(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة شرح: فصل في المني ودم الحيض
صباح الإثنين: 6 محرم 1445هـ
"وقالت أسماء بنت أبي بكر : "جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فسألته عن دم الحيض يصيب الثوب فقال : حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحي ما لم تري وصلي فيه"، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : إذا غسلت إحداكن الدم ولم يذهب أثره فالماء له طهور، وكثيراً ما كانت تقول: استعينوا عليه بالملح ونحوه .
وكانت رضي الله عنها تقول : ما كانت لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فمصعته بظفرها، قال العلماء: هذا محمول على الدم اليسير المعفو عنه، والقدر محمول على الكثير، وفي رواية فإن أصابه شيء بلته بريقها ثم قصعته بظفرها، وفي رواية كانت إحدانا تحيض فيصيبها الدم فتقرضه من ثوبها عند طهرها فتغسله وتنضح عن سائره ثم تصلي فيه، وكثيراً ما كان ﷺ يخرج وعليه الملاءة التي يتغطى بها هو وأهله فيجد فيها لمعة من دم الحيض فيقبض عليها مع ما يليها ثم يصرها ويرسلها إلينا فيقول: اغسلوها وأجفوها ثم أرسلوا بها إلي، فنفعل بها ذلك .
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن الحائض يصيب ثوبها الدم قالت : تغسله فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفرة، ثم قالت: لقد كنت أحيض عند رسول الله ﷺ ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً، وكان إذا أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده إلى غيره ثم صلى فيه، وإن أصاب ثوبه منه شيء تعني منياً غسل مكانه ولم يعده ثم صلى فيه، وكانت الممتشطة منا إذا اغتسلت لا تنفض لها شعراً إنما تحفن على رأسها ثلاث حفنات فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر جسدها . وسئل رسول الله ﷺ عن دم الحيض يكون في الثوب فقال : حكيه بضلع و اغسليه بماء وسدر . وسيأتي حكم المذي والودي في باب الأحداث إن شاء الله تعالى".
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات).
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان خير الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله من رزقهم الله به طهرا وأصحابه من أعلى الله لهم به قدرا، وعلى من والاهم في الله واتبعهم إلى يوم الدين سرًا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وذكر الشيخ المؤلف الشعراني عليه رحمة الله تعالى في هذه الأحاديث:
وذكر دم الحيض بقوله: "قالت أسماء أنه جاءت امرأة الرسول ﷺ فسألته عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: عن دمِ الحيضِ يصيبُ الثَّوبَ؟ فقالَ : "حُتِّيهِ ثمَّ اقرُصيهِ بالماءِ ثمَّ انضَحيهِ -ما لم تري- وصلِّي فيهِ "، ففيه أنه نجس وأنه يطهر بغسله وقرصه بالماء.
"وكانت السيدة عائشة تقول: إذا غسل إحداكن الدم ولم يذهب أثره فالماء له طهور، وكثيرًا ما تقول استعين عليه بالملح ونحوه"، وذلك أن هذه النجاسة التي يسميها الشافعية متوسطة ليست المغلظة ولا المخففة، إذا قد غُسلت ثلاث مرات واستعين بنحوِ ملح أو صابون وغيره من المزيلات فبقي لون فقط مثل الدم أو ريح فقط فإنه يعفى عنه. وهذا معنى قولها: "فالماء له طهور"، يعني الأثر الباقي باللون، ولكن بعد ما قالت: " استعينوا عليه بالملح ونحوه":
وهكذا شأن الدم كانت تقول: "ما كانت لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه"، وتطهر فيه وتبقى فيه ويمر عليها الشهر والشهران ليس لها إلا هذا الثوب، بل إلى ستة أشهر إلى أكثر من ذلك، قد تكرر عندهم، فكثير من النساء بهذه الصورة، والذي فرضه الفقهاء على الزوج في كسوة زوجته أنها بدلة للصيف وبدلة للشتاء كل ستة أشهر بدلة واحدة. وقد كان الأمير الذي أرسله سيدنا عمر بن الخطاب إلى بعض المدن في الشام، كان الأمير عندهم سعيد ابن عامر وكان لما سألوه، قالوا: أنه ينقطع عنا يوم في الشهر، ولما سأله سيدنا عمر، قال: عندي ثوبي إذا مضى عليه شهر أحتاج إلى تغسيل، ثوب واحد -لايوجد غيره عنده- يلبسه، قال: فكان إذا مضى شهر أغسله، ما عندي غيره فأتستر بملحفة أهلي أو بفراشي حتى يجف، فإذا جف الثوب خرجت إليهم بعد ذلك، في آخر اليوم أخرج إليهم؛ فهو يبقى في الثوب هذا شهر يغسله مرة في الشهر يلبسه سعيد بن عامر الجمحي وهو أمير المنطقة عليه الرضوان، فكم من حلل قد عرضت له وهو في برزخه من حين توفي إلى اليوم؟ وكم سيلبس من ملابس الجنان؟ وفي الوقت الواحد سبعين حُلَّة كل حُلَّة تُرى من التي وراءها، وهكذا والجزاء من جنس العمل، لا إله إلا الله.
فتعليق قلوب الناس بالزخرفة و كثرة الملابس والزهلقة فيها غرور غرهم بها الشيطان؛ ومرتع مرتع يرتع فيه للقطيعة عن الحق وعن الخير فإذا تفاخروا بها، "فمَن لَبِسَ ثوبَ شُهرةٍ في الدُّنيا، كان حقاً الله أن يُذِلَّهُ على رؤوس الأشهاد يوم القيامة" والعياذ بالله تبارك وتعالى، وإنما المقصود ستر العورة أولاً، ثم إظهار النعمة، ثم اتباع السنة هذا مقصود الثياب، لا إله إلا الله.
وأما تتحول إلى موضات وإلى زهلقات وإلى لعبة يلعب بها الشيطان على قلوب العباد، يقطعهم عن المكارم وعن الفضائل، ولا إشكال في أن يكون الثوب جيد ولا أن يكون حسن ولا أن يكون نظيف؛ كل هذا مستحب، لكن تعلق القلب بالزهلقة والصّلف-تكبر وعُجُب- والتفاخر بها، هذا اعوجاج في الفكر وفي النظر وفي حتى عمارة العمر.
"قالت: عندها الثوب الواحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فمصعتهُ بظفرها قال العلماء هذا محمول على الدم اليسير المعفو عنه،" فتزيل أثره فقط هذا واحد، ولكن أيضا:
يقول ابن حجر: يعفى عن اليسير، ويقول الرملي: ما عاد يُعفى عن شيء إذا اختلط بغيره،
وإذا لم يختلط بغيره فإما أن يكون من الإنسان نفسه أو من غيره انتقل إليه، فإن كان انتقل إليه من آخر فيُعفى عن القليل من غير المغلظ؛ يُعفى عن القليل من أي حيوان كان.
فأما إذا كان من الإنسان نفسه فهذا كذلك:
وكذلك ما يتعلق بدم الحجامة ودم الفصد فيعفى عن قليله، وما كان من محله؛ في محلِّه نفسه يُعفى عن قليله وكثيره، ويقدِّرون القليل بأنه مقدار درهم البغل أو أقل، وكذلك دم الاستحاضة يُعفى عن قليله باتفاق، وهنا أيضا كما هو في دم الحيض قال إنه محمول على اليسير، "وفي رواية كانت إحدانا تحيض فيصيبها الدم فتقرصه من ثوبها عند طهرها فتغسله، وتنضح عن سائره ثم تصلي فيه، وكثيراً ما كان ﷺ يخرج وعليه الملاءة التي يتغطى بها هو وأهله فيجد فيها لمعة من دم الحيض فيقبض عليها مع ما يليها ثم يصرها..-ما حواليها يعصبها- ويرسلها إلينا، فيقول: -قوموا- أغسلوا هذا، يعصب بالمكان الذي ظهر فيه لون الدم، ويقول لهم "اغسلوه،" ثم يصلي فيه ﷺ.
وسألت "عن الحائض يصيب ثوبها الدم قالت: تغسله فإن لم يذهب أثره فلتغيره بشيء من صفره،" وتقدم معنا الحكم في أنه إذا بقي اللون وحده بعد تكرير الغسل ثلاث مرات واستعان بشيء من الأسباب المزيلة فإن يُعفى عن اللون وحده أو الريح وحده. ثم قالت:" لقد كنت أحيض عند رسول الله ﷺ ثلاث حيض جميعاً لا أغسل لي ثوباً، وكان إذا أصابه مني شيء" -يعني أثار دم- "غسل مكانه لم يعده إلى غيره،" ما الثوب كله يغسله فقط الموضع الذي أصابه الدم،ثم صلى فيه. وإن أصاب ثوبه منه شيء تعني من المني غسل مكانه ولم يعده،" لم يتعد المكان، "ثم صلى فيه."
"وكانت الممتشطة منا إذا اغتسلت لا تنفض لها شعراً إنما تحفن على رأسها ثلاث حفنات فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر جسدها؛" القصد: بلوغ الماء إلى أصول منابت الشعر، إذا بلغ ولو كان معقودًا، فأما إذا كان عقده قوي يمنع وصول الماء إلى الشعر وأصوله فلا يصح غسلها يجب عليها أن تنقضه؛ لأنه ﷺ يقول: "تحتَ كلِّ شعَرةٍ جنابةٌ"، ولكن كان نوع الامتشاط الذي يمتشط به في ذلك الوقت ما فيه زرّ الشعر -شدِّ الشعر بقوة- حتى يمنع وصول الماء فكان … خفيفة اذا صبت الماء تخلل الماء جميع الشعر إلى أصول -إلى المنابت- يكفي هذا، فتدلكه فكفى.
"وقالت: فإذا رأت البلل في أصول الشعر دلكته ثم أفاضت على سائر جسدها، وسُئل ﷺ عن دم الحيض يكون في الثوب قال: حُكِّيهِ بضلع واغسليه بماء وسدر؛" ففيه الاستعانة بنحو السدر الذي هو مسحوق ورق النبق ، ورق السدر، ورق الدوم، ورق شجر الدوم مسحوقه يقال له سدر، فهكذا ما ذكر الأئمة فأكثر الفقهاء يرون العفو عن يسير الدم في الجملة.
وكما اتفقوا على أن دم الحيض والاستحاضة كله من النجاسات، يقول ﷺ للمستحاضة لما سألته: "فإذا أدبرت عنك -يعني أيام الحيض- فاغسلي عنك الدم ثم صلي"، فقوله: فاغسلي عنك الدم؛ معناه أنه نجس، وهكذا فهو نجس. ولكن الكلام في العفو عنه، الجمهور يرون أن اليسير منه معفو عنه، والله أعلم.
رزقنا الله كمال الطهارة ونقانا عن الشوائب الباطنة والظاهرة، وجعلنا من أهل النّقاء وأهل التقى و أهل الصدق معه سبحانه وتعالى في جميع ما نقول ونفعل وننوي ونعتقد، وأن يمنحنا الرضوان، ويصلح لنا كل شأن ويطهرنا من الأدران ويكشف عنا الران، ويجمعنا بسيد الأكوان، ويربطنا بالقرآن ويطلعنا على ما فيه من معان، ويجعلنا من أهل التدبر والإمعان في شريف تلك المعاني حتى تُشَيِّد لنا في الفهم عن الله مباني، ويصلح الله لنا كل قاصٍ ودانٍ ويبلغنا فوق الأماني من جوده الوسيع، ومنِّه البديع في خير ولطف وعافية.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة
الفاتحة
07 مُحرَّم 1445