كشف الغمة -44- مواصلة شرح فصل في حكم الكلب وغيره من الحيوانات

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة شرح: فصل في حكم الكلب وغيره من الحيوانات

 صباح الأربعاء: 8 محرم 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  قوله ﷺ: ان الهرة ليست بنجس
  •  شرح حديث: السنور سبع
  •  حكم سؤر الهرة
  •  حكم الماء إذا تناولت الهرة نجاسة ثم ولغت فيه
  •  حكم المائعات عند وقوع نجاسة
  •  كيفية تطهير الشي الجامد والمائع من النجاسة
  •  عندما مر رسول الله بغلام يسلخ شاة وما يحسن

نص الدرس مكتوب:

"وقالت أم صالح: أرسلتني مولاتي إلى عائشة رضي الله عنها بهريسة فوجدتها تصلّي فأشارت إليّ أن ضعيها، فجاءت هِرّة فأكلت منها، فلما انصرفت عائشة من صلاتها أكلت من حيث أكلت الهرّة فرأتني أنظر إليها فقالت: أتعجبن يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم، فقالت: إن رسول الله ﷺ قال: "إن الهرّة ليست بنجسٍ إنما هي من الطوّافين عليكم والطوّافات". 

وكثيرًا ما رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ من فضلها ويقول: "إن السنور سبعٌ لا كلبٌ".وكان أبو هريرة يقول: إذا ولغ السنّور في إناءٍ فاغسلوه سبع مرات، وفي رواية عنه: «مرّة أو مرتين». 

وسئل ﷺ عن الفأرة تموت في السمن فقال: "إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه"، وفي روايةٍ: "فأريقوه"، وسُئل الزهري عن الدابة تموت في الزيت والسمن والودك وهو جامد أو غير جامد، الفأرة أو غيرها فقال: بلغنا أن رسول الله ﷺ قال: "إن كان جامدًا فألقوها وما حولها وكلوا سمنكم، وإن كان مائعًا فأريقوه ولا تأكلوه". 

وقال أبو هريرة: سُئل رسول الله ﷺعن الفأرة تموت في السمن الذائب فقال: "استصبحوا به، أو قال انتفعوا به".

قال شيخنا رضي الله عنه يقول: لم يبلغنا شيءٌ في تنجيس غير الأدهان من سائر المائعات بموت الفأر ونحوه فيه، فمن بلغه عن رسول الله ﷺ في ذلك شيء فليلحقه ههنا، والله أعلم. 

وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: مرّ رسول الله ﷺ بغلام يسلخ شاةً وما يُحسن فقال له رسول الله ﷺ: تنحَّ حتى أُريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم ودخس لها حتى توارت إلى الإبط ثم مضى صلّى للناس ولم يتوضأ ولم يمسّ ماءً، والله أعلم. 

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات)

 

الحمد لله الذي أكرمنا بشريعته وبيانها على لسان حبيبه وعبده وصفوته خير بريَّته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحابته وعلى أهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله خيرته في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

ويواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بالحيوانات وطهارتها في الحياة وموتها إذا ماتت. وتقدَّم معنا ذكر الخنزير وأنَّ الجمهور قالوا بنجاسته، ومن الأئمة من لم ير نجاسة عينه، كما هو عند المالكية. وبدأ يذكر لنا الهرة، وكذلك جميع الحيوانات ما دامت حيَّة فهي طاهرة، غير الكلب والخنزير -كما تقدَّم من التفصيل معنا عند الشافعية والحنابلة- الكلب والخنزير وفرع أحدهما.

ثم يذكر عن الهرة هذه الأحاديث: أن أم صالح أرسلتها مولاها إلى سيدتنا عائشة بهريسة معها "فوجدتها تصلّي"  في صلاة الضحى أو نحوها، "فأشارت إليّ أن ضعيها،" فتركتها "فجاءت هِرّة فأكلت منها، فلما انصرفت عائشة من صلاتها أكلت من حيث أكلت الهرّة فرأتني أنظر إليها" يعني متعجبة من فعلها "فقالت: أتعجبن يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم، فقالت: إن رسول الله ﷺ قال: "إن الهرّة ليست بنجسٍ إنما هي من الطوّافين عليكم والطوّافات"، أي الخُدَّام الذين يسعون في خدمة البيت ومصالحه، فهي واحدة من أهل البيت تطوف البيت؛ إن وجدت فأر تأكله أو وجدت حيَّة تقتلها؛ فلها منافع في البيت، فهي من الطوَّافين عليكم والطوافات. وجاءت في هذا روايات عنه ﷺ، منها رواية أبي داؤود وذكر فيها هذه الرواية في إرسال الهريسة إلى سيدتنا عائشة، وفيها زيادة: قالت: "وقد رأيت رسول الله  يتوضأ بفضلها" .

وهكذا جاء أيضا عند أبي داؤود: عن كبشة بنت كعب بن مالك -كانت تحت ابن أبي قتادة- أن أبو قتادة دخل قالت: فسكبت له وضوءًا، فجاءت هِرَّة فشَرِبت منه فأصغى لها الإناء حتى شَرِبَت، قالت كَبْشَة: فرآني أنظر إليه! قال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قلت: نعم! قال: إن رسول الله ﷺ قال: "إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوَّافين عليكم والطوَّافات".

