(535)
(607)
(374)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 339- كتاب الصيام (16) فرع: في فطر أصحاب الأعذار
صباح السبت 24 محرم 1447هـ
فرع: في فطر أصحاب الأعذار
كان رسول الله ﷺ يرخص في الفطر للمريض والشيخ والعجوز والحامل والمرضع وتقدم قوله ﷺ: "إن الله قد وضع عن الحامل والمرضع الصوم"، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لما نزل قوله تعالى: (وعلى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينَ) [البقرة : 184] كمن أراد أن يفطر ويفتدي فعل فلما نزل قوله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: 185] أثبت الله تعالى صيامه على المقيم الصحيح إذا لم يكن حاملاً ولا مرضعاً ورخص فيه للمريض والمسافر، وأثبت الإطعام للحامل والمرضع والكبير الذي لا يقدر على الصيام من الرجال والنساء فيطعم كل منهم مكان كل يوم مسكيناً.
وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- لما كبر وعجز عن الصوم يفتدي. قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: لما عرف أُبَيُّ عام توفي أنه لا يستطيع القضاء جفناً له جفاناً من خبز ولحم فأطعمنا العدة وأكثر يعني: من ثلاثين رجلاً لكل يوم رجلاً. وقال ابن أبي ليلى دخلت على عطاء بن أبي رباح في رمضان وهو يأكل فرمقته بعيني فقال: الصيام واجب على كل أحد إلا المسافر والمريض والشيخ الكبير مثلي، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا خافت الحامل على ولدها واشتد عليها الصيام تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة بمد النبي ﷺ. وكان القاسم بن محمد -رضي الله عنه- يقول: من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضه وهو قوي على صيامه حتى جاء رمضان آخر فإنه يطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة وعليه ذلك القضاء. "
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمِنا بشريعته الغَرَّاءِ وبيانها على لسان حبيبه وعبده خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأهل بيته الذين حباهم الله به طُهراً، وعلى أصحابه الذين رفع الله لهم به قدراً، وعلى من والاهم واتبع بإحسانٍ سرّاً وجهراً، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
عقد الشيخ -رضي الله عنه- هذا الفصل في أحكام فِطر أصحاب الأعذار؛ أي: من يوجد لهم مُبيحٌ للفِطر؛ فيبيح عدم الصوم من مرضٍ وسفرٍ وحملٍ ورضاعٍ وهَرَمٍ وإرهاقٍ وجوع وعطش أو إكراه إلى ذلك من الأعذار.
وقال: "كان رسول الله ﷺ يُرخِّصُ في الفطر للمريض والشيخ والعجوز والحامل والمرضع وتقدم قوله ﷺ: "إن الله قد وضع عن الحامل والمرضع الصوم""، أي: تعجيله إذا كان خافتا على أنفسهما أو على الولد؛ على الرضيع أو على الجنين في البطن. "وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: لما نزل قوله تعالى: (وعلى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينَ) [البقرة : 184] كمن أراد أن يفطر ويفتدي فعل فلما نزل قوله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة: 185] أثبت الله تعالى صيامه على المقيم الصحيح إذا لم يكن حاملاً ولا مرضعاً ورخص فيه للمريض والمسافر، وأثبت الإطعام للحامل والمرضع والكبير الذي لا يقدر على الصيام من الرجال والنساء فيُطعم كل منهم مكان كل يوم مسكيناً".
وبعد ذلك اختلفوا في هل يلزم الفدية أم لا؟
فأما إن أفطرت الحامل:
فلا شيء عليهما من الفدية إلا القضاء -ما عليهما إلا القضاء فقط-.
فإن خافت الحامل على الرضيع فقط لا على نفسها؛ قالت: أنا لا يضرني شي.. لكن خافت على الرضيع، قالت الولد الطفل يتأثر، سيقل اللبن ويتضرر، أو قالت الحامل: أنا ما عليّ شيء ولكن الجنين في البطن يتضرر؟
إذًا فإن أفطرتا خوفاً على أنفسهما فليس عليهما إلا القضاء ولا فدية.
وإن خافتا على أنفسهما وولديهما فكذلك.
لكن إن كان الإفطار من أجل الخوف على الحمل أو على الرضيع لا على أنفسهما؟
كذلك يقول الشافعية: من أفطر لإنقاذ آدميٍّ معصومٍ أو حيوانٍ محترمٍ مشرفٍ على الهلاك، فلا يستطيع إنقاذه إلا بالفِطر فأفطر؟
قالوا أيضاً: يلزمه القضاء والفدية.
إذًا: الإفطار لخوفٍ على الغير فقط، يلزم بسببه القضاء والفدية معاً، بخلاف إذا كان على الغير وعلى النفس.
فإذا كان الإفطار ما هو لإنقاذ حيوانٍ، ولكن مثلاً لإنقاذ مالٍ، سواء له أو لغيره؟
فهذا السبب الأول الذي تلزم به الفدية.
والسبب الثاني: أن يُفطر مع تأخير قضاء شيء من رمضان، وهو قد تمكّن من القضاء فلم يقضِهِ حتى جاء رمضان الآخر، فعليه أن يصوم رمضان الثاني، ثم يقضي عن رمضان الأول بعد إنتهاء رمضان الثاني، وعليه أن يخرج الفدية.
يقول: "وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- لما كبر وعجز عن الصوم يفتدي"، وهو ثابت في حق الشيخ الهَرِمِ الذي لا يستطيع الصيام ولا يرجو بُرءاً، فعليه أن يُخرِجَ عن كل يوم مُدّاً. يجوز له تأخير الأيام أو في آخر الشهر، ولا يجوز له تقديم المد عن يوم لم يأتِ بعد، لأنه ما تعلق به الوجوب، ولكن إذا طلع فجر أي يوم يصح له أن يُخرج مُدَّ ذلك اليوم، ويجوز أن يؤخرها أياماً ثم يخرجها دفعة واحدة.
يقول: "وكان أنس بن مالك -رضي الله عنه- لما كبر وعجز عن الصوم يفتدي"، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: لما عرف أبي عام توفي أنه لا يستطيع القضاء جفناً له جفاناً من خبز ولحم فأطعمنا العدة وأكثر يعني: من ثلاثين رجلاً لكل يوم رجلاً". لكل يومٍ رجل.
"يقول ابن أبي ليلى: دخلت على عطاء بن أبي رباح في رمضان وهو يأكل، فرمَقته بعيني، فقال: الصيام واجب على كل أحدٍ إلا المسافر والمريض والشيخ الكبير مثلي". يعني: من كان يشق عليه الصوم مشقة شديدة ما تُحتَمل، وهو ما يرجو بُرءَ هذا المرض، فعليه أن يخرج عن كل يوم مُدّاً.
"وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا خافت الحامل على ولدِها أو اشتد عليها الصيام، تُفطِر وتُطعِم مكان كل يوم مسكيناً مُدّاً من حنطةٍ بِمُدِّ النبي ﷺ".
"سُئِل القاسمُ بنُ محمد رضي الله عنه، يقول: من كان عليه قضاء رمضان فلم يقضِهِ وهو قويٌّ على صيامه، -أي: تمكّن من قضائه- حتى جاء رمضان آخر، فإنه يُطعِمُ مكان كل يوم مسكيناً مُدّاً من حنطة، وعليه مع ذلك القضاء". فالقضاء لا بد منه، ولكن أيضاً يُخرِج عن كل يوم مُدّاً، ويتصدق بالمدِّ عن التأخير، لأنه أخّر القضاء عن وقته الذي شرعه الله -سبحانه وتعالى- فيه.
فيجوز أن يقضي في أي يوم من أيام السنة، فإذا أخره وما كان له عذر، أما لو استمر به المرض إلى رمضان الثاني فلا فدية عليه. أما إذا تمكن فلم يقضِهِ ثم جاءهُ رمضان الثاني فعلَيه مع القضاء الفدية، وَإطعام عن كل يوم مسكيناً مُدّاً.
رزقنا الله حسن أداء الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقامة الصيام على الوجه الأَرضَا له، وجميع ما فرض علينا وندَبنا إليه من الطاعات. وارزقنا فيها الإتقان والإحسان والإخلاص والصدق والقبول لديه، في لطفٍ وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم
الفاتحة
25 مُحرَّم 1447