(535)
(339)
(364)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 357- كتاب الحج والعمرة (04) فرع: النفقة في الحج
صباح الثلاثاء 1 ربيع الثاني 1447هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبسندكم المتصل إلى الإمام عبد المواهب سيدي عبدالوهاب الشعراني -رضي الله تعالى عنه وعنكم- ونفعنا بعلومه وعلومكم وعلوم سائر الصالحين في الدارين آمين في كتابه: (كشف الغمة عن جميع الأمة)، إلى أن قال:
فرع: في النفقة في الحج
"كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "قال لي رسول الله ﷺ في عمرتي إن لك من الأجر على قدر نصَبك ونفقتك"، وكان ﷺ يقول: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف"، وكان ﷺ يقول: "ما أَمْعَرَ حاج قط"، يعني: ما افتقر، وكان ﷺ يقول: "إذا خرج الإنسان للحج بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز يعني: في الركاب فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور، وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك، نادى مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مأجور"، وكانﷺ يأمر أصحابه إذا سافروا جماعة أن يجمعوا نفقتهم عند أحدهم ويقول: إن ذلك أطيب لنفوسهم، والله تعالى أعلم.
فرع: في الأمر بالتواضع في الحج ولبس الدون من الثياب اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام
كان أنس -رضي الله عنه- يقول: حج النبي ﷺ على رحل رثّ وقطيفة خلقة لا تساوي أربعة دراهم ثم قال: "اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة"، وحج أنس بن مالك رضي الله عنه على رحل ولم يكن شحيحاً، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "كنا مع رسول الله ﷺ بين مكة والمدينة فمررنا بوادي الأزرق، فقال رسول الله ﷺ: كأني أنظر إلى موسى -عليه السلام- مهبطاً واضعاً أصبعه في أذنه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية ماراً بهذا الوادي، ثم أتينا على ثنية هرشى قريب الجحفة، فقال رسول الله ﷺ: كأني أنظر إلى يونس -عليه السلام- على ناقة حمراء عليه جبة صوف وخِطام ناقته خلبة، يعني: ليفاً، ماراً بهذا الوادي ملبياً"
وكان ﷺ يقول: "صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً منهم موسى -عليه السلام- كأني أنظر إليه وعليه عباءتان وهو محرم على بعير من إبل شنوءة مخطوم بخطام من ليف له ضفيرتان"، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: مر رسول الله ﷺ بوادي عسفان وقال: "لقد مر به هود وصالح على بكرات حُمر خطمها الليف أزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت العتيق"، وكان ﷺ يقول: "إن الله عز وجل يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء فيقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء جاؤوني شعثا غبراً".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بالملة الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله الذين حُبوا به طُهرًا، وأصحابه الذين رفع الله لهم به قدرًا، وعلى من والاهم واتَّبعهم بإحسانٍ سرًّا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى الذُرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يذكر الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- في هذا ما يتعلق بالنفقة في الحج والتواضع فيه لكل من حجَّ، وما ينبغي أن يكون عليه حالهُ من الاستكانة والتضرع والخضوع والافتقار إلى الملك الغفار-جل جلاله-.
وقال: "كانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: قال لي رسول الله ﷺ في عمرتي إن لك من الأجر على قدر نَصَبك ونَفَقتك".
وهكذا كثير من الأعمال الصالحة يكون فيها الأجر متضاعفًا بحسب ما بَذَل صاحبها وما تحمَّله، وكلَّما كان الأمر أشقّ عليه كان أكثر أجرًا، وليس ذلك بمطّرد، ولكنه في كثير من العبادات والأحوال يكون "أجرُكِ على قدر نَصبُكِ"، وذلك أنها في توجهها مع النبي ﷺ في حجة الوداع، كانت حاضت أيام دخولهم بمكة، فلم تعتمر عمرة مستقلة وبقيَتْ على الإحرام بالحج حتى قضت النُّسك، فقالت لرسول الله: يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع بلا عمره يا رسول الله؟ فأمر أخاها عبد الرحمن بن سيدنا أبي بكر أن يأخذها فيُعمرها من التنعيم، وقال لها: "الأجر على قدر نَصَبك ونَفَقتك"، فما أنفقتِ وتعبتِ، فالأجر لكِ أكبر ومضاعف وأجلّ.
"وكان ﷺ يقول: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف". جاء في مسند الإمام أحمد وعند الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، تضاعف الحسنة إلى سبعمائة ضعف"، وبعد ذلك إلى أضعاف كثيرة؛ وهذا مايتعلق بمضاعفة الإنفاق في الحج، ومثله ما كان أيضًا في طلب العلم لقوله ﷺ فيما جاء في سنن الترمذي وغيره: "من خرجَ في طلبِ العلمِ فَهوَ في سبيلِ اللَّهِ حتّى يرجعَ"، فتكون نفقته أيضًا كالنفقة في سبيل الله، وأعماله الصالحة تُضاعف إلى سبعمائة كأعمال المجاهد في سبيل الله تعالى، لكل من صدقَتْ نيَّتُه في الخروج لطلب العلم والاستزادة من هذا العلم النافع.
"وكان ﷺ يقول: "ما أَمْعَرَ حاج قط"، يعني: ما افتقر"، يعني: الذي يعتني بالحج وينفق فيه، يُيَسِّر الله له من عنده أرزاقًا فلا يصلْ إلى الفقر في الدنيا، وهكذا جاء في رواية الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر في تاريخ دمشق: "ما أَمْعَرَ حاج قط"، أي ما افتقر، ومع أن الله تعالى يُيَسِّر له رزقه ويُسَهِّل له أسبابًا يتوفر بها عنده ما يحتاج إليه.
قال: "وكان ﷺ يقول: "إذا خرج الإنسان للحج بنفقة طيبة -أي: من حلال- ووضع رجله في الغرز يعني: في الركاب -عند الإحرام- فنادى لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء لبيك وسعديك زَادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور"، فعند التلبية يكون للملبين جواب من السماء، إمَّا هذا وإمَّا الآخر، نعوذ بالله من الآخر.
الآخر قال فيه: "وإذا خرج بالنفقة الخبيثة" -ما كان من شبهة ومن حرام قام يحج به؛ والله طيب لا يقبل إلا طيبًا- "وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز -يعني: في الركاب على الناقة- فنادى لبيك نادى مناد من السماء لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مأجور".
-والعياذ بالله تبارك وتعالى- رواه البزار في مسنده، وفي لفظ: "ارجع مأزورًا غير مأجور"، وفي الأول قال "ارجع مأجورًا غير مأزور".
ومن هنا كان للعارفين هيبة عند إرادة التلبية، ولمَّا أراد في بعض المرات في الحج أن يلبي سيدنا علي زين العابدين، وقف صامتًا وهَابَ التلبية، ثم نادى: لبيك اللهم لبيك، فأُغمي عليه؛ ولمَّا أفاق سألوه، فقال: خِفْتُ أن يُقال لي: "لا لبيك ولا سعديك"؛ لا إله إلا الله! وهو في الصديقية الكبرى وفي الورع وفي الحلال، ومع ذلك خاف؛ فمن يكون نفقته حرام أو شبهة، أو نيته غير خالصة، أو له وِجهة غير مرضية، فيُوشك أن يقال له: لا لبيك ولا سعديك، -والعياذ بالله تعالى-.
"وكانﷺ يأمر أصحابه إذا سافروا جماعة أن يجمعوا نفقتهم عند أحدهم ويقول: إن ذلك أطيب لنفوسهم". وأقرب أن يبارك الحق تبارك وتعالى لهم في نفقاتهم.
وذَكَر ما يجب أن يكون عليه الحاج من التواضع ولِبْسِ الدون من الثياب اقتداءً بالأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-.
يقول: "كان أنس -رضي الله عنه- يقول: "حج النبي ﷺ على رحل رثّ وقطيفة خلقة لا تساوي أربعة دراهم"، كانت زامِلَتُه ناقته -هي نفسها الناقة،- عادةً الناس يجعلون الزاملة يعني: التي تحمل الحمول مستقلة، والتي يركب عليها واحدة ثانية مستقلة؛ لكن كانت زاملته هي راحلته -عليه الصلاة والسلام-، ورَحْلٌ رثٌّ وقطيفة ما تساوي أربعة دراهم. "ثم قال اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها ولا سمعة" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كما جاء في رواية ابن ماجه وأبي نعيم في الحلية، يقول: "اللهم اجعله حجًّا لا رياء فيه ولا سمعة"، وفي لفظ قال: "حجة لا رياء فيها ولا سمعة"، وهو سيد الخاضعين والخاشعين والمتذللين لرب العالمين، وإنه لم يطَّلِع من جلال الله تعالى وكُنهِ عظمته أحدٌ من خلقه كما اطَّلع عليه محمد، فلذلك فهو أعظمهم تذللًا لله وخضوعًا لجلاله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
وقال: "وحج أنس بن مالك -رضي الله عنه- على رحل ولم يكن شحيحاً"، وإنما تعمَّد أن يكون حجه على هيئة يناله فيها التواضع وشيء من التعب، أي: لا يستطيع أن يحج على هودج ويحج على محمل، ولكن حج على رحل ولم يكن شحيحًا أبدًا، ولكن تعمد أن يكون حجه على هيئة التذلل والتواضع والانكسار.
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "كنا مع رسول الله ﷺ بين مكة والمدينة -يعني: في خروجه في حجة الوداع- فمررنا بوادي الأزرق فقال رسول الله ﷺ: كأني أنظر إلى موسى عليه السلام مهبطاً واضعاً أصبعه في أذنه -وفي رواية: إصبعيه في أذنيه- له جؤار إلى الله تعالى -أي: رفع صوتٍ- بالتلبية".
فكان يُلَبِّي ويرفع صوته بالتلبية، ورَفْع الصوت بالتلبية سُنَّة للرجال -سُنَّة للرجل دون المرأة-، وفي حجة الوداع أيضًا صحّ أن سيدنا جبريل قال للنبي ﷺ: "مُر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية"، فأمرهم ﷺ بذلك؛ فقالوا: لم نزل نرفع أصواتنا حتى بحَّتْ حلوقنا؛ وفيه سُنِّيَّة رفع الصوت بالتلبية للرجال: لبيك اللهم لبيك.
وقد كان سابقًا ممن يَفِدون إلى الحج من أهل كل قُطر مجموعة منهم، ومنهم وَفْد اليمن يكونون عدد منهم كم ألف، تحت إمارة أمير واحد، فإذا أحرموا لبُّوا فلهم جؤار بالتلبية، لبوا تلبية واحدة فتتصاكك أصواتهم بين الجبال وهم يلبون، وفي الحديث: "أنه إذا لبّى الحاج لبّى بتلبيته ما حوله من الشجر والحجر إلى منقطع الوادي، أو منقطع أثر صوته"، يلبّي كله، حتى الجبال تلبي معهم -لبيك-.
وهكذا يأتي في العربية هذه التثنية بمعنى الدوام والاستمرار، "لبيك اللهم لبيك" هي أفضل الصيغ مع ما صح عنه ﷺ فمنها: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، في حجة الوداع كان من يزيد وينقص وهذا تلبيته ﷺ، ويسمعهم يلبُّون وفيهم من يزيد وينقص ولا ينكر على أحد، حتى جاءوا إلى منى وطلعوا إلى عرفة، قالوا: فمِنَّا المُلَبي ومِنَّا المُكَبِّر، فلا ينكر هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء.
وأما الرسول ﷺ فلزم تلبيته حتى رمى الجمرة عند مجيئه في صبح يوم العيد إلى منى انتقل من التلبية إلى التكبير.
وفي حجة الوداع فيه تذكُّره لإخوانه من الأنبياء قبله، وقوة الرابطة بهم، وفائدة هذا الذكر للأنبياء والمتقدمين وهذا سيد الأنبياء والمرسلين ﷺ في حجة الوداع يتذكر حجّات الأنبياء من قبله؛ قيل إنه المراد:
فذكر سيدنا موسى -عليه السلام-: "كأني أنظر إلى موسى عليه السلام مهبطاً واضعاً أصبعه في أذنه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية"، هذا كما جاء في صحيح مسلم.
"ماراً بهذا الوادي، ثم أتينا على ثنية هرشى قريب الجحفة"، ثنية هرشى: جبل على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة -هرشى-.
قال: "ثم أتينا على ثنية هرشى قريب الجحفة فقال رسول الله ﷺ: كأني أنظر إلى يونس عليه السلام على ناقة حمراء عليه جبة صوف وخِطام ناقته خُلْبة -أو خُلُبَة- يعني: ليفاً". ليف: الورق الذي يَعْلَق بجذع النخلة، وفيه إشارة إلى تواضعهم وتذللهم -صلوات الله وسلامه عليهم-، وتعمدهم أن يكونوا في إقبالهم إلى بيت ربهم على وصف الذلة والاستكانة والتواضع، فهو محل التذلل والخضوع.
قال ﷺ وقد التزم في الملتزم ما بين الحجر الأسود والباب، وألصق صدره الشريف ببناء البيت، ورفع يديه وأخذ يدعو ويبكي، ثم التفت فإذا عمر حوله، قال: "يا عمر، هاهنا تسكب العَبَرَات"، "هاهنا تسكب العَبَرَات"؛ أي: يُبكى لرب الأرض والسماوات -جلَّ جلاله- تعظيمًا ومحبة ومعرفة وخشية.
وهو ﷺ تشتاقه الكعبة أشد اشتياق، كما لا تشتاق إلى أحد سواه؛ وجاء في السيرة: أنه لما حُمل وهو طفل إلى عند الكعبة، وجاءوا الحَمَلَة ليُقبّلوا الحجر الأسود، تحرَّك الحجر من مكانه والتصق بوجه رسول الله ﷺ يقبله، فالناس يقبلون الحجر وهو سارع إلى تقبيل خير البشر ﷺ، وهذا في أيام طفولته، فكيف كان شوق البيت إليه بعد ظهور نبوته ورسالته، ثم بعد انقطاعه عنه مدة بهجرته، ومجيئه في عمرة القضاء، ثم في فتح مكة، ثم مجيئه في هذه الحجة المباركة، حجة الوداع ﷺ.
قال: "وكان ﷺ يقول: "صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً". "صلى في مسجد الخيف -المسجد بمنى- سبعون نبيًّا"؛ وفيه أن الخير والنور والبركة والفضل تتضاعف في المكان إذا توارد عليه من الأكابر والمقربين أكثر، وذَكَرَها ميزةً للخيف بمنى، أنه قد صلى في هذا المسجد سبعون نبيًا، "منهم موسى -عليه السلام- كأني أنظر إليه وعليه عباءتان وهو محرم على بعير من إبل شنوءة مخطوم بخطام من ليف له ضفيرتان". هذا جاء عند الطبراني في الأوسط، فبيَّن أحوالهم في التواضع والخضوع -عليهم صلوات الله-.
"وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: "مر رسول الله ﷺ بوادي عسفان -في طريقه إلى حجة الوداع- وقال: لقد مر به هود وصالح على بكرات -يعني: صغار الجِمال- حُمر خطمها الليف أزرهم العباء وأرديتهم النمار يحجون البيت العتيق"، هكذا جاء في رواية الإمام أحمد في مسنده، والبيهقي في الشُّعَب.
فعلى ما قلنا أنه قيل أنهم حضروا معه حجة الوداع، وقيل أنه عُرضت عليه أحوالهم هذه عندما حجوا في حياتهم -عليهم السلام-، والنبي يتذكرهم كلما مرَّ في مكان ذكر من مرَّ فيه من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-.
"وكان ﷺ يقول: "إن الله عز وجل يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء فيقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء جاءوني شعثا غبراً". وفي لفظ: "ما يريد هؤلاء؟ ما حملهم على هذا؟" فيباهي الله ملائكته بأهل مجمع عرفة، ويُعلِمهم أنه غفر لهم، وأنه شفّعهم فيمن شفعوا له، وأنه تَعُمُّ المغفرة بعد ذلك عموم المؤمنين في شرق الأرض وغربها، فهو يوم من أعظم الأيام وأبرك الأيام، "ما من يوم أكثر عتقًا من النار فيه من يوم عرفة".
رزقنا الله تعالى واسع الخيرات، وعظيم الهبات، وجزيل العطيات، وما جعل من خير في الأماكن المشرفات وفي الأزمنة المباركات يجمع الله لنا تلك الخيرات كلها في عوافٍ ظواهر وخوافٍ، ويصلح شؤوننا والمسلمين، مترقِّين أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ودَفَع عنا السوء، وخَتَم لنا بالحسنى وهو راضٍ عنا.
بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ
إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ
اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
الْفَاتِحَة
01 ربيع الثاني 1447