وجاء أيضا في الروايات المتعلقة بالسُّنُّور -وهو من أسماء الهرة: السُّنُّور والهرة والقطة، وتعددت أسماؤها- يقول أبو هريرة: كان رسول الله  يأتي دار قومٍ من الأنصار، ودونهم دور لا يأتيها فشَقَّ ذلك عليهم، قالوا: يا رسول الله تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا؟ فقال النبي ﷺ: إنَّ في داركم كلبا، قالوا: إن في دارهم سنّورا؟ فقال النبي ﷺ: "السُّنُّور سبع". وهذا في رواية الإمام أحمد والحاكم و في كتاب المستدرك،وضعفه الذهبي. ومن المعلوم وجود السُّنور في بيته ﷺ. ثم ذكر لنا رواية أبي هريرة: "إذا ولغ السنّور في إناءٍ فاغسلوه سبع مرات". وجاء عند البيهقي في السنن الكبرى والدارقطني، لكن قال لا يصح عن أبي هريرة هذا أشبه أنه من قول عطاء.

وجاء أيضا في السنن الكبرى البيهقي عن أبي هريرة في سؤر السُّنور: يُهرق ويُغسل الإناء مرة أو مرتين. وهذا على قول بنجاسته، والجمهور على أنه ليس بنجس. إلا أن سؤره بعد ذلك -سؤر الهرة- عدَّه الحنفية من المكروهة، وجعلوا المباح: سؤر الآدمي والحيوانات المأكولة، وجعلوا المكروهة: سؤر الهرة وبعض الحيوانات، وجعلوا المُحَرَّم: ما كان من سؤر السِّباع. فعامَّة الفُقهاء إلى أنَّ سؤر الهرة وما يماثلها أو دونها في الخِلْقَة من سواكن الديار: طاهر يجوز شربه والوضوء به.

وهكذا أيضا في الرواية أن أبي قتاد دخل، تقول زوجته: فسكبتُ له وضوءا فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء شَرِبَت، قالت كبشة: فرآني أنظر؟ قال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قلت: نعم، قال: إن النبي ﷺ قال: "إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات". قال الترمذي حسن صحيح. 

إذًا فالجمهور أنَّ سؤر الهرة طاهر. نعم إذا رُؤي في فمها نجاسة فولغت في ماء قليل فهو نجس، إذا كان موجودا في فمها عين من النجاسة. قال الشافعية: فإذا رآها تتناول نَجِسَا -كأن تأكل الفأرة- ثم جاءت تشرب من ماء؛ فإن غابَت عنه بعد مزاولتها للنجاسة واُحتُمِلَ -أيّ: وقع في الاحتمال أو في الإمكان- أنها ولغت في ماء كثير -بأن يكون عندهم في المكان الذي هم فيه بِرَك أو أنهار أو نحوها- فلا يضر ما تشربه بعد ذلك وسؤرها بعد ذلك، وأما إن رآها تتناول النجاسة ثم قامت إلى ماء وهو قليل فهو نجس باتصال بفمها المُتَنَجِّس.

بعد ذلك ذكر الحُكم في الماء -يقصد السوائل- الجامد والمائع، وإذا وقعت الفأرة في السَّمْنِ: "إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه". وجاء في الروايات: "اِسْتَصْبِحُوا به" يعني: اجعلوه في المصابيح؛ الشموع تَسْتَقِي منه، أي بمعنى: لا تلمسوه ولا تشربوا منه. 

فبهذا يقول المالكية والشافعية والحنابلة: أن ما سوى الماء المُطْلَق من المائعات مثل: الخل وزيت وعسل وسمن وما إلى ذلك؛ إذا وقعت فيه النجاسة يتنجس بملاقاة النجاسة. إذا كان هذا المائع وصلت إليه نجاسة -سواء كان قليلا أو كثيرا- وعَسُر الاحتراز أو لم يَعسُر. فاختلفت المائعات عن الماء؛ لأن له خاصية في دفع الخبَث. 

وجاء في الحديث سؤاله عن الفأرة تموت في السَّمْنِ؟ فقال: "إن كان جامدًا فألقوها وما حولها،" الجامد الذي إذا أخذت منه بَقِيَت البُقْعَة التي أخذتها لا يتراجع إلا بعد مُدَّة، فإن كان يُسرِع التراجع فهو مائع، وإن كان إذا أخذت منه شيء ما يَسرُع تراجعه يبقى المحل محفور ولا يتراجع إلا بعد مدة فهو جامد، أو لا يتراجع أصلا، وأمَّا إن كان يتراجع بسرعة فهو مائع. فيقول: فقال: "إن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه"، وفي روايةٍ: "فأريقوه" مع قوله في الماء: "الماء لا يُنَجِّسه شيء إلا ما غَلَبَ على ريحه أو طعمه أو لونه". لكن في السمن قال: "أريقوه".

