيئاً غير رمضان في أيام رمضان. 
  • والقسم الثاني: يُشترط فيه التعيين، وهو قضاء رمضان، أو قضاء ما أفسده من النفل، إذا أفسد صوم نفل فيقضيه. كذلك صوم الكفارات بأنواعها، أو النذر المطلق الذي لم يتعين في يوم معين ولا أسبوع معين ولا شهر معين، النذر المطلق عن التقييد بزمان لا بد من التعيين أيضاً عند الحنفية، لأنه ليس له وقت معين.

 

ثم تكلم عن مسألة التبييت وهو أن ينوي قبل طلوع الفجر. 

  • ففي صوم الفرض واجب هذا التبييت عند المالكية والشافعية والحنابلة، يعني: إيقاع النية في الليل، هذا معنى التبييت، ما بين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، في خلال هذا الوقت يوقع النية، صح. 
  • وفي قول عند المالكية: يصح لو قارنت الفجر، كما في تكبيرة الإحرام إذا قارنتها النية في الصلاة. ويجوز أن تُقدَّم من أول الليل، نعم. ولا يصح أن ينوي قبل الليل، قبل الغروب. قال: أنوي حق بكرة، اصبر حتى الشمس تغرب ثم نوى إلى الغد، فما تصح نية صوم الغد إلا من خلال الليل. 

 

"من لم يُجمِعِ الصيامَ قبل الفجر فلا صيام له"، قال: جاء ذلك عند أبي داود وغيره. إذًا 

  • والصحيح عند الشافعية والحنابلة أنه لا يُشترط التبييت في النصف الآخر من الليل لإطلاقه في الحديث "من الليل"، والليل من المغرب؛ فيمكن. 
  • وقيل عند بعض أهل الفقه: من النصف الأخير، لا بد ينوي في أثناء النصف الأخير، لا نصف الليل الأول، ولذا ينبغي الاحتياط وينوي أيضاً، يباشر بالنية من الغروب. وإذا قام يتسحر وغيره، فينبغي أن يعيد النية للخروج من الخلاف. 

 

كذلك لا يضر بعد النية أن يأكل ويشرب ما دام الليل باقٍ، ويعمل مفطرات، فلا يضر ذلك، فلا يضر أكل وغيره من المفطرات بعد النية ما دام الليل باقٍ. ها، فلا يحتاج إلى تجديدها. وقيل يحتاج في قول ضعيف؛ فلهذا إذن ينبغي أن يجدد النية آخرَ ما يتسحر، بحيث لا يتناول بعدها مفطراً إلى طلوع الفجر، ذلك من باب الاحتياط والندب.


وعند الحنفية

  • لا يُشترط التبييت في رمضان، أجازوا النية ولو بعد الفجر دفعاً للحرج، حتى الضحوة الكبرى، ترتفع الشمس ارتفاعاً كثيراً -الضحوة الكبرى عندهم إلى نهاية وقت الضحى- وهو نصف النهار، يعني: من وقت طلوع الفجر لغروب الشمس، نصفه الأول الضحوة الكبرى، فيقولون: كل قطر نصف نهاره قبل زواله بنصف حصة فجره، فمتى كان الباقي للزوال أكثر من هذا النصف صَحَّ، وإلا فلا. لكن الأفضل الصوم بنية معينة مبيتة للخروج من الخلاف، وهو أفضل عند الكل.
  • أما في الكفارات، -صوم الكفارات والنذور المطلقة- فقد قال الحنفية: بوجوبِ التبييتِ، لابد من الليل.

     

أما النفل، فعند الجمهور يصح صومه بنيةٍ ولو في أثناء النهار قبل الزوال؛ إلا المالكية يقولون: يُشترطُ في صحة الصوم مطلقاً، سواء كان فرضاً أو نفلاً، نية مبيتة، لا بد من نية مبيتة؛ فسواء كان صوم نفلاً أو فرضاً. وأخذوا بعموم قوله: "من لم يُجمِعِ الصيامَ من الليل فلا صيام له". 

وفي قول عند الحنابلة: يجوز قبل الزوال وبعده، ولكن بشرط أن لا يكون فعل ما يفطر، هذا بالاتفاق.

 

ثم هل يكون ثواب الصوم له من أول النهار أو من حين نوى؟ 

كيف من حين نوى؟ فهل في  صومٌ صحيحٌ لبعض النهار؟ ما يصح صوم بعض النهار؛ فلهذا الأصح أنه يصح صوم اليوم، فاليوم كله صوم، فهو صائم من الفجر. 

وقيل: إنما هو من عند ما ينوي، فالمعتمد أنه يكون صوماً يُكتب له ثواب صوم اليوم كله، مثل المأمومِ إذا أدركَ الإمامَ في الركوع فركع، تُكتب له الركعة كلها ولا بعض الركعة؟ تُكتب له ركعة كاملة. نعم، فيكون مدركاً لثواب جميع الركعة، فكذلك هذا اليوم.

 

ثم إنه تحتاج النية التجديد كل يوم هذا عند الجمهور.

وعند زُفَرَ ومالكٍ، وفي روايةٍ أيضًا عن الإمام أحمد، أنه تكفي النية للشهر كله، صوم الشهر كله عبادة واحدة، فينوي عند دخول رمضان صوم شهر رمضان كله. فينبغي أن نفعل ذلك احتياطاً، حتى إذا نسي ليلة من الليالي يكون صومه صحيحاً على ما قال الإمام مالك وزُفَر وفي رواية عند الإمام أحمد.

 

ويقول: "وكثيراً ما كان ﷺ يدخل بيته فيسألهم هل عندكم شيء نتغذى به فإن قالوا نعم أكل وإن قالوا لا قال فإني إذًا صائم" ففي قوله: "إذًا" معناه تجديد النية في تلك الساعة.


"وكان حذيفة -رضي الله عنه- إذا بدا له صوم النفل بعدما زالت الشمس صام" وعلمت فيه قولاً عند الحنابلة ولو بعد الزوال. "وكذلك عبد الله بن مسعود، وكان يقول: أحدكم بالخيار ما لم يأكل أو يشرب، وسيأتي في باب صوم التطوع جواز الخروج منه بأكل أو جماع وغيرهما". عند الجمهور كذلك فيه خلاف.

 

"قال ابن عباس: كان الناس أوّل فرض رمضان إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء" إذا صلوا العشاء أو ناموا -إذا نام أو صلى العشاء- خلاص، حَرُم عليه المفطرات إلى اليوم الثاني، يواصل إلى الليلة التي بعدها. "فاختان رجل نفسه فجامع امرأته -فأتى أهله- بعد العشاء -بعد ما صلى العشاء- ولم يفطر فذكر ذلك للنبي ﷺ فنزلت آية: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ) " ففرحوا بها الصحابة؛ لأنهم كانوا يتعرضون لأن يناموا أو يصلوا العشاء فلا يستطيعون أن يتناولوا مفطراً بعد ذلك، وفيهم من يُجهَد بالنهار، ثم لا يجد في أول الليل طعاماً -عليهم الرضوان- حتى جاء أحدهم، فقال لزوجته: هل عندكِ شيء؟ قالت: انتظر حتى آتيك بشيء. وخرجت تبحث لتجلب شيئاً لهم يتعشى به ويفطر عليه. فعادَ وقد صلَّى الزوج ونام، قالت له لما عادت: خيبة لك! لا يمكنك الآن أن تأكل ولا تشرب. في اليوم الثاني أُغمى عليه من شدة الجوع فخفف الله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ) يعني: تخونون أنفسكم (فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ...﴾ [البقرة: 187]. ففرح بها الصحابة كثيراً، وكان عتقاً لهم.

 

"وكان ﷺ يأمر الصبيان بالصيام حين يطيقون الصوم"، وكذلك يقول أيضاً الفقهاءُ: إنه يجب علينا أن نأمرَ صبيانَنا إذا أطاقوا الصوم أن يصوموا -بشرط الإطاقة- فلا بد من البلوغ، لا تكليف به إلا بعد البلوغ من حيث الوجوب، ولكن يُؤمر به الصبي لسبع، ويُضرب عليه لعشر إن أطاقه، فإن الطاقة للصلاة أيسر من الطاقة للصوم، ولهذا نصَّ على الإطاقة في الصوم. وقالوا: كالصلاة، يُؤمر لسبع ويُضرب لعشر، لكن يشترط في الصوم إن أطاقه، أي: إن كان ذلك في مقدوره من دون كُلفة شديدة ولا تعب مُجهِد. فإذا كان كذلك فيُؤمرُ بالصوم، فيُؤمر به لسبع إن أطاقه، ويُضربُ عليه لعشرٍ أيضاً إن أطاقه. 

وكذلك كما صرح الحنابلة كغيرهم، قالوا: يجب على ولي أمرِه أمرُهُ بالصوم إذا أطاقه، وضربُهُ حينئذٍ تأديباً إذا تركه ليعتاده. كما أنه لا يخاطب بفروع الشريعة في الدنيا إلا المسلمون.

وكذلك لابد من وجود العقل، لأن المجنون ليس بأهل للخطاب، ما يخاطب، لا يُكلَّف بوجوب شيء، فإن القلم رُفع عن المجنون حتى يفيق.

ويقول: "وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: إذا قوى الصبي على صيام ثلاثة أيام متتابعة تأكد في حقه الصوم"، "وكان ﷺ يرسل غداة عاشوراء -هذا إنما كان في أول ما جاء المدينة- إلى قرى الأنصار التي حول المدينة فيأمر المنادي فيقول: "ألا من كان أصبح صائماً فليتم صومه"، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّمُ صبياننا الصغار ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن -أي: الصوف- فإذا بكى أحدهم من الجوع اعطيناه إليه -يلهونه بها- حتى يجيء الإفطار".

 

"وكان عمر -رضي الله عنه- يضرب بالدرة من يراه يأكل من الصبيان ويقول لأمه: ويلك صبياننا صيام" -وأنتِ تتركين صبيانك هكذا!-.

"وكان ﷺ إذا بلغ -يعني: إذا أطاقه- أحد من الصبيان في أثناء الشهر أو أسلم أحد من الرجال فيه لا يأمره بإعادة ما مضى من الشهر"، ولا حتى نفس اليوم الذي أسلم فيه، بل يُسن له إتمام بقية اليوم فقط ولا يلزمه.

"قال أبو هريرة: ولما قدم وفد ثقيف على رسول الله ﷺ في رمضان ضرب عليهم قبة في المسجد فلما أسلموا صاموا ما بقي عليهم من الشهر فقط، وكان ﷺ يأمر من أسلم في يوم بإتمامه وقضاء يوم آخر بعد تمام الشهر"، وعليه بعضُ المذاهبِ أنه إذا طرأ الإسلام أو البلوغُ في أثناء النهار، أنه يقضيَ يوماً بدلَ هذا اليوم. 

رزقنا الله حسن متابعته، وأدخلنا في دائرته، واحشرنا في زمرته، واملأ قلوبنا بالإيمان واليقين والإخلاص والصدق، وأعاذَنا من شرورِ أنفسنا وسيئات أعمالنا، وبلَّغنا فوق آمالنا.

 

ويقول بالنسبة للذي بلغ أثناء النهار أو أسلم أثناء النهار

  • يقول الحنفيةُ والحنابلةُ: يجبُ عليه الإمساكُ بقيةَ اليوم، لإدراكه وقت الإمساك وإن لم يُدرِك الصوم. 
  • يقول الشافعيةُ: الإمساكُ مستحبٌّ ليس بواجبٍ، لأنه ليس صومَ يومٍ، لكن لحرمةِ الوقتِ، وإنما لم يجبْ عليه الإتمامُ لأنه أفطرَ بعذرٍ وهو الصِّبَا أو كان قبلُ الاسلام، وكذلك المريض إذا برأ أثناء النهار، فيُسَنُّ له أن يمسك بقية اليوم. 
  • ولم يَرَ المالكيةُ للإمساك وجوباً ولا استحباباً؛  لمن بلغ أثناء النهار أو أسلم أثناء النهار، أو انقطعَ مرضُهُ أثناء النهار. 

ففي قول وجوب القضاء عليه بدل هذا اليوم.؛ بخلافِ إذا أصبح صائماً وهو صبي فأفطر أثناء النهار، وجب عليه إتمام اليوم، ولا يجوزُ له أن يُفطِرَ حينئذٍ.
فالأصحُّ عند الشافعيةِ، كما هو مذهبُ الحنفيةِ والمالكيةِ، أنه لا يجبُ عليه القضاءُ لأنه لم يُدرِك يوماً كاملاً يصومه إنما جاء أثناء اليوم. فيقولُ الشافعيةُ إنه يجبُ القضاءُ، كما أُشيرَ إليه هنا.


والحنابلةُ فصَّلوا، قالوا: من أصبحَ مفطراً ثم بلغ في أثناء النهار، فالقضاء واجب عليه؛ لماذا؟ 

قال: لأنه بسببِ أنه أصبحَ مفطراً، أدركَ الآن بقية اليوم في الوجوب، وكان متصلاً بالصوم السابق، فكأنه أدرك يوماً كاملاً، ولكن كان في أول النهار غير بالغ أو غير مسلم أو كان مريضاً، فعليه أن يقضي يوماً. يقول: من أصبحَ مفطراً ثم بلغ في أثناء النهار، القضاء واجب عليه لأنه أدرك جزءاً من وقت الوجوب، ولكن لا يمكن فعله إلا بصوم كامل والصوم هذا ما هو كامل فيقضي. 

وأما من بيَّتَ الصومَ من الليل، وأصبح صائماً ثم بلغ، فلا قضاء عليه عندهم، خلافاً لما هو عند الحنابلةِ. الحنابلةُ عندهم التفريق بين من أصبح مفطراً ثم بلغَ أثناءَ النهارِ، هذا عليه القضاءُ. وأما من أصبح صائماً ثم بلغ، فيتم بقية اليوم، ولا قضاء عليه.
وهذا أيضًا عند الشافعية: إذا أصبح صائماً فعليه الإمساك بقية اليوم ولا قضاء عليه. بل لو أصبح مفطراً حتى فالمعتمد عند الشافعية أنه لا قضاء عليه، وقيل بوجوب القضاء.
كذلك الكافر إذا أسلم في شهر رمضان، ما مضى من رمضان لا يُؤاخذُ على شيءٍ فيه. فإن أسلم في الليل فعليه صوم اليوم الذي يليه. وإن أسلم أثناء النهار، فيُستحب عند بعضهم الإمساك، ويجب عند بعضهم، ولا يُستحب عند بعضهم ولا يجب أن يمسك، ولا قضاء عليه.

أحيا الله فينا الشريعة، ورفعَنا مراتبَ القربِ الرفيعةَ، وأصلح أحوال المسلمين في المشارق والمغارب، ودفع شرورَ أهلِ العدوانِ والظلم والبغي والطغيان، والزيغ عنّا وعن أهل لا إله إلا الله، وأبدلَ أحوالَنا وأحوالَ المسلمين بأحسنِها، وعجَّلَ بالفرجِ للمسلمين والمسلماتِ عاجلاً شاملاً في خيرٍ وعافيةٍ. 

 

 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد 

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

26 ذو الحِجّة 1446

تاريخ النشر الميلادي

22 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام