كشف الغمة 364- كتاب الحج والعمرة (11) فصل في التلبية -2-

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 364- كتاب الحج والعمرة (11) فصل في التلبية -2-

صباح الأحد 13 ربيع الثاني 1447هـ  

 

نص الدرس المكتوب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبسندكم المتصل إلى الإمام أبي المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:

 

 فصل في التلبية 

 

"وكان رسول الله ﷺ يكثر من التلبية عند الإحرام ويقول: "برّ الحج العج والثج" قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: العج هو رفع الصوت بالتلبية والإهلال، والثج: نحر البدن، وكانت تلبية رسول الله ﷺ أن يقول: "لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، وكان بعض الصحابة يزيد على هذه التلبية لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل ونحو ذلك من الكلام، ورسول الله ﷺ يسمع ذلك فلا يقول لهم شيئاً.

وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: لما حججنا مع رسول الله ﷺ لبينا عن النساء والصبيان، وكان قتادة -رضي الله عنه- يقول: الذي أجمع عليه أهل العلم أن المرأة لا يلبي عنها غيرها، وكان ﷺ كلما فرغ من تلبيته يسأل الله تعالى رضوانه والجنة ويستعيذ به من النار، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يستحبون للملبي إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبيّ ﷺ،  وكان ﷺ يقول: "يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر الأسود، ويلبي الحاج حتى يرمي جمرة العقبة"، والله تعالى أعلم". 

 

 

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

الحمد لله مُكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وحبيبه وصفوته سيدنا محمد ﷺ، وعلى آله وصحابته وأهل محبته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خِيرة الرحمن تعالى في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعد، فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في هذا الفصل ما يتعلق بالتلبية للحاج والمعتمر.

والتلبية معناها: الإجابة.

وإذا أُطلقت في الحج والعمرة فالمراد بها: الصيغة التي يقول فيها الحاج والمعتمر: "لبيك اللهم لبيك". 

وهذه التلبية:

  • هي مستحبة عند الأئمة.
  • وشرط للإحرام عند الحنفية.
  • وواجبة عند المالكية.

التلبية للمحرم بالحج والعمرة.

 

قال: "وكان رسول الله ﷺ يكثر من التلبية عند الإحرام"، وعلمنا أنه:

  • عند الحنفية -الإمام أبي حنيفة وصاحبه محمد-: يكون محرمًا إذا نوى وقرن ذلك بالتلبية، كالتكبير في الصلاة عندهم، ما يكون داخلًا في الصلاة بمجرد النية، ولا بالتكبير أيضًا من دون نية، ولكن إذا نوى فكبّر دخل في الصلاة، وكذلك إذا نوى ولبّى دخل في الإحرام في الحج أو العمرة. فإذًا هي شرط في الإحرام عند أبي حنيفة ومحمد ومثلهم أبي حبيب من المالكية، فما يستقر أو يكون داخلًا في الإحرام بمجرد النية عندهم، ولكن لا بد من قرنها بالتلبية، يقول أيضًا الحنيفة: أو ما يقوم مقامها مما يدل على التعظيم من ذكر ودعاء أو سوْق للهدْي. فإذا نوى النُّسك الذي يريده من حج أو عمرة أو هما معًا، ولبّى أو ساق الهدي؛ فقد دخل في الإحرام. 
  • ويقول المالكية: إن التلبية واجبة، في الأصل والسنة قرنها بالإحرام، والسنة قرنها بالإحرام، وهكذا حتى عندهم: إذا فصل التلبية عن النية أنه يلزمه دم، عند المالكية. 
  • يقول الشافعية والحنابلة: مثلهم أن التلبية للحاج والمعتمر سنة مطلقًا، سواءٌ عند الإحرام وما بعده إلى الوقت الذي يقول فيه بانتهاء وقت التلبية، فالتلبية سنة عند الشافعية والحنابلة مطلقًا.

 

ويقول: "برّ الحج -أي: تمامه و كماله- العج -هو رفع الصوت بالتلبية- والثج" وهو نحر الإبل والهدي إلى الحرم. 

 

يقول: "ابن عباس -رضي الله عنهما-: العج هو رفع الصوت بالتلبية والإهلال، والثج: نحر البدن"  -نحر الإبل وما يُهدى إلى الحرم.- "وكانت تلبية رسول الله ﷺ أن يقول: "لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك". فهذه الصيغة التي جاءت في الصحيحين؛ وعند أهل السنن هي: الأفضل. ومعنى "لبيك" بالتثنية، والمراد بالتثنية: التكرير والإكثار، لا مجرد الاثنتين، كما يُقال: حنانيك، يعني: حنان وحنان، يعني: دوام الحنان واستمرار الحنان منك. ويُقال هكذا: دواليك، أي دَوْل بعد دَوْل، دَوْل بعد دَوْل مستمر. أي قال: لبيك، أي: أنا أُجيبك وأستمر على إجابتك وأدوم عليها تلبية؛ إجابة بعد إجابة. 

يقول: "لبيك اللهم لبيك". وهذه الصيغة التي جاءت في الصحيحين وعند بعض أهل السنن هي: الأفضل. وإن زاد على هذا شيئ فلا بأس، كان ابن عمر يقول: "لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل". 

وينبغي في أول مرة يُلبي عند الإحرام أن يذكر ما أحرم به، فيقول: "لبيك بحجة"، أو "لبيك بعمرة، حقاً تعبُّدًا ورِقًّا". ثم يلازم تلك التلبية التي وردت: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". 

وجاء أنه إذا رأى ﷺ شيئًا يعجبه قال: "لبيك، إن العيش عيش الآخرة"، ثم يقول: أهَلَّ الرسول ﷺ بالتوحيد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". وأهَلَّ الناس بهذا الذي يُهِلّون والنبي ﷺ  يسمع تلبيته. 

 

  • كان ابن عمر يلبي بتلبية رسول الله ﷺ ويزيد: "لبيك وسعديْك، والخير بيديك، والرغبة إليك والعمل"، كما جاء في صحيح مسلم وغيره. 
  • وكان مما يزيده، وزاد سيدنا عمر أيضًا في بعض تلبياته، قال: "لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن"، كما جاء عند ابن أبي الدنيا وعند ابن أبي شيبة رواه سيدنا عمر بن الخطاب، ذكره ابن حجر العسقلاني في فتح الباري. أن سيدنا عمر قال عند تلبيته: "لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك، ذا النعماء والفضل الحسن". 
  • وجاء أيضًا عن سيدنا أنس يقول: "لبيك حقًا حقًا، تعبدًا ورِقًّا، لبيك حقًا حقًا، تعبدًا ورِقًّا".

 

يقول الحنفية: ما زاد عليها فلا بأس به، ويكره إنقاصها ترك شيء من هذه الصيغة الواردة: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". ثم أنه إذا كان لا يعرف العربية، فتَرجم معنى التلبية بأي لغة، له ذلك، كما يقول الحنفية وكذلك عند الشافعية. فأخذ الحنفية المعنى من التلبية وقالوا: كل ما يحصل به التعظيم والإشارة إلى الاستجابة فهو تلبية. 

وهكذا يقول المالكية والحنابلة: إذا لم يعرف العربية لبّى بلسانه وبلغته، وإلا من عرف العربية ما يجزؤه التلبية إلا بالعربية: "لبيك اللهم لبيك".

 

وكذلك يستحب رفع الصوت بها لما جاء في الحديث عنه ﷺ الذي جاء عند الحاكم وغيره، يقول: "جاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، مُر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعائر الحج" حتى جاء في الرواية: "فما زلنا نرفع أصواتنا حتى تَبِحَّ حلوقنا"، يعني: يَصْحَل صوته من كثرة رفع الصوت، فينبغي أن يكون ذلك من دون أن يُجهد نفسه وهذا للرجل، 

ولا يسن رفع الصوت للمرأة، فينبغي أن يتوسط فيه، وتلبي المُحرمة سرًا من دون أن ترفع صوتها

فينبغي الإكثار من التلبية كما يقول الحنفية والشافعية والحنابلة:

  • لأنها شعار النُّسك.
  • وخصوصًا عند إجتماع الرفاق.
  • أو إذا علا عقَبة أو شرف مرتفِع.
  • أو هبط وادي من الأودية.
  • أو في أدبار الصلوات إذا صلى صلاة.
  • أو عند إقبال الليل وعند إقبال النهار، تتأكد التلبية في هذه المواطن. 

 

وجاء عن سيدنا جابر يقول: "كان رسول الله ﷺ يُلبي إذا رأى ركبًا أو صعد أَكَمَةً أو هبط واديًا، وفي أدبار المكتوبة وآخر الليل"، ﷺ. . نعم، وسمعنا قوله: "أفضل الحج العجُّ والثجُّ". 

 

وقال المالكية: يتوسط ما بين الإكثار الكثير وما بين القلة في التلبية. "وكانت تلبية رسول الله ﷺ -كما ذكر-.. وكان بعض الصحابة يزيد على هذه التلبية لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل ونحو ذلك من الكلام، ورسول الله ﷺ يسمع ذلك فلا يقول لهم شيئاً"، أي: يُقرّهم على ما لبوا به ﷺ. وفي ذلك أن السنة فسح المجال لأنواع الذكر والدعوات من كل ما لا يخالف شأن العقيدة وشأن الشرع فيذكر الله تعالى به. ولم يكن ينكرﷺ على من يسمعه يزيد شيئًا مع لزومه في حجة الوداع تلبيته هذه المشهورة عنه ﷺ. 

 

ويقول جابر -رضي الله عنه-: "لما حججنا مع رسول الله ﷺ لبينا عن النساء والصبيان"، أما من حيث إن النساء ما يرفعن أصواتهن نعم، وإلا فالمرأة أيضًا تلبي لكن بالسر، وأما الأطفال أيضًا الذين لا يعرفون أن يتكلمون بعد فيُلبى عنهم، وأما الذي قد ميّز ويعرف يتكلم فيلبي بنفسه كذلك.

 

وبعد ذلك، نعرف:

بداية التلبية بعد أن يصلي ركعتين بنية الإحرام إذا كان في غير وقت كراهة الصلاة، فيقول: "اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبله مني" ويقول المعتمر: " اللهم إني أريد العمره فيسرها لي وتقبلها مني" ويحرم فيلبي، وكذلك إذا استوت به راحلته، وإذا بدأ في السير، فهذه المواطن التي سُمع فيها ﷺ يُلبي. 

 

نهاية وقت التلبية:

ولا يزال يلبي الحاج إلى أن يبتدئ رمي جمرة العقبة في يوم النحر. هو هكذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة، فينتهي عندهم وقت التلبية عند رمي أول حصاة لجمرة العقبة في يوم العيد، عندما يعود من عرفة ومزدلفة إلى منى فيرمي. وهو الوارد عنه ﷺ، ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، فانتقل إلى التكبير، ويكبر أيضًا مع كل حصاة يرميها: "الله أكبر، الله أكبر". 

فجاء أيضًا في حديث سيدنا جابر يقول: إن النبي ﷺ لما أتى إلى منى لم يعرّج إلى شيء حتى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات، وقطع التلبية عند أول حصاة رماها، ثم كبر مع كل حصاة، ثم نحر، ثم حلق رأسه، ثم أتى مكة فطاف بالبيت ﷺ. 

وهكذا يقول سيدنا الفضل بن العباس أن النبي ﷺ لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ﷺ. كما جاء في صحيح مسلم، والفضل كان رديفه يومئذ، ركِب وراءه معه على ناقته من مزدلفة إلى منى، وسمعه يلبي حتى رمى -ﷺ-. 

فإذا رمى شرَع في التحلل -وخلاص- وانتقل إلى التكبير، ذكر أيام العيد.

وعند المالكية قولان:

قول: يستمر في التلبية حتى يبلغ مكة فيقطع التلبية حتى يطوف ويسعى، ثم يُعاودها حتى تزول الشمس من يوم عرفة ويذهب إلى مصلاه.

والقول الثاني: يستمر في التلبية حتى الشروع في الطواف، ويقطع التلبية حين يبتدئ بالطواف. 

والمعتمر: يقطع التلبية متى شرع في الطواف واستلم الحجر. هو كذلك عند الحنفية والشافعية والحنابلة. 

يقول ابن عباس رضي الله عنه: إن النبي ﷺ قال :"يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر الأسود"، جاء في رواية أبي داود والترمذي: "يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر الأسود" يعني: في بداية الطواف. ويقول المالكية: إذا قد دخل مكة وبيوت مكة قطع التلبية.

 

وينبغي أيضًا إذا كرر التلبية أن يصلي على النبي ﷺ ، وأن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار، لما جاء أيضًا في الخبر، وما جاء عن جماعة من أهل الفقه قالوا: إذا لبى ثلاثًا أو أكثر، صلى على رسول الله ﷺ، وسأل الله الجنة واستعاذ به من النار، رواه الإمام الشافعي من فعله ﷺ. وذكروا أيضًا من الأدعية عند ذلك: "اللهم اجعلني من الذين استجابوا لك ولرسولك، وآمنوا بك ووثقوا بوعدك ووفوا بعهدك واتبعوا أمرك، اللهم اجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت، اللهم يسر لي آداء ما نويت وتقبل مني يا كريم".

 

وفي أثناء التلبية ينبغي أن لا يتكلم إلا بمثل رد السلام، وإنما يتكلم لعارض كخوف سقوط أحد ونحو ذلك، وإلا فليلزم التلبية. وعندك ذكر أيضًا أنه "ﷺ كلما فرغ من تلبيته يسأل الله تعالى رضوانه والجنة ويستعيذ به من النار، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يستحبون للملبي إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبيّ ﷺ،  وكان ﷺ يقول: "يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر الأسود، ويلبي الحاج حتى يرمي جمرة العقبة"، والله تعالى أعلم"، هكذا كما جاء في رواية أبي داوود وغيره، فهذا ما يتعلق بالتلبية في الحج والعمرة.

 

نسأل الله أن يرزقنا حقيقة التلبية لندائه ونداء رسوله في جميع شؤوننا، ويجعلنا مقيمين على الإجابة، ظافرين بالاستجابة، وأن يتولانا بما تولى به أهل الإنابة، وينظمنا في سلك أهل الصدق من خيار الخلق، ويعيذنا من كل سوء أحاط به علمه، ويُصلح شؤوننا وشؤون المسلمين، ويرقينا أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحقه في لطف وعافية وتمكين مكين ويصلح أحوال الأمة أجمعين. 

 

بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ

 إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ 

اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ 

الْفَاتِحَة

تاريخ النشر الهجري

23 ربيع الثاني 1447

تاريخ النشر الميلادي

15 أكتوبر 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام