(535)
(339)
(363)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 338- كتاب الصيام (15) فرع: متى يترخص المسافر في الفطر
صباح الأربعاء 21 محرم 1447هـ
فرع: متى يترخص للمسافر
"كان رسول الله ﷺ إذا سافر في أثناء اليوم الذي هو فيه صائم يشرب أول ما يستوي على راحلته والناس ينظرون فيقول المفطرون للصوام: أفطروا، وكان مقدار السفر الذي كانوا يفطرون فيه على عهد رسول الله ﷺ ثلاثة أميال فأكثر، وكان عليّ -رضي الله عنه- يقول: من أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم؛ لأن الله تعالى يقول: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: 185] وكذلك كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول، وقالت أم درة -رضي الله عنها-: أتيت عائشة -رضي الله عنها- يوماً فقالت: من أين جئت؟ فقلت: من عند أخي ودعته يريد السفر، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: فأقرئيه مني السلام وأمريه أن يصوم فلو أدركني شهر رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت.
وكان دحية الكلبي -رضي الله عنه- إذا سافر في رمضان إلى مسيرة ثلاثة أميال يفطر ويقول لمن صام وكره الإفطار: ما كنت أظن أني أعيش إلى زمن يُرْغب فيه عن هدي رسول الله ﷺ وأصحابه اللهم اقبضني إليك، وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- إذا أراد سفراً يرحل راحلته ويلبس ثياب السفر ثم يدعو بطعام فيأكل فيقول له سنة؟ فيقول سنة ثم يركب، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة في أول يومه دخل وهو صائم، وكان أبو بصرة الغفاري -رضي الله عنه- يأكل في رمضان حين يعزم على السفر في البحر فأكل يوماً حين خرجت السفينة من شاطئ البحر وهو بين البيوت ولم يجاوزها فيقول له في ذلك فيقول: هي السنة.
وكان ﷺ إذا دخل في سفره بلداً يفطر ما لم يجمع إقامة، ولما غزا غزوة الفتح في رمضان صام حتى إذا بلغ الكديد الماء الذي بين قديد وعسفان أفطر فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر وكان الفتح لعشر بقين من رمضان".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريّته، سيدنا محمد ﷺ وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، الراقين في الفضل والشرف والكرامة أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنّه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،
يواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ما يُتعلّق بأحكام الصيام، والرُخصة للمسافر كما جاء بها القرآن: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة:184].
ويقول: متى يُترخّص للمسافر؟
"كان رسول الله ﷺ إذا سافر في أثناء اليوم الذي هو فيه صائم يشرب أول ما يستوي على راحلته والناس ينظرون فيقول المفطرون للصوام: أفطروا"، وهذا لما تبين فيه رواية بهذه الصورة التي ذكرها إلا ما جاء في الروايات المتعددة من أنه في أثناء سفره كان صائماً ثم إنه بقي يتشبث باتباعه في الصوم عدد من المسلمين وقد شقّ عليهم الصوم، فأفطر ليُعلمهم أخذ الرخصة التي رخّص الله -تبارك وتعالى- لهم. وقد مر معنا أيضاً في الرواية أنهم لما وصلوا إلى نهر وكانوا يمدون أعناقهم من شدة عطشهم وأمرهم أن يفطروا، فشق ذلك عليهم، فنزل وتناول الماء بيده وشرب ﷺ.
ومن هنا:
إذاً فمن طلع عليه الفجر وهو في سفر طويل يجوز له أن يترخص ذلك اليوم فلا يصوم.
كذلك بعد ذلك من كان عازماً على الصوم ولم ينقض العزيمة قبل الفجر، فأفطر:
يقول: "وكان مقدار السفر الذي كانوا يفطرون فيه على عهد رسول الله ﷺ ثلاثة أميال فأكثر"، ولكن الجمهور على أنه لا يجوز القصر ولا الفطر في نهار رمضان إلا مقدار أربعة بُرُد؛ فهو ستة عشر فرسخاً، فيكون مقداره ثمانية وأربعين ميلاً هاشمياً.
على ذلك مضى أيضاً جمهور أهل العلم أن رخص السفر:
إن هذه الرخص الأربعه تناط بالسفر الطويل.
والسفر الطويل الذي هو -هذا المقدار الذي ذكرناه-:
مقدار ثمانية وأربعين ميلاً هاشمياً، والميل يكون بمقدار أربعة آلاف ذراع، وعلى هذا يكون الثمانية والأربعون ميل قريباً من سبعٍ وسبعين كيلومتراً، أي: سبع وسبعين ألف متر فيكون هذا مقدار الميل.
وكانت هذه المقادير في المسافات مما أخذه المسلمون إلى الأندلس، فأخذوا عنهم هذه المقادير، فأقاموا الميل الهاشمي -هذا الذي مشار إليه-، ولم تزل عليه إلى الآن المقاييس في الدول الأوروبية كلها، حتى سياراتهم كانت تمشي فيها الميل، هذا الميل الهاشمي نفسه. فإذا حُوّل إلى المتر فيساوي سبعة وسبعين ألف متر، يعني: سبعة وسبعين كيلومتراً. فسبعة وسبعين كيلومتراً تقوم تماماً بثمانية وأربعين ميلاً هاشمياً.
فما زاد على ذلك -سبعة وسبعين كيلومتر- فهو مسافة القصر أو السفر الطويل، فهو كذلك عند المالكية والشافعية والحنابلة، وكذلك عن الليث والأوزاعي: أربعة بُرُد؛ لما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا أهل مكة، لا تقصروا في أقل من أربعة بُرُد من مكة إلى عسفان"، في رواية الدارقطني. وقال ابن حجر: الصحيح وقفه على ابن عباس وسنده ضعيف.
تقدير مسافة أربعة بُرُد
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما - وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة بُرُد، وهذا ما يؤخذ باجتهاد مقياس المسافة فهو في حكم المرفوع، إذاً كل بريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، فإذا كانت أربعة بُرُد -كل بريد أربعة فراسخ- فهي ستة عشر فرسخاً، كل فرسخ ثلاثة أميال، -نضرب ثلاثة في الستة عشر، العشرة بثلاثين وثلاثة بستة ثمانية عشر- فهي ثمانية وأربعين ميلاً هاشمياً. وهو باعتبار الوقت مرحلتان، يعني: مسير يومين معتدلين، أو يوم وليلة بسير الإبل المثقلة بالأحمال على المعتاد، مع النزول المعتاد والاستراحة وغير ذلك.
فمقدار اليومين:
فالمعتبر هو كما هو معلوم السير الوسط عند الكل، وعلمنا أنه لا يضر قطع المسافة في وقت يسير، ثم هذه المسافة لو جرى على فرس ونحوه بيقطعها في مدة أقل.
"وكان عليّ -رضي الله عنه- يقول: من أدركه رمضان وهو مقيم ثم سافر فقد لزمه الصوم"، -وعليه الجمهور كما عرفنا، إلا الحنابلة عندهم يجوز له أن يفطر وإن حدث السفر أثناء اليوم، والأفضل ألا يفطر خروجاً من الخلاف- "فقد لزمه الصوم"؛ لأن الله تعالى يقول: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة:185] وكذلك كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول، وقالت أم درة -رضي الله عنها-: أتيت عائشة -رضي الله عنها- يوماً فقالت: من أين جئت؟ فقلت: من عند أخي ودعته يريد السفر، فقالت عائشة -رضي الله عنها-: فأقرئيه مني السلام وأمريه أن يصوم فلو أدركني شهر رمضان وأنا ببعض الطريق لأقمت.
وكان دحية الكلبي -رضي الله عنه- إذا سافر في رمضان إلى مسيرة ثلاثة أميال يفطر ويقول لمن صام وكره الإفطار: ما كنت أظن أني أعيش إلى زمن يرغب فيه عن هدي رسول الله ﷺ وأصحابه اللهم اقبضني إليك، وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- إذا أراد سفراً يرحل راحلته ويلبس ثياب السفر ثم يدعو بطعام فيأكل فيقول له سنة؟ فيقول سنة ثم يركب".
والجمهور أيضاً على أنه لا يجوز أن يبدأ في الفطر قبل أن يبدأ في السفر، وإن كان يريد السفر فإذا طلع الفجر عليه وهو في الحضر وجب عليه إتمام ذلك اليوم كما أسلفنا.
"وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة في أول يومه دخل وهو صائم"
"وكان أبو بصرة الغفاري -رضي الله عنه- يأكل في رمضان حين يعزم على السفر في البحر فأكل يوماً حين خرجت السفينة من شاطئ البحر وهو بين البيوت ولم يجاوزها فيقول له في ذلك فيقول: هي السنة. وكان ﷺ إذا دخل في سفره بلداً يفطر ما لم يجمع إقامة، ولما غزا غزوة الفتح في رمضان صام حتى إذا بلغ الكديد الماء الذي بين قديد وعسفان أفطر، فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر وكان الفتح لعشر بقين من رمضان".
في العشر الأواخر كان فتح مكة ثم قضاه ﷺ، ومعلوم في سفره للفتح أنه كان صائماً في أول الأمر ثم أفطر مراعاة لأحوال الصحابة، ثم عزم عليهم بالفطر لما قربوا من ملاقاة العدو.
رزقنا الله الاستقامة، واتحفنا بالكرامة، ودفع الآفات عنا، وتولانا بما هو أهله في الحس والمعنى، وجعلنا من أهل الصدق والإنابة والخشية والاستقامة، وأصلح شؤوننا ما أصلح به شؤون المترقين إلى أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، في لطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
22 مُحرَّم 1447