والمائعات غير الماء عند الذين يُفَرِّقون بين قليل الماء وكثيره، مثل: 

  • الحنابلة والشافعية لا يُفَرِّقُون في النجاسات بين القليل والكثير؛ بل يحكمون بالنجاسة بمجرد ملاقاة النجاسة. وكذلك قد يتولَّد الدُّودُ في بعض الأطعمة ويموتُ فيه. 
  • والحنفية يقولون: إذا وقعت النجاسة في المائع فحكمه حكم الماء، قليله وكثيره؛ فالحكم عندهم واحد. 
  • لكن الأئمة الثلاثة يقولون المائعات ليست كالماء، بل المائعات يتأثر فيها النجاسة وإن كَثُرَت. 
  • وقال الحنفية لا؛ إن كان كثير فتغيَّر: ضَرْ، وإن لم يتغير لم يَضُر، وإن كان قليل يضرّه؛ فهو مثل الماء.
  • وهكذا تأتي الرواية الثانية عن الإمام أحمد -مثل مذهب الحنفية- ويقول بعضهم: سألت أحمد: كلب ولغ في السمن أو زيت؟ قال: إذا كان في آنية كبيرة أو نحوه، رجوت أنه يكون لا بأس به ويؤكل؛ لأنه كثير؛ فلم يَنجُس بالنجاسة من غير تَغيُّر. 
  • الحنفية يقولون: سائر المائعات كالماء في الأصح عندهم..

وأمَّا الحيوان الكبير الذي له دم سائل؛ فهو بموته ينجس، ويُنَجِّس الماء الذي يقع فيه. 

وأمَّا أنَّ الحيوان الصغير الذي كالوزغة وأقل؛ فإنه لو شُقَّ منه عضوٌ في حياته لا يَسيِلُ له دم فيقول لا نفس له سائلة؛ فهو معفوٌّ عنه؛ لِمَا جاء في الحديث: "إذا وقع الذباب بين أحدكم فليغمسه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء".

فهكذا إذا وقعت النجاسة في شيء جامد، كسمن جامد ونحوه، تطهيره يكون برفع هذه النجاسة وتقوير ما حولها وابعاده، والباقي طاهر. أمَّا إذا وقعت في مائع فقد سَمِعتَ أنَّ المالكية والشافعية على الأصح عندهم والحنابلة يقولون: المائع لا يقبل التطهير. كما سمعت في الحديث: "فأريقوه"، "فلا تقربوه". ولم يُفَرِّق الحنفية بين الماء والمائعات. وقال في الحديث أيضا: "سُئل رسول الله ﷺعن الفأرة تموت في السمن الذائب فقال: "استصبحوا به،" يعني: اجعلوه في المصابيح. "أو قال انتفعوا به"، أي في غير مُمَاسَّةٍ ولا شُربٍ ولا طعام.

ويذكر عن شيخه يقول: "لم يبلغنا شيءٌ في تنجيس غير الأدهان من سائر المائعات بموت الفأر ونحوه فيه، فمن بلغه عن رسول الله ﷺ في ذلك شيء فليلحقه ههنا، والله أعلم." ولكن الحكم عند الجمهور: جميع المائعات حكمها واحد؛ فهي عند الحنفية كالماء، وعند غيرهم إذا كانت مائعة فبمجرد ملاقاة نجاسة تَنجُس ولو كانت كثيرة. وفي رواية أبي هارون العبدي عن أبي سعيد: قال في الفارة تقع في السمن أو الزيت "استنفعوا به ولا تأكلوا".

يقول: "مرّ رسول الله ﷺ بغلام يسلخ شاةً" أي: يُخرِجُ جلدها بعد أن ذبحها "وما يُحسن"، فلما رآه  علَّمه "فقال له رسول الله ﷺ: تنحَّ حتى أُريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم" أخذ يُفرِزُ الجلد عن اللحم "ودخس لها"؛ يعني: أدخل يده "حتى توارت إلى الإبط" وأخرج له الجلد الذي على الشاة "ثم مضى صلّى للناس ولم يتوضأ ولم يمسّ ماءً"، فالمذبوحات طاهرات، المُذَكّيَّات من المأكولات طاهرات هي وجلدها ولحمها ، فبيَّن طهارة ذلك.

وفيه: محبة ﷺ إتقان الأعمال والقيام بها على وجه الإحسان، "إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه"، وفيه تعليمه بالفعل ﷺ، واهتمامه بتعليم الناشئة والشباب، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله والأصحاب، ورزقنا الاقتداء به في جميع الشؤون، وتولانا به في الظهور والبطون، وأثبتنا في ديوان مَن يهدون بالحق وبه يعدلون، وأعاذنا من الآفات والشكوك والظنون، ورزقنا كمال علم اليقين وكمال عين اليقين وكمال حق اليقين، وألحقنا بعباده الصالحين، وختم لنا بالحسنى وهو راضٍّ عنَّا.. 

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة

 الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

09 مُحرَّم 1445

تاريخ النشر الميلادي

26 يوليو 